بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
قال ابن منظور رحمه الله تعالى: "الفحش والفحشاء والفاحشة: القبيح من القول والفعل، وجمعها: الفواحش"؛ (لسان العرب: 6/ 325).
وقال الراغب رحمه الله تعالى: "الفحش والفحشاء: ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال"؛ (المفردات: 373).
وقيل: "إن الفحش: هو كل ما ينفر عنه الطبع السليم، ويستنقصه العقل المستقيم"؛ (التعريفات للجرجاني).
وقيل: "إن الفحش: هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، قولًا أو فعلًا.
♦ وكل فحشاء ذكرت في القرآن فالمراد بها الزنا، إلا في قوله تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [البقرة: 268]؛ فإن المراد: البخل في أداء الزكاة"؛ (الكليات: ص674).
♦ وقد يأتي الفحش ويقصد به عدوان الجواب؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((لا تكوني فاحشة)).
♦ وقال الكفوي رحمه الله تعالى: "الفاحش: كل شيء تجاوز قدره، فهو فاحش، وكل أمر لا يكون موافقًا للحق، فهو فاحش"؛ (الكليات: 675).
والمتفحش: هو الذي يتكلف سبَّ الناس ويتعمده، والذي يأتي بالفاحشة المنهيِّ عنها، والفاحش: السيئ الخُلق.
التفاحش: هو تبادل الفحش، أو إظهاره.
الباعث على الفحش:
يقول الغزالي رحمه الله تعالى كما في "الإحياء" (3/ 121):
"إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذموم ومنهي عنه، ومصدره الخبث واللؤم، والباعث عليه إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق وأهل الخبث واللؤم؛ لأن من عادتهم السب"؛ ا.هـ.
♦ وقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ﴾ [النور: 26]: أن بعض المفسرين قال: "إن الكلمات الخبيثة تصدر من الأشخاص الخبيثين، والكلمات الطيبة تصدر من الأشخاص الطيبين؛ فالطيبون لا يصدر منهم إلا كل طيب، ولا يصدر منهم الشر، والخبيثون يصدر منهم كل شر؛ من غِيبة، ونميمة، وفحش، وبذاءة، وشهادة زور... وغير ذلك من آفات اللسان.
حكم الفحش:
الفحش محرَّم، وهو من الكبائر، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً[1] قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ[2] مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 28 - 33].
♦ وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في كتابه "الزواجر" (ص152):
"أن ملازمة الشر والفحش من الكبائر"، مستدلًّا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: مَن وَدَعَه[3] الناس اتقاء فحشه)).
واستدل أيضًا بما روي في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد: ((إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا))؛ (ضعيف).
♦ وقد انتشرت الأقوال والأفعال القبيحة القميئة في المجتمع الإسلامي، وظهرت بكثرة في هذا الزمان، وهذه علامة من علامات الساعة؛ فقد أخرج الإمام أحمد والحاكم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة)).
♦ وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة الفحش، وقطيعة الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن)).
________________________________________
[1] فعلوا فاحشة؛ أي: أتوا فعلة متناهية في القبح.
[2] الفواحش: كبائر المعاصي؛ لمزيد قبحها.
[3] وَدَعَه: تركه.
:
إرسال تعليق