رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن اللغة العربية وعاء علوم الدين



 رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن اللغة العربية وعاء علوم الدين

بقلم \ المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
مما لا شك فيه أن اللغة العربيةُ وعاءُ علومِ الدين، والحكمُ الشرعيُّ لتعلُّمِها هو الوجوبُ، وتربية النشءِ على التخاطبِ بها، ومعرفةُ قواعدِها واجبٌ دينيٌّ على كلِّ مسلمٍ؛ لأنَّهُ لا يُقرأُ القرآنُ الكريمُ إلاَّ بها، فقد حكى الإمامُ الزركشيُّ الإجماعَ على عدم صحة قراءة القرآن الكريم بغير العربية.
وباللغة العربيةِ تُفهمُ سنةُ أفْصَح العرب - صلى الله عليه وسلم - فتَتَحَقَّقُ الغايةُ التي خَلَقَ اللهُ الخلقَ من أجلها، وهي العبادة؛ قال - جَلَّ شَأْنُهُ -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
روي عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه كتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - فقال: "أمَّا بَعْدُ؛ فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية؛ فإنَّها من دينكم".
وهذا الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من فقه العربية وفقه السُّنَّة يجمعُ كلَّ ما يَحتاج المسلمُ إليه؛ لأنَّ الدينَ فيه أقوالٌ وأفعالٌ، ففقهُ العربية هو الطريقُ إلى فهم أقوال الدين، وفقه السنة هو الطريق إلى فهم أفعال الدين.
وكان أبو عمرو بن العلاء البصريُّ إمامُ العربية وشيخُ القراءة يَعُدُّ اللغةَ العربيةَ من الدين لا تنفصلُ عنه، ولا ينفصلُ عنها، فبلغ ذلك عبدَالله بنَ المبارك، فقال: صَدَقَ.
وهذا ما دَفَعَ جميعَ الداخلين في دين الله - تعالى - أفواجًا إلى الإقبال على اللغة العربية، وصرف الهمة إليها؛ حتى يُحققوا غاية العبادة التى خلقوا من أجلها.
ودَفَعَهم إليها - أيْضًا - أنَّ كلَّ مَنْ تكلَّمَ العربيةَ فهو عربيٌّ؛ لأنَّ العربيَّةَ ليست للنَّاسِ بأمٍّ ولا أبٍ، وإنَّما هي اللسان، فَمَنْ تَكَلَّمَ بها فهو عربيٌّ.
ونخلص من ذلك كُلِّهِ إلى القول بأنَّ عالميةَ اللغة العربية لا جِدَالَ فيها، وليست في حاجةٍ إلى إثباتٍ؛ لأنَّها ليست من صنع البشر.
دلائل واضحة على عالمية العربية الفصحى:
• عالمية اللغة العربية هي التي جعلت من بِلال بن رَبَاح الحبشيِّ - رضي الله عنه - رَجُلاً من أفصح الناس، ومؤذنًا لأفصح العرب - صلى الله عليه وسلم - وزَوْجًا لامرأةٍ عربيةٍ من بني زُهْرَة.
• عالمية اللغة العربية هي التي جعلت من سيبويه الفارسيِّ مُتَنَسِّكًا لله - تعالى - في محراب العربية؛ فمنحه الله - تعالى - ما لم يمنحه لعربيٍّ، وجادت له العربيةُ بما ضَنَّتْ به على آخرين، فسلمته مقاليدَ خزائنها النحوية والصرفية واللغوية، فقام بوضع قواعدها التي استمدها من كلام الله - عز وجل - وكلام العرب في كتابٍ سَمَّاه العلماءُ من بعده (قُرآن النحو)، ولقبوه هو بإمام النحاة، وشيخ النحويين.
لَم يقف العلماءُ في كتاب سيبويه الفارسي على عثراتٍ، لا في الأسلوبِ، ولا في القواعدِ المدونةِ، مع أنَّهُ باكورةٌ في النحو، ومع كثرة الناظرين فيه لطَلَبِ العلم، أو لالتماس الأخطاء.
• عالمية اللغة العربية هي التي جعلت من أبي عليّ الفارسي إمامًا في العربية هَدَّكُم من إمامٍ، فهو صاحب احتجاج للقراءات السبع وقرائها، وعالم نحويٌّ أديب كثير المصنفات.
عالمية اللغة العربية هي التي جعلت ابن جني فيلسوف العربية، وفقيهها البارع، فَصَنَّفَ الخصائص، وسر الصناعة، واللمع، والمحتسب، والمنصف، والتصريف الملوكي، وغير ذلك.
