رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أكل المال الحرام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أكل المال الحرام

بقلم \  المفكر العربى الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف 
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
قال ابنُ عباس - رضي الله عنهما -: "هذا في الرَّجُل يكون عليه مالٌ، وليس عليه فيه بيِّنة، فيَجْحَد المالَ، ويخاصمهم إلى الحكَّام، وهو يعرف أنَّ الحقَّ عليه، وأنَّه آثِمٌ آكِلٌ للحرام"[1]. اهـ.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
روى الإمامُ أحمد في "مسنده"، من حديث كعب بن عِياضٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ لكلِّ أمَّةٍ فتنةً، وإنَّ فتنةَ أُمَّتي المالُ))[2].
وممَّا يُلاحَظُ: تساهل كثيرٍ من الناس في أكل المال الحرام؛ وذلك مصداقًا لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((ليأتينَّ على الناس زمانٌ، لا يبالي المرءُ بما أخذَ المالَ: أمِنَ الحلال أم من الحرام))[3].
قال ابن المبارك: "لأنْ أرُدَّ دِرْهمًا من شُبْهَةٍ؛ أحبّ إليَّ من أن أتصدَّق بمائة ألفٍ".
قال عمر - رضي الله عنه -: ((كنَّا نَدَعُ تسعةَ أعشار الحلال؛ مخافةَ الوقوع في الحرام))، وإنما فعل ذلك - رضي الله عنه - امتثالاً لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان بن بشير: ((إنَّ الحلال بَيِّنٌ، وإنَّ الحرام بَيِّنٌ، وبينهما مشتبهاتٌ، لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَنِ اتَّقى الشُّبهات، استبرأ لدينه وعِرْضِه، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى، يوشك أن يَرْتَعَ فيه))[4] الحديث.
ومن صور أكل المال المحرَّم: الرِّبا الذي حرَّمَهُ اللهُ ورسولُه، وَلَعَنَ آكِلَهُ، وكاتِبَهُ، وشاهِدَيْه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وقد غلب حبُّ المال على قلوب بعض المسلمين، فصاروا يتسابقون إلى شراء أسهم البنوك الرِّبويَّة، وآخَرون يودِعون أموالهم في البنوك، ويأخذون عليها زيادةُ رِبويَّةً يسمونها (فوائد)!
وإن من الجرائم العظيمة والأمور الخطيرة: ما نشاهده من تسابق أهل هذه البنوك، بوضع شتَّى الطرق والحِيَل؛ لإيقاع الناس في الرِّبا، وترغيبهم بشتَّى الوسائل؛ لتزداد أرصدتهم من هذه الأموال الخبيثة، وعلى سبيل المثال: ما يسمى بطاقة (فيزا سامبا)، وقد صدرت فيها فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم التعامل بها، وأنها من الرِّبا الذي حرَّمه الله ورسولُه، وهي بطاقة يصدرها البنك بمبلغٍ معيَّنٍ يسمى (قيمة إصدار)، ويحقُّ لحاملها أن يشتري ما شاء من سلع وحاجيات، على أن يرُدَّ قيمة هذه السلع خلالَ مدة معينة، فإن لم يَفعل؛ فإنه يُحْسَب عليه عن كل يومٍ فائدةً[5].
ومن صور أكل المال المحرَّم: الاعتداء على رواتب العمَّال، وعدم إعطائهم حقوقهم في أوقاتها.
ومن صور أكل المال المحرَّم التي نشاهدها كثيرًا في الأسواق: الحلف على السِّلْعَة باليمين الكاذِب، والغش في المعاملات، وغير ذلك.
وآكل الحرام إنما يعرِّض نفسه للعقوبة في الدنيا، وفي قَبْرِه، ويوم القيامة:
أمَّا في الدنيا، فقد تكون العقوبة خسارةً في ماله، أو مَحْقٌ إلهيٌّ للمال الذي اكتسبه، ونَزْع البركة منه، أو مصيبةً في جسده؛ قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
وأما في قبره، فقد ورد في الحديث: أن عبدًا يُقال له مِدْعَمٌ، كان مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -واستشهِد في غزوة خيبر؛ أصابه سهمٌ طائِشٌ، فقال الصحابة - رضي الله عنهم -: هنيئًا له الشَّهادة، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((كلاَّ، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلة التي أصابها يوم خيبر من المغانِم، لم تُصِبْها المقاسِم - لَتَشْتَعِلُ عليه نارًا))، فلما سمع الناس ذلك، جاء رجلٌ بشِراكٍ أو شِراكَيْن إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((شِراكٌ أو شِراكانِ من نارٍ))[6]؛ وهذه الشَّمْلَة عباءةٌ قيمتها دراهم معدودة، ومع ذلك لم يَسْلَم صاحبها من عقوبة أكل المال الحرام.
وأما في الآخِرة، فعن كعب بن عَجْرَة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا كعبُ، لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ؛ إلاَّ كانت النار أوْلى به))[7].
ومن عقوبة أكل المال الحرام: حِرمان إجابةِ الدُّعاء وقبول العبادة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا أيها الناس، إنَّ الله طيبٌ، لا يقبل إلا طيِّبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}))، ثمَّ ذكر الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفرَ، أشعثَ أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومَطْعَمه حرامٌ، ومَشْرَبه حرامٌ، ومَلْبَسه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُسْتَجَابُ لذلك!))[8].
وهذا الحديث فيه تحذيرٌ لطائفةٍ من الناس، خدعهم الشيطان، وزيَّن لهم أعمالهم السيئة، فتراهم يأكلون الحرام، وينفقون منه في بعض الأعمال الصالحة؛ كبناء المساجد أو المدارس، أو حفر الآبار، أو غير ذلك، ويظنُّون أنهم بهذا برئت ذمَّتهم، فهؤلاء يعاقَبون مرتَيْن:
الأولى: أنَّ الله لا يقبل منهم أعمالهم الصالحة التي أنفقوا عليها من الأموال المحرَّمة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله طيِّبٌ، لا يقبل إلا طيِّبًا))[9].
الثانية: أن الله يعاقبهم على هذا المال الحرام، ويحاسَبون عليه يوم القيامة؛ فعن خَوْلَة الأنصارية - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حقٍّ؛ فلهم النار يوم القيامة))[10].
قال سفيان الثوري: "مَنْ أنفق الحرام في الطاعة، فهو كمَنْ طهَّر الثوبَ بالبَوْل، والثوب لا يَطْهُر إلا بالماء، والذنب لا يكفِّره إلا الحلال".
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغنِنا بفضلك عمَّنْ سواك.
ــــــــــــــــــــ
[1] تفسير ابن كثير (1/224-225).
[2] سنن الترمذي (4/569) برقم (2336)، وقال: حديث حسن صحيح، وصحَّحه الشيخ الألباني، في صحيح الجامع الصغير (1/430) برقم (2148).
[3] صحيح البخاري (2/84) برقم (2083).
[4] صحيح البخاري (2/74) برقم (2051)، وصحيح مسلم (3/1219-1220) برقم (1599)
[5] فتوى رقم (17611).
[6] صحيح البخاري (4/230) برقم (6707).
[7] قطعة من حديث، في سنن الترمذي (2/513) برقم (614).
[8] صحيح مسلم (2/73) برقم (1015).
[9] قطعة من حديث في صحيح مسلم (2/73) برقم (1015).
[10] صحيح البخاري (2/393) برقم (3118).

اكتب تعليق

أحدث أقدم