رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن ذوق الشِعر
بقلم / المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
رئيس الإتحاد العالمي للفلاحين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
مستشار مركز التعاو ن الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الشباب
مما لا شك فيه أن للشِعر أثره على نفس الإنسان -سواء أكان قائلاً له أم قارئاً-، وله وقعه في القلب، وتكاد تظهر آثاره على جوارح الإنسان، لأجل هذا يختلف رأي الناس في شعر ما لاختلاف وارده وباعثه.
"ذوق الشعر" وظيفة لم يدرك قيمتها إلاّ الندرة من الناس؛ لأن الذوق إنما يكون في القلب للمعاني، فإذا كان الشاعر قد قال شعره متذوقاً إياه بإتقانه مبنى الأبيات وسبكه جودة المعاني، وقابل متلقياً متذوقاً لجمال المعنى المبطن في كمال المبنى حصل للقلب طربه وللنفس رقصها.
فلا غرابة حينئذٍ إذا وقفنا في أخبار المتذوقين عند سماع الشعر على أحوال مختلفة، قد تكون صراخاً، بل ربما رقصاً وهزَّاً، ولا عجب أن انتهى بخروج الروح؛ لأن السماع قلبي وليس أذنياً، وفِقْهُ القلبِ للمعاني لا يُدْرَكُ ولا يُحَدُّ؛ فقد يكون إدراكاً بعيداً عَن ظاهرِ اللفظِ، والذَّوْقُ القلبيُّ سِرٌّ مكنونٌ لا يُظْهَرُ إلاّ لِمن يَسْتَحِقُّه.
إنَّ ورود المعاني على القلبِ في قوالبِ مبانٍ متينةٍ مُحْكَمَةٍ يُحدثُ في الفؤاد جلَبَةً و أثراً، وكلُّ كلامٍ متينِ المعاني له أثرُه في الأنفسِ؛ لأنَّ كلام الحكمةِ عليه نورُ المعاني، والقلوبُ تفْقَهُ المعاني، والأذن تُدْرِكُ جَرْسَ المباني.
حَديثُ الروحِ للأرواحِ يسري * * * وتدركُهُ القلوبُ بلا عناءِ
فإذا كانت هذه صورةُ وأثرُ الشعرِ في قائلِه وسامعه، فكيف السبيلُ لتحصيل ذاك التَّذَوُّق؟
مَن مِن الناسِ لا يُحِبُّ أن يكون ذوَّاقاً للشعرِ، مُدركاً لذَّتَه؟
لما يقولُ الشاعرُ أبياتَه، ويقرِضُ أشعارَه يكون لحالِه أثر في إلباسِ شعرِهِ لبوساً يحكي تلك الحال، فمجالاتُ الشعرِ المطروقةُ مِن الشعراءِ كثيرة، و لكلِّ شاعرٍ إتقانٌ و إحسانٌ لمجالٍ أو أكثر دون غيرِه، وغالباً ما تكون الأطروحات الشعرية نابعةً من حرارةِ الحال، والتذوُّقُ يتحقَّقُ لما يكون القارئ للشعرِ متعايشاً معَ ما تضمَّنَه الشعرُ من معانٍ، فإنْ قرأَ شِعراً فيهِ من معاني الحزن ما يقطع الأفئدة و هو في حالٍ من الطربِ أو الأُنْسِ فلن يجد أثراً للشعرِ، وكذا لو قرأ محزونٌ أبياتَ الفخرِ والمديحِ فلا يلتفتُ الفؤادُ إليها لأن الحالين مختلفان، فالقراءةُ بَرُوْحِ الشاعرِ تَذَوُّقٌ لمعاني شعرِهِ.
فَمَيْلُ القارئ إلى شِعْرِ شاعرٍ يَحكي في شِعْرِهِ ما تميلُ إليه نفْسُهُ أجودُ أثراً مِن مَيْلِهِ لشعرٍ لا تتوافقُ معانيه ومبانيه مع ميولِه، فلما يقرأُ فَخورٌ أشعارَ المفتخرين يكون الذوقُ ظاهراً عليه، فانتقاءُ القارئ شعراً يستقيمُ مَعَ ما تعشقه نفسه يجعل تذوُّقَه للمعاني قوياً.
