مقال بعنوان: دنيا الفنون بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة

مقال بعنوان: دنيا الفنون بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة





أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

من كلمات بيرم التونسى "يا اهل المغنى دماغنا وجعنا

دقيقه سكوت لله دا

احنا شبعنا كلام ماله معنى"

ويذكر أرسطو : “ليست مهمة الفن تقديم الشكل الخارجي للأشياء ، وإنما تقديم المدلول الداخلي لها”. والفن من وجه النظر الفلسفية شكل من أشكال الوعي الإجتماعي والنشاط الإنساني يعكس الواقع الذي يعيش فية المجتمع، فنجد أن الفنون المنتشرة في كل دولة تعكس ثقافتها وتاريخها ، وإذا بحثنا عن تاريخ بداية ظهور الفنون، نجد أن الفن موجود منذ العصر الحجري الحديث، حيث بدأ الإنسان في ذلك الوقت النحت علي الحجارة وهو ما يسمي اليوم بالفن التشكيلي ، وأنواع الفنون كثيرة فيوجد الفن الصوتي مثل المسرح، الحكايات، الغناء، وهُناك الفن التشكيلي مثل الرسم، التصوير،ويوجد ايضا الفن الحركي مثل الرقص، السرك، الألعاب وغيرها من الانواع.

ويعدّ الفنّ أيضا ميدانا شاسعا للتعبير عن الانفعالات والأحاسيس والطاقات الكامنة، فكلّ عمل فنّي يتخذ موضوعا معيّنا ومن هنا تنطلق مهمة الفنّان المتمثلة في قدرته على تحويل هواجسه إلى عمل يحمل في طياته أبعاد دلالية متعدّدة ورؤى تعبيرية تترجم عنها. فالفنّان يمتلك القدرة في بناء عالم مثالي خيالي يعبر فيه عن نفسه كيف ماشاء ويشبع فيه رغباته الحسيّة كما أنه يمتلك القدرة على العودة إلى الواقع المعاش. فميدان الفنّ إذن هو ميدان رحب يلجأ إليه الفنان ليعبّر عن انسحابه و رفضه للواقع، لكنّه أيضا ميدان للكينونة والتواصل مع الآخر ومن هنا يمكننا القول أنّ من أهم خاصيات الفنّان هي المراوحة بين الواقع والخيال أي بين الحاضر المعاش والغائب المنشود، وتتجلى القوى الناعمة في أقوى صورها في ميادين الفن بألوانه المختلفة لذا وجبت العناية الشديدة بكل ما يقدم لأن حروب القوى الناعمة أشد ضراوة وخطورة من الحرب المسلحة لأنها تغزو بقوة العقول والقلوب وتستهدف المدني والمرابط في ميادين القتال لذا يكون انتصارها ساحق فعلينا توخي الحذر.

و لكن الإنسان الذي ولد حرا و مختارا و خطاء و متمردا لم يوظف تلك المهارة دائما في الخير، و إنما انحرف بها أحيانا إلى الهوى و الغرض و الغواية، و إلى مجرد جلب الشهرة و الجاه و التأثير.. أحيانا بالنفع، و أحيانا بالضرر في الآخرين ، واختفت وتلاشت الدلالات والرمزية والعمق وصار العمل الفني أجوف ينطبق عليه المثل الذي يقول : أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا.

و لأن الفن يدخل إلينا الآن خلسة من تحت الباب في الصحيفة اليومية و الكتاب، و يتسلل إلينا في غرف النوم في التليفزيون و السوشيال ميديا.. فقد تحول الهابط منه والمبتذل وفاقد الرسالة والهُوية إلى وسيلة جهنمية في تشكيل الأجيال و في تربيتها أو إتلافها و غسل مخها .

فالفن الذي يربي العواطف رأيناه في هيمنة عدد غير قليل من أفلام السينما يلعب بالعواطف و يلهو بالعقول، و الشعر الذي يسمو بالوجدان رأيناه في أكثر الأغاني يهبط بالوجدان و يسفل بالمشاعر، و الموسيقى التي ترتفع بنا إلى آفاق الجمال و التأمل رأيناها تهبط بنا إلى الترقيص و حركات النسانيس..! و قل أكثر من هذا في هزليات المسارح، و في الحوار البذيء و في المشاهد المسفة.. و في عروض أقرب إلى الأفعال الفاضحة في الطريق العام !

ونتفق أو نختلف على الموهبة التي يمتلكها معظم الفنانين لكن عندما يحمل الفنان على الاعناق ويظهر بصولجانه وملكه وسطوته هذا يعكس بلا ريب سيطرة القوى الناعمة في اعادة بناء وتكوين وصناعة الوجدان وليتها سيطرة ايجابية ولكنها سيطرة ساهمت في إفساد جيل بالكامل وما زالت تفسد .

و بهذا أصبح الفنان قادرا على أن يقتل و أن يضيع و أن يميت أمة، كما أنه قادر على أن يحييها و يبعثها. و لأن الفن سلاح قاتل، فلا يصح أن يكون حرا حرية مطلقة و حرية الفنان و حرية الفن دعاوى غير صحيحة، فالفنان حر مسئول محاسب، و كحامل أي سلاح يمكن أن تسحب منه رخصة استعماله إذا أساء هذا الاستعمال، لأن الحرية ضمير ومسئولية.

و إذا كان الفنان يطالبنا بأن نحميه، فالجمهور والقارئ و المشاهد – و هم بالملايين – لهم هم الآخرون حق الحماية من الإسفاف الذي يعرض عليهم، و كلمة فنان لا تعني العصمة من المساءلة، و لا تعني الحصانة، بل على العكس تعني المسئولية.. و محكمة النقد حماية ضرورية للمواطنين .

و يظل هناك مقياس لا يخطئ و لا يخيب لكل أعمال الإنسان – فنية كانت أو فكرية أو فلسفية أو سياسية أو اجتماعية – هو المقياس الذي جاء به القرآن. (( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ.. (17) )) [ الرعد ] .

اكتب تعليق

أحدث أقدم