رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن رحلة الإسراء والمعراح معجزة إلهية كاملة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن رحلة الإسراء والمعراح معجزة إلهية كاملة



بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن رحلة الإسراءِ والمعراجِ لم تكن حادثًا عاديًا، بل كانتْ معجزةً إلهيَّةً متكاملةً, كانتْ ولا زالتْ حادثًا جللاً بكلِّ المقاييسِ والمعاييرِ وقفتْ أمامَهُ العقولُ حائرةً والأبصارُ متأملةً , حيثُ أيَّدَ اللهُ نبيَّهُ محمدًا صلى اللهُ عليه وسلم بها ، ونَصَرَ دعوتَهُ بها ، وأظهَرَهُ على قومهِ بدليلٍ جديدٍ ومعجزةٍ عظيمةٍ تَعْجَزُ عنها البَشريةُ كلُّهَا، فأعدَّ اللهُ له مكافأةً ربانيةً ومنحةً إلهيةً فكانتْ رحلةً أرضيةً ورحلةً سماويةً, وكأنَّ حالَ السماءِ يقولُ: يا محمدٌ إنْ كان أهلُ الأرضِ رفضوك, فإنَّ أهلَ السماءِ يدعوك!!! يا محمدٌ لا تظن أنَّ جفاءَ أهلِ الأرضِ يعني جفاءَ أهلِ السماءِ!! بل إنَّ اللهَ يدعوكَ اليومَ ليعوضكَ بجفاءِ أهلِ الأرضِ حفاوةَ أهلِ السماءِ. اللهُ أكبرُ!.. رحلةٌ أرضيةٌ إذْ أُسْرِىَ بهِ من المَسجدِ الحرامِ بمكَّةَ المكرمةِ زادَهَا اللهُ تكريمًا وتشريفًا إلى يومِ الدينِ إلى المسجدِ الأقصَى طهرَهُ اللهُ مِن دنسِ اليهودِ في مدينةِ القدسِ؛ لِيُسرِّيَ عنهُ ما لَقيَهُ من أهلِ الطَّائفِ، ومِن آثارِ دعوتِهِ، وموتِ عمِّهِ وزوجَتِه.قال جلَّ وعلا: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (الإسراء :1) قال جلَّ وعلا:﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ (النجم: 1 : 18)وفي صحيحِ مسلمٍ، من حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ((أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ, وَهُوَ دَابَّةٌ, أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ, قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بها الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ)).ثم صَعِدَ به جبريلُ حتى انتهيَا الى السماءِ الأُولى، وفي السماءِ الأولى رأى آدَمَ وفي الثانيةِ رأى عيسى ويحيى وفي الثالثةِ رأى يوسُفَ. قال عليه الصلاةُ والسلامُ “وكان يوسُفُ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ” وفي الرابِعَةِ رأَى إدرِيسَ وفِي الخَامِسَةِ رأَى هَارُونَ وفي السَّادِسَةِ رأى مُوسى وفي السابِعَةِ رأى إبراهيمَ وكانَ أشْبَهَ الأنبياءِ بسيدِنَا محمدٍ مِن حيثُ الخِلْقَةِ ورأَهُ مسندًا ظهرَهُ إلى البيتِ المعمُورِ الذي يدخلُهُ كُلَّ يومٍ سبعُونَ ألفَ مَلَكٍ ثم لا يعودُون إليهِ.