بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
مما لاشك فيه أن الأسرة في الإسلام هي تلك الكوكبة المكونة من الوالدين والأولاد والأجداد والأحفاد والأقارب، وربما يقتصر الوصف على الأسرة حينما نتكلم عن الوالدين والأولاد فحسب.
وعلى كلٍّ فللأسرة دور قد أُنيط بها، وهو المسؤولية[1] التربوية للأسرة في الإسلام؛ لأهميتها، فالصغير ينشأ بين أحضان الأسرة؛ فيتعلم من الأبوين، ويرث من الأجداد، ويورث للأولاد والأحفاد بعد ذلك، حيث ترعاه الأسرة وتنميه وتغذيه بدنيًّا وفكريًّا ورُوحيًّا، فالأسرة إما أن تكون جسرًا للخير وإما أن تكون جسرًا للشر؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه))[2]؛ ولهذا وغيره من الأسباب اهتم الإسلام بالأسرة، سواء أكانت أفرادًا مجتمعين أم أفرادًا كلاًّ على حدة.
ولقد بدأ الاهتمام بالأسرة في الإسلام قبل تكوينها، فأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الرجال أن يختاروا من النساء ذاتَ الدين، وألا ينخدعوا بمال ولا بجمال ولا جاه، فكل هذا زائل ويبقى الدين فقط، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))[3]، فأمره أن يختار النواة الصالحة؛ حتى تتكون منها أسرة صالحة في نفسها، نافعة لوطنها، ولبني جنسها.
والمرأة الصالحة هي مشعل النور، ومشعل الحب والوئام، وهي مدرسة إذا أحسن إعدادها أخرجت أجيالاً تقود الدنيا بأسرها، وتبني الحضارات ورجالها.
وقد قال حافظ إبراهيم رحمه الله تعالى:
القصيدة لحافظ إبراهيم، وهذا هو مطلعها، وشيء منها:
كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشَّاقِ
إِنِّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً
يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ
لَهفي عَلَيكِ مَتى أَراكِ طَليقَةً
يَحمي كَريمَ حِماكِ شَعبٌ راقي
كَلِفٌ بِمَحمودِ الخِلالِ مُتَيَّمٌ
بِالبَذلِ بَينَ يَدَيكِ وَالإِنفاقِ
إِنِّي لَتُطرِبُني الخِلالُ كَريمَةً
طَرَبَ الغَريبِ بِأَوبَةٍ وَتَلاقي
وَتَهُزُّني ذِكرى المُروءَةِ وَالنَّدى
بَينَ الشَّمائِلِ هِزَّةَ المُشتاقِ
مَن لي بِتَربِيَةِ النِّساءِ فَإِنَّها
في الشَّرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَه الحَيا
بِالرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّما إيراقِ
هذا، وقد أمر الإسلام بالمعروف لتلك الزوجة؛ حتى تطمئن وتركز كل طاقاتها في تربية الأجيال الذين سيحملون على عواتقهم آمال أمتهم.
وللأسرة مسؤوليات في كل الجوانب الإنسانية التي تتعلق بالحياة، فهي مسؤوليات متكاملة ومتضافرة، وهي تراعي أحوال الأفراد، وتنمي قدراتهم في جميع المجالات، وتراعي إنسانية الفرد فلا تتعامل على أنه جماد، بل على أنه إنسان ذو غريزة وشهوة، وروح وعقل وجسد، وحب السيطرة والتملك، والسعي إلى السمو، وعلى نقيض ذلك هناك صفات سلبية تنشأ من البيئة المحيطة بالفرد يجب على الأسرة التخلص منها.
ولو ألقينا نظرة عابرة على الفلسفات الأخرى للأسرة، فإننا نجدها نظرة سطحية لا تكاد تتجاوز عملية إيجاد الأولاد، ثم لتنشأ بما يوافق فلسفة المجتمع، ولا تهتم بالجوانب الروحية ولا العقلية كشرب الخمر أو المُخَدِّرات، بل تعتبرها شخصية.
وكذلك لا تهتم الأسرة في الفلسفات الأخرى بمسألة الأعراض وسلامة النسب والطهر والعفاف، بل هذه الأمور عندهم شبه منعدمة، وأمر العبادة مُفتقَد عندهم، فالولد يعبد ما شاء، وينتمي إلى ما يشاء غير الملة التي نشأ عليها.
