الفراغ يولد الإستعمار..بقلم ماهرالمنزلاوي

الفراغ يولد الإستعمار..بقلم ماهرالمنزلاوي



إن إستغلال أوقات الفراغ ، وإعادة هيكلة النفس ، وترتيب الأفكار ، وتحديد الأهداف ، ورسم الخطط ، واستقبال النهوض ، واستدبار الركود ، جل ما دعا إليه ديننا الإسلامي الحنيف ، وحرصت عليه الديانات السماوية الأخرى ،قال تعالى ( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى )  ، ومصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ ) ، والحديث الذي ذكر فيه ( لن تزلا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل - وذكر منها- عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ) . 

ويمثل الفراغ الآفة الكبرى والمصيبة العظمى لدى الكثير من الدول ، وخاصة دول العالم الثالث ، وفيه يغبن المرء ، وعنه يحاسب ، وبإستغلاله ينمو ، وبإضاعته يفشل ، وهوطوق يٌؤّدِي بالحياة ، وفيه سمٌ قاتل ، وهو من أهم المشاكل التي تواجه الشباب من الجنسين ، واضحت الغالبية العظمى منهم ، لا يعير للوقت بالاََ ، ولا يولي له اهتماماً ، ولا يمثل الإرتقاء والنمو لهم هدفاً ، وأصبحوا معاول هدم لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم .

ولا شك أن الفراغ الناتج عن غياب دور المجتمع والأسرة في بناء وتوجيه ومراقبة الشباب وتأهيله فكرياً وعلمياََ لخدمة بلده ونفسه ، لأشدٌ خطراً من ذلك الإستعمار الخارجي بكل صوره وأشكاله ، فلم يعد التدخل العسكري والسيطرة المادية على الدول ، هو الغاية التي تهدف إليها الدول الكبرى بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، وإنما أصبح هناك استعمار فكري و ثقافي ومعنوي ، دون استعمال للغة الحرب والسلاح ، وإنما خلق جيل جديد من بني جلدتهم يحمل أفكارهم و معتقداتهم وامالهم ويدافع عنها .

إن هذا الغياب سوف ينتح عنه مخاطر كثيرة ومشاكل عظيمة ، من فقدان الدولة أهم أسلحتها وطاقاتها في البناء والتنمية والنهوض ومواكبة التقدم والازدهار ، ويصبح من أهم الأسباب التي يتولد عنها جيل منهزم نفسياً وعاطفياً ، يميل إلى الانطواء والعزلة ، حاجم عن المشاركة والاندماج في المجتمع ، فيشعر أنه عضو غير مرغوب فيه ، سواء من الأسرة أو المجتمع ، الأمر الذي يدفعه إلى البحث عن بدائل أخرى لملأ هذا الفراغ ، مما يجعلهم فريسة سهلة لاستغلال جماعات الإنحراف وقوى التطرف والإرهاب .

ومن أهم وأوضح صور الفراغ التي يعاني منها أفراد المجتمع ، الفراغ العاطفي ، والذي لا يتوقف عند صعوبة الارتباط بالشخص التي تهوى إليه النفس ، ويركن له الفؤاد ، وتتمايل إليه الجوارح ، وإنما الشعور الأصعب ، هو فقدان بعض الأحبة ، وقد يتمثل عند الزوجة بمشاعر التجاهل وعدم الشعور ، وأنها أصبحت بلا قيمة عند زوجها ، مما يجعلها تتجه إلى البحث عن بديل لسد هذا الفراغ العاطفي ، غير عابئة بالمشاكل والأضرار التي تنتج عن هذة العلاقة الآثمة ، وقد تكون سببا في زيادة معدلات الجريمة ، والتي تؤدي في النهاية إلى تدمير العلاقة الزوجية وتدمير المجتمع بأسره ...

اكتب تعليق

أحدث أقدم