رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن السعادة في الرضا

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن السعادة في الرضا



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بإسبانيا،
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
مما لا شك فيه أنه لكي يصبح الإنسان أغنى الناس؛ فإن عليه ابتداء أن يرضى بما قسم الله - تعالى - له، وأن يملأ قلبه وحياته بهذا الرضا، فإن الغنى غنى النفس، ومن كان غنياً في دخيلة نفسها فقلما يفتقر إلى شيء خارجها.
وأما الطمع فإنه يهلك المرء، قال ابن حبان: " الطمع في قلب المرء له طرفان: أحدهما: القيد في رجليه، والأخر: الطبع على لسانه؛ فما دامت العقدة قائمة لا تنفك رجلاه، ولا ينطق لسانه، فإذا أخرج الطمع من قلبه انفك القيد من رجليه وزال الطبع عن لسانه فسعى إلى ما شاء " (ابن حبان: روضة العقلاء ص 143).
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله فأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية، فإن الله - تعالى - لا ينال ما عنده إلا بطاعته‏" (رواه الطبراني في صحيحه).
وقال - صلى الله عليه وسلم-: " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له (رواه الترمذي).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعدّ خمساً، فقال: اتّق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحبَّ للناس ما تُحبّ لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" (رواه ابن ماجه والطبراني).
ومن الرضا بما قسم الله أن لا يتعرض المرء لما لا يعنينه، ولا يتكلف فوق ما يكفيه، ولا يأخذ ما ليس بمحتاج إليه، ولا يدع ما وكل بحفظة، الناس منه في راحة وهو من نفسه في تعب، قد أمات بالورع حرصه، وحسم بالتقي طمعه، وأفنى بنور العلم شهواته.
ومن الرضا أن يكون الإنسان مستعداً لتقبل ما ليس فيه منه بد، فإن تقبل الأمر الواقع خطوة أولى نحو التغلب على ما يكتنف هذا الأمر الواقع من صعاب، وقال الإمام الشافعي - رضي الله عنه -:
أمتُّ مطامعي فأرحت نفسي *** وأحييت القنوع وكان ميتا
إذا طمع يحل بقلب عبد *** فإن النفس ما طمعت تهونُ
ففي إحيائه عرض مصونُ *** عَلته مهانة وعلاه هونُ
وقال آخر:
اليأس عمَّا بأيدي الناس مكرمةٌ *** والرِّزق يصحب والأرزاق تتَّسع
لا تجزعنَّ على ما فات مطلبه *** ها قد جزعت فماذا ينفع الجزع
إنَّ السَّعادة يأسٌ إن ظفرت به *** بعض المراد وإنَّ الشَّقوة الطمع
وهذه قصة جميلة تبين قيمة الرضا وأثره: " كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه في كل مكان، وكان كلما أصاب الملك ما يكدره قال له الوزير: "لعله خيراً"، فيهدأ الملك، وفي إحدى المرات قُطع إصبع الملك، فقال الوزير: "لعله خيراً"، فغضب الملك غضباً شديداً، وقال: ما الخير في ذلك؟! وأمر بحبس الوزير، فقال الوزير الحكيم: "لعله خيراً"، ومكث الوزير فترة طويلة في السجن، وفي يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته، فمر على قوم يعبدون صنما، فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم، ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع، فانطلق الملك فرحاً بعد أن أنقذه الله من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر، وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن، واعتذر له عما صنعه معه، وقال: إنه أدرك الآن الخير في قطع إصبعه، وحمد الله - تعالى - على ذلك. ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك، قلت: "لعله خيراً" فما الخير في ذلك؟ فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه لصاحبه في الصيد، فكان سيُقدم قرباناً بدلاً من الملك، فكان في صنع الله كل الخير".
ولعلي أجد السعادة الحقيقية في قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: " من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " (صحيح ابن حبان. 143).
فالمؤمن يعلم علم اليقين أن العطاء والمنع والضر والنفع كله بيد الله - تعالى - وان الرضا بما قسم الله وقدر من أجل النعم، وأوفاها على عبده، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لا تُرْضِيَنَّ أَحَدًا بِسَخَطِ اللَّهِ، وَلا تَحْمَدَنَّ أَحَدًا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَلا تَذُمَّنَ أَحَدًا عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ، فَإِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لا يَسُوقُهُ إِلَيْكَ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلا يَرُدُّهُ عَنْكَ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ، وَإِنَّ اللَّهَ - تعالى - بِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَا وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَ فِي السَّخَطِ (الطبراني 966). فعليك بالرضا تعش سعيدا فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط.

اكتب تعليق

أحدث أقدم