فالأسرة في الفلسفات الأخرى تنظر لإيجاد مواطن فاعل صالح، بينما في الإسلام النظرة أشمل، وهي السعي إلى إيجاد إنسان صالح في نفسه، نافع لغيره، منضبطٍ بوحي ربه سبحانه وتعالى.
فالأم لا ترضع وليدها غذاءً جسديًّا وفقط، بل ترضعه غذاءً روحيًّا وعاطفيًّا، وتنقل إليه الأحاسيس والشعور والعُرف وطريقة الإنسانية لديها؛ ولهذا في الأماكن التي لا تهتم بهذا الأمر نجد أن الأولاد يكبرون بغرائز مختلفة ولا تجمعهم صلة، بل ولربما كان الشقاق والخلاف أكثر من الوئام والوفاق، بينما في الأسرة التي تحتضن أولادها فإن الأبناء ينشؤون على مبادئ وقائية.
ومسؤوليات الأسرة متعددة؛ ومنها:
أولاً: مسؤولية الأسرة الإيمانية والدينية: الأبناء أمانة عند والديهم، وهم الذين يتسببون في إيمانهم أو كفرهم كما سبق في الحديث[4]: ((ولكنْ أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)).
ولقد اهتمت الأسرة في الإسلام بتلقين مبادئ العقيدة للصغار، فعند الولادة يؤذن للصغير في أذنه اليمنى، ويقام في الأذن اليسرى، ويبدأ بالفتح عليه بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله).
ثم لما يبدأ الكلام يتدرج في تعويده على مصطلحات العقيدة المتعلقة بالخالق أو بالرسول صلى الله عليه وسلم أو مبادئ الغيبيات، وكذلك تعليمه المراقبة لله تعالى والصبر والتوكل عليه، مع التعرف على أمور الحلال والحرام بما يناسب عقولهم، ثم تعويدهم على حب الله تعالى وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعليمهم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وتعليمهم شيئًا من القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وللوالدين مسؤولية عظمى تبرز منها أربعة أمور:
أولها: الإرشاد إلى قدرة الله المعجزة.
ثانيها: غرس حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم.
ثالثها: زرع التقوى والعبودية فيهم منذ صغرهم.
رابعها: غرس روح المراقبة لله تعالى في غيبة الناس والوالد والوالدة، كما هو مأمور بحفظ نفسه من الوقوع في النار والهلاك هو مأمور - أيضًا - برعاية أهله وأولاده، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].
ثانيًا: المسؤولية التربوية: وهي تشمل التربية الصحيحة على آداب الإسلام وأخلاقه، وتعليم الصغار ما ينفعهم، وتحذيرهم من الأخلاق الذميمة، وأظهر الصفات التي تنتشر بين الصغار من الأخلاق السيئة ما يلي:
1 - ظاهرة الكذب.
2 - ظاهرة السرقة.
3 - ظاهرة السباب والشتائم.
4 - ظاهرة الميوعة والانحلال.
5 - ظاهرة التمرد.
6 - ظاهرة حب التملك.
7 - ظاهرة الكبر والاستعلاء.
8 - ظاهرة تشبه الجنس بغيره؛ نظرًا للتأثر بالبيئات الساقطة.
ثالثًا: المسؤولية الجسمية الصحية: وهي مسؤولية هامة وضرورية جدًّا، فالصغير إن أُهمل منذ صغره، فإن ذلك سيؤثر في فكره وتفكيره، وفي بعض الأحيان سيؤدي إلى تدميره، فلتحرص الأسرة على التحرز من الأمراض المُعدية، ولتبعد الصغار عن ذلك، مع وجوب التداوي إن حدث مرض، وتعويد الصغار على حب الرياضة، وتحذيرهم مما فيه ضرر بالنسبة لأبدانهم أو عقولهم، ويتمثل ذلك في البعد عن:
أ - أصدقاء السوء.
ب - أماكن الفساد والشر.
ج - غلق منافذ الفتنة والفاحشة.
د - تحريم شرب الخمور والمُخَدِّرات والمُفَتِّرات.
هـ - تحريم إيذاء الجسم كالوشم.
