رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحضارة والإيمان

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحضارة والإيمان



رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الحضارة والإيمان

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فرديرك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لاشك فيه ان من المصطلحات التي تعارف عليها الناس منذ بُرْهَة من الوقت، وأثَّرت فيهم، وأَلِفوها، ورضوا عنها، ووالَوا وعادَوا عليها: مصطلح "الحضارة"، الذي أصبح متعارفًا على مفهومه أنه يعني التقدم المعرفي، والقوة الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي، وأسلوب الحياة الراقي، وهذا باختصار دون الدخول في تفاصيل الأصول اللغوية والاصطلاحية، ونعني بكل ما سبق في المفهوم - (المعرفة، الاقتصاد، التكنولوجيا، الرقي) في الجملة، وبلا كثير جدل - ما عليه غير المسلمين في الغرب؛ (كأوروبا، وأمريكا الشمالية)، أو الشرق (كالصين واليابان).
وأصبح هذا المصطلح "متحضر" هو الوصفَ لأي دولة وأي شخص إذا ما اتصف بالمفاهيم السابقة، ويوصف بـ"غير المتحضر" إذا عدمها.
1- فهم مغلوط:
الحضارة الحديثة هذه ليست بدعًا من القول، بل هي امتداد لحضارات سبقتها، ومن الغلط أن يقال للمسلمين الآن: لماذا تستخدمون أدوات "الكفار"، ثم تهاجمونهم؟ وهذا سؤال غلط أو خطأ؛ لأن الحضارات لا تبنَى من عدم، بل هي تعتمد على من سبقها من أمم، وهي سنة الله الكونية في مداولة الأيام بين الناس، فما فيه الغرب والشرق الآن من حضارة - في نظرهم ونظر كثير من المسلمين - "عظيمة"، هي أصلاً مبنيَّة على أكتاف حضارة الإسلام قبل ذلك، فتطوُّر المسلمين في علم الجبر والفلك، والفيزياء (علم الحيل)، والطب وغيرها، كان بمثابة نقطة الانطلاق لحضارة الغرب الآن، وكذلك المسلمون استفادوا من حضارات سبقتهم وتقدمت علميًّا في وقت ما، كفارس والروم، وقبلهم الحضارة المصرية القديمة، وهذه الأخيرة قامت على علم مَن سبقها، وهكذا، حتى يرد العلم إلى آدم ثم إلى خالق الخلق - سبحانه - ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 31 - 33].
وكل حضارة من هذه الحضارات من لدن آدم إلى الآن، تؤثِّر تأثيرًا شاملاً في العالم بأسره في زمنها، في مؤمنيه وكافريه، وهذا من باب قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]؛ فهذا النقل للخبرات والعلوم والمعارف من دولة إلى دولة، هو من التعارف بين الأمم، بالضبط كما كان الغرب يأتي إلى الأندلس ليتعلم من المسلمين، ويترجم علومهم في وقت من الأوقات، كذا نحن نفعل الآن، وكما استفادوا هم من أدوات ابن الهيثم، وعلم جابر بن حيان، وابن سينا، والخوارزمي، وغيرهم، كذا نفعل نحن الآن، فتبادل المعلومات وآليات الحياة هي سنة كونية إلهية في الأرض كما ذكرت من باب: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140].
فإذا فهمت هذا، فلا معنى إذًا لقولهم: لماذا يركب المسلم سيارة الكافر، ويستعمل تقنياته... إلخ؟ وليس هذا داخلاً في باب التشبه بالكافرين وتقليدهم، إلا إذا كان الشيء محرمًا أصلاً، أو يؤدي إلى التشبه بهم في أخلاقهم وهَدْيهم، ويفارق أخلاق الإسلام وهَدْيه، فيمنع.
