رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القراّن الكريم

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القراّن الكريم




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
إنْ كان القُرآن الكريم قد شَرُفَ وعَلَتْ منزلته بين الكتب السماويَّة، وشَرُفَ مَن عمل به، وفاز مَن آمن به، وحاز قارئه الأجرَ الكثير، فإنَّ لحافظِه من البركات والخيرات الشيء الكثير، كيف لا يكون كذلك مَن حوى كتابَ الله تعالى في صدره وملأ قلبَه به وأكثَرَ لسانُه من تلاوته.
إنَّ لحفظ القُرآن الكريم من الفَضائل والفَوائد ما يدعو المسلمَ إلى المسارعة إلى هذا الخير والمشاركة فيه؛ حتى يكونَ من أهل القُرآن الذين هم أهل الله وخاصَّته، كما في الحديث.
وإذا كان القُرآن الكريم كلامَ الله تعالى، وإليه التحاكُم والحكمُ، وهو المرجع عند النِّزاع والخلاف لدى أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم- فما ظنُّكم بِمَن يحفَظُه ويُعنَى به ويشغل به وقته؟!
في الحديث القدسي: "إنما بعثتك لأبتَلِيَك وأبتَلِيَ بك، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسلُه الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان))؛ رواه مسلم.
قال النووي: فمعناه: محفوظ في الصُّدور، لا يتطرَّق إليه الذهاب، بل يبقى على مَرِّ الزمان.
قال ابن حزم: اتَّفقوا على أنَّ حِفظ شيءٍ من القُرآن واجبٌ، واتَّفقوا على استِحباب حفظ جميعِه، وأنَّ ضبطَ جميعِه واجبٌ على الكفاية لا متعين، ا.هـ.
وقال الزركشي: قال أصحابنا: تعلُّم القُرآن فرضُ كفاية، وكذلك حِفظه واجبٌ على الأمَّة، ا.هـ.
قال ابن خلدون: اعلم أنَّ تعليمَ الولدان للقُرآن شِعار الدِّين، أخَذ به أهل الملة ودرَجُوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبقُ فيه إلى القُلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، وصار القُرآن أصلَ التعليم الذي ينبَنِي عليه ما يحصلُ بعدُ من الملكات، ا.هـ.
وقال أبو الفضل الرازي: وعلى الحِفظ والتحفُّظ كان الصدر الأوَّل ومَن بعدهم، فلم يكن الفُقَهاء منهم ولا المحدِّثون والوعَّاظ يتخلَّفون عن حِفظ القُرآن الكريم والاجتهاد على استِظهاره، إلى أنْ خلفهم الخلفُ الذين فاتَهُم من طراوتهم وحَداثتهم طلبُ حفظِ القُرآن الكريم وفي أوانه، ولَحِقَهم العجزُ والبَلادةُ على سنِّهم... ا.هـ بتصرُّف يسير.
التأكيد على أنَّ حفظَه مُيسَّر للجميع، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، وقد ذكَر العلماء أنَّ من معجزات القُرآن الكريم تيسير حِفظه، كما قال النويري: والقُرآن قد يسَّر الله تعالى حفظَه على الغِلمان في المدَّة القريبة والنِّسوان، وقد رأينا مَن حفظه على كبر سنِّه، وهذا من معجزاته، ا.هـ.
قال ابن تيميَّة: وأمَّا طلب حِفظ القُرآن فهو مقدَّم على كثيرٍ ممَّا تُسمِّيه الناس علمًا، وهو إمَّا باطلٌ أو قليلُ النَّفع، وهو أيضًا مُقدَّم في التعلُّم في حقِّ مَن يريدُ أنْ يتعلَّم علمَ الدِّين من الأصول والفروع؛ فإنَّ المشروع في حَقِّ مثلِ هذا في هذه الأوقات أنْ يبدأ بحفظ القُرآن؛ فإنَّه أصلُ علوم الدِّين... والمطلوب من القُرآن هو فهم مَعانِيه والعمل به، فإنْ لم تكن هذه همَّة حافظه لم يكن من أهل العِلم والدِّين، ا.هـ.
