رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أحكام الإستحاضة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أحكام الإستحاضة



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
ما معنى (الحَيْضُ) في اللغة؟
معناه: السيلان، وفي الشرع: الحيض؛ عبارةٌ عن الدم الذي ينفضه رحمُ امرأةٍ بالغةٍ سليمةٍ عن الداءِ والصغر. بتصرف التعريفات (ص: 94)
و(الاستِحاضَةُ): جريانُ الدَّمِ في غيِر أَوانِهِ.
وسببه (عِرْقٌ): يقالُ له: العاذِلُ، ويكونُ في أَدْنى الرَّحِمِ لا من قَعره؛ يسيلُ منه الدَّمُ في غيرِ أَيامِ الحيضِ. بتصرف التعريفات (ص: 19)
و[المستحاضة: هي التي ترى الدمَ من قُبُلِها في زمان لا يعتبر من الحيض والنفاس، مستغرقًا وقتَ صلاةٍ في الابتداء، ولا يخلو وقتُ صلاة عنه في البقاء]. التعريفات (ص: 212).
والآن مع شرح الحديث:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه؛ (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ)، أي شكت إليه تسأله: ماذا تفعل مع كثرة ما ينزل منها من الدماء؟ واستمرارِ ذلك؟
فَقَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَلَاةَ؟!) أي لا أجدُ وقتا يتوقف فيه الدم حتى أصلى، فهل أترك الصلاة لذلك؟
فَقَالَ: ("لَا! إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَد يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ")، فنهاها عن أن تترك الصلاةَ لأجل ذلك الدم، وعرفها أن هذا الدمَ لا يمنع من الطهارة والصلاة؛ لأنه دمٌ ناشئ عن عِرق في أدنى الرحم، والدم الذي يمنع من الصلاة يندفع من قعر الرحم، وهو دم أسود، يُعرَف تعرفه النساء، أو يَعرِفُ؛ أي له رائحة منتنة معروفة، فيتميز هذا عن ذاك بالرائحة واللون.
وفي رواية: ("إِذَا أَتَاكِ قَرْؤُكِ؛ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ، فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي"). فإذا أتاك قَرؤك؛ أي ما تعرفينه من دم الحيض بلونه الأسود، ورائحتِه المنتنة، فتوقفي عن الصلاة، وإذا كان الدم الآخر المختلف لونا ورائحة، فتوضئي وصلي.
وفي رواية: ("إِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ؛ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي"). هذا إذا قدرت على التمييز بينهما باللون والرائحة، أما إذا اشتبه عليك الأمر فلم تميِّزي لا لونا للدم ولا رائحة، فالحلُّ في الرواية التالية:
("فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا؛ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ"). أي قدِّري الوقت الذي كنت تحيضين فيه، ستةَ أو سبعةَ أيام فاتركي الصلاة فيها، فإذا ذهب وانقضى مقدار الوقت فاغتسلي وصلي وتوضئي لكلِّ صلاة، حتى يحين ذلك الوقت، فتتوقفي عن الصلاة مقدار مدة حيضك.
وفي رواية: ("فَإِذَا مَرَّ قَرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إِلَى الْقَرْءِ"). أي صلى ما بين الحيض إلى الحيض، وإن كان دم الاستحاضة مستمرًّا.
الفرق بين الحيض والاستحاضة
دم الحيض يتميّز عن دم الاستحاضة بأشياء:
1- برائحته، النتنة الكريهة.
2- وبلونه الأسود الفاسد.
3- وبكثافته.
4- وبما يُصاحبه من آلام أحيانا، هذه صفات الحيض.
ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ". (س) (215)، (د) (286)
فقوله: دمٌ أسودُ يُعرف، ميّزه باللون الأسود.
وهو دمٌ أسودُ ثخين، رائحته كريهة.
وأما دمُ الاستحاضة فهو مختلف من حيث هذه الصفات:
فهو دم أحمر؛ يشبه الدمَ الخارجَ نتيجة جُرحٍ حديث، وليس له رائحةٌ كريهة، ولا يُصاحبه -غالباً- آلام.
