رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحرص والإهتمام بأداء الأمانة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحرص والإهتمام بأداء الأمانة



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن هناك ملحوظتان مهمتان جديرتان بالذكر حول موضوع الأمانة، وسوف أبدأ بهما كمدخل لموضوع الأمانة، وأهميته، وهما:
أولاً: كثرة الخطب، والدروس، والمواعظ، ولا يكاد يوجد عالم، أو طالب علم، أو خطيب جمعة، أو داعية، أو إمام مسجد، إلا وله خُطباً عديدة عن الأمانة بشتى صورها.
وهذا حقيقة تدعو المتأمل فيها للدهشة، وربما يتساءل الواحد منا لماذا لم تؤثر كل هذه الخطب، والدروس، والمواعظ في الناس، ومازالت الشكوى قائمة من ضعف الأمانة؟!
والمتبادر للذهن مباشرة أن السبب الرئيس يعود بالدرجة الأولى لضعف الوازع الديني عند الكثير من الناس، فلا يوجد لديهم وازع، وخوف من الله تعالى يردعهم عن تقصيرهم في أدائهم للأمانات.
ولذا يقول الشاعر / محمد إقبال يرحمه الله :
إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ ♦♦♦ ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ثانياً: سمعت أحد الأشخاص العقلاء منذ زمن يقول، وفي قوله جانب كبير من الصحة: إن شيوع تسمية بعض المحلات التجارية باسم: [متجر الأمانة، أو بقالة الأمانة، أو " كافتريا " الأمانة، أو حلاّق الأمانة، أو ورشة الأمانة، أو مكتب الأمانة، أو قصاب الأمانة، أو خياط الأمانة ... إلخ ]، يدل على ضعف الأمانة بين الناس، ولذلك أشيعت هذه التسمية ليطمئن العملاء، ويشعر الواحد منهم بأن هذه المحلات التجارية تراعي الأمانة، وغيرهم خلاف ذلك، وهذه تزكية للنفس غير محمودة شرعاً، لقول الله تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾.[1]
إن المشاهد لأحوال الكثير من المجتمعات الإسلامية اليوم يرى الكثير من صور ضياع الأمانة بين الناس في العديد من التعاملات، ولعل ذكر بعض هذه الصور يؤكد خطورة هذه المشكلة، حتى يعمل الجميع على وضع العلاج اللازم للقضاء عليها، ومنها:
أولاً: قد تقوم بإقراض شخص ما ربما صديق، أو قريب مبلغاً من المال، أو أي شيء مادي لأجل مسمى، فإنك تفاجأ عند حلول موعد السداد عدم وفاء هذا الشخص بما اقترضه، وإن أعاد القرض، أو العارية، فسيعيدها بشق الأنفس، وربما عن طريق المحاكم، أو أقسام الشُرط، ولشيوع هذه الظاهرة تجد بعض أهل المال، والموسرين اليوم قد عزفوا عن القرض الحسن للآخرين إلا ما رحم ربي.
ثانياً: أصحاب محلات تصليح السيارات، وتلاعب بعضهم في قطع غيار السيارات، وربما طلبوا منك قطعاً جديدة (بدل تالف) حسب زعمهم، والأمر لا يحتاج ذلك، فقط يحتاج لتصليح سهل جداً، فتجدهم يبينوا للعميل أن المشكلة بحجم أكبر حتى يحصلوا على أجرة أعلى.
ثالثاً: أصحاب المطابخ، والمطاعم، وقد سمعنا عن حدوث حالات تسمم بسبب فساد طعامهم، إما بسبب سوء النظافة، أو بسبب طبخ طعام فاسد انتهت صلاحيته، وقد انتقل بعض رواد هذه المطاعم، وربما عائلة بأكملها إلى المستشفى بسبب هذا التسمم.
رابعاً: المستشفيات حدث عنها، ولا حرج؛ بارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر من جهة، أو عمل تحاليل معينة، وصرف أدوية من الصيدلية التابعة للمستشفى دون احتياج ضروري، وربما يتم إعداد تقرير لإجراء عملية جراحية لمريض، وهو لا يحتاج لها.
خامساً: العاملون في الكثير من القطاعات العامة، وتقصيرهم الواضح في أعمالهم، إما بعدم الاهتمام بساعات الدوام الرسمي، أو استخدام ممتلكات العمل في مصالحهم الخاصة، أو التقصير الواضح في أداء أعمالهم بتأخيرها، أو عدم الاهتمام في إتقانها، أو تقديم خدمات متميزة لأناس دون غيرهم... إلخ.
