رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الملك الحسين بن طلال

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الملك الحسين بن طلال



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الحسين بن طلال بن عبد الله الأول الهاشمي (14 نوفمبر 1935 - 7 فبراير 1999)، ثالث ملوك المملكة الأردنية الهاشمية. تولى الحكم في الحادي عشر من أغسطس عام 1952 وحتى وفاته في السابع من فبراير عام 1999.
وُلد الملك الحسين في العاصمة الأردنية عمَّان؛ ليكون أكبر أبناء الأمير -آنذاك- طلال بن عبدالله وزوجته زين الشرف بنت جميل. وقد بدأ دراسته في عمّان في الكلية العلمية الإسلامية، بينما أكمل تعليمه في الخارج بالمملكة المتحدة. وبعد أن تولّى الملك طلال حكم المملكة الأردنية الهاشمية عام 1951 م، سُمِّي الحسين وليا لعهد مملكة الأردن. بعد ذلك، عزلَ مجلس النواب الأردني الملك طلال بعد عام من توليه الحكم؛ نظراً لمرضه آنذاك، مما حدا بالمجلس لتعيين مجلس وصاية على العرش حتى يبلغ الحسين السن الدستورية للحكم؛ إذ اعتلى العرش وهو يبلغ من العمر سبعة عشر عاماً فقط، وذلك في الثاني من أيار/مايو من العام 1953 م. وقد حكم الحسين الأردن ذات النظام الملكي الدستوري لأطول مدّةٍ بين أفراد أسرته الذين توّجو ملوكا للأردن أو للعراق منذ 1920 م.
تزوج الحسين بن طلال أربع مرات منفصلات، وقد أنجب من تلك الزيجات الأربع أحد عشر إبنا وابنة، وهم: عالية من زوجته دينا بنت عبد الحميد، وكلا من عبد الله، فيصل، عائشة و‌زين من زوجته الأميرة منى الحسين، كذلك هيا و‌علي من زوجته علياء الحسين، وأخيرًا حمزة، هاشم، إيمان و‌راية من زوجته التي تُوفي عنها نور الحسين.
تولّى الحسين حكم المملكة ليكون ملكا دستوريا مبتدئا عهده بما اصطلح على تسميته «تجربةً ليبرالية»؛ إذ سُمح في العام 1956 م بتشكيل أول حكومة برلمانية منتخبة في تاريخ الأردن. وبعد شهورٍ قليلة على تلك التجربة، أجبرَ الحسين تلك الحكومة التي كانت برئاسة سليمان النابلسي على الاستقالة؛ حيث أعلن الأحكام العرفية وحظر الأحزاب السياسية. يُذكر أن الأردن في عهد الملك الحسين كان قد دخل في ثلاثة حروب مع الكيان الإسرائيلي، كان أبرزها حرب الأيام الست عام 1967 م، والتي انتهت بفقدان الأردن لثلاث محافظات منه كانت تُشكل ما يُعرف باسم الضفة الغربية. وفي عام 1970 م، طردت الحكومة الأردنية مقاتلي المنظمات الفلسطينية بعدما شعر المسؤولون في البلاد بتنامي سلطتهم التي تهدد أمن الأردن والسلم الاجتماعي فيه فيما اصطلح عليه فلسطينيا باسم أيلول الأسود وأردنيا باسم فترة الأحداث المؤسفة.. وفي العام 1988 م أعلن الحسين قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، متنازلا عن السلطة الرسمية والشرعية فيها لصالح منظمة التحرير الفلسطينية التي عدتها جامعة الدول العربية في قمة الرباط الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وتبع ذلك اعتراف دولي بالمنظمة كذلك؛ الشيء الذي يعده كثيرون في الأردن غير دستوري وتنازل عن أراض أردنية بنص دستور الأردن 1952 م. وعام 1989 م رفع الملك الأحكام والقوانين العرفية، معيدا الانتخابات مجددا وذلك بعد الهبة التي شهدها الأردن، خصوصاً في الجنوب، على ارتفاع أسعار الخبر فيما عُرف شعبياً وإعلامياً باسم هبّة نيسان. وبعد توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، وفي عام 1994 م، أصبح الحسين الزعيم العربي الثاني، بعد أنور السادات الذي وقع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978 م، الذي يوقع على معاهدة سلام مع الكيان الإسرائيلي، والتي اشتهرت باسم معاهدة وادي عربة، رغم الرفض الشعبي العارم لها.
