رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القواعد الأساسية في العمل الثقافي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القواعد الأساسية في العمل الثقافي



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن العديد من الدراسات التي تعنى بالشأن المستقبلي للعالم العربي الإسلامي تجمع على أن التغيير الثقافي هو أحد أسس تغيير الواقع، وهو ما يعني بشكل واضح أن هذا التغيير المنشود لا يمكن أن يكون شرقيًا ولا غربيًا، ولكنه تغيير ينطلق من خصوصيات الأمة ومقوماتها المحلية.
ويدفعنا القول بخصوصية الأمة ومقوماتها إلى تسطير بعض المبادئ التي من المفترض أن ينطلق منها كل عمل ثقافي يراهن على تحقيق بعث حضاري للأمة الإسلامية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1- التركيز على المبادئ والخصوصيات الأساسية للأمة الإسلامية.
2- الحرص على تحقيق الإقناع لدى الناشئة بمقومات الأمة وخصوصياتها.
3- بناء وخلق الدافع الذاتي الذي يحول الاقتناع بالأفكار إلى أعمال ميدانية ملموسة.
4- العلم بالوسائل الموصلة إلى الغايات والفصل فيها بين ما هو شرعي جائر وما هو غير شرعي.
ومن شأن هذه الوسائط أن تعمل على:
1- تقوية النسيج الاجتماعي ارتكازًا على البعد الديني وعلى أخوة المسلمين ووحدة عقيدتهم.
2- نشر ثقافة التعمير ومحاصرة ثقافة اللامسئولية والميوعة المنتشرة والمزدادة تناميا يوما بعد يوم، حتى نخرج عن أَسْر الفكر والسلوك الغربيين.
3- ترويح النفس عن كدها وعملها (ثقافة ترويحية).
4- العمل على إعلان المواقف من القضايا الطارئة أو القديمة.
5- شحذ الفعالية الروحية لدى المرء.
وفي أفق تحقيق ذلك تمر الثقافة بثلاث مراحل هي:
أ: مرحلة المزاحمة: وفي هذه المرحلة يمكن أن نتحدث عن بداية بروز بعض المواقف من القضايا الفكرية والاجتماعية وربما السياسية، ولو على استحياء، وهي مواقف تستمد ما توصلت إليه من حسن قراءة القرآن والسنة وتراث السلف الصالح، ولا يضر أن يكون من بين هذه المواقف ما هو على خلاف تام مع المواقف السائدة والغير مستندة من هذه الأصول الإسلامية.
وللتذكير فإن هذه المواقف غالبا ما يُنظر إليها على أنها مواقف متطرفة ورجعية ولا تساير العصر، كما يُنظر إلى أصحابها على أنهم رجعيون ما ضويون إلى غير ذلك من الصفات التي يوصف بها كل ذي ثقافة إسلامية تسعى لأن تجد لنفسها أرضية للانتشار والتمكن.
ب: مرحلة التحدي: ويكون هدفها الأساس هو تقريب الدين إلى نفوس أبناء الأمة وتحبيبه إليهم، ويمكن أن يسلك في ذلك الدعاة المثقفون الإسلاميون طرقاً متعددة، منها: إبراز مصادر ثقافة الإسلام من الكتاب والسنة أساساً، وإبراز التصورات الإسلامية الحقيقية الكفيلة بحسن تنظيم وتسيير الحياة العامة وضبط العلاقات بين الأمم والشعوب، وإبراز قدرة الإسلام على الفصل في كل النزاعات والخلافات مهما صغر حجمها، بل إبراز قدرة الإسلام على الإجابة عن كل الإشكالات التي تعترض الأمة في حياتها اليومية، سواء ما تعلق منها بالاجتماع أو السياسة أو الاقتصاد أو التعليم والإعلام، بل وحتى في المسألة الفنية والعلاقات الدولية وغيرها، وفي أدق تفاصيل الحياة اليومية.
