رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الألفاظ ذات الصلة بالرفق

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الألفاظ ذات الصلة بالرفق



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك قيه انه ظهر من خلال البحث أن جملة من الألفاظ لها صلة بالرِّفق، بعضها يوافقه في معناه أو يقاربه، وبعضها يضادُّه ويخالفه، ونظراً لكثرة تلك الألفاظ من جهة، وكونِ هذه الدراسة دراسة حديثية من جهة أخرى، فإني سأقتصر على ذكر ما وقفت عليه من الألفاظ في السُّنَّة النبوية خاصة، جاعلاً إياها في مطلبين على النحو الآتي:
المطلب الأول: الألفاظ الموافقة لمعنى الرِّفق، ومن أبرزها الألفاظ التسعة التالية:
1- الهَوْن: يقال: هان يَهُون هَوْناً، إذا سهُلَ.
وفي التنـزيل: ﴿ وعِبادُ الرَّحمنِ الذينَ يَمْشُونَ على الأرضِ هَوْناً ﴾[1].
والهيِّن، والهَيْن: الساكن المُتَّئِد[2]، والهَيْنَةُ: الرِّفق، قاله ابن حجر[3].
2- اللِّين: هو ضِدُّ الخشونة، يقال: لانَ فلانٌ لقومه يَلِين لِيناً، إذا سَهُل، وفلانٌ ليِّنُ الجانب ولَيْنُ الجانب[4].
ومنه قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159][5].
3- السُّهولة: هي ضدُّ الشِّدَّة والصُّعوبة، يقال: سَهُل فلان إذا مال إلى اللِّين وقِلَّة الخُشونة، فهو سَهْلٌ، وفلانٌ سهلُ الخُلُق أو القِياد أو المعاملة أي: لَيِّنٌ، سَلِسٌ، سَمْحٌ[6].
وقد جاءت الألفاظ الثلاثة الآنفة مجتمعة في حديث شريف يحثُّ على الرِّفق ويرغِّب فيه:
عن عبداللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخْبِرُكم بمن يَحْرُم على النَّار، أو: بِمَنْ تَحْرُم عليه النارُ؟ على كلِّ قريبٍ هَيْنٍ لَيْن سهل )) أخرجه الترمذي[7].
والمعنى: تحرم النار على كلِّ قريبٍ إلى الناس، قد اتّصف بالسكون والوقار والسهولة، فهو كريم الشمائل، سهل الأخلاق، ليس شديداً ولا عنيفاً ولا صَعْباً[8].
4-المداراة:
يقال: داراه، أي: لاطفه ولاينه ورفق به واتّقاه[9].
قال ابن حجر: ((المُداراة: هو بغير همز، بمعنى المجاملة والمُلاينة ))[10].
وقال ابن بطال[11]: ((المداراة من أخلاق المؤمنين وهي: خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الأُلفة وسَلِّ السَّخِيمة[12])).
وقال أيضاً[13]: ((المداراة هي: الرِّفق بالجاهل الذي يستتر بالمعاصي ولا يجاهر بالكبائر، والمعاطفة في ردِّ أهل الباطل إلى مُراد الله بلينٍ ولُطْفٍ حتى يرجعوا عما هم عليه )).
والمُداراة بمعناها السابق مشروعة، وهي تختلف عن المُداهنة المحرَّمة، فقد فسّر العلماء المداهنة بأَنْ تَلْقَى الفاسقَ المُظهِرَ لفسقه بالألفة والمودّة والرِّضا، وترى أفعاله المنكرة ولا تنكرها عليه[14].
5-اللُّطْف:
يقال: لَطَف به، ولَطَف له، يَلْطُف، لُطْفاً، ولَطَفاً: رفَق به ورأف.
وتلطَّف للأمر، وفيه، وبه: ترفَّق، وألطف له في القول وفي المسألة: سأله سؤالاً لطيفاً، ولاطفه: رفق به وألان له القول، وتلاطف القوم وتلطّفوا: رفَق بعضُهم ببعض[15].
قالت عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك: ((فقدِمْنا المدينةَ فاشتكَيْتُ بها شهراً والناس يُفِيضون من قول أصحاب الإفك، ويَرِيبُني في وجَعي أني لا أَرَى من النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذي كنْتُ أَرى منه حين أَمْرَضُ... )) الحديث، أخرجه الشيخان[16].
قال الحافظ ابن حجر[17]: ((اللُّطْف - بضم أوله وسكون ثانيه، وبفتحهما، لغتان، والمراد: الرِّفْق، ووقع في رواية ابن إسحاق: أنكرت بعضَ لُطْفِه )).
6-الأَنَاة:
يقال: أَنِيَ، يأْنَى، أَنْياً وإِنىً: تمهَّل وترفَّق.
وتأنّى فلان: إذا رفق.
واستأنِ يا فلان، أي: لا تعجل، وتأنَّ في أمركَ واتَّئِدْ: بمعناه.
وامرأةٌ أَنَاةٌ، أي: رزينةٌ لا تَصْخَبْ ولا تُفْحِشْ.
والأنَاة: التُّؤَدة والرِّفق[18].
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأشَجِّ عبدِ القيسِ: ((إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما الله: الحِلْمُ والأَنَاةُ)) رواه مسلم[19].
7- الرِّقّة:
يقال: رَقَّ جانبُه، إذا لانَ وسهُل، ورقَّ له: رحِمَه، ورقَّق قلبَه: لطَّفه وليَّنه، ورقَّق كلامَه: لطَّفه وحسَّنه، ورقَّق مَشْيَه: مشى مَشياً سهلاً، وضدُّ الرِّقَّة: الغِلْظة[20].
