رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن إفشاء الأسرار يؤلم النفوس

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن إفشاء الأسرار يؤلم النفوس



بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه ان الإسلام دين شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً وما ترك لنا شاردة ولا واردة إلا بينها بل جلاها لتكون واضحة وضوح الشمس في كبد السماء لا لبس فيها ولا غموض. ومن بين هذه الأمور التي عني بها الإسلام عناية بالغة هي أسرار المجالس وأماناتها.
• ولم لا وإفشاء الأسرار يقطع الأواصر ويقضي على العلاقات.
• ولم لا وإفشاء الأسرار يُوغر الصدور ويؤلم النفوس.
• ولم لا وإفشاء الأسرار يُفقد الثقة ويبث الريبة.
• ولم لا وإفشاء الأسرار يُبدي مساويء، ويهتك سُتراً، ويفضح سِتراً، وينتهك حُرُمات وخصوصيات.
• ولم لا وإفشاء الأسرار يُمكِّن الأعداء من الرقاب ويُؤدي بالبلاد إلى الخراب.
• ولم لا وإفشاء الأسرار يرفع الجاهل ويحط من قدر العالم فتفسح للرويبضة الساحات ويُحرم من ذلك الثقات.
• ونتيجة لكل ما سبق، قيل: " إن أمناء الأسرار أقل وجودًا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛ لأن أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق ". ومن عجائب الأمور أن الأموال كلما كثرت خزانها كان أوثق لها، أما الأسرار فكلما كثرت خزانها كان أضيع لها.
• قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين: " الأمانة باب واسعٌ جدًّا، وأصلها أمران: أمانة في حقوق الله: وهي أمانة العبد في عبادات الله عزَّ وجلَّ. وأمانة في حقوق البشر ".
• روى ابن أبي الدنيا في " الصمت " قال: ".... وأسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: [يا أبت، إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: قلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ. فأتيت معاوية رضي الله عنه فحدثته، فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رقِّ الخطأ].
أولاً: معنى كتمان السر وأحواله وأنواعه: قال المناويّ رحمه الله: الكتمان: هو ستر الحديث.
• والسّرّ في اللّغة: اسم لما يسرّ به الإنسان أي يكتمه.
• يقال: سارّه إذا أوصاه بأن يسرّه.
• أسررت إلى فلان حديثاً: أي أفضيت إليه في خفية.
• قال الرّاغب رحمه الله: السّرّ: هو الحديث المُكتّم في النّفس.
• قال الكفوي - رحمه الله - في تعريف الأمانة: " كلُّ ما افترض على العباد فهو أمانة، كصلاة وزكاة وصيام وأداء دين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار ".
• جاء في إحياء علوم الدين أن الحسن البصري رحمه الله قال: " إنما تُجالسوننا بالأمانة، كأنَّكم تظنُّون أنَّ الخِيانة ليست إلاَّ في الدِّينار والدِّرهم، إنَّ الخيانة أشدَّ الخيانة أنْ يُجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا ".
أما عن أحواله:-
• جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي عام 1993م: السر هو ما يُفضي به الإنسان إلى آخر مُستكتماً إياه من قبل أو من بعد، ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه، كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.
• وفيه أيضاً: يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل، كالمهن الطبية، إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه.
• قال ابن الحاجّ - رحمه الله -: ينبغي أن يكون - يعني الطبيب - أميناً على أسرار المريض، فلا يطلع أحداً على ما ذكره المريض؛ إذ إنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك.
• قال ابن مفلح - رحمه الله -: كما يحرم تحدّثه - يعني غاسل الميت - وتحدّث طبيب وغيرهما بعيب.
- كتمان السّرّ على ثلاثة أنواع:
الأول: أن يُسِر الإنسان حديثاً لغيره ويوصيه بكتمانه.
• عن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة " [رواه أبو داوود والترمذي وأحمد].
الثاني: أن يُحدث الإنسان ذنباً بينه بين نفسه فلا يجب أن يُجاهر بما فعل ولا يُبديه.
• عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أيها الناسُ! قد آنَ لكم أن تنتَهوا عن حدودِ اللهِ، فمن أصاب من هذه القاذورةِ شيئًا فلْيَسْتَتِرْ بسِترِ اللهِ، فإنه من يُبْدِ لنا صفحتَه نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ وقرأ رسولُ اللهِ: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ ... ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ " [رواه الألباني وقال صحيح لغيره].
• عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ " [رواه البخاري].
• النّوع الأوّل كتمانه يُعد من الوفاء بالعهد، والنوع الثّاني كتمانه يُعد من التنزه عن المجاهرة بالمعصية.
الثالث: وهو مذموم ويندرج تحت [كتمان ما أنزل الله - كتمان الشهادة - كتمان فضل الله - التستر على مذنب أو مجرم وهو مندرج تحت كتمان الشهادة أيضاً وذكرت منفصلة لوجوب تحذير المسلمين حتى ولو لم يُطلب ذلك]. فالمحافظة على الأسرار مشروطة بأن لا تؤثر في حق الله تعالى أو حق العباد، وإلا عُدَّ من الخيانة لحق الله تعالى أو حق المسلمين، فليس حفظ الأسرار هنا من الأمانة.
• قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة 174].
• قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة من الآية 283].
• قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [النساء 37].
• ويُستثنى من الكتمان كل ما يُوقع ضرراً على النفس أو على الغير أو الافتراء على الله ورسوله، وذلك لأن القاعدة الفقهية تقول أن " درء المفسدة مُقدم على جلب المنفعة ".
• عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المجالسُ بالأمانةِ إلَّا ثلاثةَ مجالسَ سفكُ دمٍ حرامٍ أو فرجٌ حرامٌ أو اقتطاعُ مالٍ بغيرِ حقٍّ " رواه بن حجر العسقلاني بإسناد حسن].
• وقد كشف يوسف عليه السلام سر المرأة التي راودته فقال: " قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي " ليدفع عن نفسه ما قد يتعرض له من قتل أو عقوبة.
• وكذلك ما طبقه علماء الحديث من الكشف عن أحوال الرواة من حيث إيضاح فسق الراوي أو قلة دينه أو ضعف حفظه..... إلخ، وهذا لدفع مفسدة نسبة حديث للنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله.
وهناك استخدام المعاريض للتورية في الحديث وذلك لتلاشي إفشاء السر وتلاشي الكذب في نفس الوقت:
• المعاريضُ في الكلام، هي التَّوْريَةُ بالشيء عن الشيء بأن تطلق لفظًا هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره.
• قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ما في المعاريض ما يغنى الرجل عن الكذب " [رواه البيهقي في السنن الكبرى].
• قال عمران بن الحصين رضي الله عنه: " إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب " [رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال ابن حجر في فتح الباري: رجاله ثقات].
• جاء في كتاب " الأذكار " قال العلماء: " فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حقٍّ، فيصير حينئذ حرامًا، هذا ضابط الباب ".
• وهناك من المواقف التي ربما يضع الإنسان نفسه فيها فتجعله أدعى للتساهل في إفشاء سر نفسه أو سر غيره ولذلك وجب على الإنسان أن يحتاط لنفسه.
• جاء في كتاب " الذريعة إلى مكارم الشريعة " للأصفهاني - رحمه الله - قال: " أكثر ما يستنزل الإنسان عن سره في ثلاثة مواضع: عند الاضطجاع على فراشه، وعند خُلوِّه بعِرسه، وفي حال سُكره ".
ثانياً: ذكر كتمان السِّرّ في القرآن الكريم: إن كتمان السر من أفضل أخلاق المؤمنين فهو جزء من كل الصفات الفاضلة، فهو عماد الأمانة، وصلب الوفاء، وعنوان المروءة، وأصل الحياء، ورأس الوقار، وزينة العقل ومكارم الأخلاق ولذلك لم يرد نصاً صريحاً في القرآن الكريم يوصي بـ " كتمان السر " ليس استهانة بهذه الصفة ولكن لكونها أصل لكل المحامد فإذا انتفت صفة " كتمان السر " انهار جبل الأخلاق.
1- قال تعالى: ﴿ ..... وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء من الآية 34].
2- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون 8].
