رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن رسول الإسلام أول من أرسل السفراء والمبعوثين

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن رسول الإسلام أول من أرسل السفراء والمبعوثين

بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف 
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
مما لاشك فيه أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوَّل من استعان بالدُّبلوماسية، وأرسل السفراء والمبعوثين.
وإنَّ أول من استعان بالدبلوماسية في الإسلام كان الرسولَ الأعظمَ - صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى آلِه وصحبه - إذ بعث برسلٍ إلى بيزنطة وفارس، ومصر والحبشة وبلاد أخرى.
ويروي مؤرِّخو السير وكتَّاب التاريخ الإسلامي أسماءَ الرسل الذين أوفدَهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم:
شجاع بن وهبٍ الأسَدي إلى شَمر بن الحارث ملِكِ الغساسنة بالشام، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقِس صاحب مصر، وعمرو بن العاص إلى جَيْفر وعبادٍ الأَسَديَّيْن في عمَّان، ودحية الكلبي إلى قيصرَ ملِك الروم، وعمرو بن أميَّة الضّمري إلى النجاشي في الحبشة، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوَى العبدي وأهل البحرين، والمهاجر بن أبي أميَّة المخزومي إلى الحارث بن عبد كلالٍ ملك اليمن، وعبدالله بن حذافة إلى كسرى ملِك الفرس.
وزوَّدهم بكتب هي وثائقُ تؤيِّد صحة انتدابِهم كما توضِّح الغرض منه، كما بعث النبي الأمين المبعوثين السِّرِّيين الموثوق بهم إلى البلاد التي يهتمُّ بمعرفة أحوالها، فقد عيَّن عمه العباس مبعوثًا سريًّا في مكَّة، والمنذر بن عمرو بن خنيس الساعدي المكنى (بالمعنق ليموت) في نجد، وكانت مهمة المبعوثين السريين تزويدَ النبيِّ بالمعلومات عن أحوال وأحداث الجِهة التي بُعثوا إليها، هذا من الجهة الإسلامية، أمَّا من الجهة المقابلة، فقد عرَف الإسلام في بداية إشراقه وفي عهد الرَّسول الكريم نظامَ استقبال السُّفراء والرسل، وكان - صلوات الله عليه - يستقبلُهم في الجامع الكبير في المدينة، وجاء في سيرة ابن هشام (ص 622) أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصَّحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يلبَسون أحسن الثِّياب عند استقبالهم الوفود والرسل، غيرَ أن الخليفة عمرَ بنَ الخطاب - رضي الله عنه - لم يتقيَّد بهذا الأسلوب من الرسميَّات ومارس البساطة؛ حتى إنَّ سفير قيصرِ الروم لَمَّا أوفده وجده نائمًا تحت شجرة، وفي رأيي أنَّ الخليفة عمر قد أراد أن يُرِيَ سفير قيصر الروم الفرقَ الشاسع بين البساطة التي يعيشها خليفة المسلمين، وبين الأبَّهة والتَّرف اللذين يعيشُهما القيصر البيزنطي، ويُضرب بهما الأمثال، واللذان لا تزالُ تعاني الدُّبلوماسية العالمية من تأثيرهما فيها.
وكان صاحبُ الرسالة يستقبل الوفود باحتفالٍ وَفْق المراسيم والعادات العربية، وكان سفراءُ الدول الإسلامية يحترمون تقاليدَ الدول التي يُوفدون إليها ولا يخرجون عنها، إلا إذا تعارضت مع أحكام الدين، كعادة السُّجود للملوك التي كانت شائعةً في العهود القديمة.
وكان المسلمون يعترفون للمبعوثِ الأجنبي بالحصانة دون حصولِه على وثيقة أمان، ولم يقصُرِ المسلمون صفةَ المفاوض الدُّبلوماسي على ممثِّلي الملوك والحكومات، بل كان التسامح الإسلامي يتَّسع إلى حد إضفاء صفةِ المفاوض على كلِّ من يجادل في موضوعٍ يخصُّ الدعوة الإسلامية، حتى إنَّ هذا التسامح شمل بأمرٍ من النبيِّ - صلواتُ الله عليه وسلامُه - مبعوثي مسيلمةَ الكذَّابِ مع أنهما أساءا القول.
وقد أجمعت كتب السِّيَر على ذكر رواية أبي رافعٍ الذي جاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - موفَدًا من قريشٍ، وبعد مُثوله بين يديه، آمَنَ وعزم على ألاَّ يرجع، فقال له النبيُّ: ((ارجعْ، فإن كان في قلبِك الذي فيه الآن، فارجعْ إلينا))، وهذا الحادث يدلُّ على مدى تقدير الرَّسول الأعظمِ للأمانة التي يجبُ أن يتخلَّق بها السفير، وإلزامه بتأديتِها بإخلاص.
