رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المرأة بين تكريم الإسلام وعبث اللئام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المرأة بين تكريم الإسلام وعبث اللئام





 رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المرأة بين تكريم الإسلام وعبث اللئام

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
لقد نُسجت الخطط قديمًا وحديثًا لإخراج المرأة - لا سيما المسلمة - من خِدْرها، وجعلها سلعةً ممتهنَةً يجد فيها كلُّ صاحب ضيعة ضيعتَه، ولقد أعمل الغربيون عقولهم من زمن؛ متخذين من جهل المسلمين بتعاليم دينهم ذريعةً لاتهامه بالتشدد والرجعية، وكان مما حلت به البلوى اعتبارُ المرأة - وأعني هنا المسلمةَ - ذراعًا في حربهم على الإسلام فيما يسمى بالعولمة، ولفظة العولمة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization)، وبعضهم يُترجمه بالكونيَّة، وبعضهم يترجمه بالكوكبة، وبعضهم بالشَّوْملة، إلا أنه في الآونة الأخيرة اشتهَر بين الباحثين مصطلح العولمة، وأصبح هو أكثرَ الترجمات شيوعًا بين أهل الساسة والاقتصاد والإعلام.
وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني تَعميم الشيء وإكسابَه الصِّبغة العالمية، وتوسيعَ دائرته ليشمل العالم كلَّه؛ يقول عبدالصبور شاهين (عضو مجمع اللغة العربية) في كتابه "العولمة جريمة تذويب الأصالة": فأما العولمة مصدرًا فقد جاءت توليدًا من كلمة عالم، ونَفترض لها فعلاً هو (عولَم يُعولِم عوْلمة) بطريقةِ التوليد القياسي... وأما صيغة الفعلَلة التي تأتي منها العولمة، فإنما تُستعمل للتعبير عن مفهوم الإحداث والإضافة، وهي مماثِلة في هذه الوظيفة لصيغة التَّفعيل.
فقد أصبحت المرأة محورًا أساسيًّا من محاور العولمة، وحظِيَت بقدر كبير من الاهتمام لدى كثير من المنظمات والجمعيات (الحكومية وغير الحكومية)، التي تَرفع لواء الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
من مجالات العولمة:
وقد تعدَّدت وسائل العولمة بتعدُّد أهدافها، واتخذت من بعض أرض المسلمين مسرحًا لنشر ثقافتها الاستعمارية؛ باعتبارها ضرورةً حياتية لا يمكن العيش بعزلة عنها؛ ما أغرى الكثيرين الذين انبرَوا مدافعين عن هذه الثقافة التي وصَفوها بالضرورية، ومن أهم المجالات التي شمِلَتها العولمةُ ما يلي:
1- الإعلام في البلاد العربية:
وتمثَّل ذلك في اندماج وتكامل وسائل الإعلام الجماهيري بتقنية الاتصالات والمعلومات، التي سمحَت بظهور تقنية الاتصال متعدِّد الوسائط، وتقنية الاتصال التفاعلي بتطبيقاته المختلفة، وبذلك حدثَت تحوُّلات هيكلية في بِنْية العمليات الاتصالية التربويَّة.
2- وفي مجال الثقافة:
تنتقل الأفكار والمعلومات والقيم والأنماط السلوكية بحريَّة كاملة في اتجاه تكوين ثقافةٍ إنسانية واحدة؛ على أساس أن طبيعة الإنسان واحدة، واحتياجاته واحدة أينَما وُجد على هذا الكوكب، كما نال مجالُ المعرفـة والبحث العلمي قسطًا وفيرًا أيضًا من وسائلها.
هذا، وتُعد المرأة - التي هي محور حديثنا - إحدى أهم الرَّكائز التي اعتمدَت عليها العولمة لتحقيق أهدافها، حتى بات مصطلح "عولمة المرأة" من المصطلَحات الدَّارجة المألوفة لدى سامعيه.
ومعنى عولمة المرأة أي: جعلُها كائنًا عالميًّا يمكن وصفُه بأنه كائنٌ فوق الحكومات، أو كائن عابرٌ للقارَّات، ولجعلها كائنًا عالميًّا كان لا بد من عَقد المؤتمرات الدولية وتوقيع المعاهَدات والاتفاقيات العالمية التي تُلزم الحكومات بحقوق هذا الكائن، وتُمثِّل توصياتُ المؤتمرات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات العالمية - المرجعيةَ العالمية الجديدة التي يُمكن وصفها بأنها (أيديولوجيَّة نِسَوية).
وبمقارنةٍ بسيطة بين ما للمرأة في الإسلام وما لها في ظل ثقافة اللامحدودية التي فُرضَت عليها ووقعَت المرأة أسيرةً فيه؛ يظهَر أن الإسلام راعى المرأة وصانَها من كلِّ الوجوه، وحَفظ لها كيانها بما يتناسب وطبيعتَها؛ فلم يُحمِّلها فوق طاقتها، وجعل إكرامها مطلبًا شرعيًّا، وإهانتها مجلبًا للذم والتندُّر[1].
من حقوق المرأة في الإسلام:
