بقلم \ االمفكرالعربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الأمة عرفت في عز نهضتها وتقدمها ولعا وشغفا شديدين بالقراءة، حتى أضحت بعض الحكايات التي تروى عن أصحابها في شدة تعلقهم بالكتاب والقراءة من النوادر التي يعجز عن بلوغها ذوو الهمم العالية من الأجيال الحاضرة. فهل من سبيل لإعادة المجد القرائي والعلمي إلى الأمة انطلاقا من اللبنة الأولى لها، وهي الأسرة، تربية وتعليما؟
لا شك في أن إشكالية العزوف عن القراءة هي إحدى أهم إشكاليات الأسر في العصر الحديث، فبعد انتشار وسائل الإعلام، وغرف الدردشة، ومواقع التسلية والترفيه، وقاعات الألعاب الإلكترونية الموجهة إلى الأطفال، قل أن تجد أحد أفراد الأسرة يحمل كتابا أو يتصفح جريدة، بل تجد الآباء والأمهات يشكون من غلبة النوم عند بداية القراءة في كتاب!
إن حل معضلة قومية مثل هذه يحتاج إلى تكاتف الجهود من كل الفاعلين والمتدخلين، سواء كانوا تربويين أو مصلحين اجتماعيين أو مراكز دراسات أو جمعيات مدنية أو غير ذلك. وحتى لا نجيد الشكوى وننكص عند تقديم النصيحة، نطرح بعض الأفكار التي يمكن أن تساهم في تشجيع الأسرة على القراءة ولفت انتباه أفرادها إلى الكتاب، سواء كان ورقيا أو إلكترونيا، خصوصا أن موضة العصر تميل إلى تفضيل الكتاب الورقي، بعد أن تبين، من خلال بعض الدراسات، أن فردا من ثلاثة، خصوصا في الدول الأوروبية، يفضل القراءة الإلكترونية على الورقية. ومن هذه الأفكار:
1 - تحبيب الكتب للأطفال منذ الصغر. فلا بأس أن يحضر الأب أو الأم بعض القصص الملونة المثيرة للانتباه مع اللعب التي تشترى للطفل، ووضعها في صوانه وتركه يكتشفها بنفسه. ولا بأس من ترك الطفل يلعب بها ويمزقها على ألا تحتوي على آيات قرآنية أو أحاديث. فمن خلال هذا التفاعل تنشأ علاقة خاصة بين الطفل والكتاب، وقد يحضر القصة ويطلب منك أن تقرأها وتشرح له مضمونها، وهنا يجب اغتنام هذه الفرصة لتقريب الطفل من صديقه الجديد (الكتاب). وليحذر الآباء ردة فعل سلبية في هذه اللحظة، كأن يكون الجواب «لا وقت لدي» أو «اذهب الآن وعد في لحظة أخرى»، بل يجب أن يكون رد الفعل لبقا وحكيما؛ حتى لا تنكسر إرادة الطفل ويخفت في قلبه باعث القراءة وحب الاستطلاع.
2 - الاهتمام بمكتبة الأسرة وتزيينها وإظهارها بمظهر قشيب يسلب الألباب وينعش الروح، فالنفس مجبولة على حب الجمال. والكتاب الأنيق البهيج الخفيف الظريف يمتع العين قبل العقل. فالكتب المتناثرة هنا وهناك والمكتبة المبعثرة تبعث على الملل والنفور. وقد اشتهرت المكتبات الإنجليزية المنزلية بحسن تنظيمها وتنسيقها، بل صارت مفخرة للبيت الإنجليزي حتى قل أن تجد دارا إلا وفيها مكتبة بأبهى زينة وأحسن تنظيم. وهذا -للأسف- ما يدعونا إلى الاستغراب كيف يصير الكتاب في أمة «اقرأ» يتيما ويصير مبجلا عند غيرها؟
3 - تزويد المكتبة بكتب من شتى أنواع العلوم على أن تكون خفيفة، شهية، بهية، تؤتي فكرتها بجهد يسير وبحث قليل. فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الشباب في عصرنا ينفرون من الكتب الضخمة ويميلون إلى السهلة اليسيرة. وقد تنبه إلى ذلك كثير من الدعاة والمفكرين فأصدروا كتبا ميسرة تختصر أفكارهم في جداول وبيانات من دون اللجوء إلى الإسهاب في الشرح أو الإطناب في الطرح.
4 - طبع مجموعة من عناوين المواقع الإلكترونية الهادفة على وريقات ولصقها على جدران المكتبة أو الصالة على فترات من دون مبالغة ولا إكثار مع تنويعها لتشمل مختلف ضروب المعرفة. فليس من الضروري أن يكون ابن العالم الشرعي نسخة عن والده. وكم من طفل أو شاب يود المطالعة في الشبكة لكنه لا يهتدي إلى المواقع المفيدة، بل قد يقع على بعض المواقع التي تضيع الجهد الكثير ولا يخرج منها بالفائدة المرجوة.
5 - الاهتمام بميول كل فرد من أفراد الأسرة وإشباع رغباتهم بإحضار كتب أو مواقع أو إصدارات في شتى اهتماماتهم فهم على أية حال ليسوا نسخة طبق الأصل. وإرغام الطفل أو الشاب على القراءة في اهتمام إخوته نفسه إجحاف في حقه، وكبت لطاقاته. ولنا في وصايا الرسول الكريم " صلى الله عليه وسلم" المختلفة لأصحابه وجوابه الأجوبة المختلفة عن السؤال نفسه قدوة حسنة وتربية نموذجية لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.
6 - تخصيص نزهة أسبوعية أو شهرية لورد يمكن تسميته بورد القراءة، يحضر كل فرد من أفراد الأسرة شيئا يقرأه على أن تترك لهم حرية الاختيار: كتاب، كمبيوتر، شبكة، ضبط قارئ إلكتروني.. على أن تتخلل هذه النزهة أنشطة ترفيهية من لعب وتنشيط وأناشيد أو غير ذلك.
هذا غيض من فيض ، ولا شك في أن بعض هذه الأفكار تحتاج إلى تطوير وتفعيل وإنماء. والمهم في هذا الباب أن تحمل الأسرة هذا الهم في أن تغرس حب القراءة في نفوس أفرادها، ولن تعدم، إن شاء الله، من الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف النبيل. ولتستعن بالدعاء، ومن الله الرجاء، وأمة «اقرأ» على خير إن شاء الله.
إرسال تعليق