رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن تاريخ الزلازل

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن تاريخ الزلازل



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بإسبانيا،
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
مما لاشك فيه أن علم التاريخ من أسمى العلوم الإنسانية التي ساهمت في خدمة سائر العلوم إنسانية أم علمية، في هذا الجانب يأتي علم التاريخ في خدمة علم الجغرافية التاريخية للمنطقة العربية والإسلامية، التي شهدت أراضيها زلازل متعاقبة على مدى ألف وخمسمائة عام مضت، ومثل هذه القضية تعتبر من أهم القضايا التي يخشاها ويخافها الإنسان، من يوم أن أوجده الله على هذه الأرض، وقد حفظت لنا مكتبة التاريخ الإسلامي سجلات وتواريخ هذه الزلازل، فوفَّرت هذه السجلات التاريخية لعلماء الغرب المتعقبين لعلم الزلازل مادةً عظيمة، في وفرة معلوماتها وأخبارها وقوتها وزمانها ومكانه، لدراسة مواضع هذه الأمكنة التي سبق ونزل فيها ما نزل من زلازل، فيما يخدم العلماء في العلم.


جاء في سورة الزلزلة، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة: 1 - 5].
فالزلازل آية من آيات الله المعجزة، أودعها الله في نظام الكون الذي يُسيِّره الله بقدرته وإرادته، وبيَّن سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]، وما زال الإنسان مع كل ما عرفه في عالم اليوم من تقدم علمي وتقني عاجزًا أمام الزلازل، وما يصاحبها من تدمير وقتل وتشريد في المناطق التي تنزل فيها.
الزلزلة لغةً:
هي تحريك الشيء بقوة وبشدة، وتسمى الزَّلْزلَة بالرَّجْفةِ، ويقال: رجفت الأرض رجفًا: اضطربت، والراجفة: الأرض ترتجف؛ أي: تتحرك بشدة.



الزلزلة جيولوجيًّا:
هي انطلاق الطاقة المفاجئ من باطن الأرض بشكل اهتزازات وارتجاجات، يسببها انزلاق الصخور المتواصل الناجم عن تقلص الصدوع أو تمددها على سطح الأرض.
وقد قدِّر عدد الزلازل التي يشهدها العالم في السنة بآلاف الزلازل، غير أن معظمَها تأتي خفيفة، بحيث لا يشعر بها أحد، أما الزلازل القوية، والتي تسبب دمارًا واسعًا، فهي تحدثُ مرةً أو مرتين كل شهر، وفيما يخص الموجات الزلزالية فهي تنتشر من المركز إلى الخارج في جميع الاتجاهات تمامًا بسرعة وقوة واحدة، كما تفعل الموجات الصوتية.
والزَّلازلُ في هذا الشأن نوعان: زلازل قاريَّة، وزلازل مائيَّة تعرف بـ(تسونامي) تنشط في أعماق المحيطات البحرية محدِثةً اضطرابات زلزالية في قِيعان المحيطات، ويبلغ طول ما بين الموجة والموجة الناتجة عن تسونامي في حدود (200) كم في الساعة، كما تبلغ سرعتها في قوة اندفاعها في حدود (800) كم في الساعة، وعندما تصل إلى شاطئ خفيف الانحدار، تخفُّ سرعتها ويزداد ارتفاعها، وباقترابها يتراجع البحر أولاً ثم يرتد مندفعًا في سلسلة من الأمواج الهائلة، التي تمضي في اقتحام اليابسة، كالذي نزل في لشبونة عام 1755م، حيث تحولت إلى ركام خلال خمس دقائق، في ارتفاع موج بلغ علوه (17) مترًا، وغير بعيد عنَّا زلزال تسونامي الذي نزل في إندونيسيا وغيرها من الدول المطلة على المحيطات مثل زلزال اليابان الأخير، وكيف طغى البحر على اليابسة وابتلع من هو على ظهرها.



