بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الشيخ محمد حسين الذهبي عالم أزهري جليل ناقد بصير
صاحب التآليف النافعة التي سارت مسير الشمس لما فيها من الجدة و الإتقان و الإحاطة و الدقة و النقد ، و لأنها تعنى بالذود عن كتاب الله العزيز، ودراسة علومه وتتبع مناهج المفسرين و تنقية كتب التفسير و الحديث مما علق بها من خرافات و بدع و إسرائيليات ، ومن أشهر هذه الكتب "التفسير والمفسرون" وهو أسبق مؤلف في مناهج التفسير والمفسرين وأحد المراجع الرئيسة في علم التفسير ، و كذلك كتاب "الإسرائيليات فى التفسير والحديث" وهو كتاب يعرف القارئ كيف دخلت الخرافات في بعض كتب التفسير و الحديث و السيرة وغيرها والرد عليها
كان الشيخ الذهبي رحمه الله عفيف اللسان والقلم ذا أدب رفيع وفقه في الدين قد أوتي نصيبا موفورا من الحكمة التي أثرت إنتاجه وأذاعت فضله وأضاءت أفقه وشهرت سيرته وباعدت بينه وبين شطط الأقوال وزلل الآراء وخطل الأفكار.
وقد بارك الله تعالى في عمره وفي وقته رغم انشغاله بالتدريس معظم حياته في مصر و الحجاز و العراق و الكويت حتى لقي ربه شهيداً مظلوماً نحسبه كذلك و لا نزكيه على الله ، شهيد العلم و العلماء شهيد الكلمة و القلم رحمه الله تعالى
مولده و نشأته :
اسمه : محمد السيد حسين الذهبي
في قرية مطوبس بمحافظة كفر الشيخ كان مولد الشيخ محمد حسين الذهبي
في التاسع عشر من أكتوبر عام 1915م وتوفي أبوه وتركه صغيرا فعني بتربيته وتعليمه شقيقه الأكبر فحفظ القرآن وأتقنه وتلقى مبادئ القراءة والكتابة في قريته ثم انتقل إلى معهد دسوق الديني حيث أتم دراسته الثانوية
ورحل بعد ذلك إلى القاهرة والتحق بالأزهر الشريف وتلقى العلم على يد علماء عصره أمثال: الشيخ محمد مصطفى المراغي وعيسى منون ومحمد زاهد الكوثري ومحمد حبيب الله الشنقيطي ومحمد الخضر حسين ومأمون الشناوي وغيرهم.
وحصل الشيخ الذهبي على الشهادة العالية من كلية الشريعة عام 1936م ، وكان أول الناجحين ثم تقدم برسالته التي أصبحت بعد نشرها أحد المراجع الرئيسة في علم التفسير تحت عنوان “التفسير والمفسّرون” وحصل بها على الدرجة العالِمِيّة (الدكتوراه) ، في 15 فبراير عام 1947م ( 1366 هـ ) بكلّية أصول الدين
أسفاره
وسافر ـ رحمه الله ـ في كوكبة من علماء الأزهر في أول بعثة إلى مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية للتدريس في دار التوحيد والتي كان يديرها آنذاك الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع ـ رحمه الله ـ وصحبه في تلك الفترة 1948 ـ 1951م خيرة الشيوخ أمثال: الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ محمد نايل عميد كلية اللغة العربية والشيخ محمد عبد الوهاب بحيري صاحب كتاب الحيل في الشريعة الإسلامية والشيخ محمد أبو زهو صاحب كتاب الحديث والمحدثون ، ثم ندب للتدريس في المدينة المنورة لمدة عام وذلك سنة 1951م
ثم عاد إلى القاهرة للعمل بالمعاهد الأزهرية من 1952 ـ 1954م ثم انتقل عام 1955م للتدريس بكلية الشريعة.
كما انتدب ـ رحمه الله ـ للتدريس بالعراق في كليتي الحقوق 1955م والشريعة ببغداد 1961 ـ 1963م وصارت إليه رئاسة قسم الشريعة فيها.
وتصدر ـ رحمه الله ـ للخطابة مرات عديدة في مسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان وكانت له صداقات مع كبار علماء العراق أمثال: الشيخ كمال الطائي خطيب مسجد المرادية والشيخ عبد الله القاضي قاضي بغداد فيما بعد.