في الوقت الذي تُوج فيه الحسين ملكا، كانت الأردن لا تزال دولة فتية حديثة تحكم الضفة الغربية. ونتيجة لحرب عام 1948، فقد كان الأردن ملاذا لأعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينين الفارين من الحرب. إضافة لذلك يعد البعض الأردن بأنه بلد محدود الموارد الطبيعية، فيما يرفض آخرون هذا الرأي ويرون أنه بلد غني بموارده المتنوعة. ومما هو جدير بالذكر في تلك المرحلة وبعدها، أن الحسين قاد بلده خلال أربعة عقود من الحروب والأزمات في الصراع العربي الإسرائيلي والحرب الباردة بنجاح، موازنا بين الضغوط التي كانت على الأردن من قبل القوميين العرب والاتحاد السوفييتي والدول الغربية والكيان الإسرائيلي؛ حيث أدى ذلك إلى تحول الأردن في نهاية الـ 46 عاما من عهده إلى دولة حديثة مستقرة. بعد عام 1967 م بذل الحسين جهودا متزايدة لأجل حل القضية الفلسطينية. ولقد عمل الحسين بصفته وسيطا بين الأطراف المتعددة المتنازعة في منطقة الشرق الأوسط؛ مما أظهره بمظهر صانع السلام. وعلى الرغم من تعرض الملك الحسين لعدد كبير من محاولات الاغتيال والانقلاب عليه، إلا أنه يُعدُّ صاحب أطول مدة حكم في الإقليم. تُوفي الحسين عن عمر يناهز الثلاثة وستين، بمرض السرطان في السابع من شباط/فبراير عام 1999 م. وتُعد جنازته الأكبر في التاريخ من حيث عدد الزعماء الدوليين الذين حضروها منذ عام 1995 م. وقد خلفه في الحكم ابنه الأكبر الأمير -آنذاك- عبد الله بن الحسين الذي أصبح اسمه الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
نشأته
حسين (ستة أعوام) ووالدته زين الشرف، 1941
ولد الحسين في عمان في 14 نوفمبر 1935 وكان المولود الأول لكل من ولي العهد الأمير طلال والأميرة زين الشرف. والأخ الأكبر بين اخوته، ثلاثة اخوة وشقيقتين – الأميرة أسماء والأمير محمد والأمير حسن والأمير محسن والأميرة بسمة. خلال فصل الشتاء البارد في عمان، توفيت أخته الرضيعة الأميرة أسماء بسبب الالتهاب الرئوي، وهذا مؤشر على مدى فقر عائلته آنذاك – إذ لم يتمكنوا من تحمل تكاليف التدفئة في منزلهم. كما توفي أخيه محسن بسبب مضاعفات استمرت منذ لحظة الولادة المنزلية خارج المستشفى.