رابعًا: المسؤولية الاجتماعية: فالإسلام يؤكد على صلة الأرحام، ومساعدة الآخرين، واحترام الوالدين، ومراعاة المحتاجين من الأقارب خاصة، ثم الأقرب فالأقرب؛ كالجيران والأصدقاء.
خامسًا: المسؤولية العقلية: حيث جعل الإسلام كل ما يُذهب العقل مُحرَّمًا، وكذلك من مسؤولية الأسرة إجبار أبنائها على مواصلة التعليم، والاهتمام ببَدء التعليم من مرحلة الطفولة للذكور والإناث.
سادسًا: المسؤولية الاقتصادية: فالأسرة ترعى الطفل اقتصاديًّا، وأفضل إنفاق الرجل ما كان على أهل بيته، فيرى ما يحتاج إليه أبناؤه من الأمور الحياتية والعلاجية، كما يدعو كل من الأب والأم أبناءَهما إلى تعود الاقتصاد والادخار وأهمية التدبير، مع تحذيرهم من السرقة، ومن التبذير والإسراف، وإهدار الأموال العامة أو الخاصة، مع تعويدهم على ترشيد الاستهلاك.
سابعًا: المسؤولية النفسية: وهي لها أهمية خاصة؛ لأن نفسية الطفل الصغير إن اضطربت وهو صغير فستؤثر فيه سلبًا مع كبره، فينبغي مراعاة نفسية الصغير، وإذا حدث شجار بين الوالدين فلا يكون أمام الصغار؛ حتى لا يفقد ثقته بالوالدين (عن طريق المنهج الخفي[5])، ولا تحدث له صدمات نفسية أو عقد نفسية تجاه أمور معينة، وكذلك مراعاة شعور الصغار وتعويدهم على الجرأة مع الأدب، وعدم الشعور بالنقص أو التكبر أو الحسد أو سرعة الغضب أو النقد، وهكذا.
ثامنًا: المسؤولية الخُلُقية: حيث إن الأسرة مكان آمن لتعلم الأخلاق، حتى يكون الأفراد أسوياء؛ لأن الطفل الصغير كالصفحة البيضاء، فالأسرة تعمل على غرس التقوى والأخوة والرحمة والعفو والحياء والجرأة مع مراعاة حق الله تعالى وحق رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك مراعاة حق القرآن الكريم وحق الوالدين وحق الأخوة وحق الجار وحق الإِخوة وحق الرفيق وحق الكبير، وحُسن التعامل مع الآخرين، مع التأكيد على آداب الإسلام؛ كآداب السلام واللباس، وآداب اليوم والليلة، وأذكار الصباح والمساء، مع آداب الاستئذان، وآداب المجلس، وآداب الحديث، وآداب عيادة المريض، وآداب الطعام والعُطاس والتثاؤب؛ فلهذا وغيره كانت نظرة الأسرة في الإسلام ومسؤولياتها في الإسلام ذات شمولية وتكامل؛ لأنها تتناول جميع الجوانب الإنسانية، بخلاف غيرها من الفلسفات، فإن كل فلسفة تدعو إلى مفاهيم معينة؛ ماركسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو فسيولوجية... أما في الشريعة الإسلامية المحمدية الغرَّاء فإن مسؤولية الأسرة تشمل كل الجوانب.
________________________________________
[1] ابن خَلْدون، مقدمة ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، تحقيق الأستاذ خليل شحادة، مراجعة د. سهيل زكار، دار الفكر، ط1، بيروت - لبنان، 1401هـ -1981م، وعبدالله ناجح عُلْوان، تربية الأولاد في الإسلام، دار السلام، ط30، القاهرة - مصر، 1417هـ - 1996م "بتصرف واختصار".
[2] رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] تحت رقم (2).
[5] وهو سلاح ذو حدين، وله عدة أسماء؛ منها المنهج الخفي - وهو أشهرها -: غير المقصود - غير الرسمي - غير الممنهج - الصامت - غير المعلن - غير الصريح - غير المباشر - الموازي - الضمني - المغطى [Hidden Curriculum].
"لقد برز هذا المصطلح خلال العقود الأخيرة، ولعب دورًا أساسيًّا في دراسات المناهج وتصميمها والتخطيط لها".
إرسال تعليق