رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحياة من منظور الإسلام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحياة من منظور الإسلام



بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الله عز وجل هو الذي خلق الإنسان ووهبه الحياة مقدرة بالميلاد والموت وما بين الميلاد والموت حياة قدر الله فيها أمورا إجبارية على الإنسان، ويعلم الله أمورا يأتيها الإنسان بإرادته. ويحاسب الله الإنسان حسابا شخصيا، فلا تزر وازرة ورز أخرى، خلق الله الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.
والحق في الحياة منحة من الله لأن الإنسان نفس يضم روحا هي قبس من الله، وجسدا هو من الأرض وعلى الأرض وإلى الأرض يعود. ومادامت الحياة منحة فلا يجوز لأي شخص أن يهين هذه الحياة أو يعتدي على الكرامة، أو يعتدي على هذه الحياة بالإفناء أو القتل، كما يجب على الإنسان أن يحافظ على حياته: روحه وبدنه، فالحياة أمانة في عنق الإنسان، ويحاسب على التفريط فيها. ومن الواضح أن المنظور القرآني يختلف عن نظرية الحرية في القانون، ولذلك فإن صور الحرية في صدد الحق في الحياة في القانون الغربي لها وضع مختلف في المنظور القرآني.
فمادام الحق في الحياة ملك لله ومنحة للإنسان، فليس لإنسان أي حرية في التصرف في هذا الحق.
1- الانتحار يعتبر في المنظور القرآني تحديا لإرادة الله الذي يحدد للنفس موعد رحيلها من الدنيا، «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا»، «وفي السماء رزقكم وما توعدون»، «وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت».
فالانتحار يعتبر تحديا لله وخروجا على قضائه. ويجب أن نفرق بين الانتحار بقرار ولو لظروف قاهرة فهذه جريمة في حق الخالق، وبين الانتحار لسبب مرضي أو عقلي رغما عن إرادة المنتحر ضحية المرض.
ورغم خطورة الانتحار والتحذير في الأحاديث النبوية من الإقدام عليه، فإن مصاعب الحياة أو المرض أو الحالة النفسية قد تدفع الإنسان إلى الانتحار للتخلص من الموقف الضاغط عليه، لأن المنتحر في هذه الحالة يطمع في رحمة الله ولا تسعفه قواه على الصمود أمام المصائب، وعلى الله حسابه. ولا شك أن القرآن حدثنا عن الصبر في مواجهة المصائب «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون». ويعتبر الصبر بابا كاملا من أبواب الإيمان وتحفل به آيات القرآن الكريم.
والانتحار قد يكون مباشرا بتوفر قصد التخلص من الحياة عادة بطريقة عفوية ومفاجئة حتى لو بدا العمل مفاجئا والتراكمات سابقة، وقد يكون غير مباشر إذا أهمل الإنسان في صيانة حياته أو متابعة علاجه أو عرض نفسه لمخاطر غير محسوبة بشرط توفر نية التخلص من الحياة وخاصة إذا كان الشخص لا يريد أن يقوم بالانتحار العلني ولكنه يريد إنهاء حياته بطريقة تبدو طبيعية بما يدرأ الفضيحة أو أن يوهم نفسه بأنه لا يتحدى الله لبقية من إيمان أو نحوه. ومادام الإضرار بالصحة إخلالا بواجب صيانة الجسد والعقل مثل طريق المخدرات أو التدخين اتجه البعض إلى تحريم التدخين والمخدرات استنباطا من الضرورات الخمس.
2- القتل: القرآن قاطع في تحريم قتل النفس، «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا».
وقرر القرآن القصاص في أحوال القتل لقوله تعالى «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب».
والقصاص هو قتل القاتل إذا كان قتلا عمدا وخاصة مع توفر النية الإجرامية والاستعداد للجريمة، أي سبق الإصرار والترصد، وهو يختلف عن القتل الخطأ وإن كانت بعض صور القتل الخطأ يمكن أن ترقى إلى مستوى القتل العمد بحسب ظروف الجريمة.
وللقتل صور مختلفة مباشرة وغير مباشرة.