ثم ذُهِبَ برسولِ اللهِ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى وهناك أزالَ عن قلبِهِ الحجاب، فرأى اللهَ بقلبِهِ ولم يَرَهُ بعينَيْ رأسِهِ؛ لأنَّ اللهَ لا يُرَى بالعينِ الفانِيَةِ في الدنيا، وإنَّما يُرى بالعينِ الباقيةِ في الآخرةِ كما قالَ الإمامُ مالِك رضي اللهُ عنه ثم عادَ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى فراشِهِ في نفسِ الليلةِ قبلَ الصبحِ، فلمَّا كان من الصبحِ قصَّ على أهلهِ ما رأَى، لا سيَّمَا الإسراء، فأكثرَ المشركون من الاستهزاءِ به والتكذيبِ له، وشكَّكُوا الناسَ في صحةِ كلامِهِ حتى ارتدَّ بعضُ مَن آمنَ.وكان كلمَا تكلمَ بكلمةٍ قال أبو بكرٍ: صدقَ، فقال أبو جهلٍ: يا أبا بكرٍ أتُصدِّقُ مَا يقولُ صاحبُك أنَّه ذهبَ إلى بيتِ المقدسِ وعادَ في نفسِ الليلةِ، ونحن نذهبُ شهرًا ونعودُ شهرًا؟ فقالَ الصديقُ: أُصدِّقُهُ بالخبرِ يأتيهِ مِن السماءِ، أفلا أُصدِّقُهُ ببيتِ المقدسِ، فسُمِّيَ صديقًا.قال أبو جهلٍ مستهزءًا مكذبًا بالنبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: يا محمدٌ! إنْ كنتَ ذهبتَ إلى بيتِ المقدس فصِفْهُ لنا؟ ولم يسبقْ للنبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أنْ ذهبَ إليه قبلَ ذلك، وكان ذهابُهُ ليلاً وزحمةُ الأنبياءِ شديدةً، يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ كما في (صحيحِ مسلمٍ): ((فأصابنِي كربٌ لم يصبْنِي قط، فجلَاهُ اللهُ لي فوصفتُهُ لهم)).فقالَ أبو جهلٍ: الوصفّ صادقٌ، والواصفُ كذابٌ ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ﴾ (الأنعام: 33) – أي يعلمُون صدقَكَ – ﴿ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ (الأنعام: 33.(ومعجزةُ الإسراءِ والمعراجِ مِن المعجزاتِ العظيمةِ التي أكرمَ اللهُ بها نبيَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم، وأعلى بها شأنَهُ، وكانتْ تخفيفًا لألمِ رسولِ اللهِ وحزنهِ وما لاقاهُ مِن قومِهِ مِن إعراضٍ وأذى. وليس هناك تاريخٌ ثابتٌ يحددُ زمنَ حادثةِ الإسراءِ، والمهمُّ هو أنْ نعلمَ أنَّ رحلةَ الإسراءِ والمعراجِ وقعتْ يقظةً لا منامًا، وكانتْ بجسدِهِ صلى اللهُ عليه وسلم وروحِهِ ،إنّ حادثةَ الإسراءِ برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إلى بيتِ المقدسِ لتؤكدُ هويةَ القدسِ الإسلاميةِ، كما أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يريَهُ آياتِه الكُبرى؛ ليملأَ قلبَهُ بالثِّقةِ فيه ويزيدَ مِن قوَّتهِ في مُهاجمةِ سَلاطينِ الكفرِ في الأرضِ.
ثانيــــًا :آياتٌ ربانيةٌ في رحلةِ الاسراءِ والمعراجِ.
