رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكسب الطيب

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكسب الطيب



بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أننا نعيشُ زمانًا انتشرَ فيهِ أكلُ الحرامِ بصورةٍ مخزيةٍ، يملئُ الرجلُ بطنَهُ مِن الحرامِ بل رُبّمَا ربَّىَ الرجلُ أولادَهُ على الحرامِ ، ولا يفكرُ في الموتِ وشدتهِ، ولا في القبرِ وضمتهِ ولا في الحسابِ ودقتهِ، ولا في الصراطِ وحدتهِ ،ولا في النارِ ولا في الأهوالِ والأغلالِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، ونحنُ نعيشُ زمانًا انتشرَ فيه التسولُ ومدُّ الأيدِي إلى الناسِ بصورةٍ مخزيةٍ من الرجالِ والشبابِ بل ومِن النساءِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، وخاصةً وأنّ دينَنَا الحنيفَ حثَّنَا وأمرَنَا بالعملِ والسعيِ في الأرضِ طلبًا للرزقِ وطلبًا للحلالِ وطالبًا لعدمِ التسولِ وحذَّرَ مِن البطالةِ وخطرِهَا على الفردِ والمجتمعِ .
وما نيلُ المطالــبِ بالتمنِّــــيِ *** ولكنْ تؤخــذُ الدنيا غِلابَا
وما استعصَى على قومٍ منالٌ **** إِذا الإقدامُ كان لهم رِكابا
أولًا:الكسبُ الطيبُ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ.
أيُّها السادةُ: اعلموا يقينًا أنَّ حبَّ المالِ طبيعةٌ في البشر، وجِبِلَّةٌ في الإنسان جُبلَ عليها، قال جلَّ وعلا ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ آل عمران: 14وقال جلَّ وعلا (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ))أي المال، العاديات 8 لماذا؟ لأَنَّ بِهِ قِوَامَ حَيَاةِ النَّاسِ، وَانْتِظَامَ أَمْرِ مَعَايِشِهِمْ، وَتَمَامَ مَصَالِحِهِمْ ،والإسلامُ دينُ العملِ والاجتهادِ، دينُ النشاطِ والحيويةِ، دينُ الريادةِ والعطاءِ، دينُ السعيِ في الأرضِ بحثًا عن الرزقِ وطلبًا للحلالِ، ليس دينَ الكسلِ والخمولِ، قال ربُّنَا ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(التوبة:105) ؛ والمسلمُ ما خُلقَ ليكونَ عالةً، ولا ليكونَ نكرةً في الحياةِ، ولا ليكونَ عطَّالًا بطالًا، بل خُلقَ للعبادةِ والعملِ، والكسبِ الحلالِ، خُلقَ للإنتاجِ والإنجازِ، لذا حثَّنَا شَّرْعُنَا الْحَنِيفُ عَلَى السَّعْيِ فِي الأرض لتَحْصِيلِ الْمَالِ وَاكْتِسَابِهِ من الحلالِ الطيبِ عَلَى أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَايَاتٍ مَحْمُودَةٍ وَمَقَاصِدَ مَشْرُوعَةٍ، وَجَعَـلَ لِلْحُصُولِ عَلَيْهِ ضَوَابِطَ وَقَوَاعِدَ وَاضِحَةَ الْمَعَالِمِ، لاَ يَجُوزُ تَجَاوُزُهَا بحالٍ مِن الأحوالِ ، وَلاَ التَّعَدِّي لِحُدُودِهَا كَيْ تَتَحَقَّقَ مِنْهُ مَصِالِحُ الْفَرْدِ وَالْجَمَاعَةِ. ولقد جاءتْ نصوصُ القرآنِ والسنةِ تحثُّنَا على أكلِ الحلالِ والكسبِ الطيبِ فقالَ جلَّ وعلا )) يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (البقرة: 168وقال تعالى(( فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنفال: 69. وقال جلَّ وعلا ((فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (النحل: 114لَذا أَمَرَ اللهُ جلَّ وعلا عِبَادَهُ بِالْمَشْيِ فِي مَنَاكِبِ الأَرْضِ لِيَأْكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ، فقال جلَّ وعلا(( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ الملك: 15 وَقَرَنَ سبحانه وتعالى فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْمُجْاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ وَالَّذِينَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِهِ، فقال جلَّ وعلا ) وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ( المزمل:20، وقال ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه وأرضاه: أيُّما رَجُلٍ جَلَبَ شَيْئًا إلى مَدِينَةٍ مِن مَدائِنِ المُسْلِمِينَ صابِرًا مُحْتَسِبًا فَباعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ كانَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الشُّهَداءِ ، وقرأ: ﴿ وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ وبينّ نبيُّنَا ﷺ أفضلَ الكسبِ مِن عملِ اليدِ لا مِن التسولِ فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» [رَوَاهُ اْلبُخَارِيُّ]، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ: «كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»، وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ مِنَ الذُّنُوبِ ذُنُوبًا لاَ يُكَفِّرُهَا إِلاَّ الْهَمُّ فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ. وَفِي أَخْبَارِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَتَعَبَّدُ. قَالَ: وَمَنْ يَعُولُكَ؟ قَالَ: أَخِي. قَالَ: وَأَيْنَ أَخُوكَ؟ قَالَ: فِي مَزْرَعَةٍ. قَالَ: أَخُوكَ أَعْبَدُ لِلَّهِ مِنْكَ. فالْعِبَادَةُ لَيْسَتِ أَنْ تَصُفَّ قَدَمَيْكَ، وَغَيْرُكَ يَسْعَى فِي قُوتِكَ، وَلَكِنِ ابْدَأْ بِرَغِيفَيْكَ فَأَحْرِزْهُمَا ثُمَّ تَعَبَّدْ. وَالاِسْتِغْنَاءُ عَنِ النَّاسِ بِالْكَسْبِ الْحَلاَلِ شَرَفٌ عَالٍ وَعِزٌّ غال. بَلْ إِنَّ التَّكَسُّبَ بِالْحَلاَلِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ التي شرعَهَا ربُّ الأرضِ والسماوات؛ فَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:« لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا ، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ: خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].وَإِنَّ مِمَّا يُشَجِّعُ عَلَى تَحَرِّي الْحَلاَلِ فِي سَعْيِكَ أُمُورٌ، مِنْهَا على سبيل المثالِ لا الحصر:
يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ بَأَنَّ اللهَ تَكَفَّلَ بِأَرْزَاقِ الْعِبَادِ مؤمنهِم وكافرهِم أنسهِم وجنهِم: قَالَ جلَّ وعلا ) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ( [هود:6]، وعن أبي أمامةَ الباهلِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ(( إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ)
لا تعجلنّ فليس الرزقُ بالعجلِ *** الرزقُ في اللوحِ مكتوبٌ مع الأجلِ
فلو صبرنَا لكان الرزقُ يطلبُنَا *** لكنَّهُ خُلقَ الإنسانُ مِن عجلِ
وَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ اللهَ فَاضَلَ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الرِّزْقِ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ؛ لا يعلمُهَا إلَّا هو فقَالَ جلَّ وعلا) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ( [النحل:71]، وَقَالَ: ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ( سبأ:36. وَأَنْ تُعَزِّزَ فِي نَفْسِكَ الْقَنَاعَةَ بِمَا آتَاكَ اللهُ إِيَّاهُ :فَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَالْكَفَافُ: هُوَ حَدُّ الْكِفَايَةِ ، لاَ زِيَادَةَ وَلاَ نَقْصَ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ : «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. فَعَلَى الإِنْسَانِ أَلاَّ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ؛ لِئَلاَّ يَحْتَقِرَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَرْشَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ كما في حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَ «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُو أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ
دَعْ الْحِرْصَ عَلَى الدُّنْيَا *** وَفِي الْعَيْشِ فَلَا تَطْمَعْ
وَلَا تَجْمَعْ مِنْ الْمَالِ *** فَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَجْمَعْ
فَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ *** وَسُوءُ الظَّنِّ لَا يَنْفَعْ
فَقِيرٌ كُلُّ ذِي حِرْصٍ *** غَنِيٌّ كُلُّ مَنْ يَقْنَع
وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ فِي الْقَبْرِ: الْبَطْنُ، قَال ﷺ مِنْ حِدِيثِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمِمَّا يِجَبُ أَنْ يَدْفَعَكَ لِلْكَسْبِ الطَّيِّبِ: أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ الْمَرْءَ مَسْؤُولٌ عَنْ مَالِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: فَالْمَالُ حَلاَلُهُ حِسَابٌ، وَحَرَامُهُ عَذَابٌ، فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ؟» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، كَمَا نَرَى مَنْ يَتَعامَلُ بِالْغِشِّ وَالتَّغْرِيرِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى عِبَادِ اللهِ، نَسْمَعُ عَمَّنَ يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ عَلَى وَاجِبَاتٍ نِيطَتْ بِهِ، نَرَى مَنْ يَرَبَحُ مِنْ وَرَاءِ الطُّرُقِ الْمُلْتَوِيَةِ فِي القروض وَغَيْرِهَا، ولاَ يَتَوَرَّعُونَ عَنِ الْكَسْبِ بِهِذهِ الطُّرُقِ الْمُحَرَّمَةِ، نَرَى مَنْ لاَ يُعْطِي الأَجِيرَ أُجْرَتَهُ وَيَبْخَسُهُ حَقَّهُ، وعَنِ ابْنِ الْمَبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ: « لَأَنْ أَرُدَّ دِرْهَمًا مِنْ شُبْهَةٍ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَمِائَةِ أَلْفٍ ». وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللهُ: «أَطِبْ مَطْعَمَكْ، وَلاَ عَلَيْكَ أَلاَّ تَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ وَتَصُومَ مِنَ النَّهَارِ».
وَمِمَّا يِجَبُ أَنْ يَدْفَعَكَ لِلْكَسْبِ الطَّيِّبِ أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى 🙂 وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ( [سبأ:37]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، فَكَيْفَ يَرْضَى عَاقِلٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَخْسَرَ دِينَهُ وَيَبِيعَهُ بِدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ؟! ) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ( [البقرة:86].
وَمِمَّا يِجَبُ أَنْ يَدْفَعَكَ لِلْكَسْبِ الطَّيِّبِ أنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ السعيَ لطلبِ الحلالِ شهادةٌ في سبيلِ اللهِ فعن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال: مرَّ على النبيِّ ﷺ رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ ﷺ من جلَدِهِ ونشاطِهِ فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ ﷺ: إنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على وُلْدِهِ صِغارًا فَهُوَ في سَبِيل اللَّهِ ،وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على أبوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ ،وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى على نَفْسِهِ يُعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعَى رِياءً وَمُفاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيْطانِ)).
وكيف لا؟ واللهُ جعَلَ العملَ والكسبَ الحلالَ سنَّةَ أنبيائِهِ ورسلِهِ بالرغمِ مِن انشِغالِهِم بالدعوةِ إلى اللهِ وتبليغِ رسالتِهِ إلى أممِهِم وأقوامِهِم، يقولُ سبحانَهُ:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾(الفرقان: 20 ، لذا عَمِلَ آدَمُ بالزراعةِ، وكان إبراهيمُ بزازًا، ونوحٌ نجارًا وكذا زكريّا، و كان لقمانُ خياطًا وكذا إدريسُ، وكان موسى راعيًا ، وقد أخبرَ نبيُّنَا محمدٌ ﷺ أنَّه كان يعمَلُ برعي الأغنامِ، حيثُ يقولُ كما في صحيحِ البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى اللهُ عنه – عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » .فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ : « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ))
