بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن هناك خلاف كبير بين طلاب العدل الاقتصادي حول الطريق التي يحدد بها القدر المقبول من فوارق في الدخول نابعة عن تفاوت محض في الجهد المبذول.
وهناك نظريات كثيرة تحاول أن تجسم هذا الأمر بتحديد الجهة التي تقدر القدر المقبول (أي العادل) من الفوارق:
فهناك الذين يرون أن يتم هذا بالأسلوب الديمقراطي، وذلك باعتبار أن العدالة هي ما تقرر الأغلبية أنه التوزيع العادل للدخل، وهناك الذين يرون أن هذا غير عملي وأن الأمر لا بد أن يحسمه دكتاتور من نوع ما. وهناك الذين يرون أن العدالة شيء لا يمكن أن يتوصل إليه البشر لا بالأسلوب الديمقراطي ولا الأثوقراطي إنها تعرف فقط بوحي إلهي.
أما مدرسة اقتصاد الرفاهية فيجعلون العدالة الاقتصادية نتاجا لموازنة تتم بين الكفاءة في الإنتاج والعدالة في التوزيع عن طريق احتساب الرفاهية (أو المنفعة) الفردية ثم الجماعية في مستويات مختلفة من الإنتاج وأنماط متباينة في توزيع عائده بغرض التوصل إلى الرفاهية الكلية العظمى، ويعتبرون نمط التوزيع الذي يؤدي الى الرفاهية الكلية العظمى النمط الأكثر عدالة.
غير أن صعوبات جمة في قياس الرفاهية جعلت هذه النظرية مجرد تمارين تجريدية ليس لها مضمون عملي، وقد حدا هذا التفكير بكثير من الاقتصاديين إلى المناداة بأن يبتعد الاقتصاديون في مناقشة مسألة العدالة في التوزيع وحصر أنفسهم في بحث مسألة الكفاءة في الإنتاج، مدعين أن مسألة العدالة خارجة عن نطاق علم الاقتصاد ومتروكة لعلماء الأخلاق ودهاقنة السياسة.
كيف تحقق العدالة الاقتصادية؟
المحور الأخير للخلاف بين الساعين لتحقيق العدالة الاقتصادية هو المناخ الذي يجب أن يسلك في الوصول لهذا الهدف، فهناك من يرى أن العدالة الاقتصادية لا تتم إلا باقتطاع جزء من دخل الأغنياء قسراً ليعطى للفقراء لتأمين احتياجاتهم الضرورية. وهناك من يرى أن تحويل جزء من دخل الأغنياء إلى الفقراء يجب أن يترك للأغنياء تحديده والقيام به تطوعا لأنه لاحق للفقراء في دخل لم يكتسبوه بجهدهم.
والخلاف حول منهاج تحقيق العدالة يأخذ أيضا صورة دعوة البعض للأسلوب التدرجي بدءا بالمناشدة، وانتهاء بالضرائب التصاعدية، وإقامة مشروعات الرفاهية الاجتماعية (لتأمين احتياجات الفقراء السكنية والتعليمية والعلاجية وخلافه)، بينما يدعو آخرون للأسلوب الثوري. وهذا الأسلوب يحبذ اللجوء إلى التأمين أو المصادرة لإعادة توزيع الدخل بصورة عادلة تضمن لكل الأفراد العيش الكريم.
ومن نقاط الخلاف التي تكاد تكون قد حسمت مسألة اجتثاث التنمية للفقر، فقد كان الاقتصاديون يعتقدون إلى وقت قريب أن تشريع تنمية الدول المتخلفة يقضي على الفقر فيها. ولكن قناعة جديدة سادت الآن بأن النمو لا يعني بالضرورة القضاء على الفقر، لهذا ظهرت الدعوة لتوجيه التنمية لتحقيق العدالة الاقتصادية ومحو الفقر بتوفير ما يسمى بالاحتياجات الأساسية للأفراد، خاصة الغذاء والعلاج والسكن والتعليم وغيرها من ضرورات الحياة. وقد أثبتت الدراسات التجريبية أن هذه الاستراتيجية لا تعوق التنمية كما كان يعتقد في الماضي، بل إنها تساعد في الإسراع بها على نحو ما أظهرت تجارب دول مثل تايوان وكوريا ويوغسلافيا وسنغافورة والصين. والسبب في هذا أن الإنفاق على هذه الاحتياجات يعد استثماراً بشرياً يرفع من كفاءة الفرد الإنتاجية.
إن نجاح العديد من الدول في أن تحقق معدلات عالية من النمو في ظل توزيع عادل للدخل قضى على دعوة ضرورة تركيز الدخل في أيدي قلة من الناس لتزداد معدلات الادخار والاستثمار بدلا من توزيع الدخل على الفقراء الذين يستهلكون ولا يدخرون. وبهذا تزايد الإيمان بأن العدالة تمهد للتنمية ولا تعوقها.
إرسال تعليق