ورد في مقال كلاود الوعي الذاتي؛ مفتاح لنجاح القادة.
يعرف مفهوم الوعي الذاتي (self
awareness) بأنه القدرة على التحكم بالمشاعر في النفس،
والتحكم بأي رد فعل ناتج عن تلك المشاعر. يحتاج الإنسان دائمًا إلى إدراك الذات والوعي
بالذات بشكل أو بآخر في جميع نواحي الحياة.
في الحقيقة؛ فإن للوعي الذاتي أهمية كبيرة في حياة الفرد،
وهو ذو أهمية كبيرة في عالم العمل. فمن يعتلون
مناصب إدارية يجب أن يمتلكون رؤية وحكمة في التعامل مع الأشخاص، وكيفَ يمارسون
أعمالهم المختلفة بوعي ذاتي، دون أن تتماشى مع عواطفهم.
بواسطة الوعي الذاتي، يمكن معرفة نقاط القوة والضعف لدى نفسك،
ومعرفة كيفية أن تتحول مشاعرك الداخلية إلى ردود أفعال صحيحة، كذلك فهم ما تشعر به.
الإدراك أو الوعي الذاتي يساعدك كقائد في معاملة أو مواجهة
المواقف والمشاكل بالشكل الصحيح داخل المؤسسة، وتجنب تفاقمها وإدراك أنها تضر بالشركة.
أن تدرك عواطفك ومشاعرك يعني أنك تعرف أين نقاط قوتك وضعفك، وتفهم نفسك وأفكارك ورغباتك
بوضوح، وهذا يمثل أحد أبرز العوامل التي تقود بها الشركة للنجاح.
كما تبرز أهمية الوعي الذاتي في فريق العمل، فالأفراد سيكونون
أكثر راحةً في التعامل والتحدث مع قائدهم الواعي.
يساعدنا الوعي الذاتي على فهم أنفسنا وإدارتها، ومعرفة كيف
يكون التفكير الصحيح، فهو الطريقة التي تستطيع من خلالها استغلال الذكاء الخاص بك.
يستطيع القائد الواعي بناءَ علاقات مع أفراد فريقه بعدة طُرق، لأنه يفهم الجميع ويعرف
كيفية التعامل مع أي شخص، وهذا بسبب امتلاكه وعي ذاتيّ.
هناك العديد من القادة لا يشعر الموظفون معهم بالراحة ضمن
العمل، يرجع ذلك إلى ضعف الوعي الذاتي لديهم، وبالتالي عدم وجود قدرة على التعامل الصحيح
مع أفراد الفريق، أو أنه عليك كقائد أن تمتلك مهارات أساسية لتصبح مشرف ناجح في شركتك.
في حوارنا عن الوعي
يشاركنا الرفيق كارل ماركس والفيلسوف نيتشه وأبو الطب النفسي سيغموند فرويد.
ولنبدأ بكارل ماركس..ما الوعي يا ماركس؟
ماركس: إن الوعي هو ذلك البناء الفوقي الذي تتجلى فيه جميع
الأنشطة الإنسانية، لا نستطيع إطلاقا أن نتمثل الوعي في معزل عن الأوضاع الاجتماعية.
إن الوعي على علاقة رئيسية بالإنتاج، فالناس يدخلون في علاقات
إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم، تولد عندهم درجات متنوعة من الوعي.
ومن هنا يقول ماركس جملته الشهيرة "ليس وعي الناس هو
الذي يحدد وجودهم، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم".
ولنترك كارل ماركس ووعيه، فقد أثبتت الأيام أن وعي الماركسيين
لم يكن صائبا على الدوام، ولنذهب إلى "الفيلسوف نيتشه..
ما الوعي يا نيتشه؟
نيتشه: إن بإمكان الإنسان أن يعيش حياته في استقلال عن الوعي
تماما، ولما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء؛
اضطر الإنسان لأن يعبر عن نفسه في كلمات، ومن ثم يكون نمو اللغة ونمو الوعي متلازمين.
هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما، كالواجب والمسؤولية والحرية
والوعي… إلخ، فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما.
فرويد: مهلاً، مهلاً، يا نيتشه...أنت تتحدث من اللاشعور؟
إننا مخطئون جدا إذا نسبنا كل سلوكياتنا إلى الوعي وحدهُ، لأن كل هذه الأفعال الواعية
تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى القول إنه لا بد أن ندرك بواسطة
الوعي كل ما يجري فينا.
إن كثيرا من السلوكيات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب
الأساسي من حياتنا النفسية وهو اللاشعور.
الإنسان لا يتحرك إلا بدوافع لا شعورية لا واعية.
إن الحياة الإنسانية أشبه بجبل الجليد، وما يظهر منه أقل
بكثير مما هو خفي.
إننا نستطيع القول إن الحياة الإنسانية حياة مزدوجة، والحديث
حول العلوم الإنسانية نسبي ومركب، إذ يلعب فيها كلّ من الوعي واللاشعور دورا مركزيا
في صناعة الإنسان، ولا يجب أن ننسى أن للإنسان حرية وإرادة ومسؤولية بعيدا عن بيئته
المجبور عليها، إذ يختار الإنسان كثيرا من سلوكه بكامل الوعي.