ولأنَّ الإسلام يخاطب الفِطَر، وهو دين الله الخاتَم الذي ارتضاه لخلقه؛ فقد اشتملَت تعاليمُ وأسس هذا الدين على كلِّ ما يصلح الإنسان من حيث كونُه إنسانًا، ولأن المرأة كائنٌ ضعيف، وأهملَه الجاهليون واحتقروه وتوارَثوا التواريَ منه؛ فقد حرَص الإسلام على تكريمها أيَّما تكريم؛ فالمرأةُ كأمٍّ يجب طاعتها، وبِرُّها واجب، وجعل رضاها من رضا الله تعالى، بل إنها طريقٌ إلى الله والجنَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمُّك)). قال: ثم مَن؟ قال: ((ثم أمُّك)). قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك)). قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك))؛ (رواه الشيخان البخاري ومسلم).
والمرأة كزوجةٍ أوصى الإسلامُ بها الأزواجَ خيرًا؛ حاثًّا على حسن عشرتها؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنِّساء خيرًا))؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))؛ (رواه الترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي).
كما كرَّمها بنتًا، فحثَّ على تربيتها وتعليمها، وجعَل لتربية البنات أجرًا عظيمًا، ومن ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم: ((مَن عالَ جاريتين حتى تبلُغا، جاء يوم القيامة أنا وهو)) وضمَّ أصابعه؛ (رواه مسلم).
هذا، وقد تجتمع في المرأة الواحدة أكثرُ من صفة؛ بأن تكون مثلاً زوجة، إلى جانب كونِها بنتًا وأمًّا وأختًا وعمةً وخالة، وهنا ينالها التكريمُ على كل وجه.
وعليه، فالإسلامُ حدَّ حدودًا ووضع منهجًا للتعامل مع المرأة؛ رافعًا من شأنها، بل سوَّى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام؛ فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة، ومساوية له في جزاء الآخرة، ولها حق التعبير، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله، ولها حقُّ التملك، وغير ذلك، مما حُرمت منه المرأة غير المسلمة.
وبعدما استعرضنا بعض مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، نَلفِت النظر إلى وضعها في ظل دعَوات العولمة وما يُريدون منها؛ لتصحَّ المقارنة - إن صحَّت - بين حقوق المرأة في الإسلام وما يُنادي به دعاة العولمة.
المرأة في زمن العولمة:
يمكن تلخيصُ وضع المرأة في زمن العولمة - كما تقول كريستا فيشتريش في كتابها "المرأة والعولمة" - بالاهتمام بزيادة التشغيل الهشِّ لها[2]، ضمن علاقات إنتاج منخفضةِ الأجر، وتحولها إلى أداةٍ للخدمة في جميع أنحاء العالم، إلى جانب مُعايَشة عالم استهلاك مفرِط، وعدَم القدرة على تلبية الحاجيات، مع تَنامي الواجبات الاجتماعية والبحث عن هُويَّة جديدة ضمن إطار اجتماعي تَزداد فيه الفوارق، وهو ما يعرِّضها لأشكالٍ من العنف المرتبط بالجنس، وتزايُد المنافسة والطَّلَب عليهن من طرَف الشركات.
كما أن استغلال جسد المرأة وصورتِها في الدعاية والإشهار في ترويج وتسويق المنتجات الرأسماليَّة، يُعدُّ مطلبًا في ظل الدعوة لتمدُّنها وانفتاحها على الآخَر.
هذا، ويتم تشغيل المرأة بشكل نمَطي وفي أوقات الحاجة وحسَب المزاج، وتُحرَم من حقوقها الطبيعيَّة... كل هذا وغيره تدفعه المرأةُ ثَمنًا لظروف عملٍ بائسة ورتيبة، تُفقدها الطاقة والصحة، مع غياب الرعاية الاجتماعية، وتتمتَّع بحقوق ضئيلة، وأجرٍ لا يَضمن عيشًا كريمًا.
فالعولمة إذًا تَقذف بالمرأة إلى الخارج بسرعةٍ، دون ضمانات وبلا رحمة ولا شفقة، والمهم هو الاستفادة منها وتوظيفها في جَعل الاقتصاد يزدهر، والاستمتاع بمحاسنها في أروِقة عُروض الأزياء، بدل الاكتفاء بدَورها التقليدي، وتحميلها مسؤولية اجتماعية، والمحافظة على قيمتها ضمن ملامحها التربوية القديمة.
وبعدُ، فبِنَظرة إلى وضعية المرأة في الإسلام ووضعيتها في زمن العولمة؛ نقف على أن الإسلام راعى جميع ما يَنفع المرأة، معتبرًا المحافظة عليها وصيانتَها من أيدي العابثين مطلبًا شرعيًّا، حاثًّا على المحافظة عليها وإكرامها وعدم الإساءة إليها، فهلاَّ عدنا إلى النبع الصافي ومنهج السماء، بعيدًا عن التقدم المرذول والتحضر الممقوت؛ فهو وحدَه الذي يَعلم ما يضرُّنا وما ينفعنا؛ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
________________________________________
[1] "عولمة المرأة"؛ كمال حبيب، موقع الإسلام ويب، بتصرف يسير.
[2] عبارة "زيادة التشغيل الهش لهن..." عنَت بها (كريستا فيشتريش) في كتابها "المرأة والعولمة": فُرَص العمل غير الحقيقيَّة، وهي التي لا تَكافُؤ فيها بين العمل والأجر، وإن شئتَ فقل: لا تكافؤ فيها بين الحقوق والواجبات، والمعنى أنهم يَزيدون لها فرصًا تَعدُّها هي حقيقية، لكنها في واقع الأمر ليست مَغنمًا فهي فرص "هشَّة"، كما يَظهر من سياق حديثها في الكتاب، والله أعلم.

اكتب تعليق

أحدث أقدم