وبعد عودته من العراق إلى مصر أسهم ـ رحمه الله ـ في إنشاء كلية البنات الإسلامية والتدريس بها من 1963 ـ 1964م
وفي عام 1966 أعير لجامعة الكويت أستاذا للتفسير والحديث ونعم في تلك الفترة بصحبة الشيخ علي حسب الله رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم والشيخ زكريا البري رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة والشيخ بدر المتولي عبد الباسط والشيخ عبد الحميد المسلوت والدكتور عبد الحميد السيد طلب و غيرهم
و بعد عودته من الكويت عام 1971 اختير ـ رحمه الله ـ أمينا مساعدا لمجمع البحوث الإسلامية في 16 يناير 1972م ثم عميدا لكلية أصول الدين في 17 سبتمبر 1973م ثم أمينا عاما للمجمع في 1 يونيو 1974م
وزير الأوقاف
وفي 16 ابريل 1975م وأثناء رحلته إلى العراق لحضور أحد المؤتمرات فوجئ ـ رحمه الله ـ كما فوجئ الجميع، من وسائل الإعلام بنبأ اختياره وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر فصار مشرفا على شؤون الدعوة الإسلامية في أعز جبهاتها وأفسح ميادينها وأبر أجنادها الذين تقر بإخلاصهم عين الملة السمحاء.
ولا عجب أن يكون له ـ رحمه الله ـ في هذه الوزارة كلمات صدق وتوجيهات حق وحسن اختيار للدعاة والعمل على أن يكونوا مثلا عالية وألسنة صادقة وهداة إلى الحق وأعوانا على البر والتقوى ومغاليق للشرور والآثام ونماذج لسماحة الإسلام وعزة الإيمان.
ولقي رحمه الله صعوبات شاقة و عنتا في التصدي للفساد في وزارته حتى إنه أعلن في مجلس الشعب أنه غير مبتهج بمنصبه و أنه متمسك بموقفه في مواجهة الفاسدين و أنه يفضل أن يرجع إلى مكانه العلمي في جامعة الأزهر إن لم يستطع أن يقوم بمهام وظيفته كاملة و قد تحقق له ما يرتجيه فلم تطل مدة وزراته رحمه الله ،عقب كشفه عدة قضايا فساد تورط فيها مسئولون لهم نفوذ كبير أحال اثنين منهم للتحقيق
ورأى بعض الناس أن هؤلاء النافذين لهم يد في تدبير جريمة مقتل الشيخ رحمه الله انتقاما منه لاقتراب موعد شهادته أمام المحكمة في هذه القضايا و العلم عند الله تعالى
و لأنه لم يشأ ولم يرض أن يتستر على الفساد الضارب في وزارته حتى النخاع ولم يسايره ولم يهادنه لم تكمل مدة وزارته أكثر من عام ونصف فقط
وخرج من الوزارة في 9 نوفمبر 1976م وظفرت به كلية أصول الدين مرة أخرى أستاذا للتفسير وعلوم القرآن حتى لقي ربه شهيدا في 3 يوليو 1977م.
مؤلفاته :
للشيخ الذهبي العديد من المؤلفات النافعة التي سارت مسير الشمس لما فيها من الإبداع و الاتقان و الابتكار و الإحاطة و الدقة و النقد منها:
1- التفسير والمفسرون.
2- الوحي والقرآن الكريم.
3- الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم دوافعها ودفعها.
4- تفسير ابن عربي للقرآن حقيقته وخطره.
5- الإسرائيليات في التفسير والحديث.
6- أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع.
9 - الشريعة الإسلامية ، دراسة مقارنة بين مذاهب أهل السنة و الشيعة
10 - مشكلات الدعوة والدعاة في العصر الحديث وكيفية التغلب عليها
12- إعجاز القرآن الكريم
13 - علم التفسير
14 - بحوث في علوم التفسير والفقه والدعوة
خطف الشيخ وقتله
اتهمت جماعة التكفير والهجرة التي كانت تطلق على نفسها جماعة المسلمين بزعامة شكري مصطفى بتفيذ عملية خطف و قتل الشيخ الذهبي ونفذت عملية الاختطاف في يوم الأحد الثاني من يوليو 1977عام وبالتحديد الساعة الثانية صباحاً، المكان شارع السايس في منطقة حدائق حلوان جنوب القاهرة وتحديدا أمام منزل الدكتور حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق، كانت هناك حالة صمت تحيط بالمكان المنعزل فجأة انقلب الهدوء إلى صخب والصمت إلى توتر إذ توقفت فجأة سيارتان ونزل منهما ستة شباب مدججين بالأسلحة أحدهم يرتدي زي شرطي برتبة رائد، واندفع خمسة منهم نحو مدخل المنزل بينما بقي سادسهم ليغير إطار السيارة التالف.. طرق الشباب المسلحون باب الشيخ وطلبوا من ابنه أن يوقظ أباه مدعين أنهم من جهاز مباحث أمن الدولة، حاول الابن إثناءهم عن عزمهم ولكنهم لم يتركوا له فرصة للتحاور معهم، في تلك الأثناء استيقظ الشيخ وطلبت منه ابنته أسماء ألا يذهب معهم، خرج الشيخ لملاقاتهم وجادلهم في البداية طالبًا منهم إبراز تحقيق الشخصية، لكنهم اقتادوه بالقوة ولم تفلح المناقشة وخرج الخاطفون ومعهم الشيخ الذهبي، واكتشفوا أن سائق السيارة الثانية ما زال يغير إطار السيارة فاندفعوا داخل السيارة الأولى وفروا هاربين تاركين خلفهم السائق الذي واجه ضربًا مبرحًا من جيران الشيخ؛ ليصبح هذا السائق أحد المفاتيح المهمة والتي حاول من خلاله رجال الأمن التوصل إلى الجناة..
أثار خبر اختطاف الشيخ الذهبي ضجة وتعاطفًا مع الشيخ الجليل الذي يكن له أهل مصر محبة واحترامًا كبيرين، ثم وصل محمد الذهبي أستاذ التحاليل الطبية ووكيل كلية الصيدلة جامعة الأزهر نجل الشيخ إلى منزل العائلة بعد اختطاف والده بساعات قليلة، ويقول عن ذلك: في هذا اليوم تلقيت اتصالًا حوالي الساعة الرابعة صباحًا من مجلس الوزراء؛ حيث طلبوا مني أن أتوجه لمنزل الوالد في حلوان؛ لأنه حدث عملية اختطاف للوالد، وركبت سيارتي وذهبت، ولم أكن أعرف أي خلفيات عن الموضوع، أو ماذا حدث بالضبط؟ ولكن توجهت بسرعة إلى المنزل ودخلت الصالون فوجدت النبوي إسماعيل الذي كان نائب وزير الداخلية في هذا الوقت واللواء حسن غباشة رئيس جهاز مباحث أمن الدولة واللواء أحمد رمضي مدير أمن القاهرة وكانوا متحفظين على شخص قالوا إنه كان سائق سيارة كانت مع الجناة تعطلت بعد حادث الاختطاف، وأن الاختطاف تم في عربة أخرى كان يقودها شخص آخر غير المتحفظ عليه.
وفي ظهر يوم الثالث من يوليو أعلنت جماعة المسلمين المعروفة إعلاميا باسم التكفير والهجرة مسئوليتها عن الحادث وحددت مطالب عدة لكي تفرج عن الشيخ المختطف وهي:
1- الإفراج فورًا عن أعضاء الجماعة المقبوض عليهم وكذلك المحكوم عليهم في قضايا سابقة.
2- دفع مائتي ألف جنيه مصري كفدية.
3- أن تعتذر الصحافة المصرية عما نشرته من إساءات في حق الجماعة.
4- نشر كتاب زعيمهم شكري مصطفى "الخلافة" على حلقات في الصحف اليومية.
وحتى صدور بيان جماعة التكفير والهجرة وإعلانهم فيه مسئوليتهم عن اختطاف الشيخ الذهبي لم يكن الأمن يعرف من الذي خطف الشيخ الذهبي.
وعندما لم يتم الاستجابة لمطالبهم قاموا بقتل الشيخ رحمه الله قاتلهم الله وتم بعد ذلك محاكمتهم و إعدام خمسة منهم .
الجنازة في الأزهر
عاش فضيلة الدكتور اثنين وستين عاما قضاها مع العلم والإصلاح و التعليم و الدعوة و بعد مقتله صلي عليه في الجامع الأزهر وأم المصلين الشيخ صالح الجعفري إمام وخطيب الجامع الأزهر آنذاك وحضر الصلاة عليه الآلاف من زملائه وتلاميذه ومحبيه وبكاه كل من اغترف من علمه أو ذاق حلاوة عشرته أو لمس صلابة دينه وصفاء سريرته وشيعت جنازته في مشهد مهيب ووري جثمانه الثرى في مدافن الأسرة بالإمام الشافعي طيب الله ثراه وأسكنه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ومما قاله الدكتور إبراهيم أبو الخشب في رثائه:
في ذمة الله والإسلام والعرب ما سال من دمك المسفوك يا ذهبي
خطفت في ليلة ما نام حارسها وذقت فيها الذي قد ذقت من وصب
قتلت يا داعي الرحمن في غسق وللردى سبب لا بد من سبب
سيان من مات في أمن وفي دعة ومن يموت صريع الجهل والشغب
لكنما لشهيد الحق منزلة يحيا بها رغم ما للموت من حجب
إرسال تعليق