الاستاذ الدكتور إبراهيم محمد مرجونة يكتب..... الدواء فيه سم قاتل

الاستاذ الدكتور إبراهيم محمد مرجونة يكتب..... الدواء فيه سم قاتل

 


مقال: الدواء فيه سم قاتل.

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة

أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

“حياة أو موت” .. مفهوم النُّبل الإنسانيّ يطلعنا فيلم “حياة أو موت” لمُخرجه كمال الشيخ على حياة أحمد إبراهيم المواطن المصريّ العاديّ الذي يعيش بين مليونَيْنِ ونصف المليون من المواطنين في عام 1954. رحل إلى منطقة “دير النحاس” منذ أيام مع أسرته التي تتألَّف من أمّ (مديحة يسري) وطفلتهما (ضحى أمير). وعند حلول ليلة العيد يذهب أحمد (عماد حمدي) إلى شركته التي تركها لاستحقاقات ماليَّة يُأمِّل منها توفير فستان وحذاء لابنته الصغيرة في العيد غدًا. لكنَّه يُفاجأ بتأخير الأموال إلى ما بعد العيد؛ فيقع في حيرة شديدة، ويُضطرُّ إلى بيع ساعته ليشتري فستانًا رآه.

وبعدما وضح أمامنا ضيق الحال الذي تعيش به الأسرة نرى فرحة الابنة بالفستان تقديرًا للموقف. ثمَّ غضبة تطيح بالفرحة وتشتِّت شمل الأسرة لترحل الزوجة. وساعتها يبدأ أحمد في الشعور بمرضه القديم الذي يحتاج لعلاج مُركَّب -كانت كثير من الأدوية تُركَّب في الصيدليَّة وليس الحال كأيامنا- فيُرسل ابنته في طلب هذا الدواء. لنعيش مع أبطال هذا الفيلم قصَّة رحلة مثيرة جدًّا، مليئة بالصعوبات والمُفارقات. قصَّة رحلة حصول على دواء لعلَّها الأشهر في السينما المصريَّة. فهو بحق رحلة النُّبل الإنسانيّ والإيجابية والاحساس بالغير وتقديم العون والسند دون طلب .

فلننظر إلى هذه القصَّة النابعة من البيئة المصريَّة، المُتفقة معها المُشكَّلَة من عناصر هذا الشعب، المُتصفَة بأخلاقه وطبعه. وكون القصة ومنطلقاتها وخطوط سيرها من البيئة التي يصدر عنها العمل الفنيّ دون إدخال ما ليس منه فيه أو إقحام قيم أو أفكار عليه هذا ما يمسح العمل بمسحة الأصالة، ويجعله عملاً أصيلاً.

“حياة أو موت” من اسمه نتصوَّر تجربة إنقاذ حياة أحد الأشخاص. ومنه أيضًا نستشفّ المعاني التي يتمحور حولها الفيلم وهي الشعور بالمسئوليَّة، والنُّبل الأخلاقيّ، والسعي من أجل الآخرين. ولعلَّ موقف الصيدليّ هو أصدق أدوات الفيلم في التعبير عن تجربة النُّبل التي في الإنسان. هذا الدرجة التي لا يحتاج فيها الشخص إلى أصل أو نسب ليكون نبيلاً، بل يحتاج إلى إحياء الإنسان بداخله والتحلِّي بالأخلاق الحميدة لينبُل بها، فيقدِّره غيره ويُقدِّر هو غيرَه. أنْ يمدَّ هذه الآلة الجبَّارة التي تسمى “الشعور الإنسانيّ” أو العاطفة بوقود ويعمل على ألَّا تنطفئ من غبار الدنيا وريحها السيِّء. هذا الجهاد الأخلاقيّ للإنسان هو عُمق النُّبل الأخلاقيّ.

يُشعرنا الفيلم بإحساس المسئوليَّة تجاه النَّفس وتجاه الآخرين. مسئوليَّة الأب الذي يحاول جُهده إسعاد ابنته، ومسئوليَّة الابنة في تقدير ظرف الأسرة، ومسئوليَّة الممرضة التي حاولتْ طويلاً الوصول إلى الطبيب عندما قِيَل لها هاتفيًّا أنَّ الأمر خطير يتعلَّق بإنسان، ومسئوليَّة الطبيب نفسه الذي شعر بالخطر وقطع الهاتف عن زميله منتظرًا مهاتفة الصيدليّ، ومسئوليَّة الرجل العابر عندما تسأله طفلة صغيرة من أين الطريق فيدلُّها ويقودها إلى عبوره حتى لا تعبره وحدها، ومسئوليَّة الرجل الذي أبدل للطفلة الزجاجة التي انكسرت بزجاجة غيرها. كلُّ هؤلاء قد التزموا أخلاقيًّا بشعور المسئوليَّة الأخلاقيَّة تُجاه “آخر” الأصل أنَّه لا يعرفه. لكنْ منذ متى كان الإنسان في حاجة إلى معرفة في التواصل مع أخيه الإنسان؟!

ويطلعنا الفيلم على المسئوليَّة الحقيقيَّة والدور الحقيقيّ والصورة التي يجب أنْ تكون لرجل الشرطة.

