رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإلتزام فى المفهوم الإسلامي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإلتزام فى المفهوم الإسلامي



رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإلتزام فى المفهوم الإسلامي

بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فرديرك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
إن وجود «اصطلاح» جديد، لا يعني أن «المعنى» الذي وضع له هذا المصطلح جديد أيضًا، بل ربما كان قديمًا ومتعارفًا عليه، ولكن الحاجة لم تدع إلى تسميته وترقيمه.
وهذا هو شأن «الالتزام» كمفهوم إسلامي، إنه موجود واضح المعالم والسمات، يأخذ مكانته وأبعاده في المنهج الإِسلامي، سواء أكان ذلك في إطار التصور أم في إطار التطبيق.
وحينما نصف الفنان المسلم - الآن - بأنه «ملتزم» فإننا نفعل ذلك من باب البيان والإِيضاح ورفع اللبس، وإلا فكلمة «الإِسلام» تعني في جملة ما تعنيه الالتزام.
جاء في شروط صلح الحديبية:
من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع محمد لم يردوه عليه...
كان صلى الله عليه وسلم مطمئنًا إلى أنه لن يذهب إليهم أحد، لأن الذين معه كانوا مسلمين.. إنه الالتزام، حيث يقاد الإِنسان من داخله، لا من خارجه، إن الإِسلام لا يضرب حصارًا ماديًا على أتباعه حتى يلزمهم البقاء في ساحته، إنه انقياد يلتزمه الإِنسان بكامل حريته التزامًا طوعيًا عن رضى وراحة نفس، بل عن رغبة ملحة وشوق أكيد.
وعلى هذا فالالتزام الذي نتحدث عنه، ليس مذهبًا أدبيًا أو فنيًا يتبناه الفنان أو الأديب، أو يتنكبه إلى غيره[1]..؟! وحسب..
إنه سمة تقوم في ذات الإنسان، لا يستطيع الانفكاك منها، بل إنه لا يريد ذلك، ويحرص الحرص كله على المحافظة عليها.. فهي تفكيره وسلوكه وتصوره. فالالتزام هو تمثل الإِسلام وتطبيقه.
والإِسلام، إسلام في التصور والاعتقاد والسلوك والإِنتاج والتعبير، إنه تلك الروح المنبثة في كل ذرة من كيان الإِنسان، فإذا هي الإِنسان ذاته.. وهذا هو الالتزام.
إنه الوصف الذي لخصه القرآن الكريم بكلمتين ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ أي: التزام في التصور والاعتقاد يساوقه التزام بالعمل الصالح، والعمل هو كل ما يصدر عن الإِنسان.
وعلى هذا فالالتزام ليس شيئًا خارجيًا يملى بعامل الإِجبار والقهر، وإنما هو سجية مكتسبة، تأخذ مكانها من النفس، ويصبح لها من الأصالة والرسوخ ما للسجايا الفطرية، بل هي أرسخ وأقوى لأن وجودها نابع من فكر واعتقاد، وهكذا لا يصدر عن الإِنسان - والحالة هذه - إلا ما كان متوافقًا مع ذلك الفكر وذلك الاعتقاد وما ينبثق عنهما من تصور.
يقول ج. مارسيه في كتابه الفن الإِسلامي:
«لقد تغلغل الإِسلام في الحياة البيتية، كما دخل حياة المجتمع، وصاغت الطبائع التي نشرها شكل البيوت والنفوس»[2].
نعم، إنها العقيدة التي صاغت النفوس وما يصدر عنها...
الالتزام والحرية:
قد يظن بعضهم أن الحرية تفقد وجودها في ظل الالتزام، ذلك أن الالتزام قيد!!
والذي يدفع إلى هذا الظن، إنما هو النظرة السطحية التي تطل من خارج نفس الفنان، لا من داخلها.
إن الفنان المسلم في حرية كاملة، تأخذ أبعادها في مشاعره وتصوراته، كما تأخذها - أيضًا - في حياته العملية وفي تطبيقاته. ذلك أنه قد طرح من حسابه ما وراء القيد الذي يفرضه الإِسلام - إذ الإِسلام حرية القيد لا حرية الحرية -، طرحه من حساب فكره، وحساب عمله، فأصبح في زاوية الإِهمال أو في زاوية السلب، كما تقول لغة الرياضيات، ولعلنا بالمثال نكون أكثر وضوحًا:
إن الخمر محرمة في الإِسلام، فالفنان المسلم - وكل مسلم - يخرج الخمر من حياته.. فلا يعود لها وجود فيها، ولذلك لا يشعر أن حريته قد تأثرت بمنع الاقتراب منها.. وكذلك جميع الممنوعات الأخرى.. وإذا بقي لها من وجود، فهو وجود الشر الذي يحذره ويبتعد عنه بدافع القناعة الكاملة، والحرية الكاملة، لا بل بما هو أكبر من دافع الحرية، ألا إنه دافع الحفاظ على الحياة[3]...
