رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أدب السؤال فى الحوار

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أدب السؤال فى الحوار



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عيبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن ينبغي للمتحاورين أثناء الحوار وعند طرح الأسئلة أن يتعلموا أدب السؤال، حتى ينضبط الحوار ويطيب المقال، ولهذا قيل: "أدب السائل أنفع من الوسائل" الذهبي، سير أعلام النبلاء (19/398).
وقال ابن حجر:"العلم سؤال وجواب، ومن ثم قيل: حسن السؤال نصف العلم" ابن حجر، فتح الباري (1/142).
وللسؤال أغراض وآداب متعددة، فأحيانًا يكون: للتقدمة بين يدي السؤال، والاعتذار قبل طرحه، وأحيانًا يكون الاستفهام تقريريًّا، وأحيانًا يكون للتعرف على الطرف الآخر، ومن الآداب أيضًا التي ينبغي للسائل أن يتأدب بها مع محاوره: اختيار الصيغة المناسبة، وإيضاح السؤال وتجنب الإبهام، ومنها اختصار السؤال والبعد عن الإطالة أو الإطناب في ذكر تفاصيل لا حاجة لها بموضوع النقاش أو الحوار لا من قريب ولا من بعيد، إلى غير ذلك من الآداب والأغراض ينظر: زمزمي، الحوار آدابه وضوابطه (ص452-455).
إلى غير ذلك من الأغراض، ومن تلك الشواهد في قصة أو سورة يوسف- عليه السلام -:
1- قال تعالى: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39].
قال يوسف للفتيين اللذين معه في السجن: أعبادةُ آلهةٍ مخلوقة شتى خير أم عبادة الله الواحد القهار؟
وهنا استخدم يوسف -عليه السلام- الإقناع بالمقابلة بين أمرين (بين الحق والباطل)، وأنه يقابلهما في سؤاله بين شيئين، ويوازن متضادين، فالأشياء تتميز بأضدادها، وتعرف الأمور بنظائرها، فهل هذه الأرباب والمعبودات خير أم الله الواحدُ القهار؟
ولا يخفى ما في هذه الموازنة والمقابلة من إثارة للانتباه.
كما أنه استخدم هذا الأسلوب لغرض الإنكار عليهما؛ لأنهما بحاجة إلى النصح والتوجيه، وبالتالي إقامة الحجة عليهما.
2- قول يعقوب لبنيه، قال تعالى: ﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ ﴾ [يوسف: 64].
هنا يعقوب -عليه السلام- استخدم مع بنيه صيغة السؤال؛ لتصحيح أو تأكيد معلومات لديهم، كما خاطبهم باستفهام التقرير على ما بدر منهم مع يوسف-عليه السلام -، وهذا من حسن البيان عند الطرح والمحاورة.
3- قال تعالى: ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ [يوسف: 89].
فهنا خاطبهم باستفهام التقرير، وتأدب مع إخوته في الخطاب، وكان مراد يوسف - عليه السلام - من ذلك التمهيد، تعريفهم بنفسه؛ إذْ آنَ له أن يُصارحهم بما فعلوه، وكذلك أراد أن يدعوهم إلى التوبة من فعلتهم هذه، فكان كلامه شفقةً عليهم، ونصحًا لهم في الدين، لا معاتبةً وتثريبًا، ولهذا أحسن السؤال معهم. ينظر: فجال، الأسرار البلاغية للحذف في سورة يوسف (ص45، 46).
4- قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 96].
ففي هذه الآية يلاحظ أنه لما جاء البشير إلى يعقوب -عليه السلام -، وطرح قميص يوسف -عليه السلام- على وجهه، فعاد يعقوب مبصرًا، قال لمن عنده: ألم أخبركم أني أعلم من الله ما لا تعلمون من فضل الله ورحمته وكرمه؟
فلم يصرح بالجواب ولهذا ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف: 95]، فمن أدبه الرفيع طرح السؤال الذي يستدرج الطرف الآخر للإجابة بنعم أو بكلمة بلى؛ لأن إخوة يوسف- عليه السلام- يعلمون الحقيقة، فهنا هم في وضع الاضطرار معه إلى إعطاء الموافقة والتأكيد على الإجابة بـ"بلى".
ومن الأمثلة والشواهد على أدب اختصار السؤال، وتجنب ذكر التفصيلات، حتى لا يضيع وقت المتحاورين، أدبًا ومراعاة مع من تتحدث معه:
5- قوله تعالى: ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36].
فنلاحظ هنا اختصار السؤال من السجينين، والاقتصار على ما يتعلق بالموضوع، وهو سؤال كل واحد منهما يوسف -عليه السلام- عن رؤياه، وهذا من أدب السؤال بين المتحاورين.
كما نجد في طرح سؤالهما عن رؤياهما الصيغة المناسبة المؤدية إلى المعنى، وهذا أيضًا من أدب السؤال في الحوار.
6- قوله تعالى-في سؤال الساقي عن رؤيا الملك: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 46].
7- وقوله تعالى في حوار يوسف - عليه السلام - مع رسول الملك: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 50].
مما تقدم في الآيتين الكريمتين يلاحظ:
تحسين الألفاظ، وترتيب المعلومات، والاختصار أيضًا في السؤال، وهذه من آداب السؤال التي ينبغي على المحاور مراعاتها.

اكتب تعليق

أحدث أقدم