رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مفهوم العولمة ونشأتها

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مفهوم العولمة ونشأتها



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
يعتبر انهيار سور برلين، وتفكُّك الاتحاد السوفيتي، وسقوط النظام الاشتراكي - والذي كان يتقاسم الهيمنة مع الولايات المتحدة - انتصارًا للنظام الرأسمالي الليبرالي، والتي أظهرت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يدعو إلى النظام الرأسمالي، وتبني أيديولوجية النظام العالمي الاستعماري تحت ستار العولمة[1] والتي تمثل مرحلة متطورة للهيمنة الرأسمالية الغربية على العالم.
إن سقوط النظام الاشتراكي أدى إلى تحوُّل العالم من " نظام الحرب الباردة " المتمركز حول الانقسام والأسوار إلى نظام العولمة المتمركز حول الاندماج وشبكات الإنترنت، "تتبادل فيه المعلومات والأفكار والرسائل بكل يسر وسهولة".
وانتصار الرأسمالية على الاشتراكية أدى إلى تحوُّل كثير من الاشتراكيين إلى الرأسمالية والديمقراطية، باعتبارها أعلى صورة - بزعمهم - وصل إليها الفكر الإنساني وأنتجه العقل الحديث، حتى عده بعضهم أنه نهاية التاريخ.
تعريف العولمة:
لفظة العولمة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization)، وبعضهم يترجمها بالكونية[2]، وبعضهم يترجمه بالكوكبة، وبعضهم بالشوملة[3]، إلا إنه في الآونة الأخيرة اشتهر بين الباحثين مصطلح العولمة، وأصبح هو أكثر الترجمات شيوعًا بين أهل الساسة والاقتصاد والإعلام، وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني تعميم الشيء وإكسابه الصبغة العالمية، وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله[4]؛ يقول "عبدالصبور شاهين" عضو مجمع اللغة العربية: "فأما العولمة مصدرًا، فقد جاءت توليدًا من كلمة عالم، ونفترض لها فعلًا هو عولم يعولم عولمة بطريقة التوليد القياسي...، وأما صيغة الفعللة التي تأتي منها العولمة، فإنما تستعمل للتعبير عن مفهوم الأحداث والإضافة، وهي مماثلة في هذه الوظيفة لصيغة التفعيل"[5].
وكثرت الأقوال حول تعريف معنى العولمة؛ حتى إنك لا تجد تعريفًا جامعًا مانعًا، يحوي جميع التعريفات؛ وذلك لغموض مفهوم العولمة، ولاختلافات وجهة الباحثين، فتجد للاقتصاديين تعريفًا، وللسياسيين تعريفًا، وللاجتماعيين تعريفًا، وهكذا، ويمكن تقسيم هذه التعريفات إلى ثلاثة أنواع: ظاهرة اقتصادية، وهيمنة أمريكية، وثورة تكنولوجية واجتماعية.
النوع الأول: أن العولمة ظاهرة اقتصادية:
عرَّفها الصندوق الدولي بأنها: "التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم، والذي يحتِّمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات، وتنوُّعها عبر الحدود، إضافة إلى رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله"[6].
وعرَّفها "روبنز ريكابيرو" الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو بأنها: "العملية التي تملي على المنتجين والمستثمرين التصرف، وكأن الاقتصاد العالمي يتكون من سوق واحدة ومنطقة إنتاج واحدة مقسمة إلى مناطق اقتصادية، وليس إلى اقتصاديات وطنية مرتبطة بعلاقات تجارية واستثمارية"[7].
وقال محمد الأطرش: "تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات، والتقائها ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وتاليًا خضوع العالم لقوى السوق العالمية؛ مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية، وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات"[8].
بهذا التعريف للعولمة ركز على أن العولمة تكون في النواحي التجارية والاقتصادية التي تجاوزت حدود الدولة؛ مما يتضمن زوال سيادة الدولة؛ حيث إن كل عامل من عوامل الإنتاج تقريبًا ينتقل بدون جهدٍ من إجراءات تصدير واستيراد أو حواجز جمركية، فهي سوق عولمة واحدة لا أحد يسيطر عليها كشبكة الإنترنت العالمية.
