رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن العلم نور يهتدى به في ظلمات الضلالة والشبهات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن العلم نور يهتدى به في ظلمات الضلالة والشبهات



 رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن العلم نور يهتدى به في ظلمات الضلالة والشبهات

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لاشك فيه أن العلم نور يهتدى به في ظلمات الضلالة والشبهات، وهو طريق يسلك به إلى الجنة، ومما يعتمد عليه في حلِّ المعضلات، لكن هذا العلم لن يؤدي دوره الفاعل إذا صادف محلّاً غير قابل، أو به قصور شديد، وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الصحيحين مثل ما بعثه الله به من الهدى والعلم ((كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا، وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هي قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً)) فالاختلاف في تأثير العلم والهدى إنما نتج عن اختلاف المحلّ، وقابليته أو عدم قابليته، وقصوره أو عدم قصوره.
ومن الصفات المؤثرة في قابلية المحل، والتي يُثمر معها العلم ثمرة حسنة رجاحةُ العقل، ولا شك في أهمية العقل وضرورته في الاهتداء، واتخاذ القرار الصائب فيما يعتلج الحياة من اضطراب وقلق وإشكالات؛ وقد أعطى الإسلام أهمية بالغة للعقل، وقدر دوره في الاهتداء؛ حيث جعله مناطاً للتكليف، كما أرجع فهم الدلائل، واستنباط الحق منها؛ إلى العقل، فكم ورد من النصوص القرآنية أن فهم الحجج والتذكر إنما يحصل لأصحاب العقول الراجحة الذين يستخدمونها بفاعلية، فقد ورد في القرآن من مثل (لقوم يعقلون) كثير قال - تعالى -:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم:24] و[النحل:12] و[الرعد:4] وقوله: (لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[البقرة:164] وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[النحل:67]، وقوله - سبحانه -: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم:28]، وقوله: (آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الجاثية:5]، وقوله: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت:35]، وامتدح من يمتلك العقل معبراً عنهم بأولي الألباب كقوله - تعالى -: (لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[آل عمران:190]، وقوله في شان التذكر: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[البقرة:269] و[آل عمران:7]، وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الرعد:19]، و[الزمر:9]، وقوله: (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[إبراهيم:52]، (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص:29]، وفي سورة الفجر بعد أن أقسم الله عدة أقسام قال: (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)[الفجر:5] أي عقل، بل إن الله لما ذكر عدم التسوية بين من يعلم ومن لا يعلم أخبر أن ذلك يعرفه أهل العقول متذكرين به فقال: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:9]، وقال - تعالى -: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق:37] أي لب وعقل يعي به، فذكر أن الانتفاع بالقرآن والتذكر به إنما يحصل لمن كان له لب وعقل واعٍ حي.
وعليه فإن العلم إذا لم يصادف صاحب عقل راجح كأن يصادف صاحب حمق أو غفلة شديدة؛ فإن هذا العلم يقصر عن أن يهدي صاحبه اهتداء كاملاً أو قريباً منه، أو يدفعه لاتخاذ قرارات صائبة في معترك الحياة ودروبها، وخاصة في مجال الحياة العملية التي يكتنف كثيراً منها التعقيد والتشابك، وتحتاج إلى ربط محكم بين الوقائع والأحداث للخروج بتوصيف واقعي صحيح أو قريب لأي حالة يراد دراستها واتخاذ قرارات صائبة نحوها؛ ولذا نجد في الواقع من قد يستغل بعضاً من أهل العلم والحفظ، ويدفعه لاتخاذ قرارات أقرب إلى الحمق يُضرُّ بها أهل الحق وهو منهم، ويستفيد منها أهل الباطل، وربما استخدم أهل الباطل بعض أهل العلم لمحاربة الحقِّ وأهله في صورة من الصور دون شعور من أولئك المستَخدَمين، بل قد نجد من بعض ناقصي العقل من قد لا يتمكن من الفهم الصحيح لحجج الكتاب والسنة، والربط الصحيح بين نصوصها، وبين كلياتها وجزئياتها، فيصاب بظاهرية جامدة حيث لا يستطيع استيعاب المعاني والعلل التي جاءت بها الشريعة؛ وبذا يخطئ كثيراً في استنباط الأحكام الشريعة مع زعمه أنه ممسك بالحق؛ ولهذا نجد أن هذا الصنف يميل إلى الطرف الظاهر من الاستدلال دون الغوص والعمق في المعاني، وربط الجزئيات بالكليات، والظواهر بالمقاصد والعلل، مما يجنبه لو فعله الوقوع في التناقض، وضرب أحكام الشريعة ببعضها، وإحداث التعارض بين كليات الشريعة وجزئياتها، وظواهرها ومقاصدها، ولكن لا يفعل ذلك لقصور عقله، وبلادة فهمه؛ بل قد تجده يميل إلى عدّ العناية بالكليات والمقاصد والكلام عنها من قبيل التحريف للشريعة أو القصد إلى ذلك، كما تجده يميل إلى الإغراق في الجزئيات؛ إذ هو صاحب عقلية جزئية ذريَّة لا تمكنه من الانتقال من الجزئيات إلى الكليات والقواعد العامة، كما فعل علماء الأمة ومجتهدوها الكبار؛ حيث فعَّلوا العقلية الكلية فاستنبطوا لنا علوماً تمتاز بالكلية، وتضبط لنا الجزئيات مهما كثرت، فأخرجوا علم أصول الفقه، والقواعد الفقهية، وعلم المصطلح، وعلم النحو، والبلاغة، والعروض وغيرها، وما كان ذلك ليكون لو بقوا أسرى الجزئيات، وعدم الخروج منها بسبب عدم الربط بين قضاياها المشتركة، والتي تستوجب جهداً عقلياً يتجاوز النظر القريب، والظاهر البارز.
