رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الجاسوسية الإقتصادية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الجاسوسية الإقتصادية



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بإسبانيا،
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
مما لا شك فيه أن الجاسوسيَّة الاقتصاديَّة أداة ووسيلة، وفوقَ كلِّ هذا وظيفةٌ أساسيَّة ولازِمَة للحياة في عصرنا الحاضر، وظيفة تَتَجاوَز إطار الضرورة، وتَصِل إلى أبعاد الحتميَّة، وظيفة ذات طابع خاص تُمارَس منذ القِدَم، ومُعتَرَف بها ضِمْنًا؛ لكنَّها غير مُجازَة، وتَتِمُّ في الخفاء.
فاليوم لم تَعُدْ تَوازُنات القوَّة وحدَها الحاكمة والمتحكِّمة، ولم تَعُدْ أيضًا تَوازُنات الحقوق ذات الصوت المسموع؛ بل أصبحت تَوازُنات المصالح واعتِبارات البقاء والاستِمرار صاحبةَ الصوت المؤثِّر في عالمنا اليوم.
إنَّنا نَعِيش الآنَ صِراع المصاير؛ حيث يُقرِّر الاقتِصادُ مَصِير الأُمَم ومَصِير الشُّعوب، وعندما يُصبِح الاقتِصاد عاريًا، فكلُّ شيء يصبح عاريًا، والاقتِصاد هو القوَّة، وهو أساس حركة الدول والحكومات، ومن هنا فللجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة دَوْرٌ مهمٌّ في بِناء الدُّوَل والمؤسَّسات والمشروعات في عصرنا الحديث، دَوْرٌ لا يُمكِن تَجاهُله أو إغفاله، أو التَّغاضِي عنه أو إهماله، دَوْرٌ مُتعاظِم الأهميَّة، ومُتعاظِم الأثر والتأثير، دَوْرٌ تتحدَّث عنه نتائِجُه، وتَتناقَل الأجيالُ تِلْوَ الأجيال أخبارَه، وتظلُّ تشكر الدُّوَل وتعزو إليه الفضل؛ لدَوْرِه الخطير في بِناء الأُمَم، وحماية مصالحها، والحِفاظ على مَكاسِبها.
ففي عالمنا اليومَ لا توجد الدولة التي تَحْظَى تمامًا بالاكتِفاء الذاتي، ومن ثَمَّ فإنها تَنظُر خارج حدودها للحُصُول على احتِياجاتها غير المتوفِّرة لديها، سواء من الموادِّ الخام، أو الأيدي العامِلَة، أو رأس المال، أو حقوق المعرفة ونُظُم الإدارة، وهي جميعًا مدخلات نظام الإنتاج الوطني، سواء اتَّخذ شكل الزراعة أو الصناعة، أو البنوك أو الخدمات المختلفة.
والواقع أنه إذا كانت الجاسوسيَّة بصفة عامَّة هي أكثر الأعمال إثارةً وغموضًا، وأقلها فهمًا لطبيعة عملها، فإنَّ الجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة تُعَدُّ بصفة خاصَّة أكثر أعمال المخابَرات والجاسوسيَّة تعرُّضًا لإساءة فَهْمِ طبيعة عملها.
ومن هنا؛ فإنَّ حرفة الجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة، وما تملكه من نُظُمٍ ووسائل تقنيَّة وأدوات، تستَدعِي دائمًا التطوير، والإحاطة بكلِّ جديدٍ من علم وفن ونظريَّات الجاسوسيَّة والتجسُّس وتطبيقاتها؛ حتى يُمكِن الاستِفادة منها، ويَتَحدَّد بِناءً عليها أين وكيف سيلجَأ إلى هذه الوسائل والأدوات، وعلى أيِّ نطاق.
ولَمَّا كانت السريَّة التامَّة، وحمايةُ أمن نشاط التجسُّس الاقتِصادي أمرًا ضروريًّا للغاية، أصبحت مهمَّة الجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة مزدوجة الجوانب؛ فمن جانبٍ تَكُون مهمَّتها تأمين ذاتها ضدَّ اختِراق العدوِّ المحتمل لها، وعدَم تَمكِينه من الحصول على معلومات تُفِيده، ومن جانبٍ آخَر السعي الحثيث للحُصُول على كافَّة البيانات والمعلومات عن العدوِّ المحتمل.
ويَتحَدَّد مفهوم الجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة في مهامِّها التي تقوم بها، وفي الأنشِطَة التي تُمارِسها، وفي الدَّوْرِ الذي تَلعَبه، سواء في جمع المعلومات، أو زرع العناصر الموالِيَة، أو في مُمارَسة الضغط لعقد الصفقات، أو في تأمين الذات من أيِّ اختِراق.
وعلى هذا؛ يُمكِن تَحدِيد المراد بالجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة، بأنها: ذلك النشاط الإنساني الذي يعمَل على تأمين الذات، بالحصول على البيانات والمعلومات التي تُمَكِّننا من المعرفة المسبقة بالوَقائع والأحداث والسلوك المستقبلي للكيانات الإدارية المختلفة، والتي قد تُؤَثِّر سلبًا وإيجابًا على أمْننا الاقتِصادي.
ومن أهمِّ البيانات التي تعمَل الجاسوسيَّة الاقتِصاديَّة على جمْعها، إجابات وافِيَة وشاملة وتفصيليَّة عن الأسئلة الآتية:
• ماذا سيحدث في المستقبَل القريب والمتوسِّط والبعيد؟
• ما هي العقَبات والقُوَى المُعارِضة القائمة والمُحتَمَلة، والتي يمكن إيجادها صناعيًّا للحدِّ من قدرة الآخَرين على تحقيق خطَطِهم؟
• كيف يُمكِننا السيطرة والتأثير على الآخَرين والتحكُّم في مُجرَيَات الأمور لديهم، سواء على مستوى كلي أو على مستوى جزئي؟
• مَن القُوَى التي أمكن زرع عناصِرها وأفرادها في جسد الكيان الإداري للآخَرين؟ وما مَدَى قدرتهم على التحكُّم في مجريات الأحداث، والتأثير على قُوَى الفعل الاقتِصادي وغير الاقتِصادي في هذه الكيانات؟
إنَّ الجاسوسيَّة الاقتصاديَّة عالم مُثِير، تكتَنِفُه السريَّة، ويُحِيطه الغُمُوض، ومن خِلال السريَّة ومن خلال الغُمُوض تَتِمُّ التصرُّفات، وتَتِمُّ العمليَّات ذات الطبيعة الخاصَّة، إنَّ كثيرًا من الأسئلة التي تبحَث عن إجابات تُوجَد إجاباتُها بالكامِل في عالم الجاسوسيَّة! بل إنَّ كثيرًا من السلوكيَّات المتناقِضة، والنتائج غير المُبَرَّرة تُرَدُّ بالكامل إلى الجاسوسيَّة الاقتصاديَّة.

اكتب تعليق

أحدث أقدم