رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المذهب الواقعي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المذهب الواقعي



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بمملكة كمبوديا ،
الرئيس التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
مما لاشك فيه أن الواقعية نسبة إلى الواقع، والواقع هو الموجود حقيقةً في الطبيعة والإنسان، وله نوعان: واقع حقيقي، وواقع فني.
فالواقع الحقيقي ما إذا وُصِفَ كان الوصف صادقاً لموافقته ما هو موجود، وكأنه صورة فوتوغرافية عن الواقع، أما الواقع الفني وهو المقصود في الأدب فإنه يرتكز على رسم إبداعي لواقع ليس من الضروري أن يكون حقيقياً تماماً، صحيحٌ أنه يأخذ سماته من الواقع الحقيقي، لكنه يحوّر ويزيد وينقص ويعيد التشكيل ليجيء بواقعٍ ليس نسخة مطابقة للواقع الحقيقي، وإنما هو محاكٍ له، لأنه يجري في ميدانه ويخضعُ لشروطه.
يبدع الكاتب الواقعي شخوصه ويصف ملامحها ويصوّر بيئتها كما يرى، ولكنه يتقيد بالأطر المألوفة التي يفترض ألا تثير الغرابة والاستنكار، وبهذا يشبه اللَّوحة الفنيّة التي يرسمها الفنّان مستمداً عناصرها من الواقع الخارجي الحقيقي ومخيّلاً واقعاً آخر هو واقعه الخاصّ الذي يراه من زاويته الإبداعية الحرّة، فهو يتصرف بالألوان والظّلال والخطوط والأشكال كما يريد دون أن ينأى عن منطق الواقع وسماته في الإنسان ومحيطه.
إن الواقعية الأدبية هي تصوير فني للإنسان والطبيعة في صفاتهما وأحوالهما وتفاعلهما، مع العناية بالجزئيات والتفصيلات المشتركة للأشياء والأشخاص والحياة اليومية، ولو كانت تفصيلاتٍ مبتذلة، وكل ذلك ضمن الإطار الواقعيّ المألوف، وإن الواقع هنا لا تُشْتَرَطُ فيهِ الأمانةُ في النسخ بل يُشْتَرَطُ فيهِ ما يُسمَّى بالصِّدْقِ الفني، وبهذا يتحوّل الكاتب إلى فنان مبدع لا إلى مجرد ناسخ.
جذور الواقعية:
ليست الواقعية جديدةً كلّها، ولم تأتِ هكذا من فراغٍ دون جذور متأصّلة، فمعظم أفكارها ومبادئها كانت معروفة خلال العصور السابقة، فها هو (شكسبير) يقول في مسرحية (هاملت): ما هذا المخلوق الرفيع الصُّنع، الإنسان؟! ما أرجح عقله وما أوسع قُدراتِه!...
وها هو (سرفانتس) يقول في (دون كيشوت) واصفاً الحرية: (الحريّة يا سانشو إحدى أثمن هبات السماء للناس، لا شيء يوازيها، لا الكنوز المخبأة في الأرض، ولا الكنوز التي تنطوي عليها البحار...).
والمسرح الكلاسيكي عموماً ومسرح (شكسبير) خصوصاً كان يقوم على البحث في حقيقة النفس الإنسانية ودوافعها الخفيّة، وفضح الشّر وتعزيز الفضيلة، وقد اشتهر (روسّو) في مسايرة الطبيعة والعودة إليها. وها هو (غوته) يقول: إن المطلب الأساسي الذي يوضع أمام الفنان هو أن يبقى أميناً للطبيعة.
وفي البحث عن الحقيقة والموضوعية يقول (ديدْرو): "الحقيقة أساس الفلسفة".
وها هو (لسنغ) يقول: "على الكاتب أن يسير وفق منطق الضرورة الموضوعية".
وفي القرن الثامن عشر الذي مهدّ للثورة الفرنسية كانت قضايا المجتمع قد طرحت باستفاضة حين اهتم الأدباء بطبيعة المجتمع وحقوق الإنسان كإنسانٍ وكمواطن، وحين ركَّزُوا على العلاقات بين الأفراد وقضايا الحرية والمساواة، ومن الملاحظ أنَّ في الرومانسية التفاتاً إلى الناس واغترافاً من فنونهم وآدابهم ولغتهم وتراثهم، وكان من مهمات الأديب في عصري النهضة والكلاسيك خدمة مصالح الإنسان على الأرض والارتقاء بذاته، والعودة إلى المنابع التي كان بنو الإنسان يعيشون فيها بشراً حقيقيين، لهم رغائبهم وأخطاؤهم وصراعاتهم، وتوقهم إلى الحريّة وتعزيز الإرادة وإثبات الذات.
من ذلك كله نلاحظ أن الواقعية لم تنشأ في أرضٍ بكْر، بل وجدت أمامها تراثاً هادياً، وطرقاً معبّدة وأفكاراً متداولة، ولكن بشكلٍ متناثر لم يبلغ من التكثيف والوعي والمنهجيّة مرتبة التيار المذهبي، ولم يكن الكاتب قبل الواقعية ينظرُ إلى الإنسان في واقعه المعيش وضمن المسار التاريخي وطبيعة العصر ومنطق الضرورة العلميّة... هذه الأمور التي عززتها الواقعية وجعلت منها فلسفةً ومنهاجاً ومذهباً واضح المعالم.

اكتب تعليق

أحدث أقدم