كانَ أبوه مملوكًا روميًّا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، وقد عُيِّر ابن جني بذلك فقال:
فَإِنْ أُصْبِحْ بِلا نَسَبٍ
فَعِلْمِي فِي الْوَرَى نَسَبِي
عَلَى أَنِّي أَؤُولُ إلَى
قُرُومٍ سَادَةٍ نُجُبِ
قَيَاصِرَةٌ إذَا نَطَقُوا
أَرَمَّ الدَّهْرُ فِي الْخُطَبِ
أُلاكَ دَعَا النَّبِيُّ لَهُمْ
كَفَى شَرَفًا دُعَاءُ نَبِي
• عالمية اللغة العربية هي التي جعلت أكثر مفسري القرآن الكريم من غير الجنس العربي.
• عالمية اللغة العربية هي التي جعلت أصحاب الكتب الصحاح الستة من غير البلاد العربية: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه،والترمذي، وأبو داود.
• عالمية اللغة العربية هي التي جعلت الفائزين بالدرجاتِ العليا في مسابقاتِ حفظ القرآن الكريم وتلاوته من أبناء الجنسيات غيرالعربية.
• وكلُّ شيءٍ في العربية قد يراه ذو النظرة الْعَجْلَى عيبًا - عاملُ ثراءٍ له وجالبُ منفعةٍ للغويين والأدباء؛ فمثلاً الخلاف في المسائل النحوية ليس عيبًا يوجه إلى النحو العربيِّ، كما أنَّ الخلاف الفقهيَّ ليس عيبًا يوجه إلى الفقه الإسلامي، بل إنَّهُ عاملُ ثراءٍ للغةِ العربية، وفتحٌ في مجال القول فيها، يزيد الاستعمال اللغويَّ سعةً على سَعَتِهِ، ويضُمُّ أُفُقًا إلى أُفقه، ولقد استفدنا كثيرًا من الخلاف الدائر في كتب التراث اللغوي والفقهي على السواء؛ إذ تعلمنا منه أدبَ الحوار، وهو قيمة دينية بدت في تراثنا العربي عن طريق تعدد الآراء في المسألة الواحدة، واستناد كل رأي إلى أدلة، وقرع الحجة بالحجة دون إساءة إلى الآخرين.
الأزمة:
إنَّنَا في هَذِهِ الأيام نَعِيشُ أزمةً عظيمةً، هي أزمةُ أُمَّةٍ، ولَيْسَتْ أزمةَ لُغَة، وأزْمَةُ ناطقين وليستْ أزمةَ كلماتٍ وأساليب، ما ضَعُفَتِ اللغةُ العربيةُ يَوْمًا وما عَجَزَتْ، ولكنَّ الضعفَ في أبنائها، والتقصيرَ جاء من المنتسبين إليها.
رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبابِ وَلَيْتَنِي
عَقِمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أجِدْ لِعَرَائِسِي
رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
بعض المنتسبين إلى العربية لم يحسنوا التعاملَ معها، ولا فَهْمَ تراثها، فما كان منهم إلا الهجومُ عليها، والجريُ وراء الغربِ في كلِّ طيبٍ وخبيثٍ، وصالحٍ وفاسدٍ، وبناءٍ وهدَّامٍ.
وبعضُ المنتسبين إليها راجحُ العقل يعرف خصوصيات العربية، فيأخذ من كلِّ جديدٍ ما يتناسب معها ومع قواعدها الثابتة، ويطرح الخبيث الرديء، والحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها اكتسبها، وللأسف هؤلاء قليلون.
وبعضُ العربِ يحاربون العربيةَ محاربَةً شديدةً في سوق العملِ؛ إذ تجد المبالغةَ في أهميَّةِ اللغةِ الإنجليزيةِ واشتراط إجادتها، سواء أكانت ضروريةً للعمل أم لم تكن.
وقد حال ذلك بين المواطنِ العربيِّ وبين الحصولِ على لُقْمَةِ العيش، وفَتَحَ البابَ على مصراعيه أمامَ الأجانبِ الذين حَلُّوا محلَّ المواطنين، وهذا يُؤَثِّرُ تأثيرًا سلبيًّا على مصلحةِ الوطنِ، وملامح الْهُوِيَّة.
واجبنا تجاه هذه اللغة العالمية:
وَاجِبُنَا أن نَدْعُوَ إلى مراجعةِ النفسِ العربيةِ للخروجِ من التقصيرِ في حقِّ هذه اللغة العظيمة، والعناية بسلامتها في النطق والكتابة، والتعاون من أجل تحقيق الأمور الآتية:
1- تسهيل مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بها من ناحيةٍ، ولغير الناطقين بها من ناحيةٍ أخرى.
2- الاستمرار في وضع المعاجم اللغوية الحديثة المتنوِّعة؛ لتلبي حاجات الناس، ولتُبَيِّن لهم طرقَ استخدامِ اللفظِ المناسبِ في المكان المناسب.
