بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
عن قتادة عن رجلٍ من خثعم قال قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغضُ إلى الله؟ قال: "الإشراك بالله"، قال قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: "ثم قطيعة الرحم" الحديث[1].
معنى الرحم:
الرُّحْمُ - بالضم - والرُّحُم - بضمتين - وقال أبو إسحق في قوله تعالى ﴿ وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾ [الكهف: 81]؛ أي أقرب عطفا وأمس بالقرابة، وهو مثل عُسْر وعُسُر، والفعل من كلها: رَحِمَ كعَلِم، والرَّحِم رحم الأنثى، وهي مؤنثة، ومن المجاز الرحم: القرابة، تجمع بني أبٍ، وبينهما رحم أي قرابة قريبة، الرحم: أصلها وأسبابها، والرحم أسباب القرابة وأصلها الرحم التي هي منبت الولد، وهي الرحم، هي علاقة القرابة وسببها[2].
وذو الرحم هم الأقاربُ، ويقعُ على كُلّ من يجمع بَيْنك وبينه نَسَب، ويُطْلق في الفَرائِض على الأقارب من جهة النِّساء.. يقال: ذُو رَحِمٍ مَحْرم ومُحَرَّم، وَهُم من لا يَحلُّ نِكاحُه؛ كالأمّ والبنت والأخت والعمة والخالة[3]. وجمع رحم: أرحام، لا يكسر على غير ذلك[4].
قطيعة الرحم:
فقد رتب هذا الحديث الثلاثة الأُوَل من موانع حصول محبة الله تعالى للعباد، وثنَّى بقطيعة الرحم بعد الكفر والشرك مباشرةً، كما رتَّب أسباب تحصيل محبة الله تعالى الثلاثة الأول، وثنى بصلة الرحم بعد الإيمان بالله تعالى. وقد كان من منهجنا في هذا الكتاب أن نقدِّم ما جاء فيه نص من القرآن على ما جاءت به نصوص السنة؛ لكن ما دمنا -كأهل سنة- نعتبر السنة المشرّفة هي الوحي الثاني، وما دام الحديث قد صحَّ، فإنه يجب اتباع السنة في ترتيب موانع حصول محبّة الله تعالى عبادَه وأسباب تحصيلها، خاصة وأن القرآن لم يرتب لا هذه ولا تلك، بل إن القرآن رتب الصلة بعد الإيمان والإحسان إلى الوالدين في غير ما موضع، والضدّ بالضد.. قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]؛ فجعل الله تعالى الرحم ملازمةً لتقواه سبحانه، وقال - عز وجل -: ﴿ وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36]؛ فجعلها سبحانه تاليةً لعبادته تعالى والإحسان إلى الوالدين.
ومع أن القرآن لم يصرِّح بأن قطيعة الأرحام مانعٌ من حصول محبّة الله تعالى لعبادِه، ولا بأن صلتها سببٌ لتحصيلها، فإنه حضَّ على الصلة - كما سيأتي في الباب الثالث إن شاء الله - ونفَّر من القطيعة.. قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1].. قال الطبري: بمعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء على مكنيٍّ في حال الخفض إلا في ضرورة شعرٍ على ما قد وصفت قبلُ[5]، وقال - عز وجل -: ﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله ﴾ [الأنفال: 75، والأحزاب: 6].. فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف فتركت الوارثة بالحلف وورثوا بالقرابة[6].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة قاطع"[7]؛ أي قاطع رحم، والمراد به هنا من استحل القطيعة، أو أي قاطع والمراد لا يدخلها قبل أن يحاسب ويعاقب على قطيعته، وقطع الرحم هو ترك الصلة والإحسان والبر بالأقارب[8]، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقرؤوا إن شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾[9]، وعن عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن وهي الرحم، شققتُ لها اسمًا من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتَتُّه"[10].
وإذًا فالرحم مشتقة من اسم الله الرحمن، وقد توعَّد - سبحانه وتعالى - من قطعها بقطعه، وهو - سبحانه وتعالى - لا يقطع إلا من يبغضه.
هذا، وقد شاع في زماننا هذا قطع الأرحام تحت ذرائع عدَّة منها على سبيل المثال:
1- الانشغال بالعمل، الذي لا يعدو كونه من أجل كسب المعاش الدنيوي، فانظر كيف يبيع الخاسرُ النفيسَ بالرخيص؛ فيمنعه تحصيل الرزق المكفول له من تحصيل محبة العزيز الكريم سبحانه؟!.
2- اعتبار البعض أن وقت زيارة الأقارب ضائعٌ فيما لا طائل من ورائه.
3- خشية البعض من صدود أقاربه له إذا ما وصلهم، وتأتي في ذلك جملة تأويلات فاسدة لكلامهم وسلوكياتهم معه، فيجلس وكأنه حسيبٌ رقيب يحصي كل حركةٍ ويأوّل كل كلمة، وكأنه يتلمَّس سببًا يتكئ عليه ليقطع رحمه.
4- خشية البعض أن يطلب بعض أرحامه شيئًا منه، فيقطعهم لذلك.
5- اعتقاد البعض، وخاصةً النساء، أن أرحامهم يحسدونهم، وربما يكون هذا محض ادعاء لتسويغ القطيعة.
وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "من سرَّه أن يُبسَط له في رزقه أو يُنسَأ له في أثرِه فليصل رحِمَه"[11] خير إبطالٍ لهذا القياس الفاسد؛ فقد أناط الشرع بصلة الرحم كلاًّ من: بسط الرزق ردًّا على المنشغلين بالعمل الدنيوي عن الصلة، وكذا على مدعي حسد ذوي قرباهم لهم. وتأخير العمر ردًّا على مدعي ضياع وقته في الصلة.
خلاصة هذا السبب:
أن من موانع حصول محبّة العلي الكبير سبحانه قطيعة الأرحام؛ بل هي في المرتبة الثانية بعد الكفر بالله تعالى، والعكس بالعكس كما سيأتي إن شاء الله.
________________________________________
[1] [صحيح] سبق تخريجه.
[2] انظر: "تاج العروس" للزبيدي (ص7726-7727) مادة (ر ح م) مختصرا.
[3] انظر: "النهاية" لابن الأثير (ج2 ص504).
[4] انظر: "تاج العروس" (ص7727) مادة (ر ح م).
[5] انظر: "تفسير الطبري" (ج3 ص565).
[6] انظر: "تفسير القرطبي" (ج14 ص110).
[7] [متفق عليه] أخرجه البخاري في الأدب، باب/ إثم القاطع (ح5638)، ومسلم في البر والصلة والآداب باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (ح2556).
[8] انظر: "الجامع الصحيح المختصر" تحقيق د. مصطفى ديب البغا (ج5 ص2231).
[9] أخرجه البخاري في الأدب، باب/ من وصل وصله الله (ح5641).
[10] [صحيح] أخرجه أبو داود في الزكاة، باب/ في صلة الرحم (ح1694)، والحاكم في المستدرك (4/173 ح7267)، وقال الذهبي في "التلخيص": "صحيح"، وقال الألباني في "صحيح أبي داود": "صحيح".
[11] [متفق عليه] أخرجه البخاري في البيوع، باب/ من أحب البسط في الرزق (ح1961)، وطرفه في الأدب، باب/ من بسط له في الرزق بصلة الرحم (ح5640)، ومسلم في البر والصلة، باب/ صلة الرحم وتحريم قطيعتها (ح2557) من أنس بن مالك رضي الله عنه.
إرسال تعليق