يشهد الشرق الأوسط مجموعة من التغيرات الاستراتيجية المهمة في تاريخه، منذ ما يعرف بالربيع العربي تلك التغيرات التي تهدف في مجملها إلى إعادة ترتيب أوراق القوي الدولية والإقليمية في المنطقه، وبناء تحالفات جديدة غير التي شهدها الشرق الأوسط على مدار العقود السابقة، في ظل صعود قوي دولية جديدة في العالم أو تراجع ملحوظ لبعض القوي في المنطقه، وهو الأمر الذي أثار عدد من التساؤلات حول مصير وشكل التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط، وهذا الشكل الذي سوف يحدد دور الفاعليين الدوليين والاقليميين في هذه المنطقة تحديدًا وكذلك دور القوي المهيمنة على العلاقات مع الشرق الأوسط والتي تتمثل في الولايات المتحدة الامريكية.
ولقد قسمت التحالفات في المنطقه قبل الربيع العربي إلى تحالفيين
رئيسين وهم، محور الاعتدال ويضم مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن
وبعض الأطراف اللبنانية والمغرب وتونس، ومحور الممانعة ويضم إيران وسوريا وحزب الله
اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وأحيانا السودان والجزائر، وفي ظل ثورات الربيع
العربي برز محور ثالث للتحالفات الجديدة في المنطقة وضم ذلك المحور حركات الإسلام السياسي
وتركيا وقطر والإخوان، في ظل محاولات مستمرة من المحور الثاني والثالث لإضعاف المحور
الأول وهو محور الاعتدال نظرا لضعف الدولة المصرية في تلك الفترة.
ومع رياح التغير في مصر بقيام ثورة 30 يونيو عام 2013، تغيرت
معها أنماط التحالفات في الإقليم وبدأت هذه التحالفات في إعادة ترتيب أوراقها كلا حسب
مصالحه وتطلعاته فشهد الإقليم تحالفين جديدين الاول يضم كلا من إيران وتركيا وقطر وإسرائيل
متخليا كلا عن طموحاته وعاملا على تحقيق هدف موحد، وهو تفتيت الدول العربية مستخدمين
في ذلك كل أدواتهم ووكلائهم من الفاعلين من غير الدول لتنفيذ أجندته في المنطقة ومن
الواضح أن هذا التحالف لقي تنسيقا مشترك بين هؤلاء الفاعلين بالرغم من تنافرها في العديد
من الملفات إلا أنها كانت أكثر اتساقاً وديناميكية وفاعلية في ظل قدرة صانعي القرار
في تلك القوى غير العربية على إدارة خلافاتهم البينية بحرفية بالغة تقتضي عدم المساس
بجوهر المصالح المشتركة بينهم، لاسيما بين كل من تركيا وإيران من جهة، وتركيا وإسرائيل
من جهة أخرى.بينما جاء التحالف الثاني من أجل أنقاذ المنطقة العربية لمواجهه التحالف
السالف ذكره، لضم كلا من مصر والسعودية والإمارات والبحرين لمواجهه جمله من التهديدات
الوجودية للدول العربية، ولاشك أن هذا التحالف نجح بصورة أو بأخري في تحيد التحالف
الأول بين إيران وتركيا وقطر وإسرائيل بل نجح في مواجهه هذا التحالف؛ حيث لم يدم التحالف
الاول طويلًا في المنطقة فالخلافات البينية بين الدول إيران وتركيا وإسرائيل دفعت كلا
يبحث عن مصالحة خاصة في ظل إتفاق المصالح التركية الإسرائيلة، الذي يشمل تعاوناً أمنياً
واستخباراتياً في سوريا بهدف منع إيران وحلفائها من السيطرة على الدولة السورية؛ حيث
يسمح الإتفاق للحيلولة دون سقوط سوريا في أيدي إيران.
ويشار هنا إلى إن الشرق الأوسط قد بدأ مرحلة جديدة في التحالفات
منذ نهاية عام 2020 وإمتداد حتي تلك اللحظة، في تغيرات ديناميكية مهمه في تاريخه فمنذ
إعلان عدد من الدول العربية والخليجية إتفاقيات إبراهام مع إسرائيل، فضلا عن المساعي
التركية لتحسين العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى المصالحة مع قطر
وانهاء دول الرباعي الخلاف القطري، ناهيك عن التفاوض الأمريكي مع طهران بشأن البرنامج
النووي الإيراني، والإعلان الأمريكي عن الأنسحاب من الأراضي الأفغانية وتقليل عدد القوات
الأمريكية في المنطقة، وسحب عدد من منظومات الدفاع الجوي من بعض الدول، ومن هنا بدأ
الشرق الأوسط من جديد في إعادة هيكلة أوراقه من خلال ترتيب التحالفات من جديد، وشكل
العلاقات بين الدول في ظل تنافس دولي خفي من أجل السيطرة على تلك التحالفات.