وكيف لا؟ ولقد حذرَنَا دينُنَا مِن البطالةِ والتسولِ:فالبطالةُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلا كان نذيرًا لهلاكِهَا ، و ما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِهَا ، فهي مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍّ وتعاسةٍ ، والتسولُ آفةٌ مِن آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبُهُ: الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُهُ النيران ،ويبعدُهُ عن الجنانِ ،فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
والبطالةٌ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ، والتسولُ داءٌ يقتلُ الطموحَ ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ ، ويعَدُّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةً في سبلِ البناءِ والتنميةِ ، يبددُ المواردَ ، ويهدرُ الطاقاتِ .لذا حاربَ الإسلامُ البطالةَ والكسلَ والتسولَ ودعا إلى الكسبِ والعملِ وأَبَىَ الإسلامُ أنْ يكونَ أتباعُهُ عالةً على الناسِ، يتسولونَ خبزَ طعامِهِم، وملابسَ لسترِ عوراتِهِم، وينتظرونَ سلةَ إغاثتِهِم، بل ورفضَ الإسلامُ أنْ يكونَ المسلمُ مكسورَ الجناحِ، يطعمُهُ ويسقيهُ غيرُهُ، وينتظرُ المعونةَ مِن هنا وهناك، فها هو سيدُ العاملين محمدٌ ﷺ يأبَىَ أنْ يعطيَ شابًّا متسولًا شيئًا بل قال له ))اذهبْ فاحتطبْ وبعْ ولا أَرَينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا(، فذهبَ الرجلُ يحتطبُ ويبيعُ فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمَ فاشتَرَى ببعضِهَا ثوبًا وببعضِهَا طعامًا فقال رسولُ اللهِ ﷺ: هذا خيرٌ لكَ مِن أنْ تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ(( رواه أبو داود. سلم يارب سلم
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طَلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَنْ طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاعَ العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
ثانيًا: إياكَ والكسبَ الحرامَ.
إِنَّ اللهَ أَحَلَّ الْحَلاَلَ وَبَيَّنَهُ، وَحَرَّمَ الْحَرَامَ وَعَيَّنَهُ ، وَأَمَرَنَا بِرِزْقٍ طَيِّبٍ ،وَنَهَانَا عَنْ كُلِّ كَسْبٍ خَبِيثٍ مُحَرَّمٍ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) [النساء:29] . يَنْهَى اللهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالْبَاطِلِ أَيْ: بِأَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ: كَأَنْوَاعِ الرِّبَا وَالْقِمَارِ، وَ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ صُنُوفِ الْحِيَلِ وَوُجُوهِ الْحَرَامِ، أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً، وإِنّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) [ المؤمنون:51] ، وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) [ البقرة:172]
وَلقَدْ جَاءَ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الْمَرْءُ الْمَالَ وَلاَ يُبَالِيَ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ اكْتَسَبَهُ ؟ وَكَيْفَ حَصَّلَهُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ ؟ أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ؟ ؛رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ :« يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ ،أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ ؟ ».