أما عن أسباب الزلازل عند علماء الفيزياء والجغرافيين المسلمين، فالكتابات تشير إلى أن علماء الفيزياء والجغرافية المسلمين، ذهبوا في تعليل أسبابها إلى: أن الكهوف والمغارات والأهوية التي في جوف الأرض والجبال، إذا لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه هناك محبوسة زمانًا، وإذا حمَّ باطنُ الأرض وجرف تلك الجبال، سخنت تلك المياه ولطفت وتحللت وصارت بخارًا، وارتفعت وطلبت مكانًا أوسعَ، فإن كانت الأرض كثيرة التَّخْلخُل، تحللت وخرجت تلك البخارات من تلك المنافذ، وإن كان ظاهر الأرض شديد التكاتف حصيفًا منعها من الخروج، وبقيت محتبسةً تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج، وربما انشقَّت الأرض في موضع منها، وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، ويسمع لها دوي وهدة وزلزلة.
قال بهذا إخوان الصفا وابن سينا وابن رشد وابن حيان والقزويني والخوارزمي، ويشير الدكتور الغنيم بأن هذا الرأي عن أسباب الزلازل جاء عند المسلمين، ويتفق هذا الرأي مع رأي أرسطو مع بعض الإضافات عليه التي لا تغير شيئًا فيه، لكنها تزيدها إيضاحًا وتثريها بالأدلة.



كتاب سجل الزلازل العربي (أحداث الزلازل وآثارها في المصادر العربية) لمؤلفه الأستاذ الدكتور: يوسف عبد الله الغنيم:
مؤلف الكتاب أستاذ فاضل من أفاضل علماء الكويت، خدم مكتبةَ الجغرافية العربية بأعمال نفسية من غير هذا الكتاب، وكان منها نشره لكتاب عنوانه (المخطوطات الجغرافية العربية في المكتبة البريطانية ومكتبة جامعة كامبردج)، وقد تم نشره في الكويت سنة 1420هـ - 1999م، وكتابه الثاني (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) كمخطوط لمؤلفه شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي (825 - 906هـ - 1421 - 1489م)، وقد نشره مركز البحوث والدراسات الكويتية سنة 2004م، أما ما كتبه في كتابه (سجل الزلازل العربي) والذي تم نشره في الكويت سنة 2002م، تناول فيه المؤلف في مقدمته في الكتاب قولَه بأن فكرة الكتاب راودته سنة 1973م، وجاء تفرغه العلمي سنة 1986م ليسهِّل السبيل له في إخراج العمل من حيز الفكرة إلى واقع الحقيقة، وقد امتد العمل فيه طيلةَ خمس وعشرين سنة، والكتاب في علميته وأهميته يُشكَرُ مؤلفُه عليه، بما قدمه في إحصاء تواريخ أحداث الزلازل التي دونها المؤرخون المسلمون على مدى خمسة عشر قرنًا، خدم فيها الجغرافية التاريخية في موضوع الزلازل وتواريخها، وسيكون الكتاب خيرَ عون لي في تناول هذه الدراسة المعنية بالزلازل وتواريخها في الموروث التاريخي الإسلامي، فخالص الشكر للدكتور الغنيم على عمله العلمي الجليل، والذي أحصى فيه الزلازل من السنة الخامسة للهجرة، ابتدأها بزلزال المدينة المنورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرورًا بالعديد من الزلازل التي عصفت بالعالم العربي والإسلامي، من مشرقه حتى مغربه.