وعند صادق العظم هي: "حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ"[9].
التعريف الثاني: إنها الهيمنة الأمريكية:
قال محمد الجابري: "العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدًا بعينه، وهو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، على بلدان العالم أجمع"[10].
فهي بهذا التعريف تكون العولمة دعوة إلى تبنى إيديولوجية معينة، تعبر عن إرادة الهيمنة الأمريكية على العالم، ولعل المفكر الأمريكي "فرانسيس فوكوياما " صاحب كتاب: "نهاية التاريخ" يعبر عن هذا الاتجاه، فهو يرى أن نهاية الحرب الباردة تمثل المحصلة النهائية للمعركة الأيديولوجية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحقبة التي تم فيها هيمنة التكنولوجيا الأمريكية.
التعريف الثالث: إنها ثورة تكنولوجية واجتماعية:
يقول الاجتماعي "جيمس روزناو" في تعريفها قائلاً: "العولمة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل؛ الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الأيديولوجيا، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج، تداخل الصناعات عبر الحدود، انتشار أسواق التمويل، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة"[11].
وعرفها بعضهم بأنها: "الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم نسبيًّا كرة اجتماعية بلا حدود؛ أي: إن الحدود الجغرافية لا يعتبر بها؛ حيث يصبح العالم أكثر اتصالًا؛ مما يجعل الحياة الاجتماعية متداخلة بين الأمم".
فهو يرى أن العولمة شكل جديد من أشكال النشاط، فهي امتداد طبيعي لانسياب المعارف ويُسر تداولها، تم فيه الانتقال بشكل حاسم من الرأسمالية الصناعية إلى المفهوم ما بعد الصناعي للعلاقات الصناعية.
وهناك من يعرفها بأنها: "زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات الإنسانية، من خلال عمليات انتقال السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات"، وعرفها إسماعيل صبري تعريفًا شاملاً، فقال: "هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والسياسة، والثقافة والسلوك دون اعتداد يُذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطنٍ محدد، أو لدولة معينة، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية"[12].
وبعد قراءة هذه التعريفات، يمكن أن يقال في تعريف العولمة: إنها صياغة أيديولوجية للحضارة الغربية؛ من فكر وثقافة، واقتصاد وسياسة للسيطرة على العالم أجمع، باستخدام الوسائل الإعلامية، والشركات الرأسمالية الكبرى لتطبيق هذه الحضارة وتعميمها على العالم.
الفرق بين العولمة والعالمية:
إن التقابل بين العالمية والعولمة، وإيجاد الفرق بينهما، فيه نوع من الصعوبة، وخصوصًا أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم، ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنًى واحدًا، وليس بينهما فرق، ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى؛ فهما مقابلة بين الشر والخير.
العالمية انفتاح على العالم، واحتكاك بالثقافات العالمية، مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها، وقِيَمها ومبادئها، فالعالمية إثراء للفكر، وتبادل للمعرفة، مع الاعتراف المتبادل بالآخر، دون فِقدان الهوية الذاتية، وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي، فهو دين يخاطب جميع البشر، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس، جاء لجميع الفئات والطبقات، فلا تحده الحدود، ولهذا تجد الخطاب القرآني موجهًا للناس جميعًا، وليس لفئة خاصة، فكم من آية في القرآن تقول: "يا أيها الناس"، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1]، إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظة الناس، وقد تجاوزت المائتين آية، بل إن الأنبياء السابقين - عليهم صلوات الله وسلامه - تنسب أقومهم إليهم "قوم نوح"، "قوم صالح"، وهكذا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يرد الخطاب القرآني بنسبة قومه إليه - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل على عالمية رسالته - صلى الله عليه وسلم - فهو عالمي بطبعه؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
ومن أسباب تخلُّفنا عن الركب الحضاري، هو إقصاء الإسلام عن عالميته، وعدم زجِّه في كثير من حقول الحياة، بزعم المحافظة على قداسته وطهارته، وهذا نوع من الصد والهِجران للدين، وعدم فَهمٍ لطبيعة هذا الدين، والذي من طبيعته وكينونته التفاعل مع قضايا الناس، والاندماج معهم في جميع شؤون الحياة، وإيجاد الحلول لكل قضاياهم، وهذا من كمال هذا الدين وإعجازه، فهو دين تفاعلي حضاري منذ نشأته، فمنذ فجر الرسالة النبوية نزل قوله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾ [الروم: 1 - 4].