2- لماذا خلق الله الإنسان؟
علة خلق الإنسان ذكَرَها القرآن في آيةٍ محكمة في سورة الذاريات، فقال - جل جلاله -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ولَمَّا انحرف العباد عن عبادة رب العباد، بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين، يبشرون الموحِّدين المؤمنين، وينذرون الكافرين والمشركين، فكانت غاية الرسل دعوة الناس للتوحيد والإيمان بالله، ومتى آمن الناس واتقوا ربهم، عاشوا في رغد وكرم وأمن ربهم، ومتى كفروا وأنكروا، بعث الله عليهم عذابًا من عنده، فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، حتى ختم الرسل بسيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يبعث الله على أمته عذابًا على مَن لم يؤمن منهم، بل أمهلهم حتى يوم القيامة، وهذا من فضل الله على هذه الأمة، لا زال فيها الدعاة والعلماء يدعون الناس إلى الخير والتوحيد، لا تخلو الأرض منهم أبدًا حتى تقوم الساعة، فقد علم هؤلاء الدعاة ومَن أسلم، أن الدنيا إلى زوال، وأن غدًا حساب ومساءلة، فمَن آمن فقد سلم واستقر في جنان ربه، ومَن كفر ففي النار خالد فيها ولا كرامة.
3- الحضارات العظيمة لا تغني عن الإيمان بالله، ولا تقي من عذاب الله:
وهذه قاعدة عظيمة النفع، جليلة القدر، من وعاها جيدًا، فقد أمن وسلم، ومن أنكرها أو جهلها، فُتِن وظَلَم، ولنضرب الآن أمثلة على هذه القاعدة من القرآن؛ لتقف على حقيقة الأمر:
أ- عادٌ قوم هود، كانوا يسكنون بأحقاف اليمن، وكانت لهم حضارة عظيمة جدًّا كما صور القرآن، بل قال عنها ربُّنا في سورة الفجر: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 6 - 8]؛ فأخبر - سبحانه - أنه لم يخلق مثلها في البلاد، فدل على عظمتها وجمالها.
ووصف الله حضارتهم في سورة الشعراء بقوله - جل جلاله -: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 128 - 130]، والرِّيع المرتفع من الأرض، والآية المباني الضخمة والأعمدة، وغيرها من البنايات التي تبنَى على مرتفعات الأرض، وقد اكتشف حديثًا بعض الآثار في اليمن قد تكون لهذه الحضارة القديمة، المهم أن الله - عز وجل - وصف ذلك البناء والهندسة والجهد المبذول بالعبث؛ لأنهم لا يسكنون فيه، أو يسكنون ولا يقربهم إلى الله شيئًا، بل ثابتون على شركهم، ولا يفعلون ذلك إلا لإثبات القدرة والجبروت.
وقال - سبحانه -: ﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾ [الشعراء: 129]، قال أهل التأويل: هي البروج المشيدة، والبنيان المخلد، وقيل: هي الحصون والقصور، والله أعلم بحالها، وكأن المعنى أنهم كانوا إذا فعلوا ذلك غلب على ظنهم أنهم سيخلدون في الأرض، أو سيعمرون طويلاً، وهذا مؤشر على شدة تقدم حضارتهم وثقتهم بأنفسهم، كما تفعل الحضارات الحديثة الآن، من تقدم في عالَم الدواء والعلاج، وتقنيات العمليات الجراحية المتقدمة، ووسائل الوقاية من الأمراض والأوبئة، وغيرها، ربما ليطيلوا عمر الإنسان أطول فترة ممكنة بزعمهم، ولكن هيهات؛ ففي المسند والترمذي وأبي داود - وهو من ثلاثيات أحمد - من حديث أسامة بن شريك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تَدَاوَوا عبادَ الله؛ فإن الله - عز وجل - لم ينزل داءً إلا أنزل معه شفاءً، إلا الموت والهرم)).