الزلازل وأخبارها في الموروث التاريخي الإسلامي:
لم يسقط المؤرخون المسلمون أخبار الزلازل فيما قبل السنة الخامسة للهجرة، بل تناولوها في كتبهم كما وردت في مدونات التاريخ التي أخذوا منها أخبار هذه الزلازل، فقد ذكر السيوطي في مقدمة كتابه (كشف الصَّلْصَلة، عن وصف الزلزلة)، في الحديث عن أول زلزلة وقعت في الدنيا، كانت يوم قتل قابيل هابيل، فقد رجفت الأرض سبعة أيام، وتزلزلت الأرض يوم أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، وأن قوم شعيب عليه السلام قد هلكوا بالزلزلة ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [الأعراف: 91]، وأن الأرض رجفت بالسبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام، لأسباب أوردها السيوطي وجمع كبير من المفسرين، وأورد خبرًا مفادُه أن الشام قد رجفت بعد سيدنا عيسى عليه السلام واحدًا وثمانين مرة، وأن الأرض زلزلت لما قَدِمَ أصحاب الفيل إلى مكة، وزلزلت مكة يوم ولد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام بلياليها، وهي الزلزلة التي هزت إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة؛ السيوطي: كشف الصلصلة (ص: 7 - 21).
هذا، وقد تنوعت المصادر في أخبار الزلازل في الموروث التاريخي الإسلامي، فمنها الحولي، ومنها ما هو خاص بموضوع الزلازل وعلومها، أما الكتب الحَوْليَّة، فقد كانت على الشكل التالي:
أ - جاءت المصادر الحَوْليَّة في التاريخ الإسلامي، التي تناولت الحديث عن الزلازل، بكتابة حَوْليَّة في سياق النص في هذه المصادر، وقد تم حصر البعض منها على الشكل التالي:
1- "تاريخ الرسل والملوك" لابن جرير الطبري، وقد أرَّخ فيه الطبري من السنة الخامسة للهجرة النبوية حتى سنة 302هـ.
2- "المنتخب من تاريخ المنبجي" تأليف قسطنطين المنبجي، نسبة إلى مدينة منبج.
3- "تاريخ حلب" تأليف محمد بن علي العظيمي الحلبي، أرَّخ فيه لاثنتين وعشرين زلزلة.


4- "المنتظم، في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي، والكتاب يغطي من الفترة 357 - 574هـ، واحتوى الكتاب على خبر سبعة وعشرين زلزالاً، فيصف زلزال بغداد وصفًا دقيقا فيقول سنة: 544 هـ "وفي يوم السبت غرة ذي الحجة وقت الضحى، زلزلت الأرض زلزلة عظيمةً فبقيت تموج نحوًا من عشر مرات".
5- "الكامل في التاريخ" لابن الأثير، وهو يغطي بين السنة الأولى للهجرة حتى عام 638هـ؛ أي: قبل وفاته بسنتين.
6- التاريخ المنصوري "تلخيص البيان، في حوادث الزمان" لابن نظيف الحموي، ويبدأ تاريخه من السنة الأولى للهجرة حتى سنة 631هـ، وقد احتوى على ثمانية عشر حدثًا زلزاليًّا.
7- "البداية والنهاية" لابن كثير، وقد غطَّى الكتاب الأحداث التاريخية من السنة الأولى للهجرة حتى سنة 767 هـ، ويحتوي الكتاب على ستة وأربعين حادثًا زلزاليًّا.
8- "كنز الدرر، وجامع الغرر" للداوداري، واحتوى الكتاب على واحد وثلاثين حادثًا زلزاليًّا، والمؤلف من أهل مصر.
9- "إنباء الغمر، بأبناء العمر" لابن حجر العسقلاني، وفيه أخبار وصفية عن العديد من الحوادث الزلزالية التي نزلت في الشام.
10- "بدائع الزهور، في وقائع الدهور" لابن إياس، وهو تاريخ اعتنى بأخبار مصر منذ الفتح الإسلامي حتى وفاة ابن إياس سنة 930هـ، وجاء في الكتاب ستة عشر حادثًا زلزاليًّا.
11- كتاب "بغية المستفيد" وكتاب "الفضل المزيد على بغية المستفيد في أخبار زبيد" لابن الديبع، وقد أرَّخ فيه للدولة الطاهرية في اليمن، ورصد جميع الزلازل التي نزلت في اليمن.