ومن أهم المصادر عن تاريخ دبلوماسية الإسلام والدول الإسلامية، الكتاب الذي وضعه أبو عليٍّ الحسين بن محمد المعروفُ بابن الفرَّاء، واسمه: "رسُلُ الملوك ومن يصلح للرسالة والسِّفارة"، وهو يتناول بالتَّفصيل كيف رفع فقهاءُ المسلمين منزلةَ الرسول والسفير، واعتبروا أنها تستمدُّ حرمتها من مكانةِ الرُّسل الذين يبعث بهم الله - عز وجل - إلى عباده ليبلغوا رسالته، ناهيًا عن التعرُّض لمهمتهم والمساس بأشخاصِهم، قد استنبطوا من نواهي الدين وأوامره تجاه تعظيم الرسل أساسًا لمعاملة رسل الملوك والخلفاء معاملة كريمةً؛ مستشهدين بالآيات الكريمة العديدة التي يحتويها القرآن في هذا الصَّدد، منها: ما ورد في سورة المزمّل: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴾ [المزمل: 15-16]، ومنها: ما ورد في سورة إبراهيم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4]، ويعلِّق ابن الفرَّاء على هذه الآية الكريمة مستنتجًا أن يكون السَّفير قادرًا على تفهُّم لغة مَنْ يرسل إليهم، وقد اعتبر الإسلام المفاوضة شرطًا أساسيًّا لا بد من توفُّره قبل اللجوء إلى الحرب؛ وذلك اتِّباعًا لِما جاء في قوله - تعالى - في سورة الإسراء: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وقوله - تعالى - في سورة القصص: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا ﴾ [القصص: 59]، ويعلِّق ابنُ الفراء على هاتين الآيتين بقوله: وقد فضَّل الله - سبحانه - المرسَلين من أنبيائه على غير المرسلين؛ لتبليغ الرسالة، وتحمُّل ثقل الأمانة، والصبر على أذى الكافرين، وتكذيب الجاحدين، وأورد ابن الفراء ما أسماه بالحكمة التي تقول: (إنَّ الكتاب يدٌ، والرسول لسان)، وأنَّ الواجب على الملوك أن يقرنوا كتبَهم بالرُّسل؛ لِما في ذلك من اكتمال الفائدة ووجود الحجَّة، ولقطع الرسول الأمر؛ إذ كان مأمورًا من غير مراجعة، ولا احتياج لاستئذان مرسلِه.
واستشهد بقول عبدالله بن جعفر بن أبي طالب:
إِذَا كُنْتَ فِي حَاجَةٍ مُرْسِلاً      فَأَرْسِلْ حَكِيمًا وَلاَ تُوصِهِ
وقد جاء في كتاب (أخلاق الملوك) للجاحظ المتوفى عام 255 هجرية تحت عنوان "آداب السَّفير" ما نصه:
"ومن الحقِّ على الملك أن يكون رسولُه صحيح الفِطرة والمزاج، ذا بيانٍ وعبارة، بصيرًا بمخارج الكلام وأجوبتِه، مؤدِّيًا لألفاظ الملِك ومعانيها، صادق اللَّهجة، لا يميل إلى طمَعٍ أو طبْع، حافظًا لِما حمِّل، وعلى الملك أن يمتحنَ رسولَه محنةً طويلة قبل أن يجعلَه رسولاً".
وقد وضع الدُّكتور نجيب الأرمنازي رسالة دكتوراه في جامعة باريس موضوعها: "الشَّرع الدولي في الإسلام" عام 1930، وقد عالج فيها مواضيعَ تتعلَّق بالدبلوماسية الإسلامية، تبدأ بعدم جواز القتال ما لم تبلغ الدعوة، ويجرِ التفاوضُ من أجلها، ثم مبدأ التحكيم وما يقتضيه من مفاوضة، والمعاهدات التي عقدها المسلمون مع الرُّوم في العهدين الأموي والعباسي، عن طريق إيفاد مبعوثين يتولَّوْن مهمة دبلوماسية معيَّنة.
ويُستنتج من ذلك أن المسلمين اتَّبعوا أسلوب الدبلوماسية المتقطِّعة لا الدائمة، كما تناوَل كيفية إرسال السُّفراء واستقبالهم، وما يواكب ذلك من مراسيمَ وأصولٍ، ثم المراسلات السِّياسية والتِّجارية، وكيف أنَّها كانت تُجرى بأساليبَ ورسومٍ متقنةِ الوضع، ونوَّه بما جاء في كتاب "الخراج" للإمام أبي يوسف، و"السير الكبير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، من إعفاء الدُّبلوماسيين من الضرائب، إلا إذا كان ما لديهم يستهدف التِّجارة فتؤخذ الرسوم عليه.