حمل الحسين اسم جده الحسين بن علي (شريف مكة)، زعيم الثورة العربية عام 1916 ضد الإمبراطورية العثمانية. وأعلن أنه سليل النبي محمد من ابنته فاطمة وزوجها علي الخليفة الرابع، وهو المنتمي إلى الأسرة الهاشمية التي حكمت مكة المكرمة لأكثر من 700 سنة – إلى وقت سقوطها عام 1925 بيد آل سعود – التي حكمت الأردن منذ عام 1921. تعتبر الأسرة الهاشمية، أقدم سلالة حاكمة في العالم الإسلامي، وثاني أقدم سلالة حاكمة في العالم (بعد البيت الإمبراطوري في اليابان). تنقل الأمير الشاب خلال دراسته الابتدائية بدأ من الروضة بست مدارس أخرها كان الكلية الأسلامية. أراد جده الملك عبد الله له أن ينضم إلى مدرسة هارو، التي تخرج منها ونستون تشرشل وذلك بعد أن إكمال دراسته الابتدائية. إلا أنه تقرر إرساله إلى إلى كلية فيكتوريا في الإسكندرية، مصر. ، التي كانت تدار وفق النظم البريطانية الرسمية. وبعد اغتيال جده، تم نقله إلى مدرسة هرو في إنجلترا، خوفًا على حياته بسبب الشك بتورط مصر باغتيال جده. كان عمره وقتها 16 عامًا، وهو عمر أعلى من معدل أعمار الطلبة أصبح صديقًا لابن عمه الثاني فيصل الثاني من العراق، الذي كان يدرس هناك أيضًا. كان فيصل آنذاك ملكاً للعراق الهاشمي، لكنه كان ملكا تحت الوصاية كونه أصغر من العمر الذي يسمح به الدستور، في نفس عمر حسين.
الحسين (أحد عشر عامًا) يقف خلف جده الملك عبد الله الأول بعد إعلان استقلال الأردن، في 25 مايو 1946.
. سكن الحسين وقتها في البارك هاوس وتحت إشراف السيد ستيفنسون. أثناء دراسته هنالك أهدي إليه سيارة روفر من قبل أحد أصدقاء والده، إلا أنه وبسبب منع السيارات في هارو، أصبح يركنها في مرآب موريس رينور، ميكانيكي إنجليزي، والذي أصبح صديقًا حميمًا، وليسافر لاحقًا مع زوجته ليقيم في الأردن بغرض الإشراف على سيارات الحسين وصيانتها. كما توثقت وقتها علاقة الحسين مع فوزي الملقي السفير الأردني في لندن، الأمر الذي أزعج مشرف سكن الحسين والذي كان يرى بالملقي قوميًا يساريًا طموحا. وتلقى بعدها تعليمه العسكري في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في إنجلترا.
يبدو أن الملك عبد الله الأول، مؤسس الأردن الحديث، لم ير في ولديه طلال ونايف الإمكانات اللازمة للملكية، فركز جهوده على تربية حفيده الحسين الذي أظهر صفات استثنائية من الذكاء والفطنة. نمت علاقة خاصة بينهما. فعين عبد الله للأمير الحسين مدرسًا خاصًا للدروس العربية الإضافية، وفي المقابل عمل الحسين كمترجم لجده خلال اجتماعاته مع القادة الأجانب، حيث كان الملك عبد الله يفهم اللغة الإنجليزية لكنه لم يكن يستطيع التحدث بها.
اغتيال جده
طالع أيضًا: عبد الله الأول بن الحسين
خلافا لنصائح كل من السفير البريطاني، السفير الأمريكي، ورئيس الوزراء سمير الرفاعي بعدم التوجه إلى القدس لصلاة الجمعة في نفس أسبوع اغتيال رياض الصلح في عمان. إلا أن جده الملك عبد الله غادر عمان عصر الخميس 19 يوليو 1951 متوجها إلى القدس ومصطحبا حفيده الحسين معه، حيث قضيا الليل في منزل لآل النشاشيبي، في ضاحية الشيخ جراح في القدس، ثم ذهبا باكر يوم الجمعة 20 يوليو إلى نابلس، حيث قضيا بعض الوقت وأفطرا مع سليمان طوقان، رئيس البلدية. وليعودا قبل صلاة الجمعة إلى منزل النشاشيبي في القدس للتحضير لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وفي طريقهما إلى المسجد أطلق مصطفى شكري عشي على الملك عبد الله النار فأرداه قتيلًا على درجات الحرم القدسي وذلك بعد شائعات عن نيته توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. توفي عبد الله، لكن الحسين نجا من محاولة الاغتيال، حيث سارع الجنرال سعادة الجلاد قائد منطقة القدس لاحتضان الحسين وسحبه وإبعاده عن مرمى الرصاصات. ووفقًا للشهود، تابع القاتل محاولاته. وتم إطلاق الرصاص على الحسين، لكن الرصاصة انحرفت عن صدره بفضل ميدالية كان يلبسها أوسمها أيه جده. حرس الملك عبد إلاله من الكتيبة العاشرة أطلقوا النار على القاتل فتوفي فورا. قام الضابط جوك دالجيش نائب آمر القوة الجوية بالجيش العربي بالعودة بالحسين فورًا إلى عمان بالطائرة. ونقل جثمان الملك عبد الله بالطائرة الخاصة بقائد الجناح بيل فيشر، آمر القوة الجوية.