12- "شذرات الذهب، في أخبار من ذهب" لابن العماد، وفيه خبر ثلاثة وثلاثين حادثًا زلزاليًّا.
13- تاريخ الضعيف "تاريخ الدولة السعيدية" لمحمد بن عبدالسلام الضعيف، والمؤلف مغربي ولد بالرباط، وفيه رصد زلازل المغرب.
وقد اكتفيتُ بهذه المجموعة من الكتب التاريخية التي كتبت عن الزلازل وأخبرت عنها، ولا يعني هذا عدم وجود غيرها من الكتب التي تناولت الحوادث الزلزالية في تاريخنا الإسلامي والعربي.
ب - مراجع خاصة بالزلازل، حملت في عَنْوَنتها الحديث عن الزلازل، التي وقعت في العالم العربي والإسلامي، وجاءت على شكل كتب ورسائل، وقد تم حصرها على الشكل التالي:
1- ما ذكره ابن النديم في كتابه (الفهرست)، رسالة في علم الزلازل، وكان عنوانها "علم حدوث الرياح في باطن الأرض، المحدثة كثير الزلازل"، ونسبها ابن النديم إلى الكندي المتوفى 204هـ وهي التي ترجمها ابن البطريق، وهي التي تقول بفرضية دور الرياح المحتقنة في باطن الأرض في إحداث الزلازل.
2- أشار ياقوت الحمويُّ، في كتاب "معجم الأدباء" إلى أن ابن عساكر 571هـ كتب كتابًا في ثلاثة أجزاء بعنوان "الإنذار بحدوث الزلازل".
3- كتاب "الزلازل والأشراط" لأبي الحسن علي بن أبي بكر العوشاني 557هـ، والكتاب في غرض نصه، جاء معنيًّا بالجوانب الفقهية والشرعية، وتكلم عن زلزال الحجاز الكبير، الذي نتج عنه تضعضع الركن اليماني للكعبة المشرفة، وذلك سنة 515هـ.
4- "قلائد العقائل، في ذكر ما ورد في الزلازل" لشهاب الدين إسماعيل بن حامد بن عبدالرحمن القوصي 574 - 653هـ.
5- "جمل الإيجاز، بنار الحجاز" وقد سماه حاحي خليفة: "عروة التوثيق، في النار والحريق"، والكتاب لكاتبه قطب محمد بن علي القسطلاني كما أشار السَّخاوي، وفيه أشار القسطلاني للانبثاقات اللابية التي حدثت شرقي المدينة المنورة على طول أحد الصدوع.
6- "رسالة في الزلزال الذي ضرب حلب ومنبج في ذلك العام" لابن الوردي، وابن الوردي شاعر ومؤرخ وأديب ولد في معرة النعمان سنة 744هـ، وقد وضع الرسالة في ديوانه، وأشار للرسالة الطباخ في كتابه "إعلام النبلاء، بتاريخ حلب الشهباء".
7- "تحصين المنازل، من هول الزلازل" لأبي الحسن بن الجزار، وفيها أشار إلى زلزلة سنة 984هـ، وفيها يرد على من يقول بأن الزلزلة سببها أبخرة تُثيرُها الأرض، كما تثير حرارة المحموم الباطنة حمى ظاهرة بجسده في الطول والعرض، معتبرًا ذلك ضربًا من كلام الفلاسفة والهرطقة، الموافِقة لرأي جهلاء الحكماء والأطباء، وكان الجزار قد نقل من السيوطي أخبار بعض الزلازل، وهو يرى بأن الزلازل شكل من أشكال العقاب من الله.
8- "الحوقلة في الزلزلة" لمؤلفه حامد بن علي العمادي، 1103 - 1171هـ، والمؤلف عاصر الشيخ عبدالغني النابلسي، وتحدث عن زلزال دمشق لسنة 1148هـ، وأشار إلى زلزال دمشق لسنة 1117هـ وقد أشار له النابلسي.
9- "تحريك السلسلة، فيما يتعلق بالزلزلة" لمؤلفه إسماعيل بن محمد بن عبدالهادي العجلوني 1087 - 1162هـ، وعدد أوراقها خمس وثلاثون ورقة.
