بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
مما لا شك فيه أن الدعاء لا يكون مقبولاً عند الله - تعالى - إلا إذا توفرت فيه وفي الداعي جملة من الشروط، نذكرها فيما يلي:
1- الإخلاص فيه فلا يدعو إلا الله - سبحانه -، فإن الدعاء عبادة من العبادات، بل هو من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، قال الله - تعالى -: وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً [الجن: 18]، وقال - تعالى -: فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [غافر: 14]، و عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) - رواه أحمد (1/293، 307)، والترمذي (2511)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7957).
قال ابن رجب: "هذا منزع من قوله - تعالى -: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]، فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة".
وقال: "واعلم أن سؤال الله - عز وجل - دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب، وجلب المنافع ودرء المضار، و لا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة" - جامع العلوم والحكم (ص180، 181).
2- الصبر وعدم الاستعجال، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) - رواه البخاري في الدعوات (6340)، ومسلم في الذكر والدعاء (2735).
وعنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل). قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء) - رواه مسلم في الذكر والدعاء (2735).
ومعنى يستحسر: ينقطع.
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار" - الفتح (11/141).
وقال ابن القيم: "ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله" - الجواب الكافي (ص 10).
3- هذا الشرط ركيزة ضرورية في بناء الدعاء المستجاب، وبدونه يصح الدعاء ضعيفاً … واهياً …
أخي: أتدري ما هو هذا الشرط؟
انه: (التوبة من المعاصي) وإعلان الرجوع إلى الله - تعالى -.
إن أكثر أولئك الذي يشكون من عدم إجابة الدعاء أفتهم المعاصي فهي خلف كل مصيبة..
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح.
قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
ها هي المعاصي قد عمت وتطاير شررها في كل مكان. وقد غفل الغافلون.. وهم في غيهم منهمكون.
ولكن إذا نزلت المصيبة صاروا يجارون بدعاء الله - تعالى - فما أتعسهم وما اقل نصيبهم من إجابة الدعوات.
قيل لإبراهيم بن ادهم -رحمة الله-: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟. قال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم تتبعوا سنته وعرفتم القران فلم تعملوا به وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ودفنتم الأموات فلم تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتعلتم بعيوب الناس.
فالتوبة …. التوبة ….. ولتنظف طريق الدعاء من الأوساخ.
ليجد دعاؤك طريقه إلى الاستجابة … وإلا كيف ترجو أخي الإجابة إذا كنت ممن يبارز ربه - تعالى - في ليلك ونهارك؟
إن مثل العاصي في دعائه كمثل رجل حارب ملكا من ملوك الدنيا ونابذه العداوة زمنا طويلا، وجاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفة. فما ظنك أخي بهذا الرجل؟ اترك يدرك مطلوبة؟ كلا فانه لن يدرك مطلوبة إلا إذا صفا الود بينه وبين ذلك الملك.
فذاك أخي مثل العاصي الذي يبيت ويصبح وهو في معصية الله، ثم إذا وقعت به شده يرجو من الله ان يجيب دعاءه. فاحذر أخي عاقبة المعاصي … فانك لن تسعين على إدراك الدعاء المتسجاب بشيء أقوى من ترك المعاصي.. فترك المعاصي مفتاح لباب الدعاء المتسجاب..
وأعانني الله وإياك لطاعته … عصمني وإياك من معاصيه ومساخطه …
4- وعلى الداعي أيضا أن يعلم أن من أسباب إجابة الدعاء: أن يكون الداعي ممن يحرصون على اللقمة الحلال: فلا يدخل بطنه حراما …. وإذا اتصف العبد بذلك لمس اثر الإجابة في دعائه ووجد أثاراً طيبة لذلك …
لقد عم البلاء بأكل الحرام أو المشتبه في حله.
فكان ذلك سببا في عدم إجابة دعاء الكثيرين …… فيا غافلين عن أسباب إجابة الدعاء تنبهوا إلى ما يدخل جيوبكم من المال.. وتنبهوا إلى ما يدخل بطونكم من الطعام …..
ولا يقولن أحدكم: دعوت وألم أر إجابة للدعاء! وهو قد ملا يده وبطنه من الحرام!! وأتركك أخي مع هذه الوصية النبوية ….
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وان الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:
((يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم)) المؤمنون: 51).
وقال: ((يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)) البقرة: 172).
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث اغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام! ومشربه حرام! وملبسه حرام! وغذي بالحرام! فأنى يستجاب لذلك؟ ! )) رواه مسلم والترمذي.
قال سهل بن عبد الله - رحمة الله -: من أكل العبد يحبس عن السماوات بسوء المطعم!.
وقال الإمام ابن رجب- رحمة الله -: فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء …
ولك في سلفك الصالح ـ - رضي الله عنهم - ـ قدوة صالحة …
فهذا سعد بن أبي وقاص (- رضي الله عنه -) اشتهر بإجابة الدعاء … فكان إذا دعا ارتفع دعاؤه واخترق الحجب فلا يرجع إلا بتحقيق المطلوب!.
فكان - رضي الله عنه - مثالا حيا لمن أراد أن يعرف طريق إجابة الدعاء … وها هو - رضي الله عنه - يسأله بعضهم تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
فقال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها؟ ! ومن أين خرجت.
ذاك هو سر استجابة دعاء سعد بن أبى وقاص - رضي الله عنه - اللقمة الطيبة الحلال
فلنحاسب نفسك في أكلها وشربها وملبسها من أين هذا؟ وكيف جاء؟
فإذا كان حلالاً … فكل وأنت معافى.. وادع الله - تعالى - رازقك …. فأنت يومها القريب من طريق الإجابة؟.
5- حسن الظن بالله - تعالى - فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه) - أخرجه الترمذي (3479)، والحاكم (1/294)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245)، وعنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (يقول الله - عز وجل -: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني) - رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
قال الشوكاني: "فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسبها؛ فمن ظن به خيراً أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميع تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله - تعالى - له هكذا" - تحفة الذاكرين (ص12).
5- حضور القلب، وتدبر معاني ما يقول، لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما تقدم: ((واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
قال النووي: "واعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر والعلم به أوضح من أن يذكر" - الأذكار (ص356).
6- عدم الاعتداء في الدعاء، والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، قال الله - تعالى -: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55]، فمن ذلك:
أن يسأل الله - تعالى - ما لا يليق به من منازل الأنبياء.
أو يتنطع في السؤال بذكر تفاصيل يغني عنها العموم.
أو يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات.
أو يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو أن يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة.
أو يرفع صوته بالدعاء، قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت بالدعاء.
أو يدعو مع الله - تعالى - غيره، قال ابن القيم: "أخبر - تعالى - أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانا".
أو أن يدعو غير متضرع، بل دعاء مدل، كالمستغني بما عنده، المدل على ربه به، قال ابن القيم: "هذا من أعظم الاعتداء، المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد" - بدائع الفوائد (3/13).
7- أن لا يشغله الدعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة، كإكرام ضيف، أو إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو صلاة، أو غير ذلك.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم)) - رواه الترمذي في الفتن (2169) وحسنه، وأحمد (5/288)، والبغوي في شرح السنة (4514)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070).
قال أهل العلم: "لذا يمكن الجزم بأن ترك القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مانع من موانع إجابة الدعاء، فعلى كل مسلم يرغب بصدق أن يكون مستجاب الدعوة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب طاقته وجهده" - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لصالح الدرويش (ص 34).
إرسال تعليق