ثم قال ربنا عنهم: ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 130]، وهذا من جبروت الحضارات، كما تفعل أمريكا وأوروبا الآن بمن يقف في طريق نشر فكرها الزائف ومعتقدها التالف "الديمقراطية"، والسيطرة على بركات أراضي المستضعفين، فقوة بطش أي أمة دليل على تطور قوتها الحضارية والعسكرية والبدنية لجندها؛ كما قال أهل التفسير في قوله -تعالى-: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴾ [الفجر: 7]: إنهم كانوا أصحاب طول وقوة، ولم تكن حضارتهم مكتسبة فحسب، بل وهبهم الله أيضًا من مقدرات العيش والنعم والفضل ما الله به عليم، فقال - سبحانه - على لسان هود: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 131 - 135]، والشاهد أنهم اغترُّوا بحضارتهم أشد الغرور، وكذَّبوا نبي الله هودًا، ورضُوا بما هم فيه من الشرك، ورفضوا هذا المعتقد والدعوة إلى التوحيد، غرورًا بحضارتِهم واستكبارًا وجحودًا، فما أغنت عنهم حضارتُهم وتقدُّمهم العلمي وقوة بطشهم من الله شيئًا: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6 - 8].
ب- مثال آخر سريع، وهو حضارة ثمود، التي قال الله فيها: ﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ [الفجر: 9]؛ يعني: قطعوا الصخر ونحتوه، ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾ [الشعراء: 149]، وفي آية: ﴿ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 82]، وهذا دليل على تقدمهم الهندسي والاقتصادي، والعلمي بوجه عام، فنحتُ الجبال أمرٌ عظيم التكلفة، يحتاج إلى جهد وصبر، وقوة اقتصادية هائلة بمفاهيم حضارتنا الآن، فأي قوة هذه التي كانوا عليها، ولكنها لم تُغنِ عنهم من الله شيئًا، وكذبوا صالحًا وعقروا الناقة، وأصرُّوا على كفرهم وشركهم وظلمهم، ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ [هود: 67، 68].
ج- ولا يخفى ما كان عليه الفراعنة من حضارة لا زالت آثارها باقية بقوة إلى الآن، وفيها ما كانوا عليه من تطور في الفلك، والطب، والعمارة، والزراعة، وغيرها، حيَّر علماء هذه التخصصات إلى وقتنا هذا، بجانب ما منحهم الله من مناخ معتدل، ونهر النِّيل، وآيات بينات، لكنهم أصروا على شركهم مع كثرة ما بعث إليهم من أنبياء؛ كيوسف، وموسى،وإبراهيم - عليهم جميعًا السلام - فكانت عاقبتهم الإهلاك والتدمير والفناء.
وهذا كله نتيجة واحدة لمقدمة واحدة، الإهلاك والعذاب والتدمير عند الكفر والشرك والظلم، والله - عز وجل - لا ينظر إلى تقدم أو إلى حضارة أي أمة، ما دامت ذهلت عن الإيمان به وتوحيده وعبادته - سبحانه - بل يمهلها، ويملي لها، ويمد لها في حضارتها وتقدمها، ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]، فهذه الحضارات التي ذكرها القرآن وغيرها مما لا نعلمه وما نعلمه، لا ينفعها أي من تقدمها المعرفي أو التقني، وهي كافرة ظالمة، بل لا ينفعها وإن كانت مؤمنة ظالمة أيضًا، فالظلم ألوان، قد يكون كفرًا، وقد يكون دونه؛ كظلم الناس، وتعذيبهم، وأخذ أموالهم، والصد عن سبيل الله، وغير ذلك من ألوان الظلم المعروفة.
3- الحضارة والدعوة إلى الله:
هذا، وقد كتب المفكرون والدعاة كثيرًا عن مسألة الحضارات وبناء الحضارات، وأن ذلك لا ينافي الإيمان ولا الإسلام، ويستشهدون بأدلة كثيرة من القرآن والسنة معروفة ومشهورة، وقرروا أن بناء الحضارات لا يتعارض مع الدعوة إلى الله، بل بالعكس هو يخدمها، وهذا حق لا مرية فيه، ونحن لا ننازع في ذلك، لكن محل البحث هنا أن بناء الحضارات لا ينبغي أن يعطل الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، وتطبيق شريعته، بل إن تعارَضَا من أي وجه كان، قدِّمت الدعوة والشريعة والجهاد بلا خلاف في ذلك من عالِمٍ، وهذا مناط الخلل الآن، انشغل المسلمون ببناء حضارتهم، ويلهثون منذ زمن بعيد وراء حضارة الغرب؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع))، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: ((ومَن الناس إلا أولئك))؛ (البخاري 7319 من حديث أبي هريرة).