وإليكم جملة من الفضائل والفوائد المترتِّبة على حفظ كتاب الله تعالى؛ علَّ الهِمَم أنْ تنهض، ولعلَّنا أنْ ندرك ما يفوتُ من الخير مَن لم يُبالِ به.
1- أنَّ في حفظه تَأَسِّيًا بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يحفظُه ويديمُ تلاوته، ويعرضه على جبريل - عليه السلام - في كلِّ عام مرَّةً، وفي السَّنة التي تُوفِّي فيها عرَضَه عليه مرَّتين، وكان - عليه الصلاة والسلام - يُقرِئه أصحابه - رضي الله عنهم - ويسمعه منهم.
2- أنَّ في حفظه تَأَسِّيًا بالسَّلَفِ وسيرًا على جادَّتهم؛ فقد كانوا يبدَؤُون بحِفظ القُرآن ودِراسته قبلَ سائر العلوم؛ قال الإمام ابن عبدالبر: "طلب العلم درجات ومناقل ورُتَبٌ لا ينبغي تعدِّيها، ومَن تعدَّاها جملةً فقد تعدَّى سبيلَ السلف - رحمهم الله - فأوَّلُ العلم حفظُ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - وتفهُّمه".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وأمَّا طلب حفظ القُرآن فهو مُقدَّم على كثيرٍ ممَّا تسميه الناس علمًا، وهو إمَّا باطلٌ أو قليلُ النفع، وهو أيضًا مُقدَّم في حقِّ مَن يريدُ أنْ يتعلَّم عِلمَ الدِّين من الأصول والفُروع، فإنَّ المشروع في حقِّ مثل هذا في هذه الأوقات أنْ يبدأ بحِفظ القُرآن فإنَّه أصلُ علوم الدِّين".
3- حفظ القُرآن من خَصائص هذه الأمَّة: يقولُ ابن الجزري: "إنَّ الاعتماد في نقل القُرآن على حِفظ القلوب والصُّدور، وهذه أشرف خصيصةٍ من الله تعالى لهذه الأمَّة".
ولا يزالُ حِفظ القُرآن شِعارًا لهذه الأمَّة، وشوكةً في حُلوق أعدائها؛ يقول أحد المستشرقين: لعلَّ القُرآن هو أكثر الكتب التي تُقرَأ في العالم، وهو بكلِّ تأكيد أيسرها حِفظًا.
ويقول آخَر: إنَّنا اليومَ نجدُ على الرغم من انحِسار موجة الإيمان آلافًا من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب، وفي مصر وحدَها من الحفَّاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الإناجيل عن ظهر قلب في أوربا كلها.
4- أنَّ حِفظَه مُيسَّر للناس كلِّهم: فكم رأى الناس من محدودي الإدراك وضِعاف الحِفظ مَن استطاعَ حِفظ القُرآن الكريم، بل حفظه الأعاجم الذين لا يعرفون العربيَّة وحَفِظَه الكبار في السنِّ، وهذا من إعجاز القُرآن الكريم؛ قال الماوردي: "الوجه السادس عشر من أعجازه: تيسيرُه على جميع الألسنة حتى حَفِظَه الأعجميُّ الأبكم، ودار به لسانُ القبطي الألكن، ولا يُحفَظ غيرُه من الكتب كحِفظه، ولا تجري ألسنة البكم كجريها به".
وقال القرطبي في قوله -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]: أي: سهَّلناه للحِفظ، وأعَنَّا عليه مَن أراد حِفظَه، فهل من طالبٍ لحفظه فيُعان عليه؛ فهذا ممَّا يُقوِّي العزيمة ويُعلي الهمَّة في طلَب حِفظ كتاب الله تعالى.
5- أنَّ حفظ القُرآن مشروعٌ لا يعرفُ الفشل: فحين يبدأُ الراغب في حِفظه، ثم تنتهي عزيمتُه ويضعُف نشاطُه، وقد حفظ بعضَ أجزائه، فهل يُعتَبر مشروعه فاشلاً؟ إنَّ هذا الجهد لم يذهبْ سُدًى، بل هَبْ أنَّه لم يحفَظْ شيئًا يُذكَر، فالوقت الذي بذَلَه في التِّلاوة والحِفظ والمراجعة وقتٌ قَضاه في طاعة الله - تبارك وتعالى - وكم آيةٍ وسورةٍ تلاها! وقد علمنا أنَّ الحرف من كتاب الله بعشر حسنات.