قال مالك بن الحُوَيْرِث رضي الله عنه: ((أتينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ونحن شبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنَّ أنّا اشتَقْنا أهلَنا، وسألَنا عمّن ترَكْنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رقيقاً رحيماً... )) الحديث أخرجه البخاري[21].
وقال عائشة رضي الله عنها: ((إن أبا بكر رجل رقيق[22])) أي: ضعيف هيِّن ليِّن... والمراد بالرِّقَّة هنا: ضدُّ القسوة والشِّدَّة، قاله ابن الأثير[23].
8- العطف:
يقال: عطَف يَعْطِف، إذا مال وانحنى، وعطَف عليه وتعطَّف، إذا أشفق ورَحِم[24].
جاء في الحديث: ((إنَّ الله خلق يومَ خلقَ السماواتِ والأرضَ مئةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمةً، فبها تَعْطِفُ الوالدةُ على ولدها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعضٍ...)) الحديث رواه مسلم[25].
9- الرِّسْل:
الرِّسْل: الرِّفق والتُّؤَدة، يقال: افعل كذا على رِسْلِك، أي: اتَّئِد ولا تعجل[26].
وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث الشريف، ومن ذلك ما جاء في حديث الهجرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: وتجهَّز أبو بكر قِبَل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على رِسْلك فإني أرجو أن يُؤْذنَ لي ))... الحديث، أخرجه البخاري[27].
قال ابن حجر: ((قوله (على رِسْلِك): بكسر أوله، أي: على مهلك، والرِّسْل: السير الرفيق ))[28].
والتَّرسُّل: التمهُّل والتَّرفُّق، يقال: ترسَّلَ في كلامه وقراءته ومشيته[29].
قال ابن الأثير: (( ومنه حديث عمر (( إذا أذَّنْتَ فترسَّل[30]))، أي: تأنَّ ولا تعجل))[31].
________________________________________
[1] سورة الفرقان (63).
[2] (( القاموس )) مادة (هـ ي ن).
[3] (( فتح الباري )) 2: 144 عند شرح حديث (639).
[4] الراغب في (( مفردات ألفاظ القرآن )) ص 752، و(( القاموس )) مادة (ل ي ن).
[5] سورة آل عمران (159).
[6] (( مفردات ألفاظ القرآن )) ص 430، و(( المعجم الوسيط )) مادة (س هـ ل) .
[7] الترمذي: كتاب صفة القيامة - باب (45) حديث (2488) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
[8] ينظر: (( النهاية )) 5: 289-290، و(( تحفة الأحوذي )) 7: 160-161.
[9] (( المعجم الوسيط )) مادة (درى).
[10] (( فتح الباري )) 9: 161.
[11] ابن بطال في (( شرح صحيح البخاري )) 9: 305.
[12] أي: إخراج الحقد الذي في النفوس برفق. (( القاموس )) مادة (س ل ل) و(س خ م).
[13] (( شرح صحيح البخاري )) 9: 306.
[14] المرجع السابق .
[15] (( المعجم الوسيط )) مادة (ل ط ف).
[16] البخاري: كتاب الشهادات - باب تعديل النساء بعضهن بعضاً 5: 319 (2661)، ومسلم: كتاب التوبة - باب في حديث الإفك 4: 2129 حديث 56 (2770).
[17] (( فتح الباري )) 8: 320.
[18] (( لسان العرب )) 14: 48، و(( المعجم الوسيط )) مادة (أ ن ي).
[19] مسلم: كتاب الإيمان - باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله > وشرائع الدين... عن ابن عباس رضي الله عنهما 1: 48 حديث (25).
[20] (( القاموس )) و(( المعجم الوسيط )) مادة (ر ق ق).
[21] البخاري: كتاب الأدب - باب رحمة الناس والبهائم (6008).
[22] الحديث أخرجه البخاري: كتاب الأذان - باب أهل العلم والفضل أحقُّ بالإمامة (678)، ومسلم: كتاب الصلاة - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر... 1: 316 حديث 101 (420) عن أبي موسى رضي الله عنه.
[23] (( النهاية )) 2: 252.
[24] (( القاموس )) و(( المعجم الوسيط )) مادة (ع ط ف).
[25] مسلم: كتاب التوبة - باب في سعة رحمة الله تعالى... عن سلمان رضي الله عنه 4: 2109 حديث 21 (2753).
[26] (( القاموس )) و(( المعجم الوسيط )) مادة (ر س ل).
[27] البخاري: كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (3905).
[28] (( فتح الباري )) 7: 276.
[29] (( المعجم الوسيط )) مادة (ر س ل).
[30] البيهقي في (( السنن الكبرى )) 1: 629 (2010) وهو موقوف على عمر رضي الله عنه، وروي مرفوعاً من حديث جابر، أخرجه الترمذي (195) والحاكم في ((المستدرك)) 1: 204 وإسناده ضعيف، ينظر (( نصب الراية )) 1: 275 - 276.
[31] (( النهاية )) 2: 223.

اكتب تعليق

أحدث أقدم