بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لم يحظَ تحليل الإرادة بالعناية التي تتفق والدور الذي تلعبه في الحقل القانوني، غير أنه يمكن القول بأن الإرادة في جوهرها ظاهرة نفسية يعبر عنها صاحبها، فينتج عن هذا التعبير آثار قانونية، وإذا كانت الإرادة بطبيعتها قصدًا وتصميمًا فإن العمل الإرادي يمر بمراحل التصور، وهي عملية عقلية تدور حول تصور مضمون الإرادة وتحديد موضوعها، وثانيها مرحلة التدبر التي تدور حول الموازنة بين مختلف الاحتمالات التي يمكن أن تتجه إليها الإرادة، ثم اختيار واحد منها، وثالثها مرحلة التصميم أو الانفعال الإرادي، وهو جوهر الفعل الإرادي، ورابعها مرحلة التنفيذ؛ حيث ينقل صاحب الإرادة تصميمه الداخلي إلى الحيز الخارجي عبر طريق التعبير عنه، وإذا كان واضحًا أن العناصر الداخلية في الإرادة ترتكز على القوى العقلية والملكات النفسية فإن لازم ذلك أنه لا يكفي للاعتداد بالإرادة مجرد التعبير عنها في الشكل الذي يقره القانون، بل لا بد وأن تتوافر في صاحبها العناصر التي يراها القانون كفيلة بتوافر القدر المناسب للقدرات العقلية والملكات النفسية، وإذا كانت تلك القدرات وهذه الملكات ترتبط بدرجة من النضج العقلي يوفره في العادة سنٌّ معينة، مع الخلو من الآفات التي تحد من الحرية أو تقلل من التبصر، فإنه يشترط للاعتداد بالإرادة عنصر الأهلية والسلامة من العيوب، وهي الغلط والإكراه والتدليس.
وتعرف الإرادة لغة: "بأنها المشيئة، مما يعني بأنها قوة في النفس تمكن صاحبها من اعتماد أمر ما وتنفيذه [1].
ويشترط في الإرادة، سواء كانت إيجابًا أو قبولاً حتى ينشأ عنها الرضا، عدة شروط، وهي:
1- أن تكون الإرادة موجودة، فإذا انعدمت الإرادة انعدم الرضا، ومن الحالات التي تنعدم معها الإرادة حالة انعدام التمييز؛ إما لصغر السن، وإما لجنون، كما تنعدم لأسباب أخرى؛ كانعدامها بسبب السُّكْر، أو تحت تأثير التنويم المغناطيسي، أو بسبب الإكراه المادي[2].
2- أن تتجه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني، بمعنى أن تصدر من صاحبها بنية إحداث أثر قانوني؛ وذلك لما للإرادة من دور هام في إنشاء الالتزام[3]، وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية حينما نصت على أن الإرادة ركن من الأركان الأساسية لأيِّ تصرف قانوني [4]؛ لذلك لا يعتد بالإرادة في بعض الحالات، ومنها:
أ- إذا كانت الإرادة غير جدية؛ كإرادة الهازل، ومن لم يقصد باللفظ الصادر عنه معناه الحقيقي أو المجازي، وكذلك الإرادة المعلقة على شرط إرادي شخصي؛ كأن يقول شخص لآخر: أبيعك سيارتي إذا أردت [5]، ففي هذه الأحوال لم تتجه الإرادة إلى إحداث أيِّ أثر قانوني.
ب- إذا كانت الإرادة مقصودًا بها المجاملات؛ وذلك لأن أعمال المجاملات لا تنشئ عقودًا؛ كما لو قام شخص بدعوة صديق له - مثلاً - إلى تناول وليمة غداء، فقبول الصديق في هذه الحالة لا ينشئ مسؤولية على الداعي، كما لو تخلف الصديق فلا مسؤولية عليه كذلك [6].
ج- إذا كانت الإرادة مقصودًا بها الدعاية فقط؛ كمن يعلن - مثلاً - أنه يوجد لديه شقة للبيع من دون أن يحدد السعر، في هذه الحالة تكون الإرادة اتجهت فقط للدعاية، ولم تتجه إلى إحداث أثر قانوني، وهو البيع.
3- أن تكون الإرادة غير مخالفة لما تنصب عليه من موضوع وما تهدف إليه من غاية لقواعد القانون الآمرة؛ أي: أن يكون محلها وسببها غير مخالفين للقانون؛ أي: مشروعين [7].
________________________________________
[1] ابن منظور الإفريقي المصري، جمال الدين محمد بن مكرم أبو الفضل: لسان العرب، المجلد الثالث، دار صادر، بيروت، بدون سنة للنشر، ص191.
[2] فرج، توفيق: دروس في النظرية العامة، مؤسسة الثقافة الجامعية، الإسكندرية، بدون سنة النشر، ص56.
[3] الجمال، مصطفى: النظرية العامة للالتزامات، الدار الجامعية، بدون بلد للنشر، سنة 1997، ص48.
[4] طعن مدني رقم 66 لسنة 3ق 8/3/43 سن 25 ص831 مدني، عبدالفتاح مراد، موسوعة مراد الجنائية والمدنية لأحكام محكمة النقض المصرية، قرص ممغنط.
[5] عدوي، مصطفى عبدالحميد: النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، ط1، مطبعة حمادة، بدون بلد للنشر، سنة 1996، ص71.
[6] عبدالرحمن، حمدي: الوسيط في النظرية العامة للالتزامات، الكتاب الأول، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1999، ص134.
[7] الشرقاوي، جميل: النظرية العامة للالتزام، الكتاب الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص86.
إرسال تعليق