رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن نظرية التعلم الإجتماعى

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن نظرية التعلم الإجتماعى




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
يعد ألبرت باندورا[1] مؤسس نظرية التعلم الاجتماعي، والتي ترتكز على الملاحظة والتقليد إذ يعتقد مؤسسها أن تعلم الفرد للعديد من السلوكيات ناشئ عن ملاحظة سلوك الآخرين[2]؛ لذلك أسماها بعضهم بنظرية التعلم بالملاحظة والتقليد، في حين أن آخرين أطلقوا عليها مسمى التعلم بالنمذجة نسبةً للنموذج الذي يحتذي به الملاحِظ[3].
إن تقليد الملاحِظ لسلوك الملاحَظ يخضع لثلاثة عوامل، هي:
1- خصائص الملاحَظ أو ما يسمى بالقدوة (النموذج).
إذ لا بد أن تكون خصائصه وصفاته ذات جاذبية للملاحِظ سواءً كانت أعلى من خصائص الملاحِظ كالمكانة الاجتماعية أو مشابهة له كالجنس أو العمر وغيرها[4].
2- خصائص الملاحِظ:
يغدو الفرد مقلداً لغيره - في الغالب - كلما شعر بنقص في ذاته، فالشخص الذي تنقصه بعض المهارات أو القدرات أو الحاجات تطيش لديه كفة التقليد للآخر[5].
3- النتائج المرتبطة بالسلوك:
يعد هذا العامل الأقوى على من سبقه، فالملاحِظ إذا شاهد المكافأة المترتبة على سلوك نموذج ما فإن ذلك يعزز لديه تقليد سلوكه أما إذا رأى عكس ذلك فإنه سينصرف عن تقليده في ذلك السلوك رغم صدوره عن قدوته[6].
إن النماذج التي يلحظها الفرد ويقلدها لا تقتصر على من يخالطهم في حياته، بل تتعدى ذلك إلى الإعلام ووسائله، والذي يحظى بنصيب وافر من النماذج والأنماط السلوكية التي قد لا يتسنى للفرد ملاحظتها بشكل مباشر في واقعه[7]. فملاحظة نموذج من النماذج أيّن كان مصدره ينتج عنه عدة أمور: فهو إما أن يعلّم الفرد سلوكيات جديدة، وإما أن يمنعه من ممارسة سلوكيات خاطئة، وإما أن يحرر سلوكًا لديه كان مقيدًا بقيود الوسط الذي يعيش فيه، أو يذكره بسلوكيات تعلمها ونسيها جراء قلة استخدامها[8].
وقد سبقت الشريعة الإسلامية هذه النظرية في أمور كثيرة، منها: تأكيدها على أهمية القدوة الحسنة والدعوة إلى التأسي بها، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21][9] كما أشارت إلى أهمية اختيار الرفقة الصالحة والتي يجني منها صاحبها السلوكيات الحسنة والتحذير من غيرها، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحًا خبيثة))[10].
وقد جعلت الشريعة من الرفقة مقياسًا على دين الرجل وسلوكه قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))[11]، كما قد حذر الإسلام من تقليد السلوك الخاطئ، فقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23] [12] وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى وقوع بعض أمته في التقليد الخاطئ فقال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟))[13]، فكل النصوص السابقة وغيرها رسمت للإنسان منهج التقليد في مساريه الصحيح والخاطئ؛ ليسلك الفرد بعدها الطريق على بصيرة.
وتعد هذه النظرية أقرب النظريات المفسرة لسلوك الاسترجال؛ فقد ألمح ابن تيمية إلى علاقة تعلم سلوك الاسترجال بالملاحظة أثناء حديثه عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج المخنثين من البيوت، فقال: «المخنث فيه إفساد للرجال والنساء؛ لأنه إذا تشبه بالنساء فقد تعاشره النساء، ويتعلمن منه وهو رجل فيفسدهن... ولأن المرأة إذا رأت الرجل يتخنث فقد تترجل هي وتتشبه بالرجال فتعاشر الصنفين»[14]. فملاحظة المرأة لتخنث الرجل سبب في استرجالها، وفي ذلك إشارة إلى ارتباط التخنث بالاسترجال، وأن ظهور التخنث في مجتمع ما يترتب عليه بزوغ نماذج استرجالية في ذلك المجتمع.
وحينما نرى هذه النظرية بأعين ثقافية نجد أنها تلتقي بالثقافة عند نقطة حساسة جدًا، فهي إما أن تعزز لدى الفرد وتكسبه السلوك المتوافق مع ثقافته ومن ثَم تشد من بناء ثقافة مجتمعه، وإما أن تنقضها باستثارته لممارسة سلوكيات لا تتماشى مع ثقافته، إذ بحسب اختيار الفرد للنموذج المحتذى، ونتائج سلوك ذلك النموذج يتم التشييد أو الهدم للثقافة.
________________________________________
[1] ألبرت باندورا Albert Bandura: عالم نفس أميريكي ولد عام 1925م، اشتهر بدراساته عن التعلم الاجتماعي، التحق بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا عام 1974م، وقد انتخب رئيساً لجمعية علم النفس الأمريكية. ينظر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث (كلمة)، ص 136، مرجع سابق.
[2] ينظر: حمام، فادية - علم النفس التربوي، ص223-224، ط (بدون) 1423هـ، الرياض: دار الزهراء.
[3] ينظر: الأعظمي، سعيد - أساسيات علم نفس الطفولة والمراهقة، ط (بدون) 1427هـ، عمان: دار جهينة.
[4] ينظر كلاً من:
1- انجلر، باربرا - مدخل إلى نظريات الشخصية، ص368، ترجمة: فهد الدليم، ط (بدون) 1411هـ، الطائف: مطبوعات نادي الطائف الأدبي.
2- حمام، ص 229، مرجع سابق.
[5] ينظر: انجلر، ص369، مرجع سابق.
[6] ينظر: انجلر، ص369، مرجع سابق.
[7] ينظر كلاً من:
1- جابر، ص451، مرجع سابق.
2- الأعظمي، ص176، مرجع سابق.
[8] ينظر كلاً من:
1- حمام، ص226-228، مرجع سابق.
2- الأعظمي، ص 175-176، مرجع سابق.
[9] الأحزاب: 21.
[10] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الذبائح والصيد، باب: المسك، رقمه: 5214، (5/ 2104).
[11] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب: الزهد، رقمه: 2378، (4/ 589)؛ وأبي داود في سننه (4/ 259)؛ والحاكم في المستدرك (بنحوه)، (4/ 188-189)؛ وإسحاق بن راهويه في مسنده (بنحوه)، (1/ 352)؛ وأحمد في مسنده (2/ 303، 334)؛ والقضاعي في مسنده (بنحوه) (1/ 141)؛ والطيالسي في مسنده (بنحوه)، ص353؛ وعبد بن حميد في مسنده، ص418؛ والبيهقي في شعب الإيمان (بنحوه)، (7/ 55)؛ وابن حجر في الأمالي، ص151؛ قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح إن شاء الله ولم يخرجاه.
[12] الزخرف: 23.
[13] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم، رقمه: 6889، (6/ 2669).
[14] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 15/ 310، جمع: عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، ط(بدون)= 1425هـ، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

اكتب تعليق

أحدث أقدم