ومع ظهور أدلة على تورط مصر باغتيال الملك، تم سحب الحسين من كلية فكتوريا، وإرساله إلى مدرسة هرو في إنجلترا.
حكم طلال
نصّب مجلس الوزراء الأمير نايف، أخ طلال وعم الحسين، وصيا على العرش لغياب طلال للعلاج خارج الأردن، حيث أقسم نايف اليمين الدستورية أمام مجلس الوزراء. وفي يوم الأثنين 23 يوليو 1951 دفن جد الحسين مقابل الديوان الملكي في بسمان. ثم استقالت حكومة سمير الرفاعي واستلم توفيق أبو الهدى رئاسة الحكومة. حيث قام بتشكيل محكمة عسكرية للجناة وأجرى انتخابات مجلس النواب، وظهر وقتها خلافات حول ولاية العهد، هل تبقى لطلال رغم مرضه أن تؤل إلى أخيه نايف رغم مخالفة ذلك للدستور الأردني. لكن مجلس الأمة نادى بطلال ملكا على الأردن. فعاد طلال إلى الأردن يوم 6 سبتمبر حيث توجه إلى مجلس النواب فورا من الطائرة وأقسم اليمين، وقام بتعين ابنه الحسين ولي لعهده في 9 سبتمبر 1951. لكن وبعد حكم استمر أقل من ثلاثة عشر شهرًا، أجبر البرلمان الملك طلال على التنازل عن العرش بسبب مخاوف من حالته العقلية – حيث تم تشخيص اصابته بانفصام الشخصية. في فترة حكمه القصيرة، قدم طلال دستورًا ليبراليًا عصريًا إلى حد ما بالنسبة لعام 1952 ولا يزال جزء ضخم منه قيد الاستخدام حتى اليوم. وفي منتصف أيار 1952 غادر طلال المملكة للعلاج مرة أخرى.
الملك
التنصيب
نودي بالحسين ملكًا في 11 أغسطس 1952، خلفًا للعرش قبل ثلاثة أشهر من عيد ميلاده السابع عشر. تم إرسال برقية من الأردن إلى الحسين أثناء إقامته مع والدته في لوزان، سويسرا، وكانت موجهة له بصيغة إلى «جلالة الملك حسين» حملها له مدير الفندق على صينية فضية يوم 12 أغسطس. كتب الحسين في مذكراته «لم أكن بحاجة إلى فتحه لأعلم أن أيامي كطالب تلميذ قد ولت». عاد إلى المنزل ليتم استقباله بهتافات الحشود.
تم تعيين مجلس للوصاية مكون من ثلاثة رجال؛ رئيس الوزراء ورؤساء مجلس الأعيان ومجلس النواب إلى أن أصبح 18 (حسب التقويم الإسلامي). وفي الوقت نفسه، تابع الحسين الدراسة في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست. استلم سلطاته الدستورية في 2 مايو 1953، نفس اليوم الذي تولى فيه ابن عمه فيصل الثاني سلطاته الدستورية كملك للعراق.