ولا ريب أن عملية الربط هذه هي عملية عقلية لا يكفي فيها تحصيل العلم، وكثرة المحفوظات، وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - حاملي العلم بأوصاف منها قوله فيما رواه أبو داوود والترمذي وغيرهما عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ))، فإذا تأملت هذا الحديث وجدت أن العلم المنقول واحد عند الناقل والمنقول إليه، لكنّ المنقول إليه استفاد وفقه منه بما لم يكن عند الناقل، فما الذي ميز بينهما والعلم واحد؟
إنه قوة الفهم، وقوة العقل ورجاحته الذي به تم استنباط وإدراك ما لم يتيسر للآخر، وبهذه المناسبة ندرك تلك المقولة الدارجة على بعض الألسنة، وهي خير تعبير عن هذه الحالة وهي قولهم: "علمه أكبر من عقله"، وهذا يفسر ما قد يصدر عن بعض من يتصف بالعلم من تصرفات مستغربة وغير لائقة، أو قرارات غير متزنة، أو أحكام شاذة وغريبة على الأفراد أو الجماعات أو الأحداث؛ وبهذا يُحدث من الأذى لنفسه ولغيره الشيء الكثير؛ ولهذا فمن جُمِع له بين العقل والعلم فقد أعطي النورين وكان كما قال - تعالى -: (نُورٌ عَلَى نُورٍ)[النور:35]، فالعقل نورٌ داخلي، والوحي نور خارجي، والإنسان يرى بنور داخلي، ونور خارجي، وهذا جرت به سنته في الحياة؛ فالعين أداة إبصار داخل كيان الإنسان، فإن كانت صالحة تمكنت من الإبصار بالنور الخارجي، وإن فسدت لم ينفعها نور الخارج، وكذلك العقل والعلم.
وكما أن من شروط الانتفاع بالعلم رجاحة العقل؛ فكذلك التوازن النفسي هو شرط آخر لوجود محلٍّ يستثمر العلم، ويُبلِغ به دوره المنتج للاهتداء، واتخاذ قرارات صائبة ومتوازنة، وعدم الاستغفال والاستغلال من جهات ضالة أو معادية.
وعدم التوازن النفسي قد يُجبل عليه الإنسان، أو يكتسبه بسبب البيئة أو التربية الخاطئة، ومن أمثلة عدم التوازن: الجنوح المفرط نحو الشدة والغلظة، أو الرقة والتساهل المبالغ فيه، ونحو العزلة والانطواء أو الخلطة المملة والمضرّة لمن حوله، ونحو الصمت القاتل، أو الثرثرة المزعجة، ونحو سرعة الغضب وهيجانه أو البرود وعدم المبالاة، ونحو العجلة والتسرع أو البطء الشديد، ونحو التهور أو الجبن، والجنوح نحو الإسراف والتبذير أو البخل والشح، ونحو الإسراف في الحب أو البغض، والمبالغة في سوء الظن أو حسنه لدرجة الاستغفال والاستغلال...الخ.