3- قال تعالى: ﴿ ....... وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة من الآية 177].
4- قال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران 76].
5- قال تعالى: ﴿ ...... وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة من الآية 111].
6- قال تعالى: ﴿ .. وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام من الآية 152].
7- قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل 91].
8- قال تعالى: ﴿ ....فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة من الآية 283].
9- قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ [النساء 58].
10- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال 27].
11- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون 3].
12- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾ [الفرقان 72].
13- قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ [القصص 55].
14- قال تعالى: ﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج 42].
15- قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم 3].
وكما ذكرنا أن الآيات في هذا المجال كثيرة حيث أن " حفظ السر " ينطوي تحت كل ما هو مأمور به من فضائل و " إفشاء السر " ينطوي تحت كل ما هو منهي عنه من رذائل.
ثالثاً: بعض الأحاديث النبوية التي تحث على حفظ السر وتحذر من إفشائه:-
1- عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصْلةٌ منهن كانت فيه خَصْلَةٌ من النفاقِ حتى يدعَها: إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّثَ كذبَ، وإذا عاهدَ غَدرَ، وإذا خاصمَ فجرَ " [رواه البخاري].
2- وعن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: " أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا يضرَّنَّك ما فاتك مِن الدُّنْيا: صِدْق حديث، وحِفْظ أمانة، وحُسْن خليقة، وعفَّة طُعْمة " [رواه أحمد ].
3- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها " [رواه مسلم ].
4- وعن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة " [رواه أبو داوود والترمذي وأحمد ].
5- وعن عبدالله بن عَمرو بن العاص رضِي الله عنهما قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: " كيف بكمْ وبزمانٍ يُوشِكُ أنْ يأتَي يُغَرْبَلُ الناسُ فيه غربلةً، ثم تبقى حُثَالةٌ من الناس قدْ مرجَتْ عُهودُهم وأماناتهم، فاخْتلَفُوا هكذا "، وشَبَّكَ بين أصابعهِ، قالوا: كيف بنا يا رسولَ الله إذا كان ذلك؟ قال: " تأخُذون بَما تعرفون، وتدعُونَ ما تُنْكِرون، وتُقْبِلون على خاصَّتِكم، وتذَرُون أمرَ عَوامِّكم " [رواه أحمدُ وابن ماجه ].
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبدَ ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفَعُه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة مِن سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يَهوي بها في جهنم " [رواه البخاري].
7- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أنؤاخذ بكل ما نتكلَّم به؟ فقال: [[ثكِلَتْك أمُّك يا معاذُ بن جبلٍ، وهل يكُبُّ الناسَ على مناخِرِهم في جهنَّمَ إلا حصائدُ ألسنتهم؟!]]؛ [صححه الألباني].
8- عن المُغيرةِ بن شعبة رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [[إن اللهَ كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال]]؛ [رواه البخاري].
9- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: [حفِظتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين: أما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا الحلقوم]؛ [رواه البخاري].
• يقول الإمام القرطبي - رحمه الله -: "قال علماؤنا: وهذا الذي لم يبثَّه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمرِ الفتن، والنص على أعيان المرتدين، والمنافقين، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى، والله تعالى أعلم].
• قال الإمام الذهبي - رحمه الله - في "سير أعلام النبلاء": "هذا دالٌّ على جواز كتمانِ بعض الأحاديث التي تحرِّكُ فتنة في الأصول أو الفروع، أو المدح والذم، أما حديث يتعلَّق بحِلٍّ أو حرام فلا يحِلُّ كتمانه بوجه، فإنه مِن البينات والهدى، وفي صحيح البخاري: قول علي رضي الله عنه: [حدِّثوا الناسَ بما يعرفون، ودعُوا ما ينكرون، أتحبُّون أن يُكذَّب اللهُ ورسوله]، وكذا لو بثَّ أبو هريرة ذلك الوعاء لأوذي، بل لقُتِل، ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديثَ الفلاني إحياءً للسنة، فله ما نوى، وله أجرٌ - وإن غلط - في اجتهاده".
10- عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع " [رواه مسلم].
11- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " استعينوا على إنجْاحِ الحوائِجِ بالكتمانِ؛ فإنَّ كلَّ ذي نعمةٍ محسودٌ " [رواه الألباني بإسناد صحيح].
12- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المجالسُ بالأمانةِ إلَّا ثلاثةَ مجالسَ سفكُ دمٍ حرامٍ أو فرجٌ حرامٌ أو اقتطاعُ مالٍ بغيرِ حقٍّ " رواه بن حجر العسقلاني بإسناد حسن].
13- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: " إنا كنا أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَه جميعًا، لم تُغادِرْ منا واحدةٌ، فأقبلَتْ فاطمةُ عليها السلامُ تمشي، ولا واللهِ لا تَخفَى مَشيتُها من مِشيةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلما رآها رحَّب وقال: [مَرحبًا بابنَتي]. ثم أجلسَها عن يمينِه أو عن شمالِه، ثم سارَّها، فبكَتْ بُكاءً شديدًا، فلما رأى حُزنَها سارَّها الثانيةَ، فإذا هي تضحَكُ، فقلتُ لها أنا من بينِ نسائِه: خصَّكِ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالسرِّ من بينِنا، ثم أنتِ تبكينَ، فلما قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سألتُها: عمَّ سارَّكِ؟ قالتْ: ما كنتُ لأُفشِيَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سرَّه، فلما تُوُفِّيَ، قلتُ لها: عزمْتُ عليكِ بما لي عليكِ من الحقِّ لما أخبرْتِني، قالتْ: أما الآنَ فنعم، فأخبرَتْني، قالتْ: أما حين سارَّني في الأمرِ الأولِ، فإنه أخبرَني: أن جبريلَ كان يُعارِضُه بالقرآنِ كلَّ سنةٍ مرةً. [وإنه قد عارضَني به العامَ مرتَينِ، ولا أَرى الأجلَ إلا قدِ اقترَب، فاتقي اللهَ واصبِري، فإني نِعمَ السلَفُ أنا لكِ]. قالتْ: فبكيْتُ بكائي الذي رأيتِ، فلما رأى جزَعي سارَّني الثانيةَ، قال: [يا فاطمةُ، ألا ترضَينَ أن تكوني سيدةَ نساءِ المؤمنينَ، أو سيدةَ نساءِ هذه الأمةِ] [رواه البخاري].
14- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " ذهَبَ عَلْقَمَةُ إلى الشامِ، فلما دخَلَ المسجدَ قال: اللهم يَسِّرْ لي جليسًا صالحًا، فجَلَسَ إلى أبي الدرداءِ، فقال أبو الدرداءِ: ممَن أنت؟ قال: مِن أهلِ الكوفةِ. قال: أليس فيكم، أو منكم، صاحبُ السرِّ الذي لا يَعْلَمُه غيرُه؛ يعني: حذيفةَ. قال: قلتُ: بلى. قال: أليس فيكم، أو منكم، الذي أَجارَه اللهُ على لسانِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم؟ يعني: مِن الشيطانِ؛ يعني: عمَّارًا. قلتُ: بلى. قال: أليس فيكم، أو منكم، صاحبُ السواكِ، أو السِّرَارِ؟ قال: بلى. قال: كيف كان عبدُ اللهِ يقرأُ: والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. قلت: والذكر والأنثى. قال: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يَسْتَنْزِلُونني عن شيءٍ سمِعْتُه مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " [رواه البخاري].
15- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قَلَمَّا خَطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ إلا قال: " لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمَن لا عَهْدَ له " [رواه الألباني بإسناد جيد].
16- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " أتى عليَّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا ألعبُ مع الغلمانِ. قال فسلَّم علينا. فبعثني إلى حاجةٍ. فأبطأتُ على أمي. فلما جئتُ قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لحاجةٍ. قالت: ما حاجتُه؟ قلتُ: إنها سرٌّ. قالت: لا تُحدثَنَّ بسرِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أحدًا. قال أنسُ: واللهِ! لو حدَّثتُ بهِ أحدًا لحدَّثتكَ، يا ثابتُ! " [رواه مسلم].
17- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " بعثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبا مرثدٍ الغنَوي والزبيرَ بنَ العوامِ، وكلُّنا فارسٌ، قال: [انطلِقوا حتى تأتو روضةَ خاخٍ، فإنَّ بها امرأةً من المشركِين، معها كتابٌ من حاطبِ بن أبي بلتعةَ إلى المشركين]. فأدركناها تسيرُ على بعيرٍ لها حيث قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلنا: الكتابَ، فقالتْ: ما معنا كتابٌ، فأنخناها فالتمسْنا فلم نر كتابًا، فقلنا: ما كذب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، لتُخرجِنَّ الكتابَ أو لنجرِّدنَّكِ، فلما رأتِ الجدَّ أهوتْ إلى حجزتِها، وهي محتجزةٌ بكساءٍ، فأخرجتُه، فانطلقنا بها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال عمرُ: يا رسولَ اللهِ، قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين، فدعْني فلْأضربْ عنقَه. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: [ما حملك على ما صنعتَ]. قال حاطبٌ: واللهِ ما بي أن لا أكون مؤمنًا باللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أردتُ أن يكون لي عند القومِ يدٌ يدفع اللهُ بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابِك إلا له هناك من عشيرتِه من يدفعُ اللهُ به عن أهله وماله. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: [صدق، ولا تقولوا له إلا خيرًا]. فقال عمرُ إنه قد خان اللهَ ورسولَه والمؤمنين، فدعْني فلْأضربْ عنقَه. فقال: [أليس من أهل بدرٍ؟ فقال: لعل اللهَ اطلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتُم، فقد وجبتْ لكم الجنةُ، أو فقد غفرتُ لكم]. فدمعت عينا عمرَ، وقال: اللهُ ورسولُه أعلمُ " [رواه البخاري].
18- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك به الناس، يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض، وإنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدمه " [رواه البيهقي في " شعب الإيمان "].
19- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ".... ومَنِ استَمَع إلى حديثِ قومٍ وهم له كارهونَ صُبَّ في أُذُنَيْه الآنُكُ يومَ القيامةِ " [رواه الألباني بإسناد صحيح].
20- عن سعيد بن أبي سعيد المقبري رضي الله عنه قال: " رأيت ابنَ عمرَ يناجي رجلًا فدخل رجلٌ بينَهما فضرب صدَره وقال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: إذا تناجَى اثنانِ فلا يدخلُ بينَهما الثالثُ إلا بإذنِهما " [رواه أحمد].
21- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: " بينما أنا أَمْشِي مع ابنِ عمرَ رضي الله عنهما آَخِذٌ بيدِه؛ إذ عَرَضَ رجلٌ فقال: كيف سَمِعْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في النَّجْوى؟ فقال: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: إن اللهَ يُدْنِي المؤمنَ، فيَضَعُ عليه كنفَه ويَسْتُرُه، فيقولُ: أتَعْرِفُ ذنبَ كذا: أَتَعْرِفُ ذنبَ كذا؟ فيقول: نعم. أَيْ ربِّ، حتى إذا قرَرَّه بذنوبِه، ورأى في نفسِه أنه هلَكَ، قال: ستَرْتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم، فيُعْطَى كتابُ حسناتِه. وأما الكافرُ والمنافقُ، فيقولُ الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين " [رواه البخاري].
رابعاً: أقوال في الأمانة وحفظ الأسرار:
1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا يعجبكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس، فهو الرجل ".
2- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " سِرُّك أسيرك، فإن تكلَّمتَ به صِرْت أسيره ".
3- قال ابن عباس رضي الله عنهما: " لا تتكلَّم فيما لا يعنيك؛ فإنه فضل، ولا آمَن عليك الزُّور، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعًا؛ فرُبَّ متكلِّم في أمر يَعنيه قد وضَعه في غير موضعه، فأعنَتَه ".
4- قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: " ما وضعت سري عند أحدٍ فأفشاه عليَّ فلمته؛ أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه ".
5- قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: " القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلُّ امرئ مفتاح سرِّه ".
6- قال الإمام الشَّافعي رحمه الله: " آلات الرِّياسة خمس: صِدق اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة ".