السنوات الأولى
الملك حسين في الثوب الملكي، 1953
لم يرث الشاب المراهق عرش منطقة شرق نهر الأردن فقط، بل وأيضًا الضفة الغربية، التي دخلها الجيش العربي خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وضُمت عام 1950. كانت البلاد فقيرة بالموارد الطبيعية، وضمت عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين نتيجة الحرب. فور توليه العرش، عين فوزي الملقي رئيسًا للوزراء. أدت السياسات الليبرالية للملك، بما في ذلك حرية الصحافة، إلى اضطرابات عندما بدأت جماعات المعارضة حملة دعائية ضد الملكية. استخدم المقاتلون الفلسطينيون (الفدائيين) الأراضي التي يسيطر عليها الأردن لشن هجمات ضد إسرائيل، مما أدى في بعض الأحيان إلى صب قوات الدفاع الإسرائيلية انتقامها ضد الواطنين في الأردن. إحدى عمليات الانتقام التي قامت بها إسرائيل أصبحت تعرف باسم مذبحة قبية. أسفرت عن مقتل 66 مدنياً في قرية القبية بالضفة الغربية. أدى هذا الحادث إلى احتجاجات واسعة، وفي عام 1954، طرد حسين الملقي وسط الاضطرابات وعين الملك توفيق أبو الهدى. بعدها أجريت الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 1954، في وقت لم تكن الأحزاب في البلاد قد تشكلت بصورة جيدة. لم تعمر حكومة أبو الهدى سوى عام واحد، وخضعت الحكومة لإعادة التعديل ثلاث مرات خلال العام التالي.
كان حلف بغداد عام 1955 محاولة غربية لتشكيل تحالف شرق أوسطي لمواجهة كل من النفوذ السوفيتي ومصر جمال عبد الناصر. وجد الأردن نفسه وسط توترات الحرب الباردة. كانت كل من بريطانيا وتركيا والعراق أعضاء في معاهدة، وتعرضت الأردن لضغوط من بريطانيا للانضمام. اجتاحت الناصرية (وهي أيديولوجية الوحدة العربية الاشتراكية) العالم العربي في الخمسينيات من القرن العشرين، وأثار اقتراح الانضمام إلى الميثاق أعمال شغب كبيرة في البلاد. لم يفرض حظر التجول المفروض من قبل الفيلق العربي ما يكفي للتخفيف من الوضع واستمرت التوترات طوال عام 1955. ولم تهدأ الاضطرابات المحلية، التي كانت تغذيها بشكل دوري الدعاية التي تنقلها أجهزة الراديو المصرية، إلا بعد أن عين الملك رئيس وزراء جديد وعد بعدم الدخول في حلف بغداد. وجدت المملكة العربية السعودية أرضية مشتركة مع مصر في شكوكها ضد الهاشميين، في كل من الأردن والعراق. حشد السعوديون قواتهم بالقرب من العقبة على الحدود الجنوبية للأردن في يناير 1956، ولم ينسحبوا إلا بعد أن هدد البريطانيون بالتدخل دفاعا عن الأردن. وأدرك الحسين أن التيار القومي العربي سيطر على السياسة العربية، فقرر البدء في خفض علاقة الأردن بالبريطانيين. في الأول من مارس 1956، أكد الحسين استقلال الأردن من خلال تعريبه قيادة الجيش: فعزل جلوب باشا كقائد للجيش العربي واستبدل جميع الضباط البريطانيين الكبار بالأردنيين، وأعاد تسميته إلى «القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي». وألغى المعاهدة الأنجلو أردنية واستبدل الإعانات البريطانية بالمساعدات العربية. قوبلت قرارات حسين الجريئة بإعجاب في الداخل وتحسنت العلاقات مع الدول العربية.
«تجربة ليبرالية»
طالع أيضًا: حكومة سليمان النابلسي
حصل الرئيس المصري ناصر على دعم كبير من الجمهور العربي بعد توقيعه صفقة الأسلحة المصرية التشيكية السلوفاكية في سبتمبر 1955، وتزايدت شعبيته في الأردن بعد تأميم قناة السويس في يوليو 1956؛ حيث اعتبرت أفعاله بمثابة موقف قوي ضد الإمبريالية الغربية. كان الحسين أيضًا مؤيدًا لهذه التحركات. الأحداث المتزامنة في مصر جعلت من أحزاب المعارضة اليسارية الأردنية تميل بشدة نحو ناصر.
