بقلم \ المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
من واجب كل أمة أن تتعرَّف على تراثها، وأن تغوص في أعماقه؛ لتَكتشف آفاقه، ولتتعرَّف على ذاتها من خلاله، وأيضًا لكي تُقوِّم هذا التراث، فتأخُذ ما فيه من إيجابيات تَنسِجها مع خيوط واقعها ومستقبلها، في ظل ما تَحمله من أعباء وما تواجهه من تحديات.
إن التراث هو الوعاء الذي يضم جوانب مسيرتنا الفكرية، وحركتنا العملية التي تتضمَّن فعلنا الحضاري وإبداعاتنا الفكرية والفنية والتطبيقية.
والتراث الحي يقبل الإضافة دائمًا، وما يَزعمه بعضهم من أن الإضافة للتراث لا تكون إلا باقتلاع جذور التراث، إنما يعكس - بصدقٍ - عجزهم وقصورهم الشخصي، ورغبتهم الساذجة في العمل إلى جانب الهدْم السهل، بدل البناء الإيجابي الصعب.
ويختلف تحديدنا لمفهوم التراث الإسلامي عن المفهوم السائد للتراث، من زاوية أن الثوابت في التراث الإنساني العام، قد أصبحت هزيلة جدًّا، وأمكن الاعتداء عليها من حركات الحداثة والإلحاد، لكن في التراث الإسلامي تتجلى الثوابت فوق الإذابة أو التحريفات، حتى في الحالات التي تَخضع فيها الأمة الإسلامية لهزائمَ عسكرية أو فكرية، أو لخيانات حضارية من جانب المسحوقين أمام أعداء الأمة.
والسبب في ذلك أن ثوابت التراث الإسلامي قائمة على مرجعية إسلامية أصيلة فوق كل تحريفٍ وتزييفٍ.
والنظر المحايد لهذا التراث يجب أن يتركز على المستوى البشري منه فقط؛ لأن المستوى "المنقول " مستوى موجود في كل مراحل التاريخ النبوي، وهو أيضًا داخل في إطار عقيدة كاملة يُمكن النظر إليها كوحدة متكاملة.
إن الموقف الإسلامي من التراث يمثل - بحقٍّ - النموذج الذي يجب أن تَقتدي به البشرية في المستقبل، إنه نموذج الإسلام، بمرجعيته الثابتة (النقلية العقلية)، فكلاهما - النقل والعقل - يعملان معًا، وكما أن الدين في حاجة للعلم؛ لأنه لا يَعقِله إلا العالمون، ولأن الذين يخشون الله هم العلماء، فإن العلم كذلك يحتاج إلى حراسة الدين؛ كيلا يُزهَق رُوحه في مستنقع الحِس والتجسيد، محرومًا من نسمات التجريد الرحبة العالية.
وثمة عوامل أساسية عصَمت تراثنا من الوقوع في مستنقع النزاع بين العقل والنقل، على رأسها طبيعة ديننا التي يَتناغم فيها العقل مع النقل، والتكامل التام بين الوحي والمعرفة، بدرجة إطلاق الدين على العلم؛ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾ [الروم: 56].
ومبدأ دَرء تعارُض العقل والنقل على أساس أنهما لا يتعارضان، إلا إذا كان ثمة خَللٌ في الفكر الذي يقدمهما.
ويُعد موقفنا من احترام عقل الآخر ورأيه واحدًا من العوامل الكثيرة التي حفِظت لنا الجمع بين الثوابت والمتغيرات العقلية.
ومع ذلك فنحن ملزمون في كل منعطف أو مأْزق حضاري، أن نراجع أنفسنا؛ لنعرف أسباب انحرافنا، وخلاصة أسباب تدهورنا، وبينما نقوم بدراسة هذا الركن، نقوم في الوقت نفسه بدراسة خمائر الحضارة - الثابتة والمتغيرة - التي يُمكننا أن نَعبُر منها إلى المستقبل؛ أي: بإيجاز لا بد من مسْحٍ لصفحات تراثنا والإقلاع نحو بناء النهضة.
وبادئ ذي بَدء، يجب علينا تَصفية عاداتنا وتقالدينا، وإطارنا الخلقي والاجتماعي مما فيه من عوامل قتَّالة، ورِمَمٍ لا فائدة منها؛ حتى يَصفو الجو للعوامل الحية والداعية إلى الحياة.
وإن هذه التصفية لا تتأتى إلا بفكر جديد، يَحطِم ذلك الوضع الموروث عن فترة تدهوُّر مجتمع، أصبح يبحث عن وضع جديد، وهو وضْع النهضة.
وهنا يكون من الضروري أن نقوم بدراسة الأوضاع بطريقتين:
سلبية: تَفصلنا عن رواسب الماضي، وجوانب الانحراف فيه.
وإيجابية: تَصلنا بمقتضيات المستقبل.
ومما تنفرد به الحضارة الإسلامية: أنها تقوم في سياق واحد بعملية التغيير هذه - من ناحيتَيها السلبية والإيجابية - لأنها صدَرت فيهما عن القرآن الكريم، الذي نفي الأفكار الجاهلية البالية، ثم رسَم طريق الفكرة الإسلامية الصافية التي تُخطِّط للمستقبل بطريقة إيجابية، وهذا العمل نفسه لازمٌ اليومَ للنهضة الإسلامية.
إنه لم يَهدِم ثم يبدأ في البناء، بل كان البناء نفسه وسيلة هدم الموروث السلبي.
إرسال تعليق