رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الشخصية في المفهوم العام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الشخصية في المفهوم العام




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الشخصية تعني في مفهومها العام: ملامح الإنسان وصفاته التي تميزه عن غيره، ولا يقتصر هذا المفهوم على الصفات البدنية، إنما يتعداها إلى الصفات النفسية والاجتماعية والعقلية، وقد صارت الشخصية عَلماً على السمات الخاصة التي يتميز بها كل إنسان عن الآخر في عقيدته وعواطفه ومشاعره وسلوكه وعلاقته الاجتماعية وطرائق تفكيره وسائر تصرفاته الإرادية، لأن هذه هي المقومات الشخصية للإنسان ومدار الحكم على شخصيته.
إن تفاوت الناس في صفاتهم البدنية يرجع إلى عوامل الوراثة والبيئة، وهو تفاوت محمود لا يغير شيئاً من خصائص الإنسان الجسمية، ووظائفه العضوية، وقلما يكون له تأثير في الصفات النفسية إلا لدى أصحاب العاهات من الشواذ، والنادر لا حكم له.
والحياة الإنسانية لا تقوم بالمقاييس الحسية الظاهرة، إنما تقوم بمعيار العقيدة والقيم الأخلاقية، والمستوى الفكري، لأن هذه هي خصائص الإنسان العاقل المكلف الرشيد. وبهذا المفهوم الخاص تتميز شخصية المسلم عن غيره، فهي شخصية مؤمنة مهتدية، تتجه بمشاعرها وأحاسيسها لله تعالى، تستلهم منه الرشد والسداد، وتهتدي بنور الإيمان في سلوكها، وتتخذ الشريعة الإسلامية نبراسًا لها في تصرفاتها، وتحتكم إليها في كل شؤون حياتها.
وهي شخصية متميزة بالعقيدة الإسلامية التي تؤمن بها. وتخالط شغاف قلبها، وتمتزج بأحاسيسها، فتعيش من أجلها، وتجعل حياتها وقفاً عليها، إذ لا قيمة للحياة بدون عقيدة، والعقيدة لدى المسلم هي المعيار الأساسي للعمل. فأي عمل لا ينبعث من العقيدة لا قيمة له في ميزان الإسلام مهما كان جليلاً نافعاً يعود على البشرية بالخير يقول الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 17، 18] [1] يقول تعالى: ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له. ومن قرأ: "مسجد الله" فأراد به المسجد الحرام، أشرف المساجد في الأرض، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده لا شريك له. وأسسه خليل الرحمن هذا، وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر، أي: بحالهم وقالهم، كما قال السدي: لو سألت النصراني: ما دينك؟ لقال: نصراني، واليهودي: ما دينك؟ لقال يهودي، والصابئي، لقال: صابئي، والمشرك، لقال: مشرك. ولهذا قال:﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 18] فشهد تعالى بالإيمان لعمار المساجد كما قال الإمام أحمد.
حدثنا سريج حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث؛ أن دراجاً أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري[2]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان)) [3] وقوله: ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ﴾ [التوبة: 18] أي: التي هي أكبر عبادات البدن، ﴿ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾ [التوبة: 18] أي: التي هي أفضل الأعمال المتعدية إلى بر الخلائق، ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [التوبة: 18] أي: ولم يخف إلا من الله تعالى، ولم يخش سواه، ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18] [4].
فهي شخصية متميزة بسلوكها على حساب دينها الإسلامي، تقف عند حدود الإسلام وشرائعه، عبادة ومعاملة وأخلاقاً لا تجامل، ولا تداري ولا تماري ولا تدع لأي ضغط اجتماعي فرصة للتأثير عليها. حتى تتهاون في شيء من قيمها، وهي شخصية تعتز بمقوماتها من غير كبرياء، فلا تلين ولا تضعف، ولا تذوب في أي بيئة تعيش فيها، أو مجتمع يضمها، إنها شخصية تؤثر في غيرها، ولا يؤثر عليها، وان استفادت بكل خير، "فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها ".
فالشخص المسلم الذي يخضع للعادات والتقاليد الفاسدة التي تفرض وجودها بالانتشار في بعض المجتمعات، فيجاري أحوال الناس في فسادهم، أو يعيش في مجتمعات غير إسلامية لمقاصد سليمة فلا يلبث طويلاً حتى ينخرط في سلكها، ويتقبل أوضاع حياتها التي تتنافى مع عقيدته أو دينه، هذا الشخص أو ذاك لا شخصية له لأنه تهاون في مقومات شخصيته الإسلامية وأهدر مثلها. وجماع ما تتميز به شخصية المسلم أن يكون رجل عقيدة، ترى حياته صورة صادقة لها، يقرأ الناس فيها كتاب الإسلام مسطوراً في آرائه وأفكاره وأخلاقه وسلوكه، حيث تكون نظرته إلى الكون والإنسان والحياة نظرة إسلامية، وتكون المثل الذي يحتذيها والفضائل التي يتحلى بها أخلاقاً قرآنية ويستقي أحكامه على الأمور كلها من هدي الإسلام وشريعته، ويأخذ نفسه بعد هذا يدين لله في أعماله وشؤون حياته، يفتدي عقيدته بنفسه وماله، ويفي بالبيعة وفاء المؤمنين الصادقين ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111] [5]. وهذا هو المُثَّمَن الذي أعطى الله تعالى فيه الثمن وهو الجنة، وقوله ﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ﴾ [التوبة: 111] أي أعداء الله المشركين ﴿ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة: 111] أي يستشهدون في معارك القتال وقوله ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾ [التوبة: 111] أي وعدهم بذلك وعداً وأحقه حقاً أي أثبته في الكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن تقريراً له وتثبيتاً وقوله ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111] استفهام بمعنى النفي أي لا أحد مطلقاً أوفى بعهده إذا عاهد من الله تعالى وقوله ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ﴾ [التوبة: 111] فبناء على ذلك فاستبشروا أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم الله تعالى به أي فسروا بذلك وافرحوا وذلك البيع والاستبشار هو الفوز العظيم الذي لا فوز خير ولا أعظم منه[6].
________________________________________
[1] سورة التوبة:18
[2] سعد بن مالك أبو سعيد الخدري (63 هـ): هو الإمام المجاهد، مفتي المدينة، سعد بن مالك بن سنان، حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر وعلي وابن عباس وجابر وزيد بن ثابت. وعنه من الصحابة عائشة وابن عمر وجابر بن سمرة وآخرون، ومن التابعين سعيد بن المسيب وأبو عثمان النهدي وعلقمة والأحنف. أول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سننا كثيرة وعلما جما، وكان من نجباء الصحابة وعلمائهم وفضلائهم. توفي سنة ثلاث وستين للهجرة. (البداية والنهاية (9/ 43) والسير (3/ 168 - 172).
[3] سنن بن ماجة، باب لزوم المساجد ( ج 1 ص 263).
[4] تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ج4 ص119).
[5] سورة التوبة:111
[6] تفسير ابو بكر الجزائري (ج2 ص 429).

اكتب تعليق

أحدث أقدم