رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مدينة رسول الإسلام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مدينة رسول الإسلام



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
طلع البدر علينا
وجب الشكر علينا
أيها المبعوث فينا
جئت شرفت المدينه
من ثنيات الوداع
ما دعا لله داع
جئت بالأمر المطاع
مرحباً يا خير داع
من هنا شق الهدى أكمامَه وتهادى موكباً في موكب من هنا، من المدينة، التي شرفها الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصبحت أول عاصمة للإسلام والمسلمين في العالم.
كان اسمها يثرب، وبعد تشريفه لها صلى الله عليه وسلم، صار اسمها: المدينة المنورة، ومن أسمائها طيبة الطيبة.
تقع المدينة المنورة في الحجاز، على بعد حوالي 100 كم شرق البحر الأحمر، وتحف بها الجبال من ثلاث جهات، والجهة الرابعة الجنوبية النخيل، وتعرف ببلد النخيل.
ذكرها المؤرخون في التاريخ، منهم بطليموس، أنها واحة تقع في بلاد الحجاز بشبه الجزيرة العربية.
سكنها قديماً العماليق والمعينيون، ثم وصل اليهود إليها من فلسطين، بعد أن دمر بختنصر مدينة القدس.
وعلى إثر انهيار سد مأرب، نزحت عدة قبائل من مملكة سبأ في اليمن، ومن هذه القبائل؛ الأوس والخزرج، وقد أُعجبت القبيلتان بما في يثرب من أرض خصبة وينابيع كثيرة فاستقروا فيها مع وجود اليهود. ثم تحول الأوس والخزرج إلى عدوين لدودين واشتعلت بينهم الحروب الطاحنة، استمرت أكثر من مئة عام.
وجاء وفد من أهل يثرب إلى الحج، فتلقَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليهم الإسلام فأسلموا، وكانوا من الأوس والخزرج، وتعاهدوا على نصرته وحمايته.
لقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تبليغ دعوة الله على الناس، متفانياً في تبليغها، متلهفاً إلى من يؤمن بدعوته، ويحميه وينصره، فوجد ذلك في الأوس والخزرج، فأمر أصحابه بالهجرة إلى يثرب، ثم هاجر صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولما علم أهل يثرب بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم استقبلوه بالأناشيد:
وقبل دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة، عرَّج على قُباءَ فبنى فيها مسجداً، كان أول مسجد في الإسلام. ثم قام بعد ذلك ببناء المسجد النبوي وكان يعمل مع أصحابه بيديه الشريفتين، يتناول اللبِن حتى غبر صدره الشريف. وغدا المسجد النبوي نواة الدولة الإسلامية. نظر صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة، وفيها الأوس والخزرج، واليهود وقبائل شتى، فعمل على وحدة الصف وجمع الكلمة، فتصافى الأوس مع أبناء عمومتهم الخزرج، وانتهت الحروب بينهم التي استمرت بينهم طويلاً فحقنت الدماء ونشر عليهم السلام، ورفرف فوق الأمن، وأظلهم الحب والوئام وهم الذين آووا ونصروا. ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، قائلاً لهم " تآخَوا في الله؛ أخَوين أخوين". فأصبح المسلمون كتلة واحدة. ودعا صلى الله عليه وسلم للمدينة فقال (اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وبارك لنا في مُدِّها وصاعها).
ثم نظر صلى الله وسلم إلى اليهود، فاعترف بكيانهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وكتب في ذلك كتاباً، سماء المؤرخون: الصحيفة، ومما جاء فيها، ألا ينصر ساكنُ المدينة من فعل شراً ولا يؤويه. وعلى اليهود أن ينفقوا مع المؤمنين محاربين، ولا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم. وأن بينهم النصرَ على من داهم المدينة.
لقد أصبحت المدينة المنورة، عاصمة الدولة الإسلامية لها أرضها وحدودها، ولها جيشها الذي يدافع عنها، ولها قانونها ونظامها وتشريعها، ولها حراسها الذين يسهرون على أمنها وسلامتها واستقرارها، وأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم رئيسَها، وقائد جيشها، وإليه يرجع سكان المدينة كلهم في فض المنازعات فيما بينهم. وبهذا تكون المدينة قد انتقلت من عهد الصراع الدامي بين سكانها فيما بينهم من جهة، ثم فيما بينهم وبين القبائل المجاورة، وصارت المدينة ذات حضارة تعيش في جفون الأمن والأمان، والسلم والسلام.