10- "هداية الطريق، لإزالة الزلزلة والحريق" لشبيب زاده محمد أمين، وهي رسالة صغيرة عدد أوراقها ثلاثَ عشرةَ ورقة، وهي في موضوعها معنية بالأحكام الفقهية المتعلقة بالزلزلة مع إشارة موجزة لأسبابها.
11- "كشف الصلصلة، في وصف الزلزلة" لجلال الدين السيوطي المتوفي 911هـ، وهي من أهم الرسائل في الزلازل عند المؤرخين المسلمين، وقد كثر الاهتمام بها عند الغربيين من العلماء، حيث ترجمت لأكثر من لغة، كما أن السيوطي جاء على ذكر الزلازل في كتابه تاريخ الخلفاء، والرسالة محفوظة في المكتبة الأهلية في باريس، وهناك نسخة ثانية في مكتبة المتحف البريطاني، وقد اكتشف الكتاب سنة 1842م في الجمعية الآسيوية البنغالية.
عرض لبعض الزلازل المشهورة في تاريخنا الإسلامي:
1 - السنة الخامسة للهجرة النبوية الشريفة، أصاب المدينة المنورة زلزال شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال فيه: ((يستعتبُكم ربُّكم، فأعتبوه))، فكان أول زلزال تم ذكره عن زلزال المدينة المنورة في مصادر التاريخ الإسلامي.
2 - زلزال دمشق الذي حدث في يوم الخميس 11 ربيع الآخر 233هـ، وكان زلزالاً كبيرًا، حصل فيه دمار كبير، قتل فيه خلق كثير، وتهدَّمت دور وبيوت كثيرة، الجميع تناول ذكر الحادثة في كتبهم، ومنهم الذهبي والسيوطي، والزلزلة تجاوزت حدود دمشق ووصلت إلى أنطاكية والجزيرة والموصل، فيقال: هلك من أهلها خمسون ألفًا، وقد ذكرها ابن عساكر بقوله واصفًا إياها في كتاب "الزلازل": بأن دمشق زلزلت ضحى يوم الخميس ربيع الآخر 233هـ، فقطعت ربعًا من الجامع الأموي، وتزايلت الحجارة العظام، ووقعت المنارة، وسقطت القناطر والمنازل، وامتدت إلى الغوطة، فأتت على داريا والمزة وبيت لهيا وغيرها، وخرج الناس إلى المصلى يتضرعون إلى قريب نصف النهار، فسكنت الدنيا؛ "السيوطي"، والصورة عن هذا الزلزال واحدة عند كثير من المؤرخين الذين أرَّخوا لهذه الحادثة وعظمتها، فالمؤرخ الخلف أخذ صورة هذه الزلزلة عن المؤرخ السلف.
3 - زلزال الرملة وجاء تاريخه في 11 من جمادى الآخرة 460هـ.
4 - زلزال شيزر وحماة، وقعت الزلزلة على بلدة شيزر، وذلك بتاريخ 6 ربيع الأول 549هـ، قال ابن واصل: إن في هذه السنة كانت زلزلة التي أخربت شيزر، وانقطعت فيه مملكة بني منقذ - قلعة شيزر إلى الغرب من حماة مسافة ثلاثين كيلو مترًا، ولم ينجُ منها أحد، وجاءت نجاة أسامة بن منقذ بسبب كونه خارجَ البلدة - وزامَنَ هذه الزلزلةَ زلزلةٌ كبيرة في اليوم نفسه - زلزلة اليمن الشهيرة -، وقد أرَّخ لها ابن الديبع وقد جاء وصف الزلزلة وصفًا دقيقًا عنده، وارتبط حادث الزلزال هذا عند الأدباء والشعراء من الذين تناولوا دراسة شخصية القائد والشاعر أسامة بن منقذ، وما نتج عن هذا الزلزال الذي كان سببًا في القضاء على مملكة أهله ووفاتهم جميعًا، وقد انعكس هذا على موروث أسامة في شعره الرثائي وأدبه، فأبرز من يكتب عنه هذه الجوانبَ المأساوية في شخصية أسامة.