الحسين يلقي خطاباً أمام قواته في عام 1956. يمكنا ملاحظة علي أبو نوار، رئيس أركان الجيش، والذي شارك بمحاولة الانقلاب المزعومة عام 1957.
تم حل البرلمان الذي تم انتخابه عام 1954، ووعد الحسين بإجراء انتخابات نزيهة. شهدت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 أكتوبر 1956 ظهور الحزب الوطني الاشتراكي كأكبر حزب، وفاز بـ 12 مقعدًا من أصل 40 في مجلس النواب. وعليه طلب الحسين من سليمان النابلسي، زعيم الحزب، تشكيل الحكومة؛ الحكومة الوحيدة المنتخبة ديمقراطياً في تاريخ الأردن. وصف الحسين هذه العملية بأنها «تجربة ليبرالية»، ولنرى كيف سيكون رد فعل الأردنيين تجاه المسؤولية. في 29 أكتوبر 1956، اندلعت أزمة السويس في مصر، «عدوان ثلاثي» من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. كان الحسين غاضبًا لكن النابلسي لم يشجعه على التدخل. سياسات النابلسي كثيراً ما تصادمت بسياسات الملك حسين، بما في ذلك كيفية التعامل مع مبدأ آيزنهاور. طلب الملك من النابلسي، كرئيس للوزراء، اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحزب الشيوعي ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها. وفي المقابل أراد النابلسي تقريب الأردن من نظام ناصر، متعارضا مع رغبة الملك بالبقاء ضمن المعسكر الغربي. بلغت الخلافات بين النظام الملكي والحكومة اليسارية ذروتها في مارس 1957 عندما زود النابلسي حسين بقائمة من كبار الضباط في الجيش ليتم إقالتهم؛ استجاب الحسين في البداية للتوصيات. مما شجع النابلسي لتقديم قائمة موسعة، رفض الحسين فورا القائمة. واستقالت حكومة النابلسي في 10 أبريل.
تلقي الحسين للترحيب الحار من قواته، 1 مارس 1957
في 13 أبريل، اندلعت أعمال شغب في ثكنات جيش الزرقاء، وذهب حسين البالغ من العمر 21 عامًا لإنهاء العنف بين وحدات الجيش الملكي والقوات العربية بعد أن نشرت المجموعة الأخيرة شائعات بأن الملك قد اغتيل. بدأت فورها القوات السورية والمكونة من ثلاثة آلاف رجل بالتحرك جنوبًا باتجاه الحدود الأردنية لدعم ما اعتبروه محاولة انقلاب، لكنها استدار بعد أن أظهرت وحدات الجيش العربي ولاءهم المطلق للملك. ظهر روايتان رئيسيتان فيما يتعلق بالأحداث في الزرقاء، حيث رودت رواية القصر أن الحادث كان انقلابا فاشلا من قبل رئيس أركان الجيش علي أبو نوار ضد الملك حسين، بينما كانت الرواية المضادة تعتبر أن ما حدث كان مؤامرة بتأيد من الأمريكان لانقلاب مضاد من قبل حسين ضد الحركة القومية العربية في الأردن. على جميع الأحوال، استقال أبو نوار وكبار الضباط الأردنيين والعرب وسمح لهم بمغادرة الأردن إلى سوريا، حيث حرض بعضهم على معارضة الملكية الأردنية، بينما بقي بعضهم في الأردن وفضل السجن على أن يتهم بالخيانة مثل شاهر أبو شحوت. ورد الحسين بفرض الأحكام العرفية. ولكنه في النهاية خفف من التدابير الأمنية المتشددة؛ وهي حظر التجول العسكري والرقابة الشديدة على الصحافة، إلا أن تحركات الحسين قلصت بشكل كبير الديمقراطية الدستورية التي كانت موجودة في الأردن في منتصف الخمسينيات. حُكم على المتآمرين المزعومين بالسجن لمدة 15 عامًا غيابياً، لكن في وقت لاحق عفى الحسين عنهم في عام 1964 كجزء من جهود المصالحة مع معارضته المنفية، وعهد إليهم بمناصب عليا في الحكومة.