ومما يسترعي الاهتمام اقتباسُ اللغات الأوروبية عن اللغة العربية كلمةَ تعريفة للرسوم الجمركية، كما اقتبس الغربيون كلمة: (أميرال) من التركيب العربي: (أمير الماء).
ومن المعلومات الطَّريفة حول النشاط الدبلوماسيِّ الإسلامي العربي في العصور الوسطى، ما اختاره الدكتور إبراهيم أحمد العدوي في كتابه: "السفارات الإسلامية إلى أوربا في العصور الوسطى"، وقد ضمَّنه معلوماتٍ تاريخيةً قيِّمة، بدأها بحقوق الجوار التي كانت تقوم على أساسها العَلاقاتُ بين الدولة الإسلامية وبيزنطة، وفيها مثَل طيِّب للتعايش السِّلمي الذي بدأ منذ قيام الدولة الأموية، واتِّخاذها دمشق عاصمةً لخلافتها، واستقرار حدودها عند سلسلتي جبال "طوروس"، التي غدَت حدًّا فاصلاً بين المسلمين والروم، ثم انتقل الدكتور العدوي إلى دبلوماسية التوازن الدولي الذي حدث نتيجة انفصالِ الأندلس عن الدولة الإسلامية عام 751م إِثْرَ قيام العبَّاسيين على عرض الخلافة، فأصبحت في العالم دولتانِ عربيَّتان مسلمتان تقابلُهما دولتانِ نصرانيتان، هما: إمبراطوريَّة الرُّوم البيزنطية، ودولة الفرنجة في أوربا، والتي بلغت أَوْجَ مجدِها في عهد شارلمان أو (كارل الكبير) كما يسميه الألمانُ عام 800م، وأصبحت منافسًا خطيرًا لأباطرة الرُّوم في ميدان الرعاية على العالم النصراني مستعينةً بدعم البابوية الروحي لها، وقد أدى ذلك إلى تدهور مركز إمبراطورية الروم الشَّرقية في العالم النصراني،حيث فقدت زعامتَها على نصارى غرب أوربا.
إن هذا الوضع السياسي الجديد قد أدَّى إلى ازدياد في النشاط الدبلوماسي؛ ذلك أن الخلافة العباسية في بغدادَ لم تعُدْ ترسل سفاراتِها إلى القسطنطينية فحسب، وإنما بدأتْ تبعث إلى بلاط الفرنجة؛ لتجعل من تلك القوَّة الجديدة سندًا لها في منافستِها للأُمويِّين في الأندلس، وفي نفس الوقت لم يعُدِ الروم يرسلون سفاراتهم إلى بغداد فحسب، وإنما أخذوا يرسلونَها إلى قرطبة عاصمة الدولة الأموية، ليجعلوا منها عضدًا لهم، واقتبس المؤلِّف رسالةً وجَّهها إمبراطور الروم: (تيوفيل 829م) إلى الخليفة العبَّاسي المأمون بشأن تبادل الأسرى وإعادة الحياة الاقتصادية بين المسلمين والروم، وجاء في تلك الرسالة: "وقد كتبتُ إليك داعيًا إلى المسالمة، راغبًا في فضيلة المهادنة؛ لنضع أوزار الحرب عنَّا، ويكون كلُّ واحد لكل واحد وليًّا وحزبًا، مع اتصال المرافق، والفسح في المتاجر، وفك المستأسر، وأمن الطَّريق".
وردَّ الخليفة المأمون مجيبًا طلب الإمبراطور البيزنطي؛ حتى تعود الحياة بين الطَّرفين إلى مجراها الطبيعي، وكان يسمح لحاملي تلك الرسائل بزيارة معسكراتِ اعتقال الأسرى؛ ليتأكدوا من حُسن معاملتهم، وليتعرفوا على كلٍّ منهم، وكان من أغراض الدبلوماسية الإسلامية محاولةُ معرفةِ قوَّة جيرانهم، ومدى بأسهم، والتأكُّد من صحة طلب الفريق الآخر للصُّلح، أو للمهادنة، أو تبادل الأسرى.
وكان من مهمة السفراء أن يعلَموا حالة الطرُق والأمكنة التي توجد فيها المروج والأعشاب والحشائش للعلف، وكذلك قوَّة الجيش ومَؤونته في العَدَد والعتاد وفي الدِّفاع والهجوم، وأن يعرفوا كلَّ ما يتعلَّق بأمور البلاد الأجنبية من النواحي الشخصية والعامة، كما أنَّ الدُّبلوماسية الإسلامية في العهد العباسي كانت تتوخَّى من سفاراتِها أغراضًا علميَّة.