ويمكن اعتبار تعذيب المعتقلين حتى الموت وحرمانهم من الدواء تنكيلا بالخصوم وانتهاكا لأبسط حقوق السجين وآدميته، والاعتداء عليهم وهم في حماية الدولة وتحت سلطة القانون هو في نظرنا قتل عمدي أكثر انحطاطا من قيام شخص بقتل آخر لثأر أو غيره. كذلك فإن ضرب المتظاهرين في مناطق القتل بالرصاص الحي هو صورة من صور القتل العمد إن تجاوز القضاء عنه لعلة سياسية، فإنه عند الله قتل لنفس بشرية محظور قتلها.
أما الإضراب عن الطعام احتجاجا على معاملة السلطة، فإن كانت النية هي التخلص من الموقف والحياة فهو انتحار، وإن مات الشخص وهو مضرب عن الطعام لخلل أو علة أو نحوها فلا نظن أنه انتحار، ونظن في الدول القانونية المحترمة، تتفاعل السلطات مع طلبات الشخص ولا يصل الأمر إلى الإضراب عن الطعام، ولذلك أصدرت إسرائيل قانونا يلزم الحكومة باستخدام القوة لإنهاء الإضراب عن الطعام حتى لا تتعرض الحكومة للنقد الدولي، وكان الأولى أن تستجيب لطلبات المضريين الإنسانية، لولا أن سياسة إسرائيل هي إبادة الشعب الفلسطيني بكل صور الإبادة.
والقتل هو قيام شخص بإزهاق روح آخر، ولكن الإعدام هو نفس العمل وتقوم به الدولة بأساليب قانونية. والإعدام هو القصاص بخلاف القتل الذي تمارسه السلطة في العالم الثالث خارج سلطة القانون. والإعدام يكون بحكم قضائي بصرف النظر عن طريقة تنفيذ الإعدام. ويعني الإعدام أن يصبح الشخص المحكوم في حكم العدم.
ولذلك تعتقد الدول الإسلامية أن الإعدام هو القصاص وهو التزام ديني على الدولة ولذلك يتحفظ بعضها على أحكام المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي تقرر إلغاء عقوبة الإعدام.
في تقديرنا أن إلغاء عقوبة الإعدام وعلاقتها بالقصاص تحتاج إلى مزيد من التحليل، وخاصة أن مبررات إلغاء هذه العقوبة تبدو منطقية. ولا يجادل أحد في المجتمع الدولي في أن عقوبة الإعدام ضرورية، وهي في الإسلام قصاص ملزم، لكن المشكلة هي أخطاء القضاء التي قد تسبب إعدام بريء، وهناك تاريخ من المآسي في جميع دول العالم في هذا الباب.
3- الاجهاض: يبدو أن الإجماع الفقهي منعقد على أن الإجهاض في مرحلة تكون الجنين ليصبح روحا محظور مطلقا لأنه قتل للنفس، ولكن بعض الآراء تجيز الإجهاض مع مراعاة صحة الأم، وفي ضوء المخاطر الأكبر إذا استمر الحمل، وهذه أمور يستند الفقهاء فيها إلى ما يقرره الطب في هذه المسألة. ولذلك تحرص تشريعات الدول الإسلامية على تجريم الإجهاض إلا لضرورة طبية شرعية بينما الإجهاض في القوانين غير الإسلامية ينطلق من مبدأ حرية الأم وصحتها.
وفي العالم الإسلامي يثور مع الإجهاض مسألة العلاقة غير الشرعية، وجرائم الشرف وحساسية المجتمع، وجرائم الاغتصاب التي اختلف الفقهاء فيها على مصير الحمل الناجم عن جريمة الاغتصاب. ومعلوم أن القانون الدولي يعتبر جريمة الاغتصاب من جرائم الحرب إذا ارتكبت الجريمة بقصد الانتقام العرقي أو كانت أداة من أدوات إذلال الخصم والتنكيل به في الحروب.
ومعلوم أنه في الغرب، صارت حرية الإجهاض مسألة سياسية وخاصة في مواسم الانتخابات، ولكن الأوساط الدينية متمسكة بالجانب الأخلاقي والديني في هذه المسألة.
4- الموت الرحيم: إذا كانت تشريعات إباحة الموت الرحيم (الاثنازيا) بضوابط معينة بما في ذلك المساعدة ولو غير المباشرة على ذلك تتزايد رحمة بالإنسان الذي لا يرجى برؤه، فإن الإسلام يعتبر أي محاولة لتسهيل الموت مساهمة في القتل، ويعتبر المسألة انتحارا إذا غلب العامل الشخصي على بقية العوامل الخارجية في إنهاء حياة الإنسان.
فالمريض يصبر على المرض، لأن المرض من ملائكة الله ولا يجوز للمريض الجدل حول الشهادة والقتل والانتحار والإرهاب

اكتب تعليق

أحدث أقدم