لقد مَنَّ اللهُ -تعالى- على نبيِّهِ بالكثيرِ من الآياتِ والعطايا في هذه الرحلةِ، فقد عظّمَ مكانتَهُ، ورفعَ مقامَهُ وجعلَهُ إمامًا للأنبياءِ، قال تعالى: (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى)، وقال جلَّ وعلا-: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم: 18)، وبالشريعةِ التي جاءَ بها رسولُ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- نُسِختْ بقيةُ الشرائعِ، وجعلَهُ اللهُ تعالى خاتمَ الأنبياءِ والمرسلين، ومن حكمةِ اللهِ البالغةِ التي كانتْ بإمامةِ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليه وسلّم- لبقيةِ الأنبياءِ، هي أنَّ الانبياءَ جميعَهُم جاءُوا برسالةٍ واحدةٍ وإلهُهُم إلهٌ واحدٌ -سبحانَهُ وتعالى. ومِن هذه الآياتِ: رؤيةُ جبريلَ عليه السلامُ في صورتِهِ الحقيقيةِ!فهي إحدى آياتِ اللهِ الكُبرَى، التي رآَهَا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في هذه الليلةِ مِن رحلةِ الإسراءِ والمعراج!ِ فقد روى أحمدُ في مسندِهِ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ رضى اللهُ عنه بإسنادِ صحيحٍ أنَّه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: “رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، يُنْتَثَرُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ: الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ” ومن هذه الآياتِ التي رآهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: رؤيةُ البيتِ المعمورِ!! ففي صحيحِ مسلمٍ كما في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: “ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ“. ومِن هذه الآياتِ التي رآهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سدرةُ المنتهَى وما أدراكَ ما سدرةُ المنتهى ؟رأى النبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- في رحلةِ المعراجِ الجنةَ ونعيمَهَا، ورأى سدرةَ المنتهى،(ورُفِعَتْ لي سِدْرَةُ المُنْتَهَى) وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: مَّا أُسرِيَ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ انتَهى به إلى سِدْرةِ المُنتَهى، وهي في السَّماءِ السَّابِعةِ، إليها يَنتَهي ما يُعرَجُ به مِن الأرضِ، فيُقبَضُ منها، وإليها يَنتَهي ما يُهبَطُ به مِن فَوقِها، فيُقبَضُ منها: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16]، قال: فَراشٌ مِن ذَهَبٍ. قال: فأُعطِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثلاثًا: الصَّلَواتِ الخَمسَ، وخَواتيمَ سورةِ البَقَرةِ، وغُفِرَ لمَن لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا مِن أُمَّتِه المُقحِماتِ)متفق عليه والمُقحِماتُ هي الذُّنوبُ العِظامُ الكبائرُ التي تُهلِكُ أصحابَها، وتُورِدُهمُ النَّارَ، وتُقحِمُهم إيَّاها، سلمْ يا ربِّ سلمْ وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ ، فَأُتِيتُ بثَلاثَةِ أقْداحٍ: قَدَحٌ فيه لَبَنٌ، وقَدَحٌ فيه عَسَلٌ، وقَدَحٌ فيه خَمْرٌ، فأخَذْتُ الذي فيه اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فقِيلَ لِي: أصَبْتَ الفِطْرَةَ أنْتَ وأُمَّتُكَ( رواه البخاري
ومِن هذه الآياتِ التي رآها النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :نهرُ الكوثرٍ وما أدراكَ ما نهرُ الكوثرِ، قال جلَّ وعلا:)إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال:” لَمَّا عُرِجَ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى السَّمَاءِ، قالَ: أتَيْتُ علَى نَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا، فَقُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ” رواه البخاري.
