رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الملكوت فى الحكمة القراّنية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الملكوت فى الحكمة القراّنية

 


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الملكوت فى الحكمة القراّنية

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
الرئيس التنفيذي لجامعة فرديرك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
ملكوت في اللغة من الملك، كالرهبوت من الرهبة[1]، وله معنى آخر هو: "الملكوت: عالم الغيب المختص بأرواح النفوس"[2].
وكانت نتيجة هذه العبودية الإبراهيمية الخالصة لله سبحانه أن أكرمه الله تعالى بقوله: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75]، قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾؛ أي: مُلْكَ.
روى معناه عليٌّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كشف الله له عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرَضين، ويُضيف القرطبي: وقال الضحَّاك: أراه مَلَكوت السماء: ما قصَّه من الكواكب، ومِن ملكوت الأرضِ: البحارَ، والجبالَ، والأشجارَ، ونحو ذلك مما استدلَّ به.
وقال بنحوه ابن عباس، وروى ابن جريج عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال: فرجت له السموات السبع، فنظر إليهنَّ حتى انتهى إلى العرْشِ، وفرجتْ له الأرضون فنظر إليهنَّ، ورأى مكانه في الجنة.
وقوله سبحانه: ﴿ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75] أريناه ذلك؛ أي: الملكوت[3].
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾:
"أي: نُبيِّنُ له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما - أي: خلق السموات والأرض - على وحدانية الله عز وجل، في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره ولا ربَّ سواه؛ وليتبيَّن له أنه تعالى كشف له الأمر؛ سره وعلانيته، فلم يخفَ عليه شيءٌ من أعمال الخلائق، فلما جعل يَلعن أصحاب الذنوب، قال الله: إنك لا تستطيع هذا، فرده كما كان قبل ذلك، فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عيانًا، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتى شاهده بفؤاده، وتحقَّقه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة، والدلالات القاطعة، وليكون عالمًا وموقنًا"[4].
أما قوله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾ [الأنعام: 76]، أي: تغشَّاه وستره ﴿ رَأَى كَوْكَبًا ﴾ [الأنعام: 76]؛ أي: نجمًا، ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ ﴾ [الأنعام: 76]؛ أي: غاب، قال محمد بن إسحاق بن يسار: "الأُفول: الذَّهَاب، وقال ابن جرير: يُقال: أفَلَ النجمُ يأفُلُ ويَأْفِل أفولاً وأفْلاً إذا غاب، قال: ﴿ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [الأنعام: 76]، قال قتادة: علم أن ربه دائمٌ لا يزول، ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا ﴾ [الأنعام: 77]؛ أي: طالعًا، ﴿ قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ [الأنعام: 77، 78]؛ أي: هذا المنير الطالع ربِّي؛ ﴿ هَذَا أَكْبَرُ ﴾ [الأنعام: 78]؛ أي: جرمًا من النجم ومن القمر، وأكثر إضاءة، ﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ ﴾ [الأنعام: 78]؛ أي: غابت، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ﴾ [الأنعام: 78، 79]؛ أي: أخلصتُ ديني، وأفردت عبادتي ﴿ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [الأنعام: 79]؛ أي: خلقهما وابتدعهما على غير مثال سَبَق، ﴿ حَنِيفًا ﴾ [الأنعام: 79]؛ أي: في حال كوني حنيفًا؛ أي: مائلاً عن الشرك إلى التوحيد؛ ولهذا قال: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79][5].
وانتهى إبراهيم عليه السلام إلى النتيجة الآتية: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79].
قال الطبريُّ: "وهذا خبرٌ مِن الله تعالى ذِكْرُه عن خليله إبراهيمَ عليه السلام، أنه لما تبيَّن له الحق وعرَفه، شهد شهادة الحق، وأظهر خلافَ قومِه أهلِ الباطل وأهل الشرك بالله، ولم يأخذه في الله لومةُ لائم، ولم يستوحش مِن قيل الحق والثبات عليه، مع خلافِ جميع قومه لقوله وإنكارهم إياه عليه، وقال لهم:﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 78] مع الله الذي خلقَني وخلقكم في عبادته من آلهتِكم وأصنامكم، إني وجهتُ وجهي في عبادتي إلى الذي خلَق السموات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى، ويحيي ويميت، لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يَدومُ، ولا يضرُّ ولا ينفع، ثم أخبرهم تعالى ذِكْره أن توجيهه وجهه لعبادته بإخلاص العبادة له، والاستقامة في ذلك لربِّه على ما يحب من التوحيد، لا على الوجه الذي يوجه له وجهه من ليس بحنيف، ولكنه به مشركٌ؛ إذ كان توجيه الوجه - على غير التَحنُّف - غيرَ نافع موجهه، بل ضاره ومهلكه، ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 79] ولستُ منكم؛ أي: لستُ ممن يدين دينَكم، ويتبع ملتكم أيها المشركون"[6].
تلفت أنظارَنا الآياتُ المباركات من سورة الأنعام المتقدمة عن ثواب التوحيد الخالص الذي كان عليه النبي إبراهيم عليه السلام، هذا التوحيد الذي أهَّلَهُ عليه السلام أن يمنحَه الله سبحانه رؤية ملكوت السموات والأرض، وهو مقام عظيم كبير، لا يتهيأ إلا لمن كان بمستوى توحيد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعًا.
إذًا التوحيد هو الوسيلة لرؤية ملكوت السموات والأرض.
________________________________________
[1] أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (المتوفى: 393هـ): "الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية"، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، ط4، دار العلم للملايين، بيروت، 1407 هـ - 1987 م، 4 / 161.
[2] محمد بن محمد بن عبدالرزاق الحسيني، أبو الفيض، الملقب بمرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205هـ): "تاج العروس من جواهر القاموس"، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية، بدون بيانات أخرى 8 / 255.
[3] أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ): "الجامع لأحكام القرآن"، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط2، دار الكتب المصرية - القاهرة، 1384هـ - 1964 م، 7 / 23 - 24.
[4] ابن كثير: " تفسير القرآن العظيم "، 3 / 259 - 260.
[5] أعلاه تفسير الآيات (76 - 78) عند أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، (المتوفى: 774هـ): "تفسير القرآن العظيم"، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، ط2، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1420هـ - 1999 م، 3 / 291.
[6] محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ): "جامع البيان في تأويل القرآن"، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط1، مؤسسة الرسالة، 1420 هـ - 2000 م، 11 / 487 – 488.

اكتب تعليق

أحدث أقدم