رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فضل العلم والعلماء

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فضل العلم والعلماء

 
بقلم \ المفكر العربي الدكتور  خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف 
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
مما لاشك فيه أن الله عز وجل رفع شأن العلم وأهله، وبيَّن مكانتهم، ورفع منزلتهم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾؛ [المجادلة: 11].
ولم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾؛ [طه: 114]. وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فأهل العلم هم الأحياء، وسائر الناس أموات.
العِلْمُ يَجْلُو الْعَمَى عَنْ قَلْبِ صاحِبِهِ  
كَما يُجْلِي سَوَادَ الظُّلْمَةِ القَمَرُ  
فَلَولا العِلْمُ ما سَعِدَتْ نُفُوسٌ  
وَلا عُرِفَ الحَلالُ وَلا الحَرامُ  
فَبِالعِلْمِ النَّجاُة مِنَ المَخَازِي  
وَبِالجَهْلِ المَذَلَّةُ وَالرُّغامُ  
ولقد منع الله سبحانه المساواة بين العالم والجاهل؛ لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة؛ ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾؛ [الزمر: 9].
فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون. قال عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بَني, تعلموا العلم؛ فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عِشتم".
فََمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ ساعَةً  
تَجَرَّع ذُلَّ الجَهْلِ طُوْلَ حَياتِهِ  
وَمَنْ فاتَهُ التَّعْلِيمُ حالَ شَبابِهِ  
فَكَبِّرْ عَلَيْهِ أَرْبَعاً لِوَفاتِهِ  
إن طلب العلم خير ما ضُيِّعت فيه الأعمار، وأُنْفِقت فيه الساعات، فالناس إما عالم أو متعلم، أو همج رعاع ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ﴾؛ [النساء: 143].
ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة منوهة بفضل العلم وأهله، والحث على تعلمه وكسبه، فقد شرف الله تعالى هذه الأمة؛ حيث جعلها أمة العلم والعمل معاً، تمييزاً لها عن أمم الظلم والجهل. وجاءت الصيحة الأولى المدوية التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة؛ لتنوه بقيمة العلم والعلماء، وتسمو بقدره، وتجعل أول لَبِنة في بناء الأفراد والشعوب، وكِيان الأمم والمجتمعات القراءة والكتابة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظً وافر))؛ رواه احمد وأبو داود، والترمذي، وأصله في "الصحيحين".
بالعلم تبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وَفق شرعه، فضلاً عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه أو يقدم لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً - إلا بالعلم.
وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.
وَإِنَّ كَبِيرَ القَوْمِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ ♦♦♦ صَغِيرٌ إِذا التَفَّتْ عَلَيْهِ المحافِلُ
ومن سلك طريقاً يظنه الطريق الموصل إلى الله تعالى بدون علم فقد سلك عسيراً، ورام مستحيلاً، فلا طريق إلى معرفة الله - سبحانه وتعالى - والوصول إلى رضوانه إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتدى في ظلمات الجهل، وشبهات الفساد والشكوك.
والعلم الشرعي: هو العلم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهو القاعدة الكبرى التي تبنى عليها سائر العلوم. وحملة العلم الشرعي هم ورثة الأنبياء، والأمناء على ميراث النبوة، ومتى ما جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعلم الشرعي المتوج بالأدلة الشرعية مع الإخلاص لله سبحانه والتأدب بآداب العلم وأهله، فهم الأئمةُ الثقات، والأعلامُ الهداة، مثلُهم في الأرض كمثل النجوم يُهتدَى بها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء؛ يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة))؛ رواه أحمد.
قال الحافظ بن رجب عليه رحمة الله: "وهذا مثل في غاية المطابقة؛ لأن طريق التوحيد والعلم بالله وأحكامه وثوابه وعقابه لا يدرك إلا بالدليل، وقد بين الله ذلك كله في كتابة، وعلى لسان رسوله، فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الإدلاء الذين يهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبه والضلال، فإذا فقدوا ضل السالك.
