ماهر المنزلاوي يكتب .... الإغتراب

ماهر المنزلاوي يكتب .... الإغتراب




إن فراق الأهل والأحباب والأصدقاء ، وترك الأوطان ، لَمِن أكثر المشاعر التي تؤلم الإنسان في هذه الدنيا ، والذي  يوقفه عند صعوبة الارتباط بالأرض التي تهوى إليها نفسه ، أو تجبره على التعامل مع آخرين كأثيرٍ أو سجين ، يكتوي في الغربة بنار الإشتياق ، ويتجرع مرارة الفراق ، ويتحسر علي عمره يوماً من بعد يوم ، ولنا في رسول الله المثل الأعلى حين قال صلى الله عليه وسلم لمكة : ما أطيبك من بلد وأَحبَّكِ إلَيَّ ، وَلوْلا أن قومي أخرجوني منك ما سكَنْتُ غيرك .


ولكن ليست كل غربة هي غربة المكان ، وترك الأوطان ، ف الأصعب من ذلك أن يكون الإنسان غريب داخل نفسه وأهله ووطنه ، وهو إحساس يسيطر علي الشخص ، و قد يؤَّدِي به في النهاية إلى تدمير نفسه وأسرته ومجتمعه ، وهو من أهم المشاكل التي تواجه صاحبها في هذه الحياة ، وهي ظاهرة إنسانية قد تصل إلى حد الأزمة ، الأمر الذي يحيل بين الشخص ونفسه ، أو بينه وبين أسرته ، أو بينه وبين مجتمعه أو كليهما .


إن من أهم المشاكل التي تواجه الشباب حالياً ، هو شعوره بالانفصال عن الآخرين أو عن ذاته أو عن كليهما ، وميله إلى العزلة و الانطواء والانسحاب من المواقف ، وعدم المواجهة واليأس ، وفقدان الثقة بالنفس ، والشعور بالسلبية والعجز والتردد ، حتي يصير الشاب مغترب داخل نفسه وأهله ووطنه ، غير قادر على التغلب على مشاكل الحياة ، ليصبح عالة علي أسرته ومجتمعه ووطنه .


إن من أهم أسباب هذا الشعور ، التقدم الحضاري والتكنولوجي والرفاهية والتغيير ، و التنشئة الاجتماعية الخاطئة ، وعدم قدرة الإنسان على القيام بدوره الاجتماعي بسهولة ، وغياب دور المجتمع والأسرة ، و الفجوة بين الأجيال الجديدة ، واختفاء دور القادة والرموز ، وإنكار كثير من القيم الاجتماعية التي كانت موجودة بين الناس ، واتهام حاملها بالرجعية والتخلف والجهل .


إن ما أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي من مشكلات عاطفية واجتماعية ، وتعدي على قيم الأسرة والمجتمع ، حتي أصبح لها الدور الأكبر ، في ظاهرة الاغتراب الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع ، وخلق حالة من التفكك والشتات والضياع ، و التباعد بين الأهل والأصدقاء والأحباب ، حتي أصبح أفراد الأسرة الواحدة كالجزر المنعزلة .


نحن في أمس الحاجة للعودة إلى فهم الدين الصحيح ، وغرس القيم والأخلاق التي تربى عليها المجتمع ، التي تشكل المصدر الرئيسي الذي ينير دربه ، ويعكس درجة تقدمه و رقيه ، ويستمد منه مرجعيته الأخلاقية والثقافية ويتخذها كمعيار يلجي إليه ، ف يقبل ما يوافقه ، ويرفض ما يتعارض معه ، ف الذي لا تهذبه القيم ، متذبذب الأخلاق ، متقلب المذاج ، مشتت النفس ، ضال الطريق  ...

اكتب تعليق

أحدث أقدم