ولا ينفصل عما سبق العملُ على إبراز حقائق التاريخ الإسلامي كما هي دون تحريف ولا تغيير، والرد على الشبهات والأباطيل التي ألحقها به المغرضون عبر مراحله وحقبه، ومن شأن كل هذا أن يجعل الثقافة الإسلامية، لكونها تستند إلى قاعدة صلبة تنطلق منها وإليها وهي دين الإسلام، قادرة على أن تتحدى كل الطروحات الفكرية والثقافية السائدة البعيدة عن النهل من الإسلام وينابيعه.
وتقتضي عملية تحدي الرأي الآخر، في إطار سنة التدافع في هذه الحياة الدنيا، التخلق بخلق الإسلام في الحوار والجدال، مصداقا لقوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) وتأسياً بمنهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حاور خصومه وأعداء الدين، بالإضافة طبعاً إلى الانطلاق من منطلق الراغبين في إصلاح الأمة والسير بها إلى بر الأمان، وما يتطلبه ذلك من رحمة بالناس وصبر على أذاهم وإيمان بحتمية الانتصار على الباطل.
ج: مرحلة الريادة: وفي هذه المرحلة بالذات يكون للموقف الثقافي والفكري المستند إلى الإسلام ومبادئه وزن واعتبار في المنظومة الفكرية والثقافية الموجودة بالبلاد العربية، يضاف إلى ذلك المعرفة الجيدة بالواقع الذي سيحتضن هذه الثقافة، ومن هذه المعرفة إدراك طبيعة التيارات الفكرية العاملة في الساحة الثقافية، ومن خلال ذلك التعرف على رجالات الفكر والثقافة من خلال ما يكتبون وينشرون، وبالتالي تصنيف هذه الآراء الثقافية والتيارات الفكرية بحسب القرب أو البعد من الإسلام ومبادئه، والخلاصة في هذه الحالة أن يسعى المثقفون الإسلاميون إلى ضم القريب منهم، وتقريب البعيد عنهم.
إن هذه القوة التي يتميز بها المثقفون "الإسلاميون" في التبليغ والإقناع، وفي الاحتواء والتجاوز، تجعل منهم رواداً لغيرهم في مجالات عملهم، سواء ما تعلق من ذلك بالعمل الثقافي الخالص، أو بالعمل الاجتماعي، أو بالعمل السياسي.
د: مرحلة الإمامة: وهي النتيجة الطبيعية للمراحل السابقة، ومن نتائجها أن تكثر وجهات النظر حول قضايا الإسلام في تمثلاته الثفافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويكون في ذلك غنى وإثراء للتوجهات الإسلامية من خلال ما تحققه من انتشار بسبب قوة الحجة والدليل لقوة الإسلام نفسه، مقابل تراجع وتقهقر التيارات الفكرية المنحرفة.
بعد الذي سبق بيانه، ترى كيف السبيل إلى إحياء ثقافتنا الإسلامية ليكون في مقدورها حقاً المنافسة ثم الريادة والإمامة؟
إن الثقافة التي يمكنها ذلك من وجهة نظرنا هي ثقافة البناء، هي الثقافة التي تجعل الإنسان هدفها، والكون كله في خدمته، هي الثقافة التي تسعى إلى إعمار الكون لا إلى تخريبه، وحيث إن الدور الإيجابي للثقافة هو البناء والتأسيس، بعد التحميس والتحذير في مرحلة متقدمة، فإن لذلك شروطاً وضوابط منها:
1- الحد من العدوانية: وذلك لا يتأتى إلا من خلال اعتبار السلم هو الأصل في هذه الحياة الدنيا، فلا ظلم ولا عدوان، وما كان عنفاً فكرياً يجب أن يرد بالفكر، وبالتبع فإن إبعاد الظلم والعدوان من دائرة العمل الثقافي التغييري معناه استحضار قيمة العدل، بما يعني ذلك من تسليم بالحق لصاحبه، كان من كان هذا الصاحب.