فيذكر الخطاب القرآني الكريم المتغيرات العالمية، لإدراك أبعاد التوازنات بين القوتين العظميين في ذلك الزمان، وذلك أن المسلم يحمل رسالة عالمية، ومن يحمل رسالة عالمية عليه أن يدرك الوقائع والأوضاع العالمية كلها، وخاصة طبيعة وعلاقات القوى الكبرى المؤثرة في هذه الأوضاع"[13].
أما العولمة، فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة، وإلغاء شخصيتها وكيانها، وذوبانها في الآخر، فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات؛ بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجيًّا من غير صراع أيديولوجي، فهي "تقوم على تكريس أيديولوجيا "الفردية المستسلمة"، وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي؛ ليبقى الإطار العولمي هو وحده الموجود.
فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية، وطمس الروح الجماعية، وتعمل على تكريس الحياد، وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري؛ أي: التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري، وبالتالي يحدث فِقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة؛ مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى، فالعولمة عالم بدون دولة، بدون أمة، بدون وطن، إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية"[14].
يقول عمرو عبدالكريم: "العولمة ليست مفهومًا مجردًا، بل هو يتحول كلية إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلام، بل وأخطر من ذلك كله هو أن العولمة أضحت عملية تطرح في جوهرها هيكلًا للقيم تتفاعل كثير من الاتجاهات والأوضاع على فرضه وتثبيته، وقسر مختلف شعوب المعمورة على تبني تلك القيم وهيكلها، ونظرتها للإنسان والكون والحياة"[15].
نشأة العولمة:
يذهب بعض الباحثين إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم، وليس لها علاقة بالماضي، بل هي عملية تاريخية قديمة مرت عبر الزمن بمراحل ترجع إلى بداية القرن الخامس عشر إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة؛ حيث نشأت المجتمعات القومية..، فبدأت العولمة ببزوغ ظاهرة الدولة القومية عندما حلت الدولة محل الإقطاعية؛ مما زاد في توسيع نطاق السوق ليشمل الأمة بأسْرها بعد أن كان محدودًا بحدود المقاطعة.
وذهب بعض الباحثين إلى أن نشأة العولمة كانت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، إلا أنها في السنوات الأخيرة شهدت تناميًا سريعًا؛ يقول إسماعيل صبري: "نشأت ظاهرة الكوكبة (العولمة)، وتنامت في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي حاليًّا في أَوْج الحركة، فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع أو نقرأ عن اندماج شركات كبرى، أو انتزاع شركة السيطرة على شركة ثانية"[16].
إن الدعوة إلى إقامة حكومة عالمية، ونظام مالي عالمي موحد، والتخلص من السيادة القومية - بدأت في الخطاب السياسي الغربي منذ فترة طويلة، فهذا هتلر يقول في خطابه أمام الرايخ الثالث: "سوف تستخدم الاشتراكية الدولية ثورتها لإقامة نظام عالمي جديد"، وفي كتابات الطبقة المستنيرة عام 1780: " من الضروري أن نقيم إمبراطورية عالمية تحكم العالم كله".
وجاء في إعلان حقوق الإنسان الثاني عام 1973: "إننا نأسف بشدة لتقسيم الجنس البشري على أسس قومية، لقد وصلنا إلى نقطة تحول في التاريخ البشري؛ حيث يكون أحسن اختيار هو تجاوز حدود السياسة القومية، والتحرك نحو بناء نظام عالمي مبني على أساس إقامة حكومة فيدرالية تتخطى الحدود القومية".