سبب الاستحاضة
1- انفجار العرق ويسمى العاذل، قال النووي عن دم الاستحاضة: [وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَاذِلُ، بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ]. النووي عند ح (62 - 333)
2، 3- وسبب آخر وهو ركضة شيطان، أو مرض عارض لها، فعندما سألت حمنة بنت جحش رضي الله عنها: كنت استحاض حيضة كثيرة شديدة،... فقال لها: "فَإِنَّمَا ذَلِكَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ عِرْقٌ انْقَطَعَ، أَوْ دَاءٌ عَرَضَ لَهَا». (حم) (27631).
وفي هذا الحديث بيان سبب الاستحاضة، وأنها ركضة أي ركلة من ركلات الشيطان، ليُفسد على الناس عبادتهم.
قال الصنعاني عن رواية: ["ركضة من الشيطان"، وتقدم أنه عرق ولا منافاة، فإن العرق يركضه الشيطان في الرَّحم، فالنسبة صحيحة إلى كل واحد]. التحبير لإيضاح معاني التيسير (7/ 498).
♦ ما في الحديث من الفوائد والأحكام:
1- سؤال المرأة عما يُشكل عليها، فإن الله لا يستحيي من الحق، فهي رضي الله عنها قد عرضت مشكلتها ثم سألت: (هل تترك الصلاة؟)
2- بيان النبي صلى الله عليه وسلم للسائلة ما أشكل عليها، وذلك في قوله: "إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة".
2- إرشاد المستفتي والسائل والمستفسر بما يناسبه ويفهمه.
4- إذا كانت المرأة تستحاض، والاستحاضة مستمرة معها، فإنها ترجع إلى عادتها، كما أرجع النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضات إلى عاداتهن، فتترك الصلاة والصيام أيام عادتها، فإذا انقضت فإنها تغتسل من الحيض ثم تُصلي، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها وغيرها: «لاَ إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي». (خ) (325).
5- المستحاضة تتوضأ لكلِّ صلاةٍ إذا كان الدم معها مستمراً.
6- لا يجب على المستحاضة أن تغتسل لكلِّ صلاة، وإن ورد ذلك عن بعض الصحابيات فهو اجتهاد منهن، ولذا قال الإمام مسلم -بعد أن خرّج الروايات في الباب-: (وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره). يعني بذلك الاغتسال لكل صلاة بالنسبة للمستحاضة.
7- المستحاضة تُصلي وتصوم وتحلّ لزوجها أن يقربَها.
8- من مجموع الروايات ما يدلّ على أن الاغتسال لكل صلاة حال الاستحاضة إنما هو اجتهاد من أم حبيبة رضي الله عنها، لا أنه شيء أمرها به النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل؛ فلعلها فهمت أنه لكلّ صلاة، ولذا فإن جمهور العلماء لا يوجبون على المستحاضة الغسل لكل صلاة، وقد وردت رواية الأمر بالغسل لكلّ صلاة، ولا تصح عند جمع من الحفاظ.
9- صبر المؤمنات على ما يُصيبهن، حيث صبرت على الاستحاضة سبع سنوات.
10- لا يجب على المستحاضة أن تغتسل لكل صلاة، وإنما يكفيها الوضوء إذا كان معها الدم.
11- جواز استفتاء المرأة ومشافهتها الرجل، ومما يدل أن صوت المرأة ليس بعورة؛ قوله تعالى: ﴿ يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32].
12- سبب الاستحاضة إما عرق ينفجر في الرحم، أو ركضة من الشيطان، أو مرض يعرض لها كنزيف ونحوه.
13- تذكيرٌ بالفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة؛ وذلك برائحة دم الحيض النتنة، ولونِه الأسودِ الفاسد، وكثافتِه، وبما يُصاحبه من آلامٍ أحيانا، وهذه غيرُ موجودة في دم الاستحاضة.