وهذا الحديث مفسَّر الآن تفسيرًا عمليًّا واقعيًّا، لا يخفى على أي أحد، هذا الاتباع الدقيق لهذه الحضارات، والحذو الحثيث بهذا الشكل الذي نراه الآن من المسلمين والدول الإسلامية، والحرص على تحقيق أعلى معدلات اقتصادية وإنتاجية، وعلمية وثقافية وفنية ورياضية... إلخ - صد كلُّ ذلك عن سبيل الله والدعوة إليه، وأصبحت تُحارب مناهج التوحيد، وتتهم بالرجعية والتخلف، وأنها عقبة في سبيل التقدم وبناء الحضارات، فكان من ذلك أمور:
1- فُتن المسلمون الذين ذهبوا إلى الغرب في القرن الماضي بحضارة الغرب، وتأثروا تأثُّرًا شديدًا به، وأُشرِبوا منهم كل شيء، الغث والسمين، ورجعوا إلينا بفكر وتوجيهات وفلسفات غريبة وشاذة وملحدة، تبنَّتها دول المسلمين وحكوماتهم؛ ظنًّا منهم أن تقدم هذه الحضارات وازدهارها إنما هو بسبب التخلي عن المعتقد والأفكار الرجعية، فعادوا إلينا بفكر خليط، يجمع بين الإفراط في اتباع الغرب، والتفريط في الكثير من المعتقد، وانهالت علينا ويلات هذه الحضارات، بدءًا من "انحلال" المرأة وتسميته كذبًا "تحررًا"، ثم تحوير و"تمييع" مسلمات شرعية كالجهاد مثلاً وتسميته "إرهابًا"، ومحاولة إقصاء الدين عن الشارع الإسلامي والسياسة، واختزاله في المساجد، كما فعل الغرب مع الكنيسة، وغير ذلك من محاولات معروفة لتنحية الدين والمعتقد، واختزاله في الأخلاق والمعاملات الشخصية.
2- شدة تقدُّم الحضارات وازدهارها أبهر عوامَّ المسلمين، وفتنهم فتنة شديدة، حتى إن بعضهم أصبح يشك في معنى الإيمان الحقيقي، وحين يرى إبهار الحضارة الغربية في مجالات الطب والهندسة والاتصالات مثلاً، قد ينكر أن يعذب الله مثل هؤلاء، أو أنهم أحق بالجنة؛ نظرًا لنفعهم البشرية بهذا الكم من الاختراعات والتقنيات المذهلة، ونَسُوا قول ربهم: ﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ [البقرة: 221]، فالعبد المؤمن، ليس الحر، خير عند الله من ملء الأرض من أمثال آينشتاين، ونَسُوا قول ربهم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5]، ونَسُوا قول الله: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18 - 20]، وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة أحسن البيان، في حديث مسلم (216) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويُطعِم المسكين، فهل ذاك نافعه؟"، قال: ((لا ينفعه؛ إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين))؛ يعني: مهما بلغ الكافر من أعمال برٍّ ونفع لخلق الله، فإن ذلك لا يعلو على الكفر بالله، فما الذي ينفع رجلاَ قد نفع الناسَ ببره وعلمه، وهو كافر بربه، مشرك به؟
فما هذه الحضارات إلا مسمى آخر للحياة الدنيا، "كالويسكي والبيرة" للخمر، والله - عز وجل - يذكر المصطلح في القرآن، الكامل الوصف لما يريد - سبحانه - فلم يقل - سبحانه -: ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ﴾ الحضارات، بل قال: ﴿ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾، وهو أكمل وصف لما يعيش عليه الإنسان، فهذه الحياة دنيا، من الدنية، زهيدة لا قيمة لها بالنسبة إلى حياة الآخرة الأبدية، كما قال -تعالى-: ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]؛ ومتاع؛ أي: قليل، لا يساوي شيئًا بالنسبة لما في الآخرة من جزاء للمؤمنين.
