"الوهم" بقلم الأستاذ الدكتور إبراهيم مرجونة رئيس قسم التاريخ بكلية الاداب

"الوهم" بقلم الأستاذ الدكتور إبراهيم مرجونة رئيس قسم التاريخ بكلية الاداب








الوهم أخطر من الخطأ؛ لأنه يصعب اكتشافه نظراً لما يحققه من الرغبات الوجدانية والنفعية للإنسان. إذن فما الوهم ؟ الوهم الذي أقصد هو تلك التصورات والأفكار والخرافات التي يعتقد المرء بصحتها دون أي أساس واقعي ومنطقي وعقلي وعلمي، وبأنها قابلة للتحقق في الواقع. كما إنه رغبات تأخذ صورة الحقيقة دون التفكير المنطقي - الواقعي بإمكانية تطابقها مع مطلب الحياة وحاجاتها ومع منطق الأشياء والوقائع. فكل ما ليس بممكن الحدوث الآن ولا في المستقبل هو وهم. يعرف الوهم على أنه شكل من أشكال التشوه الحسي، ويدل على سوء تفسير الإحساس الحقيقي، كما يعرف أيضاً على أنّه إيمان الشخص بمعتقد خاطئ بشكل قوي، رغم أنّه لا توجد أدلة على وجوده أصلاً، إنه تلك الحالة التي يرى فيها الإنسان الأشياء على غير حقيقتها، بمعنى أنه يخلق صوراً ذهنية لا تطابق واقع الشيء، حيث يُعرف الشيء بالشيء، كأن تعرف حقيقة سخونة الماء بلمسه، ومن لم يجرب ذلك لا يمكنه أن يؤمن به أو قد يتشكك فيه.

وليته امتلك الخيال الشخص المريض بالوهم لا يمتلك الخيال  فالخيال هو قوة عقلية مبدعة تتجاوز المألوف عبر تفكير يرسم صورة للممكنات في الحياة ويمد البشرية بالثقافة الروحية المبدعة. كما يمد الإنسانية بحب الاكتشاف وذلك دون مغادرة حقل الواقع. وخيال كهذا حاضر في العلم والأدب والفلسفة والفكر الاجتماعي - السياسي. لست في معرض البحث الفلسفي المجرد عن الوهم، ولا يحسبن أحد أن الأوهام وصناعتها وصنّاعها وانتشارها وتحولها إلى ممارسة عملية أمر عابر في حياة البشر أو أمر قليل الأثر في تحديد أنماط سلوكهم. بل إن خطر الأوهام على حياة الناس يصل إلى حد استخدام السلاح وممارسة القتل وإن لم يكن قتل حقيقي فهو قتل معنوي .

فمن أصيب بداء الوهم يعتنق فكرتة لدرجة الإيمان بها ولا يتزحزح عنها قيد أنمله ويعتقد خطأ أنه رزق الفهم والحكمة وان قراره مبني على دراسات متأنية لكن هيهات هيهات فقد بعت ما تدري بما لا تعلم .

بإسم الوهم لا تترك من أتخذك سنداً  واتكأ عليك لعل الله جعلك سبباً ورزقاً في حياته تمهل تروى ادرس قراراتك لعلك تحفر في القاع دون أن تدري ظناً منك انك تحفر نفق وممر الخروج والحياة الآمنة.

والعقل البشري قابل لتلقي الخرافة والوهم وتصديق المجهول أكثر، وتعتبر الرغبات والمخاوف من أكبر مسببات تقبل الوهم، وهي غير مرتبطة بمستوى تعليمي أو اجتماعي أو اقتصادي معين، فالوهم لا يرتبط بالخرافة التي سكنت المجتمعات القديمة فقط، إنما سرى الوهم إلى المجتمعات المتطورة بالنظريات الحديثة الجارية، فالانفتاح كان سبباً في رواج الوهم بسبب عالم التكنولوجيا والتغير السريع الذي جعل الإنسان يصدق كل شيء.

 

وقد أكد نيتشه أن الوهم يتولد عن حاجة الإنسان إلى أن يوفر لنفسه حياة سلمية وأمينة؛ لأن أساس الوجود البشري يقوم على الصراع من أجل البقاء؛ إذ إن حب البقاء يدفع بالإنسان إلى استخدام العقل من أجل إنتاج الوهم؛ لأن الحقيقة قاتلة.

ولكن. وللأسف الشديد معظمنا يصنع وهماً ثم يعيشه واقعاً ملموساً وكأنه صنع شيئاً حقيقياً يستحق الكفاح؟ ودون أن يدري سيجد نفسه يحارب ويكافح طواحين الهواء فلا شيء حقيقي ولا شيء يستحق العناء.


بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة
استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

ورئيس قسم التاريخ- كلية الآداب

اكتب تعليق

أحدث أقدم