6- أنَّ حافظَ القُرآن الكريم يستحقُّ التكريم والإجلال: فعن أبي موسى: ((إنَّ من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القُرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرامَ ذي السلطان المقسط))؛ أبو داود، فحق لِمَن حازَ كلامَ الله تعالى في صَدره أنْ يُكرَم ويجلَّ، وحافظ القُرآن أَوْلَى الناس بالإمامة في الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام؛ ((يؤمُّ القومَ أقرَؤُهم لكتاب الله))؛ مسلم.
7- أنَّ الغبطةَ الحقيقيَّة والحسَدَ المحمود إنما يكونُ لمن حَفِظَ القُرآن الكريم وقام بحقِّه؛ ((لا حسَدَ إلا في اثنتين: رجل علَّمَه الله القُرآنَ فهو يَتلُوه آناءَ الليل وآناءَ النهار، فسَمِعَه جارٌ له، فقال: ليتني أُوتِيتُ مثلَ ما أُوتِيَ فلان، فعملتُ مثلَ ما يعمل...)) الحديث؛ رواه البخاري.
8- أنَّ حِفظَ القُرآن وتعلُّمه خيرٌ من مَتاع الدنيا: فحين يفرحُ الناس بالدرهم والدينار، ويحوزونها إلى رحالهم، فإنَّ حافظ القُرآن وقارئه يظفرُ بخيرٍ من ذلك وأبقى، ها هو -صلى الله عليه وسلم- يخاطبُ أهلَ الصُّفَّة قائلاً: ((أيُّكم يحبُّ أنْ يغدوَ كلَّ يومٍ إلى بُطحانَ أو الى العَقِيق فيأتي منه بناقتين كَوْماوَيْنِ في غير إثمٍ ولا قطع رحمٍ؟)) فقالوا: يا رسول الله، نحبُّ ذلك، قال: ((أفلا يغدو أحدُكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - خيرٌ له من ناقتين، وثلاثٌ خيرٌ له من ثلاث، وأربعٌ خيرٌ له من أربعٍ، ومن أعدادِهنَّ من الإبل))؛ مسلم.
ولنتذكَّر أنَّ الإبل أنفَسُ أموال العرب في ذلك الزمان.
9- في حِفظ القُرآن رفعةٌ في الدُّنيا والآخرة ونجاةٌ من النار: ((إنَّ الله يرفعُ بهذا الكتاب أقوامًا ويضعُ به آخَرين))؛ مسلم.
وحين يدخُل المؤمنون الجنَّةَ فإنَّ حافظ القُرآن يعلو غيره وتعلو منزلته؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص: ((يُقال لصاحب القُرآن: اقرأ وارقَ ورتِّل كما كنتَ تُرتِّلُ في الدُّنيا؛ فإنَّ منزلتَك عند آخِر آية تقرأُ بها))؛ الترمذي، قال ابن حجر الهيتمي: الخبر خاصٌّ بِمَن يحفَظُه عن ظهر قلبٍ لا بِمَن يقرأُ بالمصحف؛ لأنَّ مجرَّد القِراءة في الخطِّ لا يختلف الناس فيها، ولا يتفاوتون قلَّةً وكثرةً.
10- حافِظُ القُرآن مع السَّفرة الكرام البَرَرة؛ ((مثَلُ الذي يقرأُ القُرآن وهو حافظٌ له مع السَّفَرةِ الكرام البررة، ومَثَلُ الذي يقرأُ وهو يتعاهَدُه وهو عليه شديدٌ فله أجران)).
11- حافِظُ القُرآن أكثَرُ الناس تلاوةً له غالبًا، فهو لن يحفَظَه حتى يُكرِّرَه كثيرًا، ولا يثبُتُ حِفظُه إلا بالمراجعة المستمرَّة، وقد عَلِمنا أنَّ في تلاوة الحرف من كتاب الله عشرَ حسنات.