ونشطت الحركة العلمية، انطلاقاً من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان يتنزل عليه الوحي من الله تعالى بين الفينة والفينة، فيفيض المسجد بالنور الإلهي النازل من السماء إلى الأرض، وينتشر العلم في حلقات الذكر وأنوار التنزيل. مما يجعل المسجد مورد الظمآن للعلوم والتوجيه الإلهي، يقصده أهل المدينة زرافات ووحداناً، ويؤمه المسلمون حول المدينة المنورة.
كما أصبحت المدينة مركز النشاط المتفجر حياة وحيوية، وبناء؛ بناء النفوس وبناء الوطن، في المسجد حلقات العلم والتعليم، وفي ساحة الحياة، نشطت التجارة وقد شجع صلى الله عليه وسلم على العمل وترْك الكسل وشجع على عزة النفس.
وبعد أن توطدت أركان الدولة الإسلامية في المدينة المنورة في السنة الأولى، أنزل الله تعالى قوله ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]
في السنة الثانية للهجرة، وقعت معركة بدر، أولى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أهمها، قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123] وتوالت الحروب بين الحق والباطل في غزوة أحد والخندق وما تلاهما من غزوات وحروب.
وكانت المدينة المنورة، منطلق جميع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وما تلاها من فتوح.
وفي السنة الثامنة، عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بلده الأمين مكة المكرمة فاتحاً، ولم يبق فيها؛ إنه الوفاء بالكلمة، لقد أعطى الأنصار عهداً ألا يتركهم إذا انتصر، وها هو ذا ينتصر. لقد أحب الأنصار الرسول صلى الله عليه وسلم منذ رأوه فبايعوه، فقالوا له: يا رسول الله، لعلك إذا نصرك الله على عدوك أن تلحق بقومك وتتركنا، فتبسم صلى الله عليه وسلم قائلاً لهم مطمئناً (أنا منكم وأنتم مني). وقد أكد هذا المعنى بعد غزوة حنين: فقال في خطبة خصها الأنصار (والذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار).
وبعد أن فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، جاءت الوفود من الجزيرة العربية كلها في السنة التاسعة، إلى المدينة المنورة تعلن إسلامها. وقد أنزل الله تعالى قوله ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابً ﴾ [النصر: 1 - 3]
لقد أدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهمة تبليغ الدعوة خير ما يؤديها نبي ورسول، وبلغ عن الله دينه الذي أكمله تعالى، فجزى الله تبارك وتعالى عنا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، خير ما جازى به نبياً عن أمته، لقد كانت المدينة المنورة حافلة بأنوار الوحي، ينزل من السماء إليها، من عند الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في طيبة الطيبة في بيته أو مسجده، ينزل بالأنوار والتوجيه والتأييد؛ المدينة التي استنارت بالوحي طوال عشر سنين، ينقطع عنها الوحي، ويلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه راضياً مرضياً، فلله قلوب الصحابة كيف تحملت هذه الصدمة؟ لقد زلزل الصحابة رضوان الله عليهم للفجيعة زلزالاً شديداً، حتى أعلن الصديق رضي الله عنه: من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله؛ فإن الله حي لا يموت.
وظلت المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية، وكفاها الله تعالى بقدرته، شر المرتدين والمتربصين بها، وتابع الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم مسيرة البناء، بناء الأمة وبناء الحضارة من المدينة المنورة؛ فهي عاصمة الدولة، ومركز الحكم، ومنبع العلم، وفيها مركز الخلافة ومنها انطلاق الجيوش وإرسال الولاة والقضاة إلى الأمصار، وقد امتدت الدولة إلى الشام بعد اليرموك وإلى أقصى بلاد فارس بعد القادسية، وانفتحت الدنيا على المسلمين، تجبى إلى المدينة الأموال وتوزع على المسلمين فترفع من مستوى معيشتهم، وتعزز قوتهم، مساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية.

اكتب تعليق

أحدث أقدم