كما أن هناك أسباباً طارئة للنفسية غير المتوازنة مثل الإحباط واليأس، أو صدمة من أمر مفاجئ غير متوقع ينتج عنهما ردود فعل متشنجة غير متوازنة لا يتمكن العلم والعقل من لجمها وإيقافها، وقد تزداد ردود الأفعال كلّما زادت أسباب الإحباط، أو نحى الأمر المفاجئ نحواً أشد في ناحيةِ غير المتوقع، في الوقت الذي لا يجد صاحبها معالجةً ومناصحة من العقلاء، أو ممن لم تصبهم لوثة الإحباط، أو لم تفقدهم توازنهم هول الصدمة.
وعلى هذا فالنفسية غير المتوازنة تفقد الانتفاع الفعّال بالعلم؛ حيث يتحكم في فهمه تلك الاختلالات النفسية الجانحة نحو الإفراط أو التفريط، فمن غلب عليه القسوة والشدة مالت أحكامه إليها، ومن غلب عليه الرقة والتساهل مالت أحكامه إليها، وقل ذلك في جميع الصفات.
فإذا اجتمع نقص العقل، وعدم توازن النفس؛ قلل ذلك كثيراً من الانتفاع بالعلم، وإذا وجدت هاتان الصفتان فيمن يشار إليه بالعلم، ويقتدى به فيه؛ أحدث ذلك من الأضرار في الأمة الشيء الكثير؛ لكون صاحبها مسموع الكلمة بما يلبس به من لباس العلم.
فالعلم وحده ليس كافياً لاستحقاق الإمامة في الدين والقيادة للأمة، وإن كان شرطاً لابد منه في هذا الاستحقاق، ولذلك تجد نصوصاً قرآنية عدة يمكننا استنباط ذلك منها؛ منها قوله - تعالى -: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة:24] فضم لاستحقاق الإمامة إلى العلم (بأمرنا) الهداية، والصبر، واليقين، وهذا يدل على عدم تفرد العلم لاستحقاق الإمامة، بل لابد من صلاح محلِّ العلم أيضاً من التمسك بالدين، والاهتداء به، والصبر، واليقين.
وقال - تعالى -: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[القصص:14]، وفي سورة يوسف: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[يوسف:22]، ففرق بين العلم والحكم، ومن معاني الحكم: الحكمة، وقد يراد به الحكم والقضاء، والفصل بين الخصوم، ومما يدل على الأول قوله - تعالى - في يحي: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)[مريم:12] فلم يكن يحي يومئذ قاضياً، والحكمة إنما تكون برجاحة العقل، وحسن الفهم، انظر على سبيل المثال: التحرير والتنوير (10/441).
وقال عن طالوت واستحقاقه للملك: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)[البقرة:247]، فبين أن من بين الصفات التي استحق بها الملك والقيادة البسطة في العلم والجسم أي القوة.
فليس كل من اتصف بالعلم يصلح لقيادة الأمة، بل لابد من اجتماع أوصاف أخرى إلى جانبه، ومنها رجاحة العقل، وتوازن النفس.
وإذا تأملنا بعض النصوص المتعلقة بإيتاء النبوة نجد أن الله آتى النبوة لرسله بعد اكتمال شخصياتهم بالرشد والعقل، واستواء النفس؛ فمثلاً قال في موسى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[القصص:14]، قال أحمد بن محمد بن المهدي الإدريسي الفاسي في تفسيره البحر المديد(5/390): "والحاصل: لما تكامل عقله وبصيرته آتيناهُ حُكْماً على عبادنا، وعلماً بنا"، ثم قال: "خصوصية الولاية كخصوصية النبوة، لا تُعطى غَالِباً إلا بعد بلوغ الأشد، وكمال قوة العقل، وحصول الاستواء، وهو أن يستوي عنده المدح والذم، والعز والذل، والمنع والعطاء، والفقر والغنى، وتستوي حاله في القبض والبسط، والغضب والرضا، فإذا استوى في هذه الأمور آتاه الله حكماً وعلماً، وجزاه جزاء المحسنين، وكتب شيخ شيخنا إلى بعض تلامذته: أمَّا بعد فإن تورعت في أقوالك وأفعالك، وتوسعت في أخلاقك حتى يستوي عندك من يمدحك ويذمك، ويعطيك ويمنعك، ومن يؤذيك وينفعك، ومن يشدد عليك ويوسع؛ فلا أشك في كمالك"أ.هـ.
وهذه المعاني التي ذكرها هنا هي ما نبهت لها المقالة.
ونخلص من ذلك بأن العلم، ورجاحة العقل، والتوازن النفسي؛ أرضية صلبة للقيادة والاجتهاد المنضبط، واتخاذ القرارات الصائبة.

اكتب تعليق

أحدث أقدم