سادساً: أصحاب المكاتب العقارية، وما يقومون به من زيادة في الأسعار بطريقة غير شرعية، أو التحايل على الناس، وتزيين بعض المواقع، والمباني، وهي بعكس ذلك، وربما يصل بالبعض إلى تغيير أجرة العقار بزيادة من أجل بيعه بملغ أكبر، ويُحضر شهود زور على ذلك، وكله خداع، وكذب، وتزوير.
سابعاً: قيام بعض الكتّاب، والباحثين، والمؤلفين بالسطو على أفكار، ومقالات، وكتب غيرهم، ثم ينسبوها لهم، وكأنها من أعمالهم، وبنات أفكارهم الخاصة، وربما تُقدم للحصول على درجة الماجستير، أو الدكتوراه، أو ترقية علمية، وإذا تم مواجهتهم بذلك أنكروا أشد الإنكار، ونسـوا بل تناسوا مقولة السلف الرائعة: (إن بركة العلم أن يُنسب لأهله).
إن الأمانة خلق إسلامي، سام، ورفيع، تميز به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان قبل بعثته صلى الله عليه وسلم معروفاً بالصادق الأمين، يقال عنه: ذهب الأمين... وجاء الأمين... صلى الله عليه وسلم، وقصة اختلاف قريش فيمن سيضع الحجر الأسود في مكانه، ثم اتفاقهم علي أن يكون الفيصل في هذه القضية، أول من يدخل البيت الحرام صباح غد، وفي اليوم التالي أول من دخل البيت، كان نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين هذا محمد قد رضينا به.[2]
وقد عَظَّم الإسلام من شأن الأمانة أكبر تعظيم، فقد جاءت آيات كريمة، وأحاديث مباركة في غاية الوضوح تؤكد على تأديتها، والمحافظة عليها، ومن ذلك، قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾.[3]
وهذا يُعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله عز وجل على عباده، من الصلوات، والزكوات، والكفّارات، والنذور، والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع، وغير ذلك، مما يأتمنون به بعضهم على بعض، فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة.[4]
ويقول أبو السعود يرحمه الله: إن تصدير الكلامِ بكلمة التحقيقِ، وإظهارِ الاسمِ الجليلِ، وإيرادِ الأمرِ على صورة الإخبارِ من الفخامة، وتأكيدِ وجوبِ الامتثال به، والدِلالةِ على الاعتناء بشأنه ما لا مزيدَ عليه.[5]
وجاء في الحديث الشريف عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم، إلا قال: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له "[6]، وقوله صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ".[7]
إن الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة في هذا الباب كثيرة جداً، وقد اكتفيت بذكر بعضها من باب التذكير، ذلك لأن الأمانة، وأهميتها الكل يعرفها، كما أنه لا أعتقد عاقل يجهل السلبيات الخطيرة لضياع الأمانة في المجتمع، فبضياعها تشيع السرقات، ويأكل القوي الضعف، وتنتهك الحرمات، ويقل الأمن بين الناس، وتصبح الحياة شبيهة بحياة الحيوانات التي تعمل ما تشاء، دون حياء، أو أخلاق، أولئك كالأنعام، بل هم أضل.
________________________________________
[1] ( النجم : 32 ).
[2] ( المباركفوري، الرحيق المختوم، بناء الكعبة وقضية التحكيم، ص 47 ).
[3] ( النساء : 58).
[4] ( ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص 338 ).
[5] ( أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، ج2، ص 102 ).
[6] ( أحمد، المسند، مسند أنس بن مالك - رضي الله عنه -، حديث رقم 12383، ج19 ، ص 375 ) ، ( والحديث حسن كما خرّجه شعيب الأرنؤوط وآخرون).
[7] ( البخاري، صحيح البخاري، باب علامة المنافق، حديث رقم : 33 )، ( مسلم، صحيح مسلـم، آية المنافق ثلاث إذا حـدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، حديث رقم : 107 ).
:

اكتب تعليق

أحدث أقدم