وبعد ثلاث سنوات على خراب شيزر، كانت الشام تشهد زلازل مترددة حتى جاءت سنة 552هـ، وفيها كان زلزال حماة الشهير، والذي يمثل صورة من صور المآسي في تاريخ مدينة حماة السورية، وقد جاء خبر الزلزال بهذه الصورة في كتب التاريخ وفي سنة 552هـ في التاسعَ عشرَ من صفر وافت زلزلة عظيمة، وتلاها عدة زلازل أثرت في حلب تأثيرًا أزعج أهلها، وهدَّمت عدة حصون من حمص وحماة وكفر طاب وأفاميا، ولم يسلم من عطب هذه الزلازل في البلاد الشامية إلا النادر، وكان معظم هذه الزلازل بحماة ثم بحلب، وكان يَتْبع الزلزلةَ صيحاتٌ مختلفة كالرعود القاصفة، وقد هلك بها كثير من الخلق، حتى حُكِي أن بعض المعلمين بحماة، فارق المكتب لمهمة، فجاءت الزلزلة، فأخربت الدور وسقط المكتب على الصبيان جميعهم، قال المعلم: فلم يأتِ أحدٌ يسأل عن صبي كان في المكتب، وجملة من هلك في هذا الزلزال عشرة آلاف نسمة، وهلك أكثرُ بني منقذ تحت الردم بشيزر - وهم حكامها -، فسار إليها نور الدين وملَكَها، وفيها اهتم نور الدين ببناء القلاع والأسوار التي هدمتها الزلزلة، وأغار على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد؛ "الغزي الحلبي".


والذي يزور جامع النوري في مدينة حماة، يقرأ على نقش حجري مكتوب فوق مدخل الباب: (تم إعادة بناء الجامع على يد نور الدين محمود، بعد خرابه بالزلزال الذي نزل في حماة سنة 552هـ)، وحتى منبر الجامع فهو شقيق منبر جامع الأقصى الذي كان محمولاً في حروب صلاح الدين على جمال؛ لأن المنبرين صنعهما نور الدين محمود، واحد لمسجده في حماة، والثاني للأقصى، وقد أقامه صلاح الدين بعد تحرير القدس ووضعه في المسجد الأقصى، والذي يبدو أن القرن السادس الهجري لم تنقطع الزلازل فيه كزلازل مترددة، وكان منها زلزال حلب سنة 565هـ، فقد قال القاضي بهاء الدين بن شداد، قاضي حلب في تأليفه سيرة صلاح الدين: "بأنه جاءت بحلب في ثاني عشرة من شوال سنة 565هـ، زلزلة عظيمة أخربت كثيرًا من البلاد"، وهو معاصر للحادثة.
وكانت الزلزلة قد وصلت إلى بلاد الفرنج - البلاد التي يحكمها الصليبيون في بلاد الشام - قال العماد الكاتب واصفًا هذه الزلزلة في مدح القاضي محيي الدين الشَّهْرزُوريِّ:
جل رزء الفرنج فاستبدلوا منه ** بلبس الجديد لبس الحداد
خفضت من قلاعها كل عالٍ ** وأعادت قلاعها كالوهادِ
إلى أن يقول:
والإلهُ الرؤوفُ في الشام عنَّا ** دافعٌ لطفهٌ بلاءَ البلادِ
5 - زلزال المدينة المنورة لسنة 664هـ، فقد جاء مستهل جمادى الآخرة أو آخر جمادى الأولى من سنة أربع وستين وستمائة، وابتدأت بزلزلة خفيفة، ثم اشتدت ليلة الأربعاء ثالث الشهر أو رابعه، واستمرت ليوم الجمعة، وصورة الزلزلة وصفها السمهودي واليونيني وابن عمران اليامي، ومعظم المؤرخين تكلموا عن هذه الزلزلة.