12- أنَّ حافظ القُرآن الكريم يستطيعُ التلاوة في جميع أحواله؛ فهو يقرأ ماشيًا ومُضطجعًا، ويقرأ وهو يعمل بيده أو يقود سيَّارته، وفي السفر والحضر، أمَّا غير الحافظ فلا يمكنه ذلك مهما حرص.
13- أنَّ حِفظَ القُرآن زادٌ للخطيب والواعظ وللمعلِّم والمتكلم، إذا كان يحفظُه فهو بين عينَيْه تحضرُه الأدلَّة والشواهد؛ فينتقي منها ما يُناسبه، بخِلاف غير الحافظ، حيث يعسرُ عليه الوصولُ إلى موضع الآية، فضلاً عن قراءتها حِفظًا.
عباد الله:
كم من الفضائل يحوزُها مَن أقبَلَ على كتاب الله تعالى وحرصَ على حِفظِه في الدنيا والآخرة؟!
وبعد هذا التطواف في هذا البُستان الحافل بالخيرات لِمَن أقبَلَ على كتاب الله وحَفِظَ ما يستطيعُ منه ينبغي لنا ألا نَحرِمَ أنفُسَنا من هذا الخير، بل نرغَبُ فيه ونتعاهَد أنفُسَنا عليه، ونُربِّي أولادنا على محبَّةِ كتاب الله تعالى وحِفظ المستطاع منه، وهو - بحمد الله - سهل مُيسَّر، ومتى أقبَلَ المسلم إلى حِفظه بعزيمةٍ وهمَّةٍ ورغبةٍ فيما عندَ الله تعالى مع شيءٍ من الترتيب والمدارسة والمراجعة، فإنَّه لن تمضيَ عليه سنتان إلا وقد حفظه، أمَّا لو كان عظيمَ الهمَّة قويَّ العزيمة فسيَحفَظُه - بإذن الله - في أقلِّ من ذلك، كما هو معلومٌ متواتر.
وما أجمل أنْ يشبَّ أولادنا على محبَّة كتاب الله تعالى وحِفظه؛ حيث إنَّ أثَر ذلك ملموسٌ في السُّلوك والخلُق، بل يكونُ مُعِينًا لهم على دِراستهم وتقويم ألسنتهم كما هو مُشاهَد معلوم.
وإنَّ طُرُقَ حِفظ القُرآن الكريم ومُراجَعته كثيرةٌ مُتنوِّعة، يجد كلُّ امرئٍ منها ما يُناسبه، فأين المشمِّرون الراغبون؟
الحذَرُ من هَجر القُرآن الكريم:
لَمَّا ذكَر الله تعالى ما قال المشركون من الباطل في مُعارَضة القُرآن والصد عنه، وما قالوه من عبارات الحسرة والندامة يوم القِيامة على ما كان منهم من ذلك في الدُّنيا في سورة الفُرقان، ذكر ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- من الشَّكوى لربِّه من تركهم للقُرآن العظيم وهجرِه، فقال: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]؛ أي: جعَلُوه متروكًا مقاطعًا مرغوبًا عنه.
ولا شكَّ أنَّ شكواه - عليه الصلاة والسلام - من هجره دليلٌ على أنَّ ذلك من أصعَبِ الأمور وأبغضها لديه.
وفي حكاية القُرآن لهذه الشَّكوى وعيدٌ كبيرٌ للهاجرين بإنزال العِقاب بهم؛ إجابةً لشَكواه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال ابن القيِّم: هجرُ القُرآن أنواعٌ: أحدها هجرُ سَماعِه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجرُ العمل به والوقوف عند حَلاله وحَرامه، وإنْ قرَأَه وآمَن به، الثالث: هجر تحكيمه والتحاكُم إليه، الرابع: هجر تدبُّره وتفهُّمه ومعرفة ما أراد المتكلِّم به منه، والخامس: هجر الاستِشفاء والتَّداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، وكلُّ هذا داخلٌ في قوله -تعالى-: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، وإنْ كان بعض الهجر أهوَنَ من بعض.
يقولُ ابن عباس - رضي الله عنهما -: "مَن لم يختم القُرآن في شهر فقد هجره".

اكتب تعليق

أحدث أقدم