بل قد أمر الله - عز وجل - نبيَّه -صلى الله عليه وسلم- ألاَّ ينظر إلى مثل هذا الرغد من العيش وهذا "التحضر" المزعوم، فقال - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].
وقد دخل عمر - رضي الله عنه - على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع على حصير، فجلس فأدنى عليه إزاره، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه، فنظر في خزانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا إهاب معلَّق، قال: فابتدرت عيناي، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما يبكيك يا بن الخطاب؟))، قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك، لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله وصفوته، وهذه خزانتك؟! فقال: ((يا بن الخطاب، أمَا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟))، قلت: بلى (البخاري 4913)، وهذا ليس من باب ترك النصيب من الدنيا، فالنصيب من الدنيا ليس معناه الاستغناء بالدنيا أو الانكباب على الدنيا، بل هو الأخذ من الدنيا على قدر الحاجة، فإذا تعارضت الدنيا مع الآخرة، قدِّمت الآخرة.
وفي هذا الباب يضرب لنا سليمان - عليه السلام - أروع المثال في التقدم الحضاري، واستغلال ذلك التقدم في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، فقد سخر الله له الريح، والجن، وعُلِّم منطق الطير والحيوان، وكان الجن يبنون له ويغوصون له في البحار، ليستخرجوا له من خيراتها، كما هو معلوم في قصته، ولم يُوقِفه ذلك عن الدعوة ولا الجهاد، بل لما أخبره الهدهد عن سبأ وملكة سبأ المُشرِكة، الذين يسجدون للشمس من دون الله، فورًا كتب إليهم كتابًا يدعوهم فيه إلى الإسلام وألا يتكبروا، فأرادت أن ترشيه فبعثت له بهدية ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 35 - 37]، فكانت قوة سليمان في الجهاد في سبيل الله استغلالاً لحضارته العظيمة، وحين صدَّته عن ذكر ربه أطاح بها، ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ [ص: 30 - 33].
فلما ألهتْه عن الصلاة، صلاة العصر، قتَلَها وذبحها، كما هو قول الحسن وغيره في الآية، ورجحه ابن كثير - رحمه الله.
ثم استغلَّ سليمان قدوم ملكة سبأ إليه، وأبهرها بحضارته، فأتاها بعرشها قبل أن تقدم عليه، وجعلها تمشي على زجاج، وكأنه ثلاثي الأبعاد، فحسبت أنها تمشي على الماء، فعلمت أن ذلك حق، وأن دعوة هذا الرجل حق، فأسلمت لله -تعالى- ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 38 - 44].
فهنا لم تصدَّه الحضارة عن الدعوة ولا عن الجهاد، وهي حضارة لا يعرف لها نظير في الحضارات الإنسانية بالنظر إلى قوتها وتطورها، وقوة جندها وعلومها، وأن مَلِكها كان نبيًّا، بل قال سليمان - عليه السلام - كما في صحيح البخاري (3424) عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال سليمان بن داود: لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأةً، تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا إحدى شقيه))، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لو قالها، لجاهدوا في سبيل الله))، قال: شعيب وابن أبي الزناد: تسعين، وهو أصح؛ انتهى.
3- حب الدنيا وكراهية الموت، والحرص على الحياة، وهو داء الأمم قبلنا، ثم التنافس على هذه الدنيا أشد المنافسة والقتال عليها، كما هي نبوءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((واللهِ لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَط عليكم الدنيا كما بُسطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم))؛ (البخاري 3158)
4- تأثر الكثير من الدعاة في هذا الزمن بمناهج الغرب الفكرية، والفلسفية الحديثة، ووالذي نفسي بيده، لقد كفوا ذلك بكتاب ربهم وسنة نبيهم الصحيحة، فقد أصبحتَ الآن ترى الكتَّاب والمفكرين يتنافسون على إيصال رسالات ومعانٍ "عميقة" لا يفهمها إلا خواص الخواص من المثقفين، وأصبحت ترى كتابات ومناهج فكرية إسلامية غاية في التعقيد على عقول المسلمين البسطاء، وهو عكس منهج الأنبياء والرسل المستقيم الواضح السهل؛ لذلك أنت تجد كلام السلف قليلاً وغاية في الاستقامة والسداد واليسر، وكلام المتأخرين معقدًا جدًّا، قد لا يفهمه إلا آحاد الناس، وما ذلك إلا من التأثر بحضارة الغرب الفلسفية خاصة، والفكرية بوجه عام.