وقال بنيامين كريم أحد قادة حركة العصر الجديد عام 1982: " ما هي الخطة؟ إنها تشمل إحلال حكومة عالمية جديدة، وديانة جديدة".
وكانت ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر قد اقترحت فكرة العولمة، يرافقها في ذلك الرئيس الأمريكي السابق رولاند ريغن، ووجهة نظر تاتشر الاقتصادية - والتي عُرفت بالتاتشرية - انبثقت من الاستحواذ اليهودي للمال والعتاد؛ حيث أن فكرتها الاقتصادية، والتي صاغها اليهودي جوزيف، وهي تهدف إلى جعْل الغني أغنى والفقير أفقر.
ويذكر "بات روبرتسون"[17]: إن النظام العالمي الجديد نظام ماسوني عالمي، ويعلل على ما يقول: "بأن على وجهي الدولار مطبوع علامة الولايات المتحدة، وهي عبارة عن النسر الأمريكي ممسكًا بغصن الزيتون رمز السلام بأحد مخالبه، وفي المخلب الآخر يوجد 13 سهمًا رمز الحرب، وعلى الوجه الآخر هرم غير كامل، فوقه عين لها بريق المجد، وتحت الهرم كلمات لاتينيه (Novus Order Seclorum) وهي شطرة من شعر فرجيل الشاعر الروماني القديم معناها: "نظام جديد لكل العصور ".
إن الذي صمم علامة الولايات المتحدة هذه هو تشارلز طومسون، وهو عضو في النظام الماسوني، وكان يعمل سكرتير للكونجرس، وهذا الهرم الناقص له معنى خاص بالنسبة للماسونيين، وهو اليوم العلامة المميزة لأتباع حركة العصر الجديد".
وبعد تحليل ليس بطويل يصل المؤلف إلى وجود علاقة واضحة تربط بين النظام الماسوني والنظام العالمي الجديد.
وقد جاء في مجلة المجتمع بحثًا عن منظمة "بلدربرج"، والذي أسسها رجل الأعمال السويدي "جوزيف هـ. ريتنجر" - والذي سعى إلى تحقيق الوحدة الأوروبية، وتكوين المجتمع الأطلسي - وهي منظمة سرية تختار أعضاءها بدقة متناهية من رجال السياسة والمال، وتعقد اجتماعاتها في داخل ستار حديدي من السرية، وفي حراسة المخابرات المركزية الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، ولا تسمح لأي عضو بالبوح بكلمة واحدة عن مناقشاتها، ولا يحق للأعضاء الاعتراض أو تقديم أي اقتراح حول مواضيع الجلسات، ويموِّل هذه المنظمة مؤسسة روكفلور اليهودية وبنك الملياردير اليهودي روتشيلد، ومعظم الشخصيات في هذه المنظمة هم من الماسونيين الكبار، وكثير من رؤساء الولايات المتحدة نجحوا في الانتخابات بعد عضويتهم في هذه المنظمة؛ مثل: ريجان، وكارتر، وبوش، وكلينتون، وبعد اشتراك تاتشر في المنظمة بسنتين أصبحت رئيسة وزراء إنجلترا، وكذلك بيلر أصبح رئيسًا للوزراء بعد مضي أربع سنوات من اشتراكه في المنظمة، وهي تسعى للسيطرة على العالم وإدارته وَفق رؤيتها، فقرارتها تؤثر على التجارة الدولية وعلى كثير من الحكومات[18].
فالعولمة نشأت مع العصر الحديث وتكونت بما أحدثه العلم من تطور في مجال الاتصالات، وخصوصًا بعد بروز الإنترنت، والتي أتاحت مجالاً واسعًا في التبادل المعرفي والمالي، وارتباط نشأة الدولة القومية بالعولمة في العصر الحاضر، فيه بعدٌ عن مفهوم العولمة، والذي يدعو أساسًا إلى نهاية سيادة الدولة والقضاء على الحدود الجغرافية، وتعميم مفهوم النظام الرأسمالي، واعتماد الديموقراطية كنظام سياسي عام للدول، ولكن هناك أحداث ظهرت ساعدت على بلورة مفهوم العولمة وتكوينه بهذه الصيغة العالمية، فانهيار سور برلين، وسقوط الاشتراكية كقوة سياسية وأيديولوجية، وتفرُّد القطب الأوحد بالسيطرة والتقدم التكنولوجي، وزيادة الإنتاج ليشمل الأسواق العالمية - أدَّت إلى تكوين هذا المفهوم.