الاتحاد العربي بين العراق والأردن
طالع أيضًا: الاتحاد العربي
الملك الحسين مع الملك فيصل الثاني
أمست فترة الخمسينيات من القرن العشرين معروفة باسم الحرب العربية الباردة، وذلك بسبب الصراع بين الدول التي تقودها مصر الناصرية والممالك التقليدية بقيادة المملكة العربية السعودية. شكلت مصر وسوريا الجمهورية العربية المتحدة في 1 فبراير 1958، وكانت رئاسة الجمهورية من نصيب ناصر. وكرد فعل لتحقيق التوازن، أنشأ حسين وابن عمه، الملك فيصل الثاني ملك العراق الهاشمي، الاتحاد العربي في 14 فبراير 1958 في حفل في مدينة عمان. شن الكيانان المتنافسان حروبًا دعائية ضد بعضهما البعض من خلال بثهما الإذاعي. اشتبكت القوات الأردنية والسورية في مارس على طول الحدود. بدأت المؤامرات المنسوجة في الجمهورية العربية المتحدة في الظهور ضد الاتحاد الهاشمي. وتم اعتقال ضابط في الأردن لتخطيطه لاغتيال حسين. أغلقت الجمهورية العربية المتحدة المجال الجوي أمام الأردن، فمنع تحليق الطائرات من وإلى الأردن. وكان الأردن يستورد بضائعه عبر سوريا قادمة من موانئ لبنان، فمنعت سوريا ذلك. ونتيجة لذلك حدث نقص حاد في الوقود، فقامت الطائرات الأمريكية بنقل الوقود من دول الخليج إلى الأردن. كما دفع الولايات المتحدة فرق اسعار البترول للأردن للحفاظ على سعره مستقرا. كما تبين أن الجمهورية العربية المتحدة كانت تخطط للإطاحة بالملكين الهاشميين في يوليو 1958. ورد الأردن باعتقال 40 من ضباط الجيش المشتبه بهم، حيث تم اعتقال رئيس الأركان صادق الشرع وأخيه صالح الشرع، كما قبض على الطبيب رفعت عودة. ودعا الحسين رئيس أركان الجيش العراقي رفيق عارف لإطلاعه على المؤامرة المتكشفة. أجاب عارف، «أنتم اعتنوا بأنفسكم. العراق بلد مستقر للغاية، على عكس الأردن. إذا كان هناك أي قلق، فإن الأردن هو الذي ينبغي أن يقلق». الرغم من أن فيصل وحسين كانا يتمتعان بعلاقة وثيقة للغاية، فإن حاشية فيصل في العراق كانت تنظر بازدراء إلى الأردن؛ عزا الحسين هذا الموقف إلى نفوذ ولي العهد العراقي عبد الإله.
وبدأ المتسللون من سويا برا ومن لبنان جوا، بإرسال الشحنات الناسفة التي كانت استهدفت الشارع الأردني والتي كان أخرها قد قدر إلى تدمير مجلس الإعمار.
حسين مع ابن عمه الملك فيصل الثاني (يسار) من مملكة العراق، 1957. في فبراير 1958، شكلت المملكتين الهاشميتين الاتحاد العربي الذي استمر حتى تم عزل فيصل في انقلاب دموي في 14 يوليو 1958.