وفي إطار بلورة هذه التحالفات الجديدة في المنطقه، تلعب مصر
دور محوري في كافة أشكال هذه التحالفات بصور مختلفة فمن الواضح أن القاهرة سوف تكون
هي جوهر وثقل هذه التحالفات الجديدة، من خلال توزيع وتقسيم الأدوار على محاور مختلفة
بهدف بناء علاقات شراكة سياسة وإقتصادية في الشرق الأوسط تلعب فيه القاهرة دور القائد
والمهيمن على مسار تلك التحالفات.
ويمكننا القول أن التحالفات التي يشهدها الشرق الأوسط سوف
تكون كالتالي، المحور الاول يضم (مصر ودول الخليج) لمواجهه الخطر الإيراني في الإقليم،
بينما يضم المحور الثاني كلا من ( القاهرة – بغداد -الأردن) وهذا المحور سوف يتشكل
له عدد أهداف منها الإقتصادية والسياسية فضلا عن الدور الذي سيلعبه في مواجهه الإرهاب
بتلك المنطقة بعد تقليل التواجد الأمريكي في ظل مخاوف عراقية من عوده داعش مرة أخري
وإنشغال الدولة السورية في الفترة القادمة بأزماتها الداخلية وإعادة هيكلتها، في حين
سوف يكون المحور الثالث وهو محور إقتصادي بحت والذي سيضم (مصر ومجموعه دول شرق المتوسط)
في ظل الطموح المصري للتحول كمركز إقليمي للطاقة في المنطقة والعالم، وعلى ما يبدو
أن القاهرة تحسم تحركاتها بشدة في عدد من الملفات الإقليمية وتدرك أن كونها ثقل إقليمي
وثقل لكافه المحاور في الإقليم سيعطي دافعه في مسار عودتها للعب دورها الطبيعي كقائد
للإقليم؛ حيث تحرص القاهرة على أن تعمل جميع هذه المحاور بصورة ديناميكية مع الحفاظ
على تناغمها، مما سيعظم استفادة مصر ودورها الفاعل والمؤثر بصور عديدة في عدد من الملفات
الإقليمية.
ويبقي هناك عدد من التحالفات التي لم تتضح حتي الأن معالمها
أو أشكالها في المستقبل ولعل ابرزها هو التحالف التركي الإيراني فحتي الأن لم يحسم
أمر هذا التحالف بين صانعي القرار في كلا الدولتين على الإستمرار قدما أم على انهاء
هذا التحالف ودخول كلا منهم في التحالفات الجديدة التي مازالت في طور النشأة والتكوين
فلا شك أن الدور التركي الإيراني سوف يكون مهدد لهذه المحاور الجديدة في المنطقة بالإضافة
إلى الموقف الإسرائيل الذي ليس من مصلحته أن تلعب مصر كل هذه الأدوار، خاصة في ظل تنامي
قدرة الدولية المصرية وفاعلية دورها في عدد من الملفات الإقليمية على رأسها الدور المصري
في القضية الفلسطينية والذي أكد للجميع محورية وأهمية مصر في حل أزمات ومشكلات المنطقة
من خلال إمتلاك رؤية إقليمية وأضحة في كافة الملفات.
وختامًا فكافه أشكال التحالفات الجديدة التي هي طور التكوين والإنشاء سوف تكون محاطة بمجموعة من التهديدات الإقليمية وكذلك الدولية في ظل تنافس الأخيرة من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، وهو ما قد يهدد هذه التحالفات ودخولها في صدام مع تلك القوي الدولية، وفي النهاية فقدرة هذه التحالفات على الإستمرار والفاعلية مرهون بقدرة الدولة المصرية على المرونة والفاعلية في كافة الملفات، وكذلك بحجم الرغبة لدي تلك الدول في الإستمرار في هذه التحالفات التي سيكون لمصر فيها دور القيادة والمؤثر.(نقلا عن جريدة الوطن)
إرسال تعليق