وأدى ذلك إلى نتائج خطيرة للغاية، فكل مصطلح شرعي أصبح قابلاً "للمط"، حتى خرج عن معناه الاصطلاحي المعروف، و"ميِّعت" القضايا العظيمة، وهمشت الكثير من الأصول؛ كالولاء والبراء، والجهاد، والحدود، وغيرها، الأمر الذي أصبحت الشريعة الإسلامية بالنسبة للناس وعوام المسلمين لغزًا محيرًا، تاه تفسيره الحقيقي بين مئات التفسيرات "التنويرية" القبيحة، و"المطاطية" اللا نهائية التفسير.
وقد وصلنا ذلك أيضًا، إلى القول بأهمية التقدم العلمي والحضاري والفكري... إلخ، حتى نكون مرآة للإسلام، وكأن الإسلام لا ينعكس إلا على ازدهار حضارته، وأنى ذلك وقد كان المسلمون في أول الأمر أفقر الناس، وكانت كثير من الأمم أكثر منهم تقدمًا و"حضارة"، لكن الإيمان والمعتقد السليم هو الذي فتح أبواب الانتصار والفتوح، وليس الحضارة والتقدم العلمي، الذي لن ينتهي، ولن نجني من ورائه سوى اللهث وراء الغرب، والسعي فيما لا ينفع بل يضر، وترك الدعوة والجهاد ونصر المستضعفين، والأكل من الربا.
4- الإيمان الصافي:
نعم.. لن تُفلِح أمة الإسلام إلا بالعودة إلى الإيمان الصافي، الإيمان النقي الطاهر، على نهج السلف الأوائل من الصحابة والتابعين، فلا فائدة في أمة ولا حضارة بدون إيمان، بل لا خير في أي تقدم حضاري، اقتصاديًّا كان أو علميًّا أو غيره، إلا بالإيمان، وما هو نفع ذلك في الآخرة بجانب كلمة التوحيد؟ والله ولا شيء، وما من حكومة أو نظام يغفل عن قضية الإيمان والتوحيد، إلا انتكس في "حضارته" بحسب غفلته، فكلما زادت غفلته زاد انتكاسه، وما الفخر لأي دولة في ثقل ميزان الاقتصاد والمال والتكنولوجيا، بل الفخر كل الفخر في إيمان الشعوب وتقواهم لربهم وتعظيم شعائر الله، وما النصر إلا بذلك، وما الخزي إلا في تركه.
فالتعليم بلا إيمان جهل، والاقتصاد بلا إيمان فقر، والطب بلا إيمان مرض، والهندسة بلا إيمان هدم، التقدم بلا إيمان تخلف.
وكان الصحابة - رضوان الله عليهم - يتعلَّمون الإيمان قبل القرآن، ثم يتعلمون القرآن وما فيه من أحكام وأوامرَ ونواهٍ، ووقوف عند الحد، فيزدادون بذلك إيمانًا، كما جاء ذلك عن جندب وحذيفة وابن عمر - رضي الله عنهم جميعًا - ولن يصلح حال هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو تحقيق الإيمان والتوحيد، والسعي لتمكين دين الله في أرضه، استخدمنا في ذلك "الحضارة" أو لا، فالمهم الوصول إلى الغاية، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فالأمة مأمورة بالتبليغ والبيان، بالوسائل المتاحة والمشروعة، ولم يكتب عليها التقدم الحضاري قبل ذلك، ولا التوسع فيه، وواقع الأمة يدفع ذلك ويأباه، ويصرخ لا علاج إلا الإيمان، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اكتب تعليق

أحدث أقدم