رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإيمان

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإيمان



 رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإيمان

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الفطرة في اللغة: فعلها ثلاثي وهو فطر، والحالة منه: الفطرة كالجلسة، وهي بمعنى الخلقة.
قال ابن فارس عن أصل هذه الكلمة (أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه، ومنه الفطرة: وهي الخلقة)[1].
الفطرة تعني: الابتداء والاختراع، ولا خلاف بين هذه المعاني الثلاثة، الخلقة، والابتداء، والاختراع، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: ما كنت أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأت حفرها. وذكر أبو العباس أنه سمع ابن الأعرابي[2] يقول: أنا أول من فطر هذا أي ابتدأه. والفطرة، بالكسر: الخلقة[3].
قال الفراء في قوله تعالى: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾[4] لا تبديل لخلق الله؛ قال: نصبه على الفعل، وقال أبو الهيثم: الفطرة الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه؛ قال وقوله تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [5]؛ أي خلقني؛ وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾[6][7].
وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تعريفها: (هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها وجعلهم مفطورين عليها وعلى محبة الخير وإيثاره وكراهية الشر ودفعه، وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والإخلاص لله والتقرب إليه).
ودليل الفطرة راسخ في نفوس البشر إلا ما غير منها، والدليل إذا كان راسخاً في النفس بكونه قوياً لا يحتاج الشخص معه إلى استدلال، ولهذا فهو أصل لكل الأدلة الأخرى الدالة على الإقرار بوجود الرب سبحانه، فهي مؤيدة له ومثبتة للإقرار، ولتقرير أصل هذا الدليل إليك بعض الأدلة على ذلك:
لجوء الإنسان وفزعه إلى خالقه سبحانه عند الشدة والحاجة، سواء كان هذا الإنسان موحداً أو مشركاً عند الشدة والحاجة.
فإن البشر جميعاً يشعرون بحاجتهم وفقرهم، وهذا الشعور أمر ضروري فطري، إذ الفقر وصف ذاتي لهم، فإذا ألمَّت بالإنسان - حتى المشرك - مصيبةٌ قد تودي به إلى الهلاك فزع إلى خالقه سبحانه والتجأ إليه وحده واستغنى به ولم يستغن عنه، وشعور هذا الإنسان بحاجته وفقره إلى ربه تابع لشعوره بوجوده وإقراره، فإنه لا يتصور أن يشعر الإنسان بحاجته وفقره إلى خالقه إلا إذا شعر بوجوده، وإذا كان شعوره بحاجته وفقره إلى ربه أمراً ضرورياً لا يمكنه دفعه، فشعوره بالإقرار به أولى أن يكون ضرورياً.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾[8] وإذا مس الإنسان بلاء في جسده من مرض، أو عاهة، أو شدة في معيشته، وجهد وضيق ﴿ دَعَا رَبَّهُ ﴾ يقول: استغاث بربه الذي خلقه من شدة ذلك، ورغب إليه في كشف ما نزل به من شدة ذلك. وقوله: ﴿ مُنِيبًا إِلَيْهِ ﴾ يقول: تائبا إليه مما كان من قبل ذلك عليه من الكفر به، وإشـراك الآلهة والأوثان به في عبادته، راجعا إلى طاعته[9].
فرجوع الإنسان وإنابته إلى ربه عند الشدائد دليل على أنه يقر بفطرته بخالقه وربه سبحانه، وهكذا كل إنسان إذا رجع إلى نفسه أدنى رجوع عرف افتقاره إلى الباري سبحانه في تكوينه في رحم أمه وحفظه له، وعرف كذلك افتقاره إليه في بقائه وتقلبه في أحواله كلها، وتبقى هذه المعرفة في نفسه قوية لأن الحاجة استلزمتها، فتكون أوضح من الأدلة الكلية مثل افتقار كل حادث إلى محدث.
وقد تقدم ذكر الأدلة على أن أول ما يكلف به المكلف: عبادة الله جل وعلا ومما يؤكد تلك الحقيقة هو أن الله تعالى نص على محل النزاع بين الرسل وأقوامهم بقوله: ﴿ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴾[10] أي أنهم يولون مدبرين عند طلب عبادة الله وحده دون غيره، ويوضحه كذلك قوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴾[11] أي: إذا دعي لتوحيده، وإخلاص العمل له، ونهي عن الشرك به ﴿ كَفَرْتُمْ ﴾ به واشمأزت لذلك قلوبكم ونفرتم غاية النفور، ﴿ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ﴾ أي: هذا الذي أنزلكم هذا المنزل وبوأكم هذا المقيل والمحل، أنكم تكفرون بالإيمان، وتؤمنون بالكفر، ترضون بما هو شر وفساد في الدنيا والآخرة، وتكرهون ما هو خير وصلاح في الدنيا والآخرة[12].