3- تسهيل قواعد اللغة العربية، ووَضْعها في كتابٍ واضحٍ يأخذ بيد محبي العربية إلى الاستعمال اللغويِّ الصحيح في سهولة ويُسْرٍ.
4- اعتماد التعليم الذي يقوم على تنمية المهارات اللغوية الأربع؛ (مهارة القراءة، ومهارة الكتابة، ومهارة المحادثة، ومهارة الاستماع).
5- تصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة عند المتكلمين بالعربية وكاتبيها؛ لضمان سلامة النطق والكتابة.
6- المداومةُ على إقامة دورات لرفع المستوى اللغوى لمدرِّسي اللغة العربية، وللدعاة، واحتساب الأجر في ذلك عند الله - تعالى.
7- أن يَعْتَادَ المسلمون التَّكَلُّمَ باللغة العربية وفقَ القواعدِ اللغويةِ في البيوتِ والاجتماعاتِ، وأن يكونَ الوالدانِ قدوةً للأبناء داخلَ البيتِ في ذلك.
8- تعميم استعمال اللغة العربية في مراحل التعليم المختلفة، وفي جميع التخصُّصات: الطب، والعلوم، والرياضيات، والفلك، والهندسة... إلخ.
9- جَعْل اللغة العربية مادةً إجباريةً تُدَرَّسُ في جميع دول العالم الإسلامي؛ لأنَّ اللغةَ العربيةَ هي الوسيلةُ الوحيدة التي تتمُّ بها العبادةُ، وتقودُ الأمةَ المسلمةَ إلى الْوَحْدَةِ التي أُمِرَت بِهَا.
فإنَّ الأمةَ التي تُهْمِلُ لُغَتَهَا تصْبِحُ تابعةً للآخرين، وأبناءُ العروبةِ الحقَّةِ يأبَوْن ذلك، وما أجملَ قولَ أبي الرَّيْحان البَيْروني (ت: 440هـ) عن العربية، مع أنَّهُ كان يتقن عدة لغات:"والهجو بالعربية أحبُّ إلي من المدحبالفارسية"!
وما أحْسَنَ قولَ الإمامِ الشافعيِّ في الرسالة: "لسانُ العربِ أوْسَعُ الألسنةِ مذهبًا وأكثرها ألفاظًا... وأولى النّاسِ بالفضلِ في اللّسَانِ مَنْ لِسَانُهُ لِسَانُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز - واللّه أعلم - أن يكونَ أهلُ لِسَانِهِ أتباعًا لأهلِ لسانٍ غيرِ لِسَانِهِ في حَرْفٍ وَاحِدٍ، بل كُلُّ لِسَانٍ تَبَعٌ لِلِسَانِهِ، وكُلُّ أهْلِ دِينٍ قَبْلَهُ فعليهم اتِّباعُ دينِهِ".
أثر القرآن الكريم في اللغة العربية:
لقد حوَّل القرآنُ الكريمُ اللغةَ العربيةَ من لغةٍ محليةٍ إلى لغةٍ عالميةٍ، ولم يكن للعرب قبل نزوله شأنٌ يُذْكَر، وما كانوا يطمحون أن يتعدَّى سلطانُ لغتِهِمْ حدودَ الجزيرةِ العربيةِ، حتى جاء القرآن الكريم بمبادئه السامية، وتعاليمه الراقية، ورسالته العامة، فأقبل الناسُ أفواجًا من كل صوبٍ على تَعَلُّمِ اللغةِ العربيةِ، ولولا الذِّكْرُ الحكيمُ لم يكن للعربية هذا الانتشارُ الواسعُ.
ثمرة ونتيجة:
ولتَعلُّمِ اللغةِ العربيةِ واعتيادِ التَّكَلُّمِ بها فائدةٌ عظيمةٌ، ونتيجةٌ طيبةٌ، ذَكَرَها ابنُ تيمية - رحمه الله - حين قال: "اعلم أنَّ اعتيادَ اللغةِ يؤثرُ في العقلِ والْخُلُقِ والدّين تأثيرًا قويًّا بيّنًا، ويؤثرُ - أيضًا - في مشابهةِ صدرِ هذه الأمةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتُهم تزيدُ العقلَ والدّينَ والْخُلُقَ".
وفي الختام أسأل الله - تعالى - أن يرحمَ شيوخَ اللغة العربية الأجلاءَ من لدن أبي الأسود الدؤليّ إلى ما شاء الله - تعالى - وأن يُصلِّي ويُسلِّمَ على أفصح العرب وآله عددَ الحصى والرمل والدقيق، وعددَ الموج الدفيق.

اكتب تعليق

أحدث أقدم