وأكلُ الحرامِ مرضٌ سرطانيٌّ خطيرٌ مدمرٌ قلّمَا يعافَي منه إنسانٌ إلّا ما رحمَ ربُّ الأرضِ والسماءِ، وأكلُ الحرامِ يعمِي البصيرةَ، ويضعفُ البدنَ ويوهنُ الدينَ، ويظلمُ القلبَ، ويقيدُ الجوارحَ عن طاعةِ اللهِ، أكلُ الحرامِ سببٌ مِن أسبابِ عدمِ قبولِ الطاعةِ لماذا؟ لأنَّ اللهَ تباركَ وتعالي لا يقبلُ الأعمالَ إلّا مِن المتقين، قال ربُّنَا: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)سورة المائدة :27) لذا قال ابنُ عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ : (( لا يقبلُ اللهُ صلاةَ امرئٍ وفي جوفهِ حرامٌ حتى يتوبَ إلى اللهِ تعالى منه))بل أكلُ الحرامِ طريقٌ مِن طرقِ الشيطانِ قال ربُّنَا( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [سورة البقرة (168) لذا قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ : إذَا تَعَبَّدَ الشَّابُّ قَالَ الشَّيْطَانُ لِأَعْوَانِهِ : اُنْظُرُوا مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ ، فَإِنْ كَانَ مَطْعَمُهُ مَطْعَمَ سُوءٍ يَقُولُ دَعُوهُ يَتْعَبُ وَيَجْتَهِدُ فَقَدْ كَفَاكُمْ نَفْسَهُ أيْ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ مَعَ أَكْلِهِ الْحَرَامَ لَا يَنْفَعُهُ وعمله هباءاً منثورا . و كان عمرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ. فانتبهْ يا مَن تأكل الحرامَ يا مَن تأكل الربَا يا مَن تأكل الرشوةَ أنت علي خطرٍ عظيمٍ أنت علي طريقِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ لماذا؟ لأنَّ مَن عاشَ علي شيءٍ ماتَ عليه, ومَن ماتَ علي شيءٍ بُعثَ عليه ,والموتُ آتٍ لا محالةَ وصدقَ النبيُّ المختارُ ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ:” يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ“ رواه مسلم، فمَن عاشَ علي السرقةِ ماتَ علي السرقةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فانتبهْ يا مَن تعيشُ علي الحرامِ يا مَن تعيشُ علي الرشوةِ، يا مَن تعيشُ علي الربا، يا مَن تعيشُ على أكلِ المواريثِ وحقوقِ البناتِ أنت علي خطرٍ عظيمٍ، أنت علي طريقِ الهلاكِ في الدنيا والآخرةِ، واعلمْ أنَّ المالَ الحرامَ يذهبُ المالَ الحلالَ، ويبقَي الوزرُ، وللهِ درُّ القائلِ
جُمِعَ الحرامُ علي الحلالِ ليكثرَهُ *** دخلَ الحرامُ علي الحلالِ فبعثرَهُ
تعالوا بنا لنتعرفَ في عجالةٍ سريعةٍ علي أصحابِ النبيِّ ﷺ كيف كانوا أبعدَ الناسِ عن الحرامِ؟
ولِمَ لا ولنا في رسولِ اللهِ الأسوةُ الحسنةُ، والمثلُ الأعلى بأبِي هو وأمِّي ﷺ، كان يومًا كثيرَ التقلبِ في الفراشِ بجوارِ السيدةِ عائشةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ وعن أبيها، فقالتْ يا رسولَ اللهِ ما لي أراكَ كثيرَ التقلبِ في الفراشِ، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “يا عائشةُ أكلتُ تمرةً وأخشَى أنْ تكونَ مِن تمرِ الصدقةِ“. يا ربِّ سلم
روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي اللهُ عنه- قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رضي الله عنهمَا- تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “كِخْ كِخْ. لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ“.انتبه لم تكن من حرام لكنَّ اللهَ حرمَ علي النبيِّ ﷺ وآلهِ أنْ يأكلُوا مِن الصدقاتِ فما بالكُم وقد امتلأتْ البطونُ مِن الحرامِ ومِن أكلِ حقوقِ البناتِ ومِن أكلِ حقوقِ الإخوةِ والأخوات؟ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، بل وهذا الصدِّيقُ أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه- يَجيئُهُ غُلامُهُ بشيءٍ فيأكلُه، فيقولُ الغلامُ: أتدرِي ما هُوَ؟ تكهَّنتُ في الجاهليَّةِ لإنسانٍ، وما أُحسِنُ الكِهانة، لكني خَدَعتُهُ، فَلقِيَني فأعطانِي بذلك، فهذا الذي أكلتَ. فأدخلَ أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه- يدَه في فمِه، فقاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه.وفي روايةٍ أنَّهُ قال: “لو لم تخرُجْ إلّا مع نَفْسِي لأَخْرَجتُها، اللهم إني أعتذرُ إليك مما حمَلَتِ العُروقُ وخَالطَ الأمعاء”(أخرجه البخاري)بل انظروا إلي فاروقِ الأمةِ وعملاقِ الإسلامِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه شربَ مِن لبنِ إبلِ الصدقةِ غلطًا، فأدخلَ إصبعَهُ وتقيأَ.