أما الحديث عن الوعي الصحيح من الوعي الخاطئ والفصل بينهما
فصلا نهائيًّا فيعدّ ضربًا من ضروب السفسطة والجدل العقيم.
فكيف يستطيع المرء أن يعمل على تطوير الوعي لذاته، حتى يكون
قائدًا ناجحًا؟
سبعة طرق رئيسية لتطوير الوعي الذاتي لدى القائد
1- أعطِ المجال
للتفكير في أدائك
من المهم أن يعرف القائد نسبة أدائه، فدائِمًا النجاح يعتمد
على تطوير الذات بشكل مستمر، لذا؛ خصّص وقتًا من أجل التركيز والتفكير في أفكارك أو
معاييرك أو أفعالك لترى أدائك الحالي، كما عليك أن تعرف نقاط القوّة والضعف في شخصيتك،
وبعدها عليك اكتشاف كيف يمكن تحسين أو تطوير الوعي الذاتي لديك.
التفكير النفسي يَعني أن تبحث عن أخطائك وعثراتك، وتبحث عن
الحلول التي تكون سبيلك للتطور، فالوعي الذاتي يتطلب تطويره التفكير المستمرِّ.
2- ابتعد عن التصنع
هل سبق وكنت صريحًا وشفافًا بشكل كامل في عملك القيادي؟ فإن
كان جوابك بنعم؛ فلا شك أنك تمتلك إحدى ركائز القيادة الناجحة، وإلا فأنت تعاني من
ضعف الثقة. فمِن المهم ألّا تتصنع لترضي الآخرين، كن أنت نفسك، فإن مدى شفافيتك يعبّر
عن مدى وعيك، ويعتبر إحدى معايير الوعي الذاتي.
3- تحمل المسؤولية
وقوع الأخطاء الشخصية من قِبل القائد لا يُعد أمرًا كارثيًا،
فالخطأ الحقيقي هو أن تبتعد عن تحميل نفسك مسؤولية عثراتك وأغلاطك.
يعترف القادة الناجحون بأخطائهم بشكلٍ صريح، كما يلومون أنفسهم
ولا يضعون اللوم على الآخرين، وهذا شكلٌ آخر لتمتعهم بالوعي الذاتي التّام، فهم عادة
يعطون لأنفسهم الفرصة للتفكير في الخطأ، وكيف كان عليهم التصرف بشكل مناسب أكثر، أو
الانتباه بصورة أكبر في المرات القادمة.
4- اطلب من موظفيك أن يعلّقوا
تنمية ذات الشخص ووعيه الذاتي تحتاج إلى إبداء رأي الآخرين
حول ذاته ووعيه وأدائه، هذه التنمية يحتاجها أي قائد في عمله، حيث أنه قد يعاني من
ضعف في جانبٍ ما في عمله دون أن يعرفه.
فعندما يعطي القائد الفرصة لموظفيه من أجل إبداء رأيهم، فهذه
فرصة له للتعرف على مستوى أدائه، وستكون تجربة بنّاءة تساعده على النضج أكثر.
هذا مظهر من مظاهر الوعي الذاتي، ومصدر من مصادر بناء الوعي
الذاتي.
5- حوّل الملاحظات إلى أفعال
لن يكون هناك فائدة من الاستماع للملاحظات الموجهة لك ما
لم تقم بتنفيذها، فالقائد إن أصغَ اليوم للملاحظات والنقد الذي يطرحه الموظفون اليوم،
ولم يقم بتحسينه غدًا، فلن يتمكن من التطور بنفسه، ولن يفيده ذلك في شيء، فهذا لا يدل
على وجود الوعي الذاتي فيه أساساً.
لذا؛ أنصحك بأن تدوّن كل ملاحظة يخبرك بها الموظفون في نفس
اللحظة، وتحولها إلى أحدِ مهامك الصغيرة.
هذه ميزة يكتسبها كل قائد ناجح يسعى لتطوير الوعي الذاتي
لديه.
6- ممارسة عادات اليقظة الذهنية
إفساح عدة مجالات لأنفسنا بعيدًا عن العمل أمرٌ ضروري، مثل
ممارسة اليقظة الذهنية (Mindfulness)، كالتنفس بتركيز،
أو التأمل حتى، فمن المهم أن يأخذ العقل بعض الراحة، ونشعر بأنّنا نمتلك بعضًا من وقتنا
وحياتنا البعيدة عن العمل.
يساعد التأمل جدًا على زيادة الوعي الذاتي، وتنمية الفكر.
7- ابحث عن العلاج لا عن السبب
دائمًا ما نجد في القادة الناجحين أنهم يهتمون في البحث عن
علاج الوقائع السلبية أكثر من التفكير بأسباب وحجم تلك الوقائعِ، أو لماذا وقعت، فهذه
إحدى الركائز والمبادئ الناجحة للقادة الناجحين.
إن إبعاد الشعور العاطفي مثل الغضب أو الحزن، وجميع المؤثرات
النفسية عند وجود مشاكل، والتفكير في حلها، سيطوّر من الوعي الذاتي لديك.
إرسال تعليق