ومن أمثلة ذلك: أنَّ الخليفة المأمونَ علِمَ أنَّ في القسطنطينية أستاذًا مشهورًا بالرِّياضيَّات، فأرسل إلى الإمبراطور البيزنطي: "تيوفيل" سفارةً خاصة تحمل رسالةً شخصيَّة تطلب منه أن يسمح للأستاذ "ليو" بالحضور إلى بغدادَ فترة قصيرة، وقال المأمون في رسالته: "إنه يعتبر ذلك عملاً وديًّا، ويعرض على الدولة البيزنطية صلحًا دائمًا، وألفَيْ قطعة ذهبية في مقابل ذلك"، غيرَ أن الإمبراطورَ البيزنطيَّ رفض هذا العرضَ السَّخيَّ؛ لأن بعض أبحاث العلماء كانت تُعتبر في ذلك العهد من أسرار الدولة، وقد قامت في العهد العباسيِّ بين العباسيِّين وروما ومملكة البلغار والهند والصين، بالإضافة إلى القسطنطينية والفرنجة - علاقاتٌ دبلوماسيَّة.
ومن نشاطات الدبلوماسية العربية العلميَّة ما قام به الخليفة العباسي الواثق بالله 842 - 847؛ إذ أرسل وفدًا إلى الإمبراطور: "دقليديانوس" لزيارة الكهف الوارد ذكرُه في القرآن الكريم، وقد بحث المؤلِّف الدكتور العدوي موضوع تشكيلِ السفارة، وطرُقَ اختيار السفراء وصفاتِهم، وما يجب أن يتمتَّعوا به من مواهب ومميِّزات، وألَمَّ بالمراسيم الدبلوماسية، وتقديم أوراق الاعتماد، وجوازات السفر والحصانة، ومراسيم الاستقبال، والتعليمات التي كان يزوَّد بها السفراء، وتحدَّث عن السفارات الإسلامية المبكِّرة مع الروم؛ كسفارة عامر بين شَراحيل الشَّعْبي في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، وعرَض صورة رائعةً للدعايات الدبلوماسية التي كان يقوم بها السُّفراء العرب في تمثيل بلادهم، وعرَض وصفًا دقيقًا للاستعدادات التي كانت تقوم بها بغدادُ في عهد الخليفة المقتدر العباسي تجاه سفارات الإمبراطور "قسطنطين السابع"، وحفل تقديم أوراق الاعتماد، وبرامج الترفيه، وصورة رائعة أخرى لسفارة الخليفة "هارون الرشيد" للإمبراطور "شارلمان"، والهدايا التي حملتْها معها تلك السفارةُ من مراسيمَ وخطبٍ سياسيَّة أخَّاذة، ولعل أبهى لوحة رسمها المؤلِّف في كتابه هذا تلك التي اختصت بسفارة يحيى بن حكم الغزال إلى الجزر البريطانية موفَدًا من الدولة الأُموية في الأندلس، وكانت بريطانيا آنذاك يحكمها "النورمان"، وملكها اسمه "توركايوس"، وعاصمتُه في شمال أيرلندا، إنَّ هذه اللوحة جديرة بأن تُعرض على المسارح؛ لأنَّها تمثِّل علاقاتٍ تاريخيَّة نادرة في دبلوماسية القرون الوسطى.
ونختتم بحثَنا هذا في دبلوماسية المسلمين بأنها تمثِّل مرحلة متقدِّمة في تطور الدبلوماسية في العالم، فإنها قد استوفت أهمَّ خصائص الدبلوماسية الحديثة التي تقوم على ارتباطٍ وثيق بين السياسة والقانون والإستراتيجية والاقتصاد، وإنَّ الرُّوح التي سادت الدبلوماسية جاءت منطبقةً على الحديث الشريف: ((أنا نبيُّ الرَّحمة، أنا نبيُّ الملحمةِ))؛ هذا الحديث الكريم الذي يوفِّق بين الرحمة والعدلِ والسياسة والحرب، كما أنَّ الدبلوماسيَّة الإسلامية - العربية كانت مرِنةً، وقامت على أساس تقديرِ مصالحِ الدولة والدفاع عن كِيانها، فقد دخل صلاحُ الدين الأيُّوبي في تحالف مع بيزنطةَ المسيحيَّةِ النصرانية ضدَّ الغزو الصليبيِّ بين عامي 1185 و 1188م.
وما زالت الدبلوماسيَّة الإسلامية في حاجة إلى مزيدٍ من البحث والتَّحقيقِ، ولم أطلعْ على عنايةٍ للفقهاء المتأخِّرين في الاستزادة في البحوث ذات العلاقة بالدبلوماسية الإسلامية.
وفَّق الله العاملين على إحياء تراثِ الإسلام، وما أدَّاه من رسالة في تنظيمِ المجتمعِ الإنساني، ورفع قِيَمه.

اكتب تعليق

أحدث أقدم