مجالاتُ الشعر التوظيفية - وأعني: ما يُوَظِّفُ فيه الشاعرُ شِعرَه - تَعْتَمِدُ على بُنْيَةِ القَصِيْدَةِ، فليسَ الشعراءُ في انتقاءِ بُنْيَةِ الشعرِ على نَسَقٍ واحدٍ، وملاحظة القارئ اختلافِ البُنى يجعلُه في تذَوُّقٍ للمعاني، والبُنى إما أن تكون بالمعاني وإما أن تكون بالألفاظ، والبُنى اللفظية يَتَفَنَّنُ فيها الشعراءُ كما يتفننون في البُنى المعنوية.
يسلُك الشعراءِ في أشعارهم أنواعاً مِن البُنى اللفظية المختلفةِ، و هذه البُنى يختلِفُ فيها القارئون، والذَّوْقُ في التوافُقِ بين الشاعر والقارئ.
القلبُ يُرْسِلُ للسانِ ما يُعَبِّرُ عنه، فإذا كان الشاعرُ والقارئ متوافقينِ في نمطٍ وليسا مختلفين كان وَقْعُ الشعرِ قوياً، وكان للقارئ تذَوُّقَه البارعُ.
إنَّ مِن الشعراءِ مَنْ يقْرِضُ أشعارَه وهو سارِحٌ في خيالٍ واسِعٍ، فيَنتقلُ في أبياتِهِ بين ميادينَ رَحْبَةٍ، يَخْلُقُ صوراً وأحداثاً ليَعِيْشَ حياةً يَطمحُ أن يكون فيها، أو يَحكي حُزْنَه في مضامين تلك الصورِ المُتَخَيَّلَةِ، فلا يَدعُ خيالاً إبداعياً إلاّ و يسلكُه في أبياتِ شِعْرِه، كثيرٌ من الشعراءِ يأخذون بهذا الأسلوبِ البِنْيَوي، ولا يكادُ ينْفَكُّ القارئ ذو النَّمَطِ الشَّبِيْهِ بالشاعرِ من التأثُّرِ بما يقرأ، وقَد يَكون التشابُه في حكاية الحال بينهما قوياً، عندها حدِّثْ عَن التذَوُّقِ.
وآخَرُ في حكايةٍ لأحداثٍ يَسْمعُ أصواتَاً من داخلِ نفسِهِ، أو مِن خارِجها، تُشَنِّفُ مَسَامِعه - الداخلية والخارجية -، وتكون بُنْيَةُ قصيدته اللفظية من تلك الألفاظ المُوْحِيَةِ لَفْظاً سمعياً، فيميلُ إلى أن يكونَ سَمْعُه مَادحاً أو مواسياً أكثَرَ مِن ميلِهِ إلى سِواه مِمنْ لا يستعملُ ألفاظَ السماعِ، و تميلُ إلى هذا النوع النفسُ المُحِبَّةُ للمدحِ و الثناءِ.
طائفةٌ أُخرى من الشعراءِ تَنْثُرُ في بُنى القصائد إحساساً ومشاعرَ مُرْهَفة، فالشِّعْرُ قِوامُه على إيرادةُ القلبِ، والقلبُ يُتقِنُ فَنَّ المشاعرِ والأحاسيس، فينبعثُ الحُزْنِ بِشكايةٍ واستضعافٍ، تَمُرُّ على الشاعرِ أزمنةٌ يكون نَثرُ ما يَجدُ من أَسَىً في أشعارٍ تُفِيْضُها قريحتُه.
للبلاغَةِ طرفٌ كبيرٌ في التذَوُّقِ الشِعري، فإنَّ البلاغَةَ صنْعَةُ الألفاظ والمعاني، فإذا كان القارئ للأشعارِ لديه أثارةٌ من أصولِ البلاغةِ، وأخذ بمقاصِدِ البليغِ ومراميه في كلامِهِ، كانت قراءتُه للشعرِ قراءة الذائق الغارقِ في معانٍ لا يسبُرُ غورَها إلاّ مَن نحى فوقَ مَنْحاه، لأجلِ ذا كانت للأشعارِ جولتها في قلوبِ المتذَوِّقَة.
وهكذا تختلفُ أشعارُ الشعراءِ بِحَسْبِ انبعاثِ المعاني من قلوبهم، وتذوُّقِهم لتلك المعاني، وبِحَسْبِ بُنْيَةِ ثقافتِهم اللفظية والمعنوية والتي تُظْهِر للقارئ أشعارَهم جوانبَ التذَوُّقِ، وبِحَسْبِ سَكْبِ الصناعة البلاغية في تضاعيفِ القصائد، و بهذه المسالك في أشعارهم كانت التذَوُّقات مختلفة من قارئ لآخر.
إرسال تعليق