وعلى هذا يكون تقرير هذه الحجة بأمرين:
الأول: لو لم يكن الإقرار بالله تعالى وبربوبيته فطرياً لدعاهم إليه أولاً - إذ الأمر بتوحيده في عبادته فرع الإقرار به وبربوبيته فيكون بعده.
الثاني: لو لم يكن الإقرار بالله تعالى وبربوبيته فطرياً لساغ لمعارضي الرسل عند دعوتهم لهم بقول الله تعالى: ﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾أن يقولوا: نحن لم نعرفه أصلاً فكيف يأمرنا، فلما لم يحدث ذلك دل على أن المعرفة كانت مستقرة في فطرهم.
ويؤيده الدليل الثالث الذي سيأتي ذكره إن شاء الله. ولم يعرف من ينكر وجوده من أقوام الرسل إلا ما كان من فرعون، ومع هذا فإنكاره كان تظاهراً ولم يكن باطناً كما قال تعالى: ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾[13] قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ أي يا فرعون ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ أي الآيات التسع إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ أي بيّنات مكشوفات لا سحر ولا تخيّل. ولكنك معاند مكابر، ومثله ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾[14] والبصائر جمع بصيرة بمعنى مبصرة أي بيّنة. أو المراد الحجج بجعلها كأنها بصائر العقول وتكون بمعنى عبرة ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ هالكا[15].
________________________________________
[1] مجمل اللغة لابن فارس المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية - 1406 هـ - 1986 م (ج1 - ص 723).
ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازيّ، أبو الحسين: من أئمة اللغة والأدب. قرأ عليه البديع الهمذاني والصاحب ابن عباد وغيرهما من أعيان البيان. أصله من قزوين، وأقام مدة في همذان، ثم انتقل إلى الريّ فتوفي فيها، وإليها نسبته. من تصانيفه (مقاييس اللغة - ط) ستة أجزاء، و(المجمل - خ) طبع منه جزء صغير، و(الصاحبيّ - ط) في علم العربية، ألفه لخزانة الصاحب ابن عباد، و(جامع التأويل) في تفسير القرآن، أربع مجلدات، و(النيروز - ط) في نوادر المخطوطات، و(الإتباع والمزاوجة - ط) و(الحماسة المحدثة) و(الفصيح) و(تمام الفصيح) و(متخير الألفاظ - ط) و(ذمّ الخطأ في الشعر - ط) و(اللامات - ط) و(أوجز السير لخير البشر - ط) في 8 صفحات، و(كتاب الثلاثة - خ) في الكلمات المكونة من ثلاثة حروف متماثلة، وله شعر حسن. (معجم الأدباء 4: 80 وانباه الرواة 1: 92).
[2]محمد بن زياد بن الأعرابي (231 هـ) محمد بن زياد، أبو عبد الله مولى بني هاشم، المعروف بابن الأعرابي. ولد بالكوفة سنة خمسين ومائة. أخذ عن أبي معاوية الضرير، والمفضل الضبي، والقاسم بن معن، والكسائي. وأخذ عنه إبراهيم الحربي، وعثمان الدارمي، وثعلب، وقال الأزهري: ابن الأعرابي صالح، زاهد ورع صدوق، حفظ مالم يحفظه غيره.وله مصنفات كثيرة أدبية، وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. سير أعلام النبلاء (10/ 687 - 688).
[3] لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن على (المتوفى: 711هـ)، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ( ج 5 - ص 56).
[4] سورة الروم: 30
[5] سورة الشعراء: 78
[6] سورة يس: 22
[7] لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفى: 711هـ)، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ (ج5 - ص 56).
بن منظور: محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الإفريقي، صاحب (لسان العرب): الإمام اللغوي الحجة. من نسل رويفع بن ثابت الأنصاري. ولد بمصر (وقيل: في طرابلس الغرب) وخدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة. ثم ولي القضاء في طرابلس. وعاد إلى مصر فتوفي فيها، وقد ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد، وعمي في آخر عمره. الأعلام للزركشي ( ج 7 - ص 108)
[8] سورة الزمر:8
[9] تفسير الطبري ( ج 21 - ص 262).
[10] سورة الإسراء:46
[11] سورة غافر:12
[12] تفسير السعدي ( ج 1 - ص 733).
[13] سورة الإسراء:102
[14] سورة النمل:14
[15] محاسن التأويل المؤلف: محمد جمال الدين بن محمد القاسمي (المتوفى: 1332هـ)، المحقق: محمد باسل عيون السود، الناشر: دار الكتب العلميه - بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 هـ( ج 6- ص 519)

اكتب تعليق

أحدث أقدم