ومن هذه الآياتِ: التي رآها النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :النارُ وما أدراكَ ما النارُ؟ اطلعَ النبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- في رحلةِ المعراجِ على بعضِ أحوالِ الذين يعذّبون في نارِ جهنمَ، ورأى أصنافًا متعددةً منهم على سبيلِ المثالِ لا الحصر: الذين يخوضُون في أعراضِ المسلمين، ويقعُون في الغيبةِ، فعن أنَسِ بنِ مالِكٍ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ (لمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقومٍ لهُمْ أَظْفَارٌ من نُحاسٍ ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ ، فقُلْتُ : مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ لُحُومَ الناسِ ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ .رواه أبو داود فكانَ جزاؤُه مِن جِنسِ عمَلِهِ، فيمزِّقونَ لحمَ أنفُسِهِم بأظفارِهِم، وقد قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12 (فانتبهْ يا مَن تطلقُ العنانَ للسانِكَ يخوضُ في أعراضِ الناس أنت على خطرٍ عظيمٍ أنت على طريقِ الهلاكِ والدمارِ، وللهِ درُّ القائلِ:
احْفَظْ لِسَانَك أَيُّهَا الْإِنْسَانُ *** لَا يَلْدَغَنَّكَ إنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قتيل لِسَانِهِ *** كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
ورأى النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم الذين يأمرُون الناسَ بالبرِّ وينسون أنفسَهُم، فعن أنَسِ بنِ مالِكٍ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَرَرتُ ليلةَ أُسريَ بي على قومٍ تُقرَضُ شِفاهُهُم بمَقاريضَ مِن نارٍ، قلتُ: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاءِ خُطباءُ مِن أهلِ الدُّنيا، كانوا يَأمُرونَ النَّاسَ بالبِرِّ، ويَنسَوْنَ أنفُسَهم وهُم يَتلونَ الكِتابَ، أفلا يَعقِلون؟ وفي روايةٍ قال : خُطَباءُ أمتِكَ الذينَ يقولونَ ما لا يفعلونَ ويقرؤونَ كتابَ اللهِ ولا يعملونَ بِه) (رواه أحمد) يا رب سلم
بل رأي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ أُناسًا لهم بطونٌ كالبيوتِ يُري فيها حياتٌ وعقاربٌ فقال النبيُّ المختارُ ما هذا يا أخي يا جبريلُ، فقال هؤلاء هم أكلةُ الربا من أمتكَ يا محمدٌ، سلمْ يا ربِّ سلمْ وعن سَمُرةَ بنِ جندبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ : قال : قال رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ : “رَأَيتُ لَيلةَ أُسريَ بي رَجُلًا يَسبَحُ في نَهرٍ ويُلقَمُ الحِجارةَ، فسَأَلتُ: ما هذا؟ فقِيلَ لي: آكِلُ الرِّبا“ (رواه أحمد) و واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو ما أعلمُ داءً قد فشَا في الأمةِ ودخلَ في كلِّ بيتٍ من بيوتِ المسلمين إلا ما رحمَ اللهُ كداءِ الربا ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ. فالربَا مرضٌ سرطانيٌّ خطيرٌ مدمرٌ قلَّمَا يعافي منه إنسانٌ إلا ما رحمَ اللهُ ،ولم لا والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال كما في المستدركِ من حديثِ أبي هريرةَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَقال : « ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ ، لا يبقى فيه أحدٌ إلا أكلَ الربا ، فإنْ لم يأكلْهُ أصابَهُ مِن غُبارِه)، وواللهِ ما الناسُ فيه الآن من ضنكٍ وشقاءٍ و قلقٍ واكتئابٍ وغمٍّ وحزنٍ وهمٍّ إلا مِن نتاجِ هذه الحربِ المعلنةِ لكلِّ مَن خالفَ أمرَ اللهِ، وأكلَ الربا أو ساعدَ عليها ، فليُعدَّ سلاحَهُ إنْ استطاعَ لذا روي عن ابنِ عباسٍ قال: يقالُ يوم القيامةِ لآكلِ الربا: خذْ سلاحَكَ للحربِ. وقرأَ: { لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } قال: وذلك حين يقومُ من قبرِهِ. إنَّها حربٌ على البركةِ والرخاءِ ،حربٌ على الطمأنينةِ والسكينةِ ،حربُ القلقِ والخوفِ . . فإياكَ والربَا وإياكَ أنْ تساعدَ على أَكْلِ الربا فالربَا سببُ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ.
وعَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ*****وَتأتي على قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصَّغيرِ صغارُها ****وتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ؟
ماذا نتعلمُ من الاسراءِ والمعراجِ؟
الإسراءُ والمعراجُ معجزةٌ، فهى قصةٌ ليستْ لمجردِ الكلامِ أو الإعجابِ أو كان ياما كان وإنَّما لابدَّ وأنْ نحولهَا إلى واقعٍ وإلى منهجِ حياةٍ نأخذُ منه العبرَ والعظاتِ ونتعلمُ منها أمورًا كثيرةً لا يتسعُ الوقتُ لذكرِهَا منها :
نتعلمُ المحافظةَ على ذكرِ اللهِ على كلِّ حالٍ وأنَّ اللهَ قادرٌ على كلِّ شيءٍ : حيثُ تبدأُ سورةُ الإسراءِ بكلمةِ ” سبحانَ ” ففيها التنزيهُ والتعظيمُ والإجلالُ لصاحبِ هذه المعجزةِ من ألفِهَا إلى يائِهَا، فكانتْ المعجزةُ كلُّهَا بقدرِ اللهِ وبقدرةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولكن الأمةَ تتعلمُ درسَ التسبيحِ والتعظيمِ والتمجيدِ للهِ عزَّ وجلَّ فتعيشُ الأمةُ مسبحةً للهِ… تعيشُ ذاكرةً للهِ….. تعيشُ موصولةً بذكرِهَا وتسبيحِهَا للهِ عزَّ وجلَّ، ولما لا تعيشُ الأمةُ مسبحةً لربِّهَا والكونُ كلُّهُ مسبحٌ للهِ يقولُ تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ (الإسراء: 44)
وللهِ درُّ القائلِ بذكرِ اللهِ ترتاحُ القلوبُ ……. ودنياكَ بذكراه تطيبُ
ونتعلمُ منها مكانةَ المسجدِ الأقصى في الإسلامِ: فالمسجدُ الأقصى له قدسيةٌ كبيرةٌ وعظيمةٌ في قلوبِ المسلمين ارتبطتْ بعقيدتِهِم منذُ بدايةِ الدعوةِ. فهو يعتبرُ قبلةَ الانبياءِ جميعًا قبلَ النبيِّ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم وهو القبلةُ الأولى التي صلَّى إليها النبيُّ المختارُ صلى اللهُ عليه وسلم قبلَ أنْ يتمَّ تغيرَ القبلةِ إلى مكةَ المكرمةِ. وقد ارتبطتْ علاقةُ الإسلامِ بالمسجدِ الأقصى ليلةَ الإسراءِ والمعراجِ حيثُ أُسرى بالنبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى وفيه صلَّى النبيُّ إمامًا بالأنبياء، ومنه عرجَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إلى السماءِ. وهناك في السماءِ العُليا فرضتْ عليه الصلاةُ.
ونتعلمُ منها المحافظةَ على الصلاةِ : فالصلاةُ هي الفريضةُ الوحيدةُ التي فُرضتْ ليلةَ الإسراءِ والمعراجِ في السماءِ السابعةِ وبدون واسطةٍ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: “…ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ، قلت: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ….) ثم أصبحتْ خمسًا في العملِ وخمسين في الأجرِ فاحرصْ على صلاتِكَ تكنْ مِن السعداءِ في الدنيا والآخرةِ.
ونتعلمُ منها فضلَ ومكانةَ وقدرَ وشرفَ سيدِنَا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم:حيثُ صَعدَ النبيُّ إلى مكانٍ عظيمٍ لم يبلغْهُ أحدٌ من البشرِ قبلَهُ، حيثُ عُرِجَ بهِ إلى السمواتِ السبعِ، وتخطاهنَّ حتى وصلَ إلى سدرةِ المُنتهَى، وكلَّمَهُ ربُّ العزةِ والجلالةِ. فاسجدْ لربكَ شكرًا على أنْ جعلَكَ من أمةِ الإسلامِ وقُلْ بصوتٍ مرتفعٍ كما قال سلمانُ
أبِي الإسلامُ لا أبَ لي سُواهُ ** إذا افتخرُوا بقيسٍ أو تميمٍ
واسجدْ لربكَ شكرًا على أنْ جعلكَ من أمةِ النبيِّ العدنانِ صلى اللهُ عليه وسلم فهي أكثرُ أهلِ الجنةِ. فعندما مرَّ النبيُّ المختارُ صلى اللهُ عليه وسلم على نبيِّ اللهِ مُوسي في ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ ؟ قَالَ: هذا مُوسَى فَسَلِّمْ عليه، فَسَلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بالأخِ الصَّالِحِ والنَّبيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قيلَ له: ما يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أبْكِي لأنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِهِ أكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِن أُمَّتِي) متفق عليه
فاسجدْ لربكَ شكرًا على أنْ جعلكَ من اتباعِ النبيِّ المختارِ صلى اللهُ عليه وسلم ..وقُلْ
ومـما زادنِي شـرفًا وتيهًا *** وكدتُ بأخمصِي أطأُ الثُريَّا
دخولِي تحتَ قولِكَ يا عبادِي *** وأنْ صيرتَ أحمدَ لي نبيَّا

اكتب تعليق

أحدث أقدم