بل خرج يومًا إلى السوق في جولةٍ تفتيشيةٍ فيرى إبلًا سمينةً تمتازُ عن بقيةِ الإبلِ بنموِّهَا وامتلائِهَا ، يسألُ عمرُ بنُ الخطابِ: ( إبلُ مَن هذه ؟ فقالوا : هي أبلُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ ابنك ، وقال : عبدُ اللهِ بنُ عمر !! بخٍ بخٍ يا ابنَ أميرَ المؤمنين ” ، وأرسلَ في طلبهِ فورًا، وأقبلَ عبدُ اللهِ يسعَى ، فقال : ” بخٍ بخٍ يا ابنَ أميرِ المؤمنين ، ما هذه الإبلُ يا عبدَ اللهِ ؟ ” فأجابَ: ” إنَّها إبلٌ أمضاءٌ ( يعني هزيلة ) اشتريتُهَا بمالِي ، وبعثتُ بها إلى الحِمَى ( أي إلى المرعى ) أُتاجرُ فيها ، ، فقال عمرُ متهكمًا تهكُمًا لاذعًا : ” ويقولُ الناسُ حين يرونَهَا : ارعَوْا إبلَ ابنِ أميرِ المؤمنين ، اسقُوا إبلَ ابنِ أميرِ المؤمنين ، وتسمنُ إبلُ ابنِ أميرِ المؤمنين ، فبعْ هذه الإبلَ ، وخذْ رأسَ مالِكَ منها ، واجعلْ الربحَ في بيتِ مالِ المسلمين .
فمَن يُبارِي أبا حفصٍ وسيرتَه *** أو مَن يحاولُ للفاروق تشبيها
يومَ أنْ اشتهتْ زوجتُهُ الحلوى فقالَ لها *** مِن أين لي ثمنُ الحلوى فأشريها
ما زادَ عن قوتِنَا فالمسلمون بهِ *** أولَي فقومِي لبيتِ المالِ ردِّيهَا .
كذلك أخلاقهُ كانتْ وما عُهِدَت *** بعدَ النبوةِ أخلاقٌ تُضاهيهَا
وهذا عمرُ بنُ عبدِالعزيزَ -رحمه اللهُ- رأى ابنَهُ يَأخُذُ تُفاحةً مِنْ تُفَّاحٍ يَقسِمُهُ بَينَ المُسلمينَ فَانتَزَعَهَا مِنْهُ، فَبَكَى الولدُ وَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ، فَلَمَّا عَاتَبَتْ زَوجَهَا عَلَى ذَلِكَ قال: “واللهِ لَقَدِ انتزَعتُها وَكَأَنِّي أَنتَزِعُهَا مِنْ قَلبِي، وَلَكِنِّي كَرِهتُ أَنْ أُضِيعَ نَفسِي عِندَ اللهِ -عزَّ وَجَلَّ- بِتُفَاحَةٍ مِنْ فَيءِ المُسلمينَ)) أخي إنَّ تحرِّي أكلَ الحلالِ، والبُعدَ عنِ الحرامِ والمُشتَبَه، مِن أعظمِ الخِصالِ التي يتحلَّى بها المؤمن.يقول النبيُّ ﷺ -: “أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صِدْقُ الحديثِ، و حِفْظُ الأمانةِ، و حُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ” أي: التزامُ الحَلالِ في المَأْكلِ والمَشْربِ.أخي إنْ أردت النجاةَ فعليكَ بتحرّي الحلال والبعدَ عن الحرامِ لتسعدَ في دنياك وأُخراك
فيا مَن كُلمَا طالَ عمرهُ زادَ ذنبُهُ يا مَن كلما أبيضَّ شعرُهُ أسودَّ بالآثامِ قلبهُ
شيخٌ كبيرٌ له ذنوبٌ *** تعجزُ عن حملهَا الجبالُ
قد بيضتْ شعرَهُ الليالِي *** وسودتْ قلبَهُ الخطايَا
فتُبْ إلي ربِّكَ يا مَن أكلتَ الحرامَ وأعلمْ أنَّ اللهَ يغفرُ الذنوبَ جميعا إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ، فالحلالُ بيّنٌ والحرامُ بيّنٌ . اللهمَّ اكفِنَا بحلالِك عن حرامِك، وأغنِنَا بفضلك عمّن سواك
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

اكتب تعليق

أحدث أقدم