7- وقال ابن الجوزي رحمه الله: " رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرِّهم، فإذا ظهر، عاتبوا من أخبروا به. فوا عجبًا! كيف ضاقوا بحبسه ذرعًا، ثم لاموا من أفشاه؟! ".
8- قال العز بن عبد السلام رحمه الله: " الستر على الناس شيمة الأولياء ".
9- قال الحسن البصري رحمه الله: " إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ".
10- قال ذو النون المصري رحمه الله: " لا خير في صحبة من لا يحب أن يراك إلا معصومًا، ومن أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم؛ لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها ".
11- قال أبو حاتم في روضة العقلاء: " من حصَّن بالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر والحازم يجعل سره في وعاء، ويكتمه عن كل مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه، أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السِّر أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه، فمن الأوعية ما يضيق بما يودع، ومنها ما يتسع لما استودع ".
12- قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله: " إن الإسلام يكره الخيانة، ويحتقر الخائنين الذين ينقضون العهود، ومن ثم لا يحب للمسلمين أن يخونوا أمانة العهد في سبيل غاية مهما تكن شريفة.. إن النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ، ومتى استحلت لنفسها وسيلة خسيسة، فلا يمكن أن تظل محافظة على غاية شريفة.. وليس مُسلماً من يبرر الوسيلة بالغاية، فهذا المبدأ غريب على الحس الإسلامي والحساسية الإسلامية، لأنه لا انفصال في تكوين النفس البشرية وعالمها بين الوسائل والغايات.. إن الشط المُمرع لا يغري المسلم بخوض بركة من الوحل، فإن الشط المُمرع لابد أن تلوثه الأقدام الملوثة في النهاية.. من أجل هذا كله يكره الله الخائنين ويكره الله الخيانة ". [مُمرع: خِصب وكثير العُشب].
13- قيل لأعرابي: ما بلغ من حفظك للسر؟ قال: أمزقه تحت شغاف قلبي ثم أجمعه، وأنساه كأني لم أسمعه.
14- قال أبو حاتم - رحمه الله -: " الواجبُ على العاقل أن يلزم الصمتَ إلى أن يلزمه التكلُّم، فما أكثرَ مَن ندم إذا نطق، وأقلَّ من يندم إذا سكت! وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً مَن ابتُلِيَ بلسانٍ مطلقٍ، وفؤادٍ مطبقٍ ".
15- قال أحد الحكماء لابنه: يا بني كُن جوادًا بالمال في مواضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجوه البر، والبخل بمكتوم السر.
16- يقول أحد دهاة العرب: " ما غلبتني إلا جارية، كانت تحمل طبق مُغطى " سألتها: " ماذا يوجد في الطبق؟؟ فقالت: ولمَ غطيناه إذاً؟ فأحرجتني ".
17- سقول الشاعر:
أجود بمكنون التلاد وإنني
بسري عمَّن سالني لضنين
وإن ضيَّع الأقوام سري فإنني
كتوم لأسرار العشير أمين
18- قال الشّاعر:
إذا المرء أفشى سرّه بلسانه
ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه
فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق
وختاماً: إنه حين يلتزم المجتمع المسلم بحفظ أسرار المجالس وأماناتها نجد أن لُحمة المجتمع قد توطدت ونسيجه قد قوي على عكس المُجتمعات التي تلهث وراء الأسرار وترصد الذلات وتتبع العورات وتوثق الفضائح ولربما لجأت إلى العنف والجريمة لتحقيق هذه المآرب الدنيئة وتعتبر أن ما تحت أيديها من أسرار شخصية ودولية سيفاً مُسلطاً على رقاب الأفراد وخنجراً في خاصرة الدول تستخدمها لتحقيق أغراض خسيسة وأهداف وضيعة فتكون كل هذه التصرفات مثل السوس الذي ينخر في جسد المجتمع بأكمله حتى إذا جاء وعد الله أتى بنيانهم من القواعد فهلك الجميع.
اللهم طهِّرْ قلوبنا وأحسن نوايانا واحفظ اللهم ما نُبدي وما نُخفي واحفظنا اللهم من بين أيدينا ومن خلفنا ونعوذ بك يا ربنا أن نغتال من تحتنا

اكتب تعليق

أحدث أقدم