رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن العالم الجليل محمد عبد الرزاق حمزة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن العالم الجليل محمد عبد الرزاق حمزة



بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة محدِّث ثقة، ومفسر متمكن، ومحدث بارع وخطيب مفوه.
ولِّي إمامة وخطابة المسجد الحرام مساعداً للشيخ عبد الظاهر أبي السمح، كما كان مدرسا في الحرم المكي الشريف ومدرساً ومديراً لمدرسة دار الحديث المكية التي شارك في تأسيسها مع الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، والتي خرجت الكثير من العلماء والمحدثين والمفكرين والأدباء.
كان رحمه الله يحسن إلى طلابه ويتلمس أخبارهم ويعين محتاجهم ويحثهم على طلب العلم والاستزادة منه ويوصيهم بتقوى الله والإخلاص له ويولي أرباب النجابة والنباهة منهم عناية خاصة.
كان الشيخ من العلماء الأعلام، الذين أوقفوا حياتهم على طلب العلم وتعليمه ونشره، كان سلفي العقيدة، صدّاعاً بالحق، قوي الإرادة، عزيز النفس، باذلاً جهده وعلمه في خدمة نشر السنة النبوية والدفاع عنها بقلمه ولسانه.
نشأته :
هو محمد بن عبد الرزاق بن حمزة بن إبراهيم بن نور الدين بن حمزة المصري، ثم المكي
ولد في شعبان سنة 1308هـ في قرية كفر عامر إحدى قرى محافظة القليوبية بمصر. تلقى الشيخ علومه الأولية في كتاب القرية، فأكمل حفظ القرآن وهو في نحو الرابعة عشرة من عمره وتعلم شيئاً من مبادئ العلوم كالحساب، والإملاء، والجغرافيا، ثم التحق بالجامع الأزهر في عام 1327هـ فدرس مقرراته حينئذ في العلوم المختلفة كعلوم اللغة والشريعة وكانت له مطالعات مختلفة في علوم الحساب والهندسة، حتى تخرج منه عام 1332هـ، إذ مكث فيه 5 سنوات تقريبا.
ثم التحق بدار الدعوة والإرشاد التي أنشاها الشيخ رشيد رضا، صاحب "المنار" حيث لازم الشيخَ رشيد رضا معاونا له في تصحيح ما يطبع في مطبعة المنار من الكتب العلمية وحضور دروسه في داره .
قطع مواصلة الدراسة النظامية في دار الدعوة والإرشاد قيام الحرب العالمية الأولى؛ ولكن الشيخ كان أصلب من أن تقصيه حربٌ ليس لهُ فيها ناقة ولا جمل عن مواصلة التسلح بسلاح العلم، فكان يذهب وبعض طلاب الدار إلى المدرسة باختيارهم وكان يأتيهم هناك الشيخ السيد رشيد رضا والدكتور محمد توفيق صدقي ـ رحمهم الله ـ .. وبعد نهاية الحرب أقفلت المدرسة نهائياً ،وكان السيد رشيد رضا قد غرس فيه حب السنة النبوية والنهل منها، ونبذ التقليد الأعمى.
نقطة تحول
كان الشيخ عبد الظاهر أبو السمح كان له دور بارز في توجيه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وحب مذهب السلف وفي ذلك يقول الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة:
((وعلى ذكر الشيخ عبد الظاهر أبي السمح ، أذكر له بالثناء الجميل توجيه قلبي ونفسي إلى مطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد كان أستاذي بدار الدعوة والإرشاد في تجويد القرآن، وتجويد الخط، وبالاتصال به دارت بيننا مباحثات في مسائل التوسل، والشفاعة، ودعاء الصالحين، فأعارني كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية، في التوسل والوسيلة، فقرأته فتأثرت به أي تأثر، وانتقلت رأساً على عقب، وامتزج حب ذلك الشيخ: شيخ الإسـلام ابن تيمية بلحمي وعصبي ودمي ، وأصبحت حرياً على البحث عن كل كتاب له، ولمن يتابعه، وقرأت بعض كتب تلميذه كالشيخ محمد بن عبد الهادي "الصارم المنكي في الرد على السبكي" فخرجت بيقين ثابت، وإيمان قوي، ومعرفة جيدة بمذاهب السلف في هذه الأمور، وبحب مطالعة كتب الحديث، وأسانيده، والكلام على رجاله، كل ذلك ببركة مطالعة كتابي: التوسل والوسيلة والصارم المنكي)).