وخلاصة البحث أن مصطلح العولمة منشأه غربي، وطبيعته غربية، والقصد منه تعميم فكره وثقافته ومنتوجاته على العالم، فهي ليست نتيجة تفاعلات حضارات غربية وشرقية، قد انصهرت في بوتقة واحدة، بل هي سيطرة قطب واحد على العالم ينشر فكره وثقافته، مستخدمة قوة الرأسمالي الغربي لخدمة مصالحه، فهو من مورثات الصليبية، فروح الاستيلاء على العالم هي أساسه ولبه، ولكن بطريقة نموذجية يرضى بها المستعمر، ويهلل لها، بل ويتخذ هذه الصليبية الغربية المتلفعة بلباس العولمة مطلب للتقدم؛ يقول "بات روبرتسون"[19]:" لم يعد النظام العالمي الجديد مجرد نظرية، لقد أصبح وكأنه إنجيل".
________________________________________
[1] اشتَهر في العقد التاسع مصطلح العولمة، مع استخدام مصطلح النظام العالمي الجديد، وذلك عند إعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش من على منصة قاعة اجتماع الهيئة التشريعية لمجلس النواب الأمريكي في 17 يناير 1991 بداية النظام العالمي الجديد New World ، ويلاحظ استخدام كلمة Order، ولم يستخدم كلمة System مثلاً؛ وذلك لأن في كلمة Order من القسر والتوجيه والأمر ما ليس في غيره.
[2] كالسيد ياسين، وقد أظهر هذه الترجمة على كتابين من كتبه: الأول:" الوعي التاريخي والثورة الكونية "، والثاني: "الكونية والأصولية وما بعد الحداثة".
[3] حراسة الفضيلة؛ لبكر أبو زيد.
[4] "العولمة والهوية الثقافية" من مجلة "فكر ونقد" العدد السادس.
[5] " العولمة جريمة تذويب الأصالة"؛ عبدالصبور شاهين، المعرفة العدد (48).
[6] العولمة عالم ثالث على أبواب قرن جديد؛ عمرو عبدالكريم، المنار الجديد العدد الثالث.
[7] "العولمة بوابة للرفاه أم الفقر؟ "؛ عبداللطيف جابر، الشرق الأوسط العدد (7460).
[8] العرب والعولمة: ما العمل؟ من مجلة "فكر ونقد" العدد السابع.
[9] "في مفهوم العولمة"؛ لسيد ياسين.
[10] المرجع السابق.
[11] "في مفهوم العولمة"؛ لسيد ياسين.
[12] " العولمة عالم ثالث على أبواب قرن جديد"؛ عمرو عبدالكريم، المنار الجديد العدد الثالث.
[13] "رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية "؛ محمد جابر الأنصاري .
[14] "العولمة والهوية الثقافية" من مجلة "فكر ونقد" العدد السادس؛ بتصرف.
[15] "العولمة عالم ثالث على أبواب قرن جديد "؛ عمرو عبدالكريم، المنار الجديد العدد الثالث.
[16] "العولمة والاقتصاد والتنمية العربية" من مجلة "فكر ونقد" العدد السابع .
[17] المرجع السابق، الفصل الثالث.
[18] " انظر مجلة "المجتمع" العدد ( 1368).
[19] "النظام العالمي الجديد هل هو مقدمة للنظام العالمي الإلهي؟"؛ مات روبرتسون، رئيس مؤسسة الإعلام الأمريكية، ورئيس برنامج "قناة الأسرة".

اكتب تعليق

أحدث أقدم