♦ ملحق في نواقض الوضوء التي قام عليه الدليل هي:
الخارج من السبيلين القبل أو الدبر؛ والخارج منهما عشرة أنواع هي:
1- الغائط، 2- البول، 3- المنيُّ، 4- المذْيُ، 5- الوَدْي، 6- الريح (فساء أو ضراط)، 7- دم الحيض، 8- دم الاستحاضة، 9- دم النفاس.
10- أمَّا رطوبة فرج المرأة، فيها خلاف، والذي أراه أن الخارج من فرج المرأة من موضع خروج الولد لا ينقض إلا دم الحيض والنفاس ففيهما الغسل، والاستحاضة، ففيها الوضوء.
وهذه الرطوبة لا تكاد تخلو منها امرأة فهي كالعرق، فـ[رطوبة فرج المرأة أو إفرازاتها طاهرة ولا تنقض الوضوء، ولا يغسل المحلُّ الذي أصيب بها، لأنها كتعرُّق الجلد]. فتاوى الدكتور وهبة الزحيلي (15/ 5)
وفي موضع آخر قال: [هذا الخارج مثل العرق الذي يتعرق من الجلد، والخارج الناقض إما بول أو ريح فقط، ورطوبة الفرج ليست من هذين الشيئين]. فتاوى الدكتور وهبة الزحيلي (22/ 15).
أما ما يخرج من موضع البول فينقض الوضوء؛ سواءً كان رطوبةً أو بولا أو حصىً أو دودا أو دمًا، فكلُّه ينقض.
والسوائل الخارجة من القبل والدبر نجسة ما عدا؛ المنيَّ والروائحَ ورطوبةَ فرجِ المرأة.
♦ تنبيه:
المستحاضات في زمن النبوة:
والخلاصة في المستحاضات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1- فاطمة بنت أبي حبيش، واسمه قيس ابن المطلب، الأسدية صحابية. (تقريب).
2- حمنةُ بنتُ جحشٍ الأسدية، أختُ زينبَ كانت تحت مصعبِ بن عمير ثم طلحة، وكانت تستحاض ولها صحبة. (تقريب)
3- أسماء بنت مرثد؛ أخت بني حارثة. (الإصابة)
4- زينبُ بنتُ جحش بن رباب بن يعمر الأسدية، أم المؤمنين، أمها أميمة بنت عبد المطلب. (تقريب)
5- أم حبيبةَ بنتُ جحشٍ خَتَنَةُ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وتحت عبد الرحمن بن عوف. (الإصابة)
6- سهلة بنتُ سهيلِ بن عمروٍ القرشيةُ العامريةُ. (الإصابة)
7- أم سلمةَ؛ هندُ بنتُ أبي أميةَ بنِ المغيرةَ بنِ عبد الله المخزومية، أمُّ المؤمنين، تزوجها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أبي سلمة. (تقريب)
8- سودةُ بنتُ زمعةَ بنِ قيسٍ العامريةُ القرشيةُ أمُّ المؤمنين، تزوجها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خديجة وهو بمكة. (تقريب)
9- باديةُ بنتُ غيلانَ بنِ سلمةَ الثقفيةُ. (الإصابة).
فرضي الله تعالى عنهنّ وعن جميع الصحابة؛ رجالا ونساءً، وأطفالا وشيوخا، اللهم ارض عنَّا مهم بمنِّك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع:
1- التعريفات لعلي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ).
2- التحبير لإيضاح معاني التيسير لمحمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182هـ).
3- إتحاف الكرام بشرح عمد الأحكام / عبد الرحمن السحيم.
4- إيقاظ الأفهام في شرح عمدة الأحكام/ سليمان بن محمد اللهيميد.
5- فتاوى الدكتور وهبة الزحيلي.
6- الإصابة لابن حجر العسقلاني.
7- التقريب لابن حجر العسقلاني

اكتب تعليق

أحدث أقدم