رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإسلام وترسيخ القيم الحضارية والبيئية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإسلام وترسيخ القيم الحضارية والبيئية



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بإسبانيا،
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
مما لا شك فيه أن الغرب يتباهى - ومن ورائه المنبهرون به من أبناء جلدتنا - بأنه هو من كان له قصب السبق في الاهتمام بقضايا البيئة، لكن من يمعن النظر بتدبُّرٍ وتأمُّل دقيق في كتاب الله وسنَّة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يجد أن الإسلام بتشريعاته هو أول من أسَّس ووضع اللبنات الدقيقة في كل صغيرة وكبيرة لشؤون البيئة، التي ما زالت المنظمات البيئيَّة والمنظمات الحكوميَّة الدوليَّة ترفع لها شعاراتٍ صباح مساء، وتعقد لها المؤتمرات تلو الأخرى (مؤتمر تبليسي، ومؤتمر ريو دي جانيرو، ومؤتمر كيوتو، مؤتمر جوهانسبورغ)، ولكن دون جدوى! رحم الله الشاعر إذ يقول:
أَعْمَى يَقُودُ بَصِيرًا لاَ أَبَا لَكُمُ
قَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَتِ الْعُمْيَانُ تَهْدِيهِ .



فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر مصطلح (العدالة البيئيَّة)، هذا المصطلح الذي يرى أغلب (الإيكولوجيين)، أنه مدلول معاصر ظهر مع الحربين العالميتين، لكن من يمعن النظر يرى أن جذوره مترسخة وثابتة في ما سنَّته شريعتنا السمحة، من ذلك قوله - تعالى -: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، فانظروا حاليًّا إلى بلد يدعي أنه من أكبر الديمقراطيَّات في العالم (الولايات المتحدة)، وممن يسعون إلى نشرها زورًا وبهتانًا! فهي تعد الأُولى في العالم من حيث جرائمُ القتل! ثم ألم يكشف إعصار (كاترينا) عن سَوءة أمريكا العنصرية؟! إذ تم تجميع السود في الملعب الرياضي، في حين تم نقل السكان البيض إلى الأماكن غير المتضررة! صحيح، شتَّان بين الثَّرى والثُّريَّا! شتان بين دين السماء ودين الطغاة! ولله در الشاعر إذ يقول:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ
إِذَا قِيلَ: إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ العَصَا .



﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الأنعام: 122].
ثم ماذا لو أن الغرب والإرهاب الدولي المنظَّم اطلع على هذه الأحاديث النبوية الرائقة؟ كيف سيكون رده؟ هل الإسلام دين إرهاب؟ أم دين سلام، وحفظ الأنفس، ونشر دين النور والهداية بين جميع البشر على وجه البسيطة؟ أم عمى البصيرة؟!
روى رباح بن ربيعة أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في غزوة غزاها، فمرَّ رسول الله وأصحابه على امرأة مقتولة، فوقف أمامها، ثم قال: ((ما كانت هذه لتقاتل!)) ثم نظر في وجه أصحابه، وقال لأحدهم: ((الحق بخالد بن الوليد، فلا يقتلنَّ ذريةً، ولا عسيفًا، ولا امرأةً))؛ أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، (😎 باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، (3/ 1364)، ح (1744)؛ مرجع سابق، وأوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - جيشه في غزوة مؤتة، وهو يتأهَّب للرحيل: ((لا تقتلن امرأةً ولا صغيرًا ضرعًا؛ (أي: ضعيفًا)، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تحرقنَّ نخلاً، ولا تقلعنَّ شجرًا ولا تهدموا بيتًا))؛ أخرجه مسلم بنحوه، ح (1731)، في الموضع السابق، وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيوشًا قال: ((لا تقتلوا أصحاب الصوامع))؛ أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، (6/ 484)، باب من نُهي عن قتله في دار الحرب، كتاب الجهاد، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1409، تحقيق يوسف كمال الحوت.



وعلى نفس الهدي سار أبو بكر - رضي الله عنه - إذ قال في وصيته لأمير أول بعثة حربيَّة في عهده وهو أسامة بن زيد، قال له: "لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأةً، ولا تقطعوا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبحوا شاةً، ولا بقرةً، ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون على قوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له"؛ تاريخ الطبري.


هذه الوصية تعد دستورًا لآداب الجهاد في الإسلام، واشتملت على تشريعات؛ للحفاظ على البيئة، حتى في الأوقات الحَرِجَة، بالله عليكم هل تستحضر دولة الكيان الصِّهْيَوني مثل هذه القواعد والمبادئ في اغتصاب أرض المسلمين، وانتهاك أعراضهم؟! ألم تقتل الأطفال الرُّضَّع والشيوخ الرُّكَّع؟!
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - إذًا حثَّ على حماية البيئة ومكوناتها، هذا في الحرب، ومن باب أولى في السلم، حيث تزخر السنة النبويَّة بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة.
وللإشارة؛ فالقرآن الكريم ليس كتاب طب، أو صيدلة، أو هندسة، أو علوم، ولكن الإسلام قد جاء للدين والدنيا معًا؛ ﴿ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [النمل: 75]، وجاء لبناء مجتمع مثالي على ظهر الأرض، حيث يكون هذا المجتمع متكاملاً في جميع النواحي: البيئية، والأخلاقية، والسياسيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والعسكريَّة، وأيضًا الصحيَّة.



أما عن الاستخلاف وعمارة الأرض، فقد شكلت المقصد النبيل في هذه الأرض بعد العبادة؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، وليس كما يتوهم البعض من أن نهجر المدنيَّة، والتطور العلمي، والتكنولوجي، والصناعي؛ لنعيش في الفيافي، والطبيعة المتوحشة، كلاَّ! بل علينا أن نكون حريصين في التعامل مع روابط الطبيعة بأدب وحنان - كما ذكرنا آنفًا - فلا نقطعها، أو نتلاعب بها، أو ندمرها بشكل يعجزها عن الإحياء من جديد (التنمية المستدامة)، ونهمل أحكامها، فلقد جاء كل شيء فيها متوازنًا بمقدار وقدر؛ يقول - تعالى -: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8]، ويقول أيضًا: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].

اكتب تعليق

أحدث أقدم