6 - زلزال القاهرة الشديد، الذي كان قد نزل فيها سنة 702هـ في 13 ذي الحجة، وجاء ذكر هذا الزلزال عند الداوداري، والعيني.
7 - زلزال غرناطة الذي وقع في 11 شعبان لسنة 834هـ، وقد جاء على ذكر الزلزلة المقريزي والعيني في عقد الجمان.
8 - زلزال السودان يوم الأحد 27 محرم 1168هـ، وقد وصفت الزلزلة بـ (سمع الناس صوتًا وزلزلة بالخرطوم، في العام الثامن والستين بعد المائة وألف، واشتد الصوت والزلزلة حتى تحركت الأشجار والربوع واشتقَّت وخربت، ومات تحتها الناس وقت الزوال يوم الأحد السابع والعشرين من المحرم في العام المذكور) وقد ذكرها السعدي.
9 - وفي العام التالي نزل بالمغرب زلزال كبير أصاب عددًا من المدن، ومنها فاس وسلا، وقد أُرِّخت الزلزلة بـ (ضحوة يوم السبت السادس والعشرين من محرم الحرام فاتح عام تسعة وستين ومائة وألف، وقعت زلزلة عظيمة في وسط المغرب)، ومن عاصر الزلزلة وصفها وصفًا دقيقًا، وقد جاء على ذكرها الغزِّي الحلبي والبديري الحلاق.
والمتتبع لأحداث الزلازل يجد أن بلاد الشام قد احتلت مركز الصدارة في سجل أحداث الزلازل في مصادر التاريخ الإسلامي، وقد أبدع المؤرخون في وصف الزلازل من حيث قوتُها ودمارُها للمدن والقرى وتواريخها، ودرجة شدتها، وتوج أحداث الشام زلازل مترددة نزلت في مدينة حلب طيلة عشر سنوات، من سنة 1226هـ - 1237هـ، وكان أكبرها وأشدها آخرها، والمؤرَّخ 1237هـ، تهدم فيه مباني وقلعة حلب، وقد وصفها الأديب أحمد الدمياطي في هذه الأبيات:
إن تناسيتُ أوقاتَ أُنْسٍ تقضَّت ** لستُ أنسى ليالي الزلزالِ
أَذْكَرَتْنا كيف المنامُ بمهْدٍ ** وأَرَتْنا بالعين رقصَ الجبالِ
أشهدتْنا تمايلاتِ قصور ** باهتزاز كحالةِ الأطفالِ
أما عن شرق الجزيرة العربية، فلم تتوفر أخبار عنها سوى ما أشار له "عبدالله بن حميد السالمي" المتوفى سنة 1332هـ في كتابه (تحفة الأعيان، بسيرة أهل عمان)، ويشير الخبر إلى زلازل سنة 365هـ، وهو الخبر الوحيد الذي أشار لما نزل بشرقي الجزيرة من زلازل، ولا يغيب عنا زلزال الكويت سنة 1993م والذي بلغت درجته بمقياس رختر 4،5 درجة، كما لا يغيب عنا زلزال اليمن المدمِّر الذي نزل فيها سنة 1982م، وقد اهتمت المملكة بدراسة العلوم الزلزالية، وتم عقد الحلقة الدراسية العربية الثالثة للعلوم الزلزالية، في مدينة الرياض في مارس لسنة 1986هـ.
وفي باب الاهتمام بحال الزلازل في المملكة العربية السعودية، فهناك دراسة علمية عن الوضع الزلزالي في منطقة القصيم، قامت بها الدكتورة مشاعل بنت محمد آل سعود، حيث أشارت إلى زلازل نزلت بالقصيم تراوحت درجتها بين 4 - 5.9 درجة، على مقياس رختر، في فترات زمنية متباعدة، وجاء اختيار المنطقة اختيارًا دقيقًا وموفقًا؛ لأن المنطقة تجمع تراكيب الدرع العربي، والرف العربي الرسوبي، التي تشتمل على نطاق الضعف البنائي الواقعة على حدود التكوينات الجيولوجية.