كما تم تهديد حكومة كميل شمعون اللبنانية الموالية للغرب بالإطاحة من قبل جماعات المعارضة المحلية المتنامية التي تدعمها الجمهورية العربية المتحدة. أرسل العراقيون لواءًا إلى الأردن في 13 يوليو بناءً على طلب الحسين. رحيل اللواء العراقي إلى الأردن أعطى المتآمرين في العراق، بقيادة العميد عبد الكريم قاسم، الفرصة للإضراب. في 14 يوليو، اقتحمت وحدة عراقية القصر الملكي في العراق، وأعدمت جميع أفراد العائلة المالكة العراقية، وشوهت جثث ولي العهد ورئيس الوزراء العراقي في الاتحاد العربي، نوري السعيد. بعد استشعاره للدمار الذي حصل، أمر الحسين بإرسال حملة أردنية بقيادة الشريف ناصر لاستعادة العرش العراقي، لكن تم استدعائه للأردن بعد أن توغل قرابة 150 ميل (241 كـم) داخل العراق. قلق الحسين من انقلاب مماثل محتمل في الأردن، فشدد الأحكام العرفية. تم إرسال القوات الأمريكية إلى كل من لبنان والأردن لإظهار الدعم للأنظمة الموالية للغرب في المنطقة ضد المد الناصري. بحلول أكتوبر، أصبح الوضع هادئًا، وعادت القوات الغربية إلى بلادها.
ذهب الحسين في إجازة إلى سويسرا في 10 نوفمبر. وبينما كان يحلق بطائرته فوق سوريا، اعترضته طائرتين سوريتين حاولتا إسقاطه. تفوقت مهارات الحسن في الطيران على تلك لدى الطيراين السوريين ونجى من محاولة الاغتيال، حيث هبط بسلام في عمان، واستقبل استقبال الأبطال – ارتفعت شعبيته في الأردن بين عشية وضحاها. نقل عن غولدا مائير، السياسية الإسرائيلية التي سيصبح فيما بعد رئيسًا للوزراء قولها عام 1958: «إننا نصلي جميعًا ثلاث مرات يوميًا من أجل سلامة الملك حسين ونجاحه». رد فعل الإسرائيلين لم يكن حبا بالحسين بمقدار ما كان كرها بالنظام الناصري.
في عام 1959، شرع حسين منطلقا في جولة في بلدان مختلفة لتعزيز العلاقات الثنائية. اكتسب في زيارته للولايات المتحدة العديد من الأصدقاء في الكونغرس بعد أن تحدث بصراحة ضد النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط، وعاد بمبلغ 50 مليون دولارًا، كحزمة من المساعدات الأمريكية. صادق الشرع، الجنرال بالجيش رافق حسين إلى الولايات المتحدة، كان يخطط لانقلاب على الملكية. تزامن خبر اعتقال ضباط التآمر في الأردن مع زيارة حسين للولايات المتحدة. تم إخبار الحسين بمشاركة الشرع، لكنه لم يكشف الأمر للشرع إلى وقت وصلهما إلى الأردن. حوكم الشرع وحكم عليه بالإعدام. خفف الحسين العقوبة إلى السجن المؤبد. وبعد أربع سنوات، تم العفو عن الشرع وعُين مديراً لمكتب الجوازات الأردني.
محاولات الاغتيال
تم تعيين هزاع المجالي من قبل الحسين لتشكيل الحكومة. وتألفت من الموالين الذين أقنعوا الحسين بشن هجوم ضد الحكومة العراقية لاستعادة النظام الملكي الهاشمي. لكن تم إلغاء الحملة وسط معارضة بريطانية وضعف سلاح الجو الملكي الأردني. عملاء الجمهورية العربية المتحدة اغتالوا رئيس الوزراء هزاع المجالي، بقنبلة زرعت في مكتبه. بعد عشرين دقيقة، وقع انفجار آخر؛ كان مخصصا لاغتيال الحسين والذي كان متوقعًا أن يأتي ركضا إلى مكان الحادث بدون وجل، وهو ما فعله – لكنه تأخر بضع دقائق. الحسين، وبعد أن أقنعه حابس المجالي وابن عم هزاع ورئيس أركان الجيش، استعد للانتقام من سوريا، والتي كان جهاز استخباراتها مسؤولاً عن الاغتيال. فأعد ثلاثة ألوية في الشمال، ولكن تم إيقاف العملية بعد ضغوط مشتركة من الأمريكيين والبريطانيين. شجبت أجهزة الراديو المصرية الحسين باعتباره «يهوذا العرب».

اكتب تعليق

أحدث أقدم