وكانت معرفة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة بالشيخ عبد الظاهر أبي السمح بدار الدعوة والإرشاد ثم توثقت العلاقات بالمصاهرة بينهما .
شيوخه
تتلمذ الشيخ في مسيرته العلمية على جملة من المشايخ ونهل من علومهم واستفاد من دروسهم كالشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ سليم البشري شيخ الأزهر في وقته، والشيخ محمد توفيق صدقي، أحد علماء الأزهر، والشيخ مصطفى القاياتي وغيرهم.
وبعد ذهابه إلى الحجاز أخذ عن علمائها منهم الشيخ عبيد الله السندي أحد علماء الهند و الشيخ أبو بكر بن عارف خوقير، والشيخ عبد الستار الدهلوي، والشيخ علي بن فالح الظاهري وغيرهم.
انتقاله إلى الحجاز
قَدِم الشيخ إلى المملكة العربية السعودية من مصر في موسم الحج هو والشيخ عبد الظاهر أبو السمح عام 1344هـ، والتقيا الملك عبد العزيز آل سعود وأوعز إليهما بالبقاء في مكة لإمامة الحرمين وخدمة الدين وأهله، فأجاباه إلى طلبه، ثم رجعا إلى مصر للتأهب للعودة إلى مكة فوصلها الشيخ في ربيع الآخر سنة 1345هـ وعيَّنه الملك عبد العزيز مدرسا بـــ"المسجد الحرام" و"المعهد السعودي".
وتفرغ مع تدريسه في ذلك الوقت إلى القراءة على الشيخ عبيد الله السندي فقرأ عليه "مقدمة صحيح مسلم" وشيئا من أول "الصحيح" و"علل الترمذي" وشيئا من أول "جامعه" و"نخبة الفكر" وأول "الموطأ" وشيئا من "حجة الله البالغة".
وابتدأ هو تدريسه في المسجد الحرام بين العشاءين، وبعد صلاة الفجر في المسجد الحرام، ابتدأ بكتاب "مشكاة المصابيح" فكان الإقبال على دروسه عظيما، وأكمل قراءة الصحيحين وشرحهما، وإلى جانب تدريس الحديث كان يدرس التفسير، أكمل مرارًا تفسير القرآن الكريم، بطريقة غير مألوفة للناس، وذلك بعدم التقيد بكتاب معين فكان يقرأ الآية غيبًا ثم يبدأ في تفسيرها بما وهبه الله من سعة الاطلاع وسرعة استحضار أقوال السلف مكتفيًا في ذلك بالصحيح الثابت المأثور من الأقوال و الروايات، ودرّس كذلك علوم اللغة العربية بل وكان يدرس الرياضيات أيضا وذلك لما كان له من مطالعات ومشاركات في هذه العلوم.
لقد كانت دروس الشيخ ماتعة، حيث كان فيها طلق اللسان عذب البيان متمكنا من اللغة ينبئ كلامه عن سعة اطلاع وقوة حجة.
وفي عام 1346هـ انتقل الشيخ إلى المدينة خطيبا للمسجد النبوي وإماما لصلاة الصبح ومدرسا ووكيلا لهيئة مراقبة الدروس فيه، وبقي على ذلك إلى ذي الحجة سنة 1347ه ثم تحول إلى مكة في أول سنة 1348هـ وأعيد للتدريس في المسجد الحرام والمعهد السعودي.
كان للشيخ دروس خاصة لأفرادٍ من راغبي العلم في حجرته بباب علي في الحرم المكي وكانت تعرف بقبة الساعات فكان يدرسهم مختلف العلوم في العربية كالنحو الصرف والبلاغة وأصول التفسير وأصول الحديث
مدرسة دار الحديث:
كان الاهتمام بالحديث وكتبه ودراسته ودراسة فنونه في مقدمة ما كان يحرص عليه الشيخان الجليلان الشيخ عبد الظاهر محمد أبو السمح والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة وبناءً عليه قام الاثنان بتأسيس (دار الحديث بمكة) سنة 1350هـ (1931م) بعد الاستئذان من الملك عبد العزيز- رحمه الله- وقد رحب بالفكرة، ووعدهما بالمساعدة في كل ما يحتاج إليه هذا المشروع.