ظواهر طبيعية مصاحبة للزلازل:
1- تُصاحب الزلازل العديد من الظواهر الطبيعية، كما جاء في سجل الزلازل الإسلامي والعربي.
2- زلزال اليمن لسنة 1038هـ مصوع رافقه نشاط بركانيٌّ، وكذلك زلزال المدينة سنة 604هـ.
3- الانزلاقات الأرضية من تربة وحجارة وصخور، وحتى الجبال.
4- الخسوف واندثار مدن وقرى مثل الذي نزل على القيروان لسنة 240هـ، والذي رافقه خسوف ثلاثَ عشرةَ قرية، ولم ينجُ من أهلها سوى اثنين وأربعين رجلاً، ولا يغيب زلزال أغادير بالمغرب لسنة 1960م.
5- المدُّ والجزر في مواطن البلاد البحرية.
6- نضوب المياه أو تفجرها والشواهد في هذا كثيرة.
7- البعض من الزلازل يصاحبها أصوات أشبه بدمدمة الرُّعود، ناتج عن احتكاك الصخور الجوفية، كما حصل في زلزال قرطبة سنة 566هـ.
زمن الزلزال وشدته:
عرَف المؤرخون المسلمون تقديرَ زمن الزلزال من خلال شدته وقوته، فكانت وحدات القياس عندهم على الشكل التالي:
الساعة الفلكية والدرجة وعلى سبيل المثال: فإن زلزال القاهرة الشهير لسنة 702هـ وامتدَّ لبلاد الشام، فيصفه مؤرخ الزلزال فيقول: فأقامت الأرض تهتز ربع ساعة فلكية 15 دقيقة، في تقدير الداوداري، وخمس درج في تقدير المقريزي 20 دقيقة، وهذا يشير إلى أن المسلمين قد عرفوا مقياس الزلازل قبل مقياس رختر.
ففي وصف الشدة والسرعة عن زلزال القاهرة لسنة 807هـ فيقول: (ثم سكنت بعد لحظة)، وعن زلزال سنة 826هـ فيقول: "زلزلت القاهرة كلمح البصر".
وفي وصف الشدة، فجاءت هذه العبارات في كتبهم: (زلزلة شديدة مهولة)، وكلمات: (شديدة، هائلة، عظيمة، متوسطة، خفيفة، لطيفة) تشير في دلالتها إلى قوة وشدة الزلازل.
التنبُّؤ بالزلازل:
فلم يُعرَف عن العرب أنهم وضعوا أسسًا لهذا العلم، ولم يوفَّق الفلكيون لذلك، فقد دلت النصوص كما يقول العسقلاني عن زلزال 802هـ: كان أولها يوم الجمعة وكان أهل الهيئة بمصر ذكروا أنه يقع في أول يوم منها زلزلة، وشاع ذلك بين الناس، فلم يقع شيء من ذلك، وكذَّبهم الله سبحانه وتعالى، ومثل هذه القصة ساقها الجبرتي سنة 1205هـ عن زلزال سيقع في مصر في 12 جمادى الأولى لتلك السنة، بحيث ستحصل زلزلة عظيمة تستمر سبع ساعات، وبات الناس ينتظرون حتى الصباح فلم يحصل شيء من ذلك.
وهذا الأمر لا زال مختصًّا بعلم الله وقدرته، على الرغم من التقدم العلمي، الذي يشهده العالم اليوم، ويوثق ذلك ما يصيب أكثر دول العالم تقدُّمًا في العلم، كالصين واليابان وأمريكا، فلا زالوا عاجزين في علومهم أمام قدرة الله في التعرف والتنبؤ بساعة وقوع الزلازل، والحمد لله رب العالمين الذي خص نشاطها بعلمِه وإرادته وقدرته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اكتب تعليق

أحدث أقدم