العلماء بالله تعالى وبشرعه هم أهل خشية الله، وشهداء الله في أرضه، وخلفاء الرسول في أمته، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الكريم، الموصوف بصفات الكمال والمنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم، وأكثر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "العالم بالرحمن من عباده: من لم يشرك به شيئاً، وأحل الحلال، وحرم الحرام، وحفظ وصية الله، وأيقن أنه ملاقيه، ومحاسبه بعمله".
فالخشية: هي التي تحول بين العبد وبين معصية الله، وتدعوه إلى طاعته والسعي في مرضاته. قال الحسن البصري رحمه الله: "العالم؛ من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغَّب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه، ثم تلا قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾"؛ [فاطر: 28].
وهذا هو العلْم الحقيقي الذي ينفع صاحبه؛ فإن العلم ليس عن كثرة المعرفة والحفظ، ولكن العلم عن كثرة الخشية، فهو نور يجعله الله في القلب، ولقد أحسن من قال:
لا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ ♦♦♦ ما  لَمْ  يُتَوَّجْ  رَبُّهُ   بِخَلاقِ
فالعلم بغير ورع ولا طاعة كالسراج يضيء البيت بنوره، ويحرق نفسه. وماذا يفيد العلم جُمَّاعَ القول المصرين على معاصيهم وأخطائهم، الذين يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه.
روى عبد الله بن وهب عن سفيان: "أن الخضِر قال لموسى عليهما السلام: يا ابن عمران، تعلم العلم؛ لتعمل به، ولا تتعلمه؛ لتحدث به، فيكون عليك بُوره، ولغيرك نوره".
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله أن يقول: قد علمت فماذا عملت".
وفي منثور الحكم: لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به. فثمرة العلم أن يُعمَل به؛ لأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وخير العلم ما نفع، وخير القول ما ردع، ومن تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله، فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد.
وإن القلب ليعتصره الألم اعتصاراً حينما يرى بعض من طرقوا أبواب العلم الشرعي فلم يرفعوا بذلك رأساً، تعلموا من العلوم والأحكام الكثير، ولكن الأثر مفقود.
وإن المرء ليتساءل: أين العلم الشرعي ممن أضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات؟! وأين العلم الشرعي ممن أسبلوا الثياب، وحلقوا اللحى وتعاملوا بالربا، وهجروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقعوا في المعاصي، مع أنهم يعلمون يقيناً أن هذه كلَّها ممنوعة محرمة على المسلم. فالله المستعان.
وقد أُثِر عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتجاوزن عشر آيات من كتاب الله حتى يتعلموا ما فيها من العلم ويعملوا به. قال بعض السلف: "كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به".
فترك العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذَهابه ونسيانه.
قال على رضي الله عنه: "يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من عمل بما علم، فوافق عمله علمه، وسيكون أقوام يتعلمون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره وتركه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله - عز وجل.
ولقد ضرب المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلاً لطلاب العلم، وأحوالهم في الاستفادة مما تعلموا؛ فقال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس؛ فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقُه في دين الله ونفعه ما بعثي الله به فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلت به))؛ متفق عليه.
ثم اعلموا رحمكم الله: أن من آفات العلم، وأسباب محق البركة عنه أن تُطلَب به الرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن يريد طالبه بعلمه أن ينقاد له الناس، ويخضعوا له، وأن يصرفوا إليه وجوهم؛ فيُظهِر للناس زيادة علمه على العلماء، ليعلو به عليهم، ونحو ذلك، فهذا موعده النار - عياذا بالله - فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار))؛ رواه الترمذي، وابن ماجه. وفي رواية لابن ماجه: ((لا تعلَّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار)).
قال الحسن البصري رحمه الله: "لا يكن حظ أحدكم من علمه أن يقول له الناس: عالم.
كما أن عليه أن يخلص في طلب العلم لله تعالى وأن يصبر فيه وعليه ويصابر، ويحذر من الاستعجال في الحصاد؛ فإن البداية مزلة، ومن تصدر قبل حينه فضحه الله في حينه.

اكتب تعليق

أحدث أقدم