إن الالتزام لا يخدش كرامة الحرية، ولكنه يبعثها من منطلقات صحيحة، ويحلها في مكانها اللائق بها، بعيدًا عن منحدرات الإِسفاف والرذيلة.
الالتزام والشكل:
وقد يظن بعضهم، أن من لوازم «الالتزام» الإِبقاء على أشكال معينة يخرج الفن من خلالها، وبهذا يجمد ويتحجر، ويفقد جاذبيته وينزوي بعيدًا عن التجديد..
ولا شك أن الفن شكل ومضمون، أو ظاهر وباطن، وإذا كان الالتزام يحدد المضمون والباطن، فهل يتناول الشكل والظاهر؟
مما لا شك فيه أن للشكل قيمة كبيرة - كما هو معلوم -[4] وأنه في بعض الأحيان - بل في كثير من الأحيان - يرتبط بالمضمون، فيؤثر فيه ويتأثر به، وتكون بينهما علاقة تبادلية تجعل من الصعوبة بمكان فك الارتباط بينهما، ومعالجة كل منهما على انفراد - كما يقول الدكتور عماد الدين خليل -[5].
ومع ذلك فالإِسلام لا يمنع أبدًا الاستفادة من بعض الأشكال، وتطويرها وتعديلها بما يناسب المضمون، إذا كانت في أصل وجودها وبنائها لا تتعارض مع المضمون المطروح من خلالها.
يقول الدكتور عماد الدين خليل في صدد حديثه عن المسرح:
«إن فرصة الاختيار مطروحة أمام الفنان المسلم لكي يقبل المسرح كشكل فني ويرفض المضمون.. والإِسلام لم يقف يومًا إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإِدارة، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس، هو علمنا حقيقة أن الأشكال قضية ديناميكية لا يقر لها قرار، و(تكتيك) متحرك لا يقف عند حد إلا لتجاوزه إلى حدود أخرى، ومن ثم فإن التشبث بالشكل الواحد عبر العصور هو مناقضة لطبيعة الأشياء، والإِسلام يرفض من الأشكال فقط تلك التي ارتبطت عضويًا بمضموناتها، وأصبح من الصعب فصل إحداهما عن الأخرى..»[6].
وقد سبق المسلمون، فيما مضى، إلى الاستفادة من غيرهم بالمقدار الذي لا يتعارض مع المضمون، بل وأخضعوا هذا الشكل للمضمون، حتى بات من الصعب التشكيك في كونه جزءًا من العملية الفنية، فقد كانت عملية الاقتباس نفسها بيانًا رائعًا على قدرة الفنان المسلم وتفوقه.
يقول «مانويل جوميت مورنيو» عن مرونة الفنان المسلم وقدرته: «وتنعكس في الفن - الإسلامي - هذه الروح المرنة للدين الإِسلامي، بيد أنها تخضع الغير لسلطانها..»[7].
أما حين يصبح الشكل دلالة على اتجاه معين، أو رمزًا لمعنى معين، مما يتعارض مع المضمون الإِسلامي، فذلك الأمر الذي سيرفضه الفنان المسلم لأنه حينئذٍ لم يعد شكلًا بل أصبح مضمونًا.
________________________________________
[1] قال د. علي علي مصطفى: ذهب الكثير من النقاد العرب والمستشرقين في قضية الالتزام إلى اتجاهين:
1- أن الأدب الجيد هو الذي لا يلتزم فيه الأديب بشيء من واقع عصره، ولا يرتبط بمشاكله وقضاياه، بل يعبر عن ذاته ومشاعره، متجردًا عما يدور في الحياة.. ومن هنا
نشأت المذاهب الأدبية الغربية الحديثة كالرومانسية والسيريالية والبرناسية. ومذهب الفن للفن.. فهذه المذاهب تجردت من معالجة المشاكل في الواقع وعزلت الشعراء عن الحياة والناس، وحينئذ يكون الأدب حرًا وليس مقيدًا ولا ملتزمًا.
2- إن الأدب ينبغي أن يكون ملتزمًا وليس متحررًا..
[عن: نظرية الأدب الإِسلامي. بحث مقدم إلى ندوة الأدب الإِسلامي التي أقيمت في الرياض عام 1404هـ ص 22].
[2] انظر «الفن العربي الإِسلامي» د. عفيف بهنسي. دار الفكر ط 1 ص 96.
[3] الحرية أن يكون لك اختيار في الفعل أو عدمه، وهذا حينما تكون بين أمرين إيجابيين، أما أن تكون أمام خطر داهم أو حيوان مفترس.. فإن الحرية تدعوك لأمر واحد هو الحفاظ على حياتك.. وإذا فكرت في الطرف الآخر فذلك يدعو إلى مراجعة الحساب في قدراتك العقلية؟!
[4] انظر تفصيل ذلك في كتاب (الظاهرة الجمالية في الإِسلام) ص 206 وما بعدها.
[5] الإِسلام والمذاهب الأدبية. بحث مقدم لندوة الأدب الإِسلامي في الرياض عام 1404هـ ص 11 د. عماد الدين خليل.
[6] المصدر السابق ص 15.
[7] الفن الإِسلامي في اسبانيا ص 6 ترجمة د. لطفي عبد البديع وزميله.

اكتب تعليق

أحدث أقدم