رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أهمية التفقه في الدين

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أهمية التفقه في الدين




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أنه قبل بيان أهمية التفقه في الدين لابد من شرح معنى كلمة. الفقه في اللغة والاصطلاح.
الفقه في اللغة: يعني العلم بالشيء والفهم له، وليس المراد منه مطلق العلم، بل المقصود دقة الفهم (1) بدليل قول الله - تعالى -(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ) هود: 91، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس، فقال: " اللهم فقه في الدين" متفق عليه (2).
الفقه في الاصطلاح:
عند المتقدمين كان يطلق على علماء الدين عموماً المهتمين بأصول الدين وفروعه (3).
وأما الفقه في اصطلاح المتأخرين فمعناه علم التشريع الإسلامي وهو يمثل الحياة العملية والسلوك الاجتماعي للمسلمين.
ويعرف بأنه: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية (4) أي ما يتعلق بأفعال المكلفين من الحل والحرمة والصحة والفساد ونحو ذلك.
وأما تعريف أصول الفقه: فهو علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد‏. ‏
نلاحظ من المعاني السابقة ما يلي:
التعريف اللغوي لكلمة الفقه: هو معنى الكلمة كما وردت في استعمال العرب لها في لغتهم.
أمَّا التعريف الاصطلاحي لكلمة الفقه:
فهو معنى الكلمة بعد استعمال علماء الإسلام لها، سواء كان هذا الاستعمال وارداً في النصوص الشرعية، أو مستنداً إليها بحيث أصبح لها معنى خاصاً لم يكن معلوماً عند العرب سابقاً، فكلمة فقه تعني العلم والفهم في كلام العرب، ولكن استناداً لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)(5).
اصطلح العلماء على تسمية العلم الذي يهتم بالعبادات العملية: (فقهاً) فأصبح علم الفقه يدل على مدلول خاص عرف بعد الإسلام لم يكن معروفاً قبله. فمثلاً كلمة الصلاة؛ تدلُّ في اللغة على الدعاء.
ولكن عندما فرضها الله - تعالى - وذكرها في القرآن الكريم واستخدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، أصبحت تدلُّ على حركاتٍ وأقوالٍ مخصوصة، لها كيفيتها الخاصة بها في الأداء، ولها أدعيةٌ خاصة في كلِّ جزءٍ منها، فأصبح المعنى الشرعي (الاصطلاحي) للكلمة مختلفاً عن المعنى اللغوي.
شمولية الفقه:
ليس الفِقْهُ شيئًا واحدًا؛ بل هو متنوِّعٌ شاملٌ؛ فمِنْ ذلِك: فقه المقاصد والنيَّات، وفقه الموازنات والأوليَّات، وفقه الاختلاف، وفقه سماحة الإسلام ويُسْره، وفقه الواقع، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقه الدعوة، وفقْه الثوابت والمتغيِّرات. وغير ذلك. (راجع مقال: الفِقه في الدِّين ضرورة ملحَّة في زمن الفتن والعولمة د. عبد الرحمن مدخلي مقال منشور بموقع الألوكة).
أهمية التفقه في الدين:
من تفقه في دينه فقد سلك طريق العلم الموصلة للجنة (5)، و من واظب على طلب العلم لله، و تفقه في دين الله زادت خشيته لله، وسلمت عقيدته وصحت عبادته، وحسنت معاملاته مع الناس، وكان ممن أراد الله لهم الخير كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (6).
وقد حثت النصوص الشرعية على طلب الفقه، مع بيان فضل الفقه في الدِّين، ومن ذلك قوله - تعالى -: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ سورة التوبة 122.
وأيضا ليتعلم المسلم الفقه الصحيح، ويحذر من الفتوى بغير علم، و يحيل السائل لمن هو أفقه منه إذا لم يكن عالما فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ‏ ‏قَالَ: ‏أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ ‏ ‏بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏فَقَالَ ‏‏قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ ‏ ‏الْعِيِّ ‏ ‏السُّؤَالَ"(7) حديث حسن رواه أبو داود.
ومن يرغب في طلب العلم، ومنه الفقه فهو يسير في طريق الجنة كما جاء في الحديث: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"(😎.
ونزف إليه البشرى بأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وأن الحيتان في البحر والنمل في جحوره يستغفر له مادام يطلب العلم لوجه الله - تعالى -، ولرفع الجهل عن نفسه، ولنشر العلم النافع بين أقاربه، ولإصلاح مجتمعه، وهذا ورد في حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من سلك طريقا يبتغي فيه علما، سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا، ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"(9).
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - وأرضاه: "لكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه، وما عُبِدَ الله بشيء أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد"(10).
______________________
(الهوامش):
1. انظر الوجيز في أصول الفقه ص 8، للدكتور عبد الكريم زيدان ط 7مؤسسة الرسالة بيروت 1418هـ=1997م.
2. رواه البخاري في الوضوء باب وضع الماء عند الخلاء (143)، ومسلم في فضائل ابن عباس (2477).
3. راجع تاريخ الفقه الإسلامي ص11، 14، للدكتور عمر سليمان الأشقر ط 3 دار النفائس الأردن 1412هـ=1991م وانظر أيضا الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي ط الثانية 1405=1985 دار الفكر دمشق، ج 1من ص15 ــ 17 وقد شرح للتعريف الاصطلاحي.
4. متفق عليه رواه البخاري في العلم ب: (من يرد الله...) (71) ومسلم في الزكاة وفيه زيادة (1037).
5. راجع تاريخ التشربع الإسلامي للشيخ مناع القطان ص 12 ص16، وانظر أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص 13، ط دار الفكر العربي بالقاهرة 1416 هـ =1995م.
6. متفق عليه تقدم تخريجه هامش (4).
7. حديث حسن رواه أبو داود في الطهارة، باب في المجروح يتيمم، ورواه ابن ماجه و غيره.
حديث: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه البخاري في العلم باب (10). وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وأرضاه: "تعلموا العلم فإن تعلّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والدين عند الأخلاق، والقرب عند الغرباء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخلق قادة يقتدى بهم، وأئمة في الخلق يقتفي آثارهم، و ينتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في حبّهم بأجنحتها تمسحهم، حتى كل رطب ويابس لهم مستغفِر، حتى الحيتان في البحر وهوام وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، ولأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، والفكر به يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام به يطاع الله - عز وجل -، ويعبد به الله - جل وعلا -، وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام، إمام العمل؛ والعمل تابع له، يُلْهَمُه السعداء ويُحْرَمُهُ الأشقياء"رواه ابن عبد البر في جامع العلم وفضله، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب واستغرب رفعه 1/74، وقال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين 4/134: إنه لا يصح رفعه بل هو موقوف على معاذ - رضي الله عنه -.
9. رواه الترمذي 2683، وصححه الألباني في صحيح الجامع6287.
10. أورده العجلوني في كشف الخفاء وضعفه 2/188، و ورد قطعة منه بلفظ" ولفقيه واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد" أيضا من كلام عبد الله بن عباس، ولا يصح رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم، راجع ضعيف ابن ماجه للألباني(41).

اكتب تعليق

أحدث أقدم