وتم افتتاح هذه الدار تحت إدارة الشيخ عبد الظاهر أبي السمح، وعُهِدَ إلى الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة بأن يكون مدرسًا أولاً بها، واختير لها كذلك نخبة من العلماء المشتغلين بالحديث وعلومه للتدريس بها.
وبذل الشيخ محمد عبد الرزاق مجهودًا كبيرًا في رفع مستوى طلاب الدار في علوم الحديث، وكان معظم طلابها يومئذ من المجاورين، وبعد سنوات تخرج فيها عدد لا بأس به، فرجعوا إلى بلادهم بأفريقيا وآسيا دعاةً إلى الله، وهداة إلى سنة رسوله كما تولى كثير منهم المناصب الدينية الرفيعة في بلادهم.
وفي سنة 1372هـ /1952م تأسس في الرياض أول معهد علمي وانتدب الشيخ للتدريس به واستمر انتدابه سنة واحدة تقريبا، ثم عاد إلى مكة مدرساً بدار الحديث والحرم المكي.
وبعد بلوغ الشيخ سن (الرابعة والستين) وبعد جهاد علمي متواصل وخدمة للعلم وأهله في مختلف مجالاته ونشر للمعرفة بكل الوسائل أحيل الشيخ على التقاعد بكامل راتبه. لكن الطلبة والذين كانوا ينهلون العلوم منه لم يشعروا بأي فرق في مجالس دروسه في الحرم الشريف وفي حجرته بل زاد نشاطه في ذلك وزاد عدد الطلاب عنده، كما شاهد المتصلون به زيادة اهتمام منه بالتأليف والتعليقات وكتابة المقالات في المجلات.
من تلاميذه :
تخرّج على الشيخ أعداد غفيرة من تلاميذه الذين أصبحوا بعد ذلك من العلماء البارزين، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- الشيخ عبد الله بن عبد الغني خياط الخطيب بالمسجد الحرام.
2- الشيخ علي بن محمد الهندي.
3- الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع.
4- الشيخ المحدث محمد بن عبد الله الصومالي.
5- الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري.
6- الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد الهادي الشايقي السوداني، ثم المكي، مدير دار الحديث.
7- الشيخ يحيى بن عثمان بن حسين العظيم أبادي، ثم المكي.
8- الشيخ عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي.
9- الدكتور محمد بن سعد الشويعر وغيرهم.
ومما يذكر هنا أن الشيخ عبد الله خياط إمام المسجد الحرام تزوج بنت الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وولدت له الشيخ أسامة بن عبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام.
فكرة تأسيس مرصد فلكي:
كانت اهتمامات الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة بالعلوم الكونية و الفلكية تناهز تعمقه في علوم الحديث، وأنت لا تطالع كتابا له إلا وتجد أثرا قويا في توجهه نحو علوم الحساب والفلك والطب وما إلى ذلك ومحاججته لأبي رية في كتاب «ظلمات أبي رية» عامرة بالاستشهادات العلمية والطبية والفلكية.
فكر الشيخ في تأسيس مرصد فلكي صغير، على رأس جبل أبي قيس بمكة المكرمة، للاستعانة بآلاته على إثبات رؤية الهلال لشهر رمضان، ورؤية هلال ذي الحجة لتحديد وقفة عرفات وعيد الأضحى، وعرض الفكرة على الملك سعود بن عبد العزيز- رحمه الله- فوافق، وأصدر أمره إلى (وزارة المالية) ببناء غرفة خاصة للمرصد على قمة جبل أبي قبيس كما ساعده في جلب بعض آلات الرصد في مقدمتها (تلسكوب) ولكن- مع الأسف- لم يكتب للفكرة الظهور إلى الوجود نظرًا لغرابتها.
أيده الشيخ عبدالله بن ابراهيم الانصاري الداعية المعروف ومدير الشؤون الدينية في دولة قطر رحمه الله وهو من تلاميذه، ومعروف أن الشيخ الانصاري له اهتمام بعلم الفلك وقد اتفقت ميوله الفلكية مع اهتمامات الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة الفلكية وتوجه الأنصاري للحساب الفلكي وخصوصا في تحديد ظهور الهلال في الأشهر الهجرية لمعرفة رمضان والعيدين ووقفة عرفات.