ولعلَّ لقطة النهاية والأسرة ملموم شملُها ثانيةً تعبِّر عن أنَّ هذه هي نتيجة المجتمع الذي يتحلَّى بهذه الصفات جميعا. إنَّ فيلم “حياة أو موت” تجربة أذاعت بيننا جُملة خالدة عندما أمر الحكمدار بإذاعة البيان التالي في الإذاعة: “من حكمدار العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطِن في دير النحاس.. لا تشرب الدواء الذي أرسلتَ ابنتَكَ في طلبه؛ الدواء فيه سُمٌّ قاتل” ليتحوَّل بشعور الحماقة من بعضنا من نداء نُبل إنسانيّ إلى شيء يثير السُّخرية نتندَّر عليه. حوَّلناه ونحن لا ندري أنَّ الدواء الذي أتى به الفيلم مُركَّب من النُّبل الأخلاقيّ وشعورنا بالمسئوليَّة الجماعيَّة والتزام كلٍّ مِنَّا بدوره هو الدواء الذي يجب علينا جميعًا أن نتعاطاه لنصحَّ مُجتمعًا وأُمَّةً.

فعندما تتجسد الإنسانية الراقية في صورة إنسان عليك أن تحتمي يه وتتمسك بتلابيه لأنه هو السند الحقيقي والضوء في وسط الظلام الحالك والطاقة الإيجابية هو الدواء والترياق من كل داء لاسيما مع انتشار وباء الزيف والغش والخداع والخيانة

إذا تحدثنا عن من يمتلك معاني الإنسانية فأننا بالطبع نتحدث عن إنسان تتحقق معه التنمية البشرية، هذا الشخص الإنسان تنال معه النجاح وتحقيق الذات والتفكير الإيجابي ، وجوده ينشر الطاقة الإيجابية والبهجة والفرحة والنقاء والصفاء هو ضمير حي يمشي على الأرض هو الخير والأمل.

وإذا كان الفشل والخوف والقلق جزء من حياة الإنسان ،  فلابد أن يكون معلومًا بالضرورة، أنه يجب ألا تستمر حالة الخوف والقلق وما إلى ذلك مدة زمنية طويلة نسبيًّا؛ لأنها حينئذ يمكن أن تسبب مشكلة صحية يكون الإنسان في غنى عنها.

فالفشل حالة تتناسب تناسبًا عكسيًّا مع النجاح، فإن كان النجاح حالة موجودة في حياتنا اليومية ونعيشها كل يوم بل عدة مرات في اليوم، فإن الفشل أيضًا حالة يمكن أن نعيشها بطريقة أو بأخرى. وليس العيب أن نفشل، ولكن العيب أن نستمر في الفشل، أو نسلم بأن الفشل جزء لا يتجزأ من أنفسنا، وأنه لا يمكن النجاح أبدًا.

والفاشل يكرر طرح الأدلة والحجج من غير أن يؤدي ذلك إلى الإقناع، وحينما نرفض البديهيات، وحينما يقاطع أحدنا الآخر، فمثل هذه النوعية من البشر لا يعرفون ولا يستطيعون، بل ربما لا يؤمنون بالحوار والنقاش، بل إنهم يجادلون من أجل الجدل فقط، حتى يقوموا بتغطية الفشل الذي يعيشون فيه.

فنحن نؤمن بأن حالة الفشل يمكن أن تُعد شرنقة تغطي الإنسان وتخنقه، فإن أراد هذا الإنسان أن يتنفس ويرى النور فإن عليه تمزيق شرنقة الفشل والخروج منها، لكن هذا الفعل لا يتم من الخارج بمساعدة الآخرين، بل لا بد أن يكون التمزيق من داخل الشرنقة كما تفعل الحشرات الصغيرة التي تمزق شرنقتها من الداخل وتتمكن من الخروج إلى الهواء الطلق بصحبة من يليق بك من الأوفياء الاتقياء.

 وأنت أيها الإنسان إذا أردت أن تعيش النجاح بجميع صوره فعليك تمزيق شرنقة الفشل وكذلك الفشلة لوحدك ومن غير مساعدة، لأنك من يستطيع أن يمزق تلك الشرنقة وتخرج نفسك إلى الحياة والنور، وحتى تتمكن من ذلك، عليك أن تتعرف على العادات السيئة التي يعيشها الفاشلون بهدف أن تتجنبها، وإن وقعت بين براثنها عن طريق الخطأ والغفلة فيجب أن تتخلص منها بأسرع ما يمكن. وابتعد عن الفاشلين علمًا وخلقًا قدر المستطاع لأن الفاشلون يخفون في داخلهم الرغبة في رؤية الآخرين يفشلون: فالشخص الفاشل يحب أن يرى الآخرين يعيشون كما يعيش هو، وخاصة الأقربين منه، فعندما يرى النجاح في ابتساماتهم وضحكاتهم، فإنه يحقد عليهم، ويتوقد غله وكراهيته لهم، وربما لا ينام الليل، كل ذلك بسبب نجاحهم، لذلك يصعب عليه دائمًا وأبدًا أن يرى النجاح في حياة البشر، بل إنه يريدهم أن يأكلوا من الطبق الذي يأكل ويشربوا من الكأس الذي يشرب، ليس لسبب غير أنه لا يريد أن يرى أناسًا ناجحين.

احذر أن تعتقد أن دواءهم فيه الشفاء بل فيه السم القاتل ، فقد غاب عن المجتمع في زمننا الإيجابية وغلبت عليه السلبية والبارجماتيا وكن على يقين يا صديقي  : لن يهتم أحد بإنقاذ حياتك ،اقصى ما سيقدم لك بعض بوستات وعبارات التعاطف وسرعان ما سيأتي ترند جديد يحل محل التعاطف وتصبح بعدها نسيا منسيا.

اجعلها بداية ولا تجعلهم يكتبوا لك النهاية

أجعلها حياة لا موت هذا التصوُّر يُعيد تصوُّر البدء علنا نستطيع إحياء النبل الإنساني الذي نتمناه جميعًا.

اكتب تعليق

أحدث أقدم