رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الشرطة فى التاريخ الإسلامى

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الشرطة فى التاريخ الإسلامى



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى ،
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
كانت الإدارة الشرطية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قائمةً على المركزية الإدارية في المدينة، واللامركزية الإدارية في الأقاليم المفتوحة؛ فكان أول جهاز أسِّس للشرطة في المدينة المنورة، ومنها انتشرت أجهزة الشرطة في الولايات الإسلامية، واتسع نظام الشرطة فشمل العسس وإقامة الحدود والتعزير[1].
واهتمَّ أبو بكر الصدِّيق باستتباب الأمن ونشر الطمأنينة، فأمر عبدالله بن مسعود بالطواف ليلًا، أما عمر بن الخطاب، فكان يعس بنفسه، ويرتاد منازل المسلمين بعد استئذانهم، ويتفقَّد أحوالهم، ويطوف شوارع المدينة ليتأكد من استتباب الأمر في أسواقها وطرقها.
ويعدُّ عثمان بن عفان أولَ مَن اتَّخذ صاحبًا للشرطة؛ فكان على شرطته عبدالله بن قنفذ التيمي، واعتنى عليُّ بن أبي طالب بتنظيم الأمن، فعهِد بالشرطة إلى رجال أَكْفَاء عُرِفوا بالتقوى والصلاح؛ أقواهم في موضع القوة، وأرحمهم في موضع الرحمة؛ أمثال قيس بن سعد الأنصاري، ومعقل بن قيس الرباحي، وأبي الهياج الأسدي، وغيرهم[2].
كان صاحب الشرطة في عصر ولاة الأمويين والعباسيين يُسهِم مع الوالي وعامل الخراج في تحصيل الجزية والخراج، وكان صاحب الشرطة يتولَّى - نيابة عن ديوان الخراج - إصدارَ دنانير حسب الصنج الزجاجية عددًا أو وزنًا.
وقد عرفت وظيفة صاحب الشرطة في الدول الإسلامية التي تفرَّعت عن الخلافة العباسية؛ مثل الدولة الغزنوية ودولة السلاجقة.
وكان صاحب الشرطة في عصر الولاة في مصر ينوب عن الوالي، كما يقوم أيضًا بالإشراف على الأوقاف وتنظيم مرتبات الجند.
وكان صاحب الشرطة يُسهِم - في عصر الولاة - في أعمال الحسبة التي كانت موزعة - في عصر الخلفاء الراشدين والأمويين وأوائل العباسيين - بين القاضي وصاحب الخراج وصاحب الشرطة، إلى أن اجتمعت أعمال الحسبة للمحتسب في عهد المهدي العباسي.
وكانت دار الشرطة تعرف في مصر باسم الشرطة، بينما كانت تعرف في بغداد وسامراء ودمشق حتى نهاية القرن الرابع الهجري باسم (مجلس الشرطة)، أو مجلس صاحب الشرطة.
وقد عرف في مصر نظام الشرطتين: العليا والسفلى في عصر الولاة، وظل معروفًا في عهد الفاطميين، وكانت الشرطة العليا تقيم قريبًا من مسجد ابن طولون، والسفلى تقيم في الفسطاط، غير أن صاحب الشرطة العليا كان يُقيم بالقاهرة، وكان صاحب الشرطة يسمى أيضًا في عصر الفاطميين باسم حاكم القاهرة.
وفي الأندلس عظم أمر صاحب الشرطة في دولة بني أمية (138 - 422هـ)، وانقسمت الشرطة إلى شرطتين: شرطة كبرى وشرطة صغرى.
ومهمة الشرطة الكبرى النظرُ في أمر الخاصة والطبقة العليا من أقارب السلطان، أما صاحب الشرطة الصغرى، فكان مخصصًا للنظر في أمر العامة، وقد أطلق على صاحب الشرطة في أواخر العهد الإسلامي (بصاحب المدينة)، كما عُرِف عند العامة (بصاحب الليل)[3].
واتَّخذت الشرطة العديدَ من الإجراءات والتدابير لتقليل الجريمة ومكافحتها؛ وذلك عن طريق مراقبة الأماكن المشبوهة؛ كالحانات والحمامات وأماكن اللهو والشراب، ومراقبة الأشخاص الخطرين؛ كالمنحرفين وأصحاب البدع والمخالفين؛ فكان للشرطة جواسيس لنقل أخبار الآخرين، فقد كلم أحد الرجال إسحاق الصعبي صاحب الشرطة في العصر العباسي في شأن امرأة، فما كان من صاحب الشرطة إلا أن حدَّثه عن أخبار هذه المرأة وإلمامه بأحوالها حتى بُهِتَ الرجل[4].
وكانت الشرطة تقومُ بإجراء التفتيش للتأكد من صحة المعلومات أو الشبهات، كما استمرَّت أعمال الدوريات الليلية - أو ما تعرف بالعسس - للقبض على السكارى والمجرمين، ومنع حدوث الضوضاء، وقد عُرِفوا في بلاد الأندلس (بالدرابين)[5].
ومن مهامِّ الشرطة أيضًا الاهتمام بأمنِ السبل والمسالك؛ لذا وجدت نقاط للرصد والتفتيش والحراسة خارج المدن، ويشرف عليها رجل يُعرف باسم صاحب المسلحة.
فقد أمر الخليفة المنصور العباسي بوضع مسالح على طريق البصرة للقبض على إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، كما أمر الخليفة الأمين (195هـ) إحدى المسالح بتفتيش كل المارَّة لمنع انتقال أية رسائل بأخباره إلى المأمون.
وتخضع السجون لإشراف الشرطة، ويختار لذلك أكمل العمال أمانة، وأحسنهم معرفة، وأكثرهم حزمًا[6].
________________________________________
[1] المرجع السابق (3/ 380، 392).
[2] نفس المرجع، (3/ 401).
[3] حسن الباشا: دراسات في الحضارة الإسلامية ص (72، 73).
[4] موسوعة الإدارة العربية (3/ 426).
[5] المرجع السابق (3/ 428، 429).
[6] ينظر في موضوع نظم الحكم والإدارة في الحضارة الإسلامية: عباس محمود العقاد: أثر العرب في الحضارة الأوربية، ص (97 – 101)، نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة 1998.

اكتب تعليق

أحدث أقدم