مؤلفاته:
ترك الشيخ عدة مؤلفات كما حقق العديد من الكتب نذكر منها :
1- رسالة في الصلاة، جمع فيها كل ما يتعلق بالصلاة، وأنواعها، وأحكامها، وفضائلها وحكم تاركها، طبعت بمكتبة الإمام بالقاهرة عام1370هـ في 200 صحة.
2- "الشواهد والنصوص من كتاب الأغلال على ما فيه من زيغ وكفر وضلال"، وهو رد على القصيمي، طبع بمكتبة الإمام بالقاهرة عام 1367هـ في 200 صفحة.
3- المقابلة بين الهدى والضلال حول ترحيب الكوثري بنقد تأنيبه، طبع بمكتبة الإمام بالقاهرة 1370هـ في 72صفحة، وله طبعة أخرى حديثة بتحقيق: عبدالله بن صالح المدني ، نشر :مكتبة العلوم في 1993هـ ، الطبعة الثانية.
4- " ظلمات أبي رية"، طبع مع كتاب الشواهد والنصوص، المطبعة السلفية بالقاهرة عام 1378هـ في 331 صفحة.
5- الباقلاني وكتابه التمهيد، في رسالة جمعت بحثه وبحث الشيخ بهجت بيطار، والشيخ عبدالرحمن بن يحي المعلمي، طبع بمكتبة الإمام بالقاهرة.
6- الله رب العالمين في الفطر والعقول والأديان، رسالة لم تطبع، وقد نشر منها فصولا في مجلة الحج التي تصدر بمكة.
7- "كراسات في الجرح والتعديل"، لم تطبع.
8-مجموعة من الأحاديث المختارة المشروحة وتبيان منزلتها من الصحة،لم تطبع.
11- تحقيق كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" لابن بشر. طبعة مكة المكرمة 1349هـ.ـ
10- تحقيق رسالة التوحيد للإمام أبي جعفر الباقر، طبع دار العباد- بيروت (1376هـ - 1956م).
11- تحقيق كتاب موارد الضمان إلى زوائد ابن حبان، طبع بالمطبعة السلفية بالقاهرة (1351هـ) وله طبعة أخرى بدار الكتب العلمية – بيروت، وعدد صفحاته (694) صفحة.
12- تحقيق كتاب الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، طبع بالمطبعة الماجدية بمكة المكرمة (1353هـ).
13- الرسالة الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية، المطبعة السلفية بمكة المكرمة(1350)هـ
14- رسالة الحلف بالطلاق لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار الطباعة المحمدية بالأزهر، القاهرة (1342هـ).
15- الكبائر للذهبي، مطبعة الإمام بالقاهرة (1373هـ) .
16- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، اشترك في تحقيقه وتصحيحه مع محمد حامد الفقي، ومحمد محي الدين عبدالحميد، مطبعة السنة المحمدية (1368هـ - 1949م).
17- تحقيق (نقض المنطق) لابن تيمية، بالاشتراك مع الشيخ سليمان بن عبدالرحمن الصنيع، طبع بتصحيح محمد حامد الفقي في مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الأولى (1370هـ - 1951م)
18- تحقيقات وتعليقات على كتاب "الحلية" لأبي نعيم، لم تطبع.
*وللشيخ مجموعة من الخطب ألقاها في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وله كذلك مجموع مقالات وردود نشرت في الصحف والمجلات والدوريات.
وفاته:
وفي الأيام الأخيرة من سنة 1385هـ (1965م) أصيب رحمه الله بعدة أمراض، وقد دخل مستشفيات مكة والطائف للاستشفاء، ثم سافر إلى بيروت فمكث بها أياما لتلقي العلاج، ثم سافر إلى تركيا لنفس الغرض، ثم عاد إلى مكة واشتدت عليه وطأة الأمراض فأصبح من سنة 1390هـ(1970م) ملازما للفراش، حتى وافاه الأجل في يوم الخميس 22 صفر 1392هـ (1972م) وصلي عليه في الحرم المكي ودفن بالمعلاة، عن عمر بلغ 84 سنة، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الفردوس الأعلى.

اكتب تعليق

أحدث أقدم