2- الحد من الفردانية: ومعنى هذا أن يتخلص المثقف من شعوره الدفين بذاته وأناه، ومما ينتج عن ذلك الشعور من حب للنفس قد يصل حد النرجسية، ومن إلغاء للآخر قد يصل حد الإقصاء، وهنا لا بد من التساؤل حول كيف يمكن للمثقف أن يحقق ذاته دون إقصاء للآخر، إن الأمر لا يمكن أن يتم إلا إذا توافر شرطان أساسيان في العملية الثقافية كلها، وهما:
أولا: التوازن بين الذات والجماعة، بالشكل الذي يضمن معه المرء تحقيق المصلحة لنفسه، لكن ليس على حساب الجماعة، بل مع مصلحته وخير جماعته، ومتى غاب هذا التوازن بين المثقف وجماعته كانت النتيجة بروز مظاهر فكرية وسلوكية تشكل معول هدم لثقافة البناء والتعمير، ومن هذه المظاهر يمكن أن نجد على سبيل المثال لا الحصر تسامي الذاتية والإعجاب بـ"الأنا" ومتى شعر المرء بذلك ظن أنه يمتلك الحقيقة كلها وأن النقص لا يعتريه، بل يعتري غيره، ويمكن أن نمثل لذلك بمقولة "شعب الله المختار" أو مقولة "مجد روما التليد" وهي ادعاءات توحي بعدم إمكانية إلحاق صفات النقص بالذات وهذا محال.
ويمكن أن نجد من هذه المظاهر أيضاًَ ما يعرف بنمطية التفكير، حيث إن الذات المصابة بتسامي الذاتية تعتبر نفسها منزهة عن النقص، وبالتالي فهي لا تحرص على تجديد ذاتها، ولا على تطوير وسائل عملها ولا خطابها، والخلاصة هي أنها تعاود مرة أخرى إنتاج ذاتها بشكل نمطي رهيب، فتحيط نفسها بسياج سميك يجعلها في عزلة عن الواقع، وما يجري فيه، ومن ثم فإن هذا السياج يجعلها في انقطاع تام عن الآخر، مكرسة بذلك واقع الانعزالية والتقوقع على الذات.
ثانيا: اعتبار الإنسان كلاً متوازناً من ثلاثة أبعاد، هي:
الإنسان، الجسد، باعتباره مادة بيولوجية وطاقة نفسية.
الإنسان، العقل، باعتباره طاقة فكرية وقوة منطقية.
الإنسان، الروح، باعتباره مصدر قيم ومبادئ ومعان روحية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الأبعاد الثلاثة التي تحكم النظرة السليمة للإنسان لا يمكن أن تؤدي دورها المطلوب إلا من خلال تفاعلها مجتمعة، ذلك أن أي تغييب لأي عنصر منها من شأنه أن تنتج عنه إحدى النظرتين الخطيرتين التاليتين، أو هما معاً:
1- تشييء الإنسان: وهذه الظاهرة تنتج متى تم إلغاء القيمة الروحية والفكرية للإنسان، في مقابل تضخيم قيمته المادية الجسدية، ولنا في هذا أن ننظر لبعض الطروحات حول المرأة التي غيبت تماماً إنسانيتها وأصبحت تنظر إليها وفق مقاييس جسدية، باعتبارها مصدر إثارة الغريزة الجنسية، ووسيلة للدعاية والإشهار للسلع التجارية وترويج ما هزل من الأفلام والمسلسلات والمواد الإعلامية.
2- تأليه الإنسان: والمقصود بذلك تقديس اجتهاداته وطبعها بطابع العصمة من الخطأ، وتلك لعمري صفةٌ لا تكون لكلام بشر، ومن شأن إخراج الإنسان من صفته الإنسانية بما يعني ذلك تعرضه للخطأ وللصواب، إلى صفة أخرى تنزهه عن الوقوع فيهما، أن يؤدي إلى انحرافات فكرية، بل وعقدية أيضا، ستكون شراً ووبالاً على